توقف مهربو البشر الذين جلبوا مليون طالب للجوء السياسي عبر تركيا إلى الجزر اليونانية عن العمل. وبعد الآلاف الذين كانت مافيا التهريب تنقلهم كل يوم على متن القوارب المطاطية الرخيصة، لم يعد يعبر إلا عدد قليل منهم.
ولإغلاق خط شرق البحر الأبيض المتوسط لتهريب اللاجئين، اتخذت دول مثل مقدونيا، وهنغاريا، وبلغاريا، إجراءات أحادية وأقامت أسوارًا من الأسلاك الشائكة على طول حدودها الجنوبية، في خطوة تحدٍّ واضحة للسلطة المركزية في بروكسل.
ثم أبرم الاتحاد الأوروبي نفسه صفقة، عرفت إعلاميًا بصفقة «لاجئ مقابل لاجئ»، تهدد بإرسال المهاجرين مرة أخرى إلى تركيا عبر اليونان وبشكل جماعي. ورغم انتقاد أنصار حقوق الإنسان للصفقة باعتبارها قاسية تجاه اللاجئين، إلا أنها نجحت، حيث توقفت تدفقات اللاجئين العارمة نحو أوروبا، وأغلبهم من سوريا والعراق وأفغانستان، في الأشهر الماضية. وانخفضت مستويات الوصول إلى الجزر اليونانية بواقع 97 في المائة.
ولا تزال تداعيات الهجرة البحرية التي لم يسبق لها مثيل في شرق البحر الأبيض المتوسط بادية للعيان في مختلف أنحاء أوروبا، وخصوصا في بريطانيا، التي صوتت الأسبوع الماضي على مغادرة الاتحاد الأوروبي، في جزء منه، بسبب المخاوف من وصول المزيد من المهاجرين إلى الجزر البريطانية.
ولم تتعرض دولة أوروبية لموجات المهاجرين المرتفعة مثل اليونان، وليس هناك مكان في اليونان شهد هذه التدفقات مثل جزيرة ليسبوس، التي عبرها 600 ألف لاجئ من الذين مزقتهم الحرب الأهلية السورية خلال الشهور الـ18 الماضية. إلا أن جسر العبور نحو حياة جديدة في ألمانيا أو السويد تحوّل إلى غرفة الانتظار الأوروبية القاتمة.
ويقول محمد (22 عامًا) العراقي الهارب من مدينة الموصل والذي وصل مؤخرًا إلى مخيم موريا في جزيرة ليسبوس اليونانية أنه يقارن حياته السابقة بأغنية «فندق كاليفورنيا» الشهيرة لفريق «إيغلز» الغنائي الأميركي، حيث كان يتمتم ببعض من الجمل الغنائية ويحفظ كلمات الأغنية عن ظهر قلب. ويقول محمد مسترجعا بعض كلمات الأغنية الشهيرة «يمكنك الدخول إلى الفندق ولكن لن تستطيع المغادرة قط»، وهو على غرار الكثيرين من طالبي اللجوء السياسي قد رفض الإفصاح عن اسمه الحقيقي بسبب الانتقادات التي يوجهها للنظام المسؤول عن تقرير مصيره.
وهناك ما يقرب من 42 ألف طالب لجوء سياسي محتجزين في مخيمات كئيبة على البر اليوناني الرئيسي، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة. فيما يوجد 8 آلاف آخرين موزعين على مختلف الجزر اليونانية، مع نحو 3 آلاف على جزيرة ليسبوس وحدها.
وأولئك اللاجئون بالأساس هم الشريحة المتبقية التي وصلت إلى اليونان بعد الصفقة التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع تركيا، والتي دخلت حيز التنفيذ اعتبارًا من 20 مارس (آذار) الماضي. في الوقت ذاته، أعيد نحو 500 من هؤلاء اللاجئين الجدد إلى تركيا مرة أخرى، على الرغم من أن التهديد وحده قد يكون مسؤولا وإلى حد كبير عن التراجع الحاد في عمليات التهريب.
ويبدو أن المهاجرين واللاجئين قد توصّلوا إلى استنتاج، وتساءلوا: «لماذا ننفق 1000 دولار على رحلة التهريب حتى يتم إرجاعنا منها في وقت لاحق، بعد تحمل بضعة أشهر عصيبة في مخيمات جزيرة ليسبوس القذرة؟».
يقول أكاش (24 عامًا) وهو لاجئ من بنغلاديش، وصل إلى اليونان قبل شهرين فقط: «لم آت إلى هذا المكان لأتعفن فيه. إن الرحلة تكلفنا كل ما لدينا من أموال».
وردا على سؤال عما إذا كان يعتقد أنه سيتمكن من مغادرة الجزيرة والحصول على حق اللجوء السياسي في اليونان أو إعادة نقله إلى دولة أوروبية أخرى، هز الرجل رأسه نافيا وبدأ في مسح عينيه الدامعتين. ويعتبر مخيم موريا الذي يقيم فيه أغلب طالبي اللجوء السياسي من المخيمات سيئة السمعة.
وزارت منظمة «هيومان رايتس ووتش» مركز الاستقبال والهوية في مايو (أيار)، ووجدت هناك ظروفًا فوضوية للغاية: دورات المياه غارقة، والطعام سيء للغاية، والمكتب المكتظ بالمهاجرين يمتلئ بالغضب والسخط وبعض الرجال السكارى في أكثر الأحيان، يتصارعون على أماكنهم في الصفوف، ويتحرشون بالنساء، ويحاولون دخول خيامهن.
واندلعت أعمال الشغب في جزيرة ليسبوس وغيرها من الجزر، مع النيران التي اشتعلت أثناء تكدس مجموعات الرعايا الأجانب – من الأفغان والباكستانيين والسوريين – فوق بعضهم البعض مع انسحاب قوات الشرطة إلى مواقعهم الآمنة في حاويات الشحن المحصنة.
وقال بيل فريليك، مدير منظمة هيومان رايتس ووتش، في تقريره واصفًا الظروف المعيشية هناك بأنها «لا تليق بالحيوانات، فما بالك بالبشر». وأصدرت منظمة العفو الدولية إدانتها الخاصة للأوضاع المزرية هناك.
أما سها (33 عاما) اللاجئة الفلسطينية، فوصلت من سوريا إلى جزيرة ليسبوس في أوائل شهر أبريل (نيسان) الماضي، وأمضت بعض الليالي في مخيم موريا، ثم جرى نقلها إلى منشأة أخرى تحمل اسم «كارا تيبي» التي تديرها السلطات المحلية اليونانية. وهي المنشأة التي عرفت فيما سبق باسم «المخيم الجيد». وتقول سها: «في بداية الأمر كان كل شيء على ما يرام، ولكن مع زيادة الازدحام في مخيم كارا تيبي، بدأت المشكلات في الظهور»، وأضافت تقول: «حاول الرجال أخذ طفلتي مني. وهي لا تتجاوز 14 عاما من عمرها. كان الناس كثيرين للغاية، الكثير من الناس الغاضبون، يسرقون كل شيء، ويتصرفون بجنون غريب».
وقد تم نقل سها وأطفالها إلى فندق سيلفر باي، والذي يخدم كمأوى للاجئين بواسطة وكالة كاريتاس الإغاثية الكاثوليكية، وقالت سها: «يمكنني المكوث هنا حتى آخر يوم في حياتي، لم أعد أعبأ بالرحيل». وهناك غرفة مخصصة لسها وأطفالها في هذا الفندق المجهز بكافيتيريا كاملة الخدمات، ودروس في اللغة اليونانية، إلى جانب دورات في اليوغا. ولكن ليس هناك شيء أكيد. فهناك 200 فقط من طالبي اللجوء السياسي يعيشون في فندق سيلفر باي، وهم الفئة الأكثر عرضة للخطر بين اللاجئين، والذين سُمح لهم بإعادة الانتقال إلى بلدان أوروبية أخرى. كما أن عملية لم شمل الأسرة قد تعثرت كثيرًا، وسوف تمر شهور قبل اتخاذ القرار بشأنها.
تقول تونيا باتريكيادوي، المديرة في منشأة كاريتاس الكاثوليكية: «أعتقد أن المخيمات سوف تستمر هنا لعام آخر على الأقل». وفي كل أنحاء اليونان، تمت إعادة 1700 لاجئ فقط من طالبي اللجوء السياسي إلى دول الاتحاد الأوروبي التي تعهدت بقبولهم على أراضيها.
تقول رويدا (20 عاما) اللاجئة الأفغانية من إقليم هيرات، والتي كانت تعمل في صالون للتجميل «إنهم لا يعبأون بنا. إنني أكره أوروبا كثيرا»، وأضافت حال جلوسها خارج مخيم كارا تيبي تشحن هاتفها المحمول: «لم أعد أستطيع العودة ولم أعد أستطيع المضي قدما». وقالت أيضا إن اللاجئين الذين اندفعوا للوصول إلى أوروبا قبل إغلاق الحدود وقبل إبرام الصفقة الأوروبية مع تركيا كانوا «الأكثر ذكاء بيننا. كنا نتحرك ببطء شديد، ومتأخرين للغاية». كما شكت رويدا من أن السلطات بدأت في تنظيف مخيم موريا في الأيام التي سبقت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قبل أسبوعين فقط.
بدوره، قال ممثل مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية إن الظروف في المخيمات قد تحسنت بعض الشيء في يونيو (حزيران)، ويرجع ذلك إلى بدء الشرطة اليونانية في إصدار التصاريح لطالبي اللجوء السياسي لمغادرة المنشآت المغلقة. وهم غير مسموح لهم بمغادرة الجزيرة، ولكن يمكنهم الوصول إلى بلدة ميتيليني الرئيسية.
وقال بان كي مون خلال زيارته إلى المخيمات إنه على الرغم من أن عمليات تهريب الناس إلى اليونان قد توقفت، فإن طريق البحر الأبيض المتوسط المركزي للهجرة لا يزال قيد العمل، وهو أشد فتكًا عن ذي قبل.
ويجلب هذا الطريق اللاجئين من جنوب الصحراء الأفريقية عبر ليبيا إلى إيطاليا. وقال مسؤول لدى وكالة الحدود الأوروبية إنه «يمكنه حساب عدد السوريين الذين يصلون إلى إيطاليا على أصابع اليد الواحدة. وبلدان المنشأ الأفريقية الثلاثة الكبرى، من حيث عدد اللاجئين هي: نيجيريا وغامبيا والصومال – والعدد الإجمالي للاجئين لم يختلف عن العام الماضي. وكل ما تغير هو تكلفة التهريب فحسب».
ولقي ما يقرب من 3 آلاف شخص مصرعهم أو لعلهم فقدوا في البحر أثناء رحيلهم إلى أوروبا خلال العام الحالي.
*خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»
اليونان.. من نقطة عبور نحو أوروبا إلى غرفة انتظار قاتمة
تراجع في أعداد اللاجئين بعد تفعيل صفقة «لاجئ مقابل لاجئ»
اليونان.. من نقطة عبور نحو أوروبا إلى غرفة انتظار قاتمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة