«الانغماسيون».. الجيل الرابع من انتحاريي «داعش»

بعد سلسلة التراجعات.. التنظيم الإرهابي يزج بآخر أسلحته الفتاكة

«الانغماسيون».. الجيل الرابع من انتحاريي «داعش»
TT

«الانغماسيون».. الجيل الرابع من انتحاريي «داعش»

«الانغماسيون».. الجيل الرابع من انتحاريي «داعش»

في معارك تحرير صلاح الدين التي خاضها الجيش العراقي ضد تنظيم داعش عام 2015 زج هذا التنظيم الإرهابي ولأول مرة ما بات يسمى فيما بعد بـ«الجيل الرابع» لانتحاريي «داعش» أو «الانغماسيين»، وهم الكتيبة الأكثر تأثيرًا، الذين يشكلون مصدر رعب لخصومهم، لأنهم يحاربون إلى آخر رمق قبل أن يفجروا أنفسهم.
هم يختلفون عن باقي الأجيال الأخرى من الانتحاريين ممن يحملون أحزمة ناسفة ويتحركون بها إلى أهدافهم، سواء كانوا راجلين أو راكبي سيارات تنفجر بهم طبقًا للأهداف التي يحددها التنظيم لهم. ولكنهم أولئك الذين هم أكثر التزامًا بالتنظيم ومبادئه. الخبير الأمني المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي مستشار مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الانغماسيين هم في الواقع كتيبة خاصة من عناصر تنظيم داعش عقدوا بيعة الموت (النصر أو الموت) من غير أسر أو هروب. وهم في الغالب يشتركون في 6 صفات، وهي البنية البدنية القوية، والعقيدة التكفيرية، والتزكية والتاريخ الإرهابي، وفرط الشجاعة والتطوع». وأضاف الهاشمي أن «الانغماسيين هم رأس حربة جيوش (داعش) في سرايا الاقتحام وكتائب القنص وجدار الصد المتقدم»، وكانوا مصدر رعب في سوريا. وأوضح أنه «تاريخيًا بدأ بهذه الجماعة المدعو أبو محمد اللبناني حين أراد اقتحام سجن أبو غريب عام 2006، ومن ثم عرفت هذه المجموعة بكتيبة عائشة أم المؤمنين بقيادة المدعو أبو غزوان الحيالي، ثم أعاد إحياء هذه الكتائب المدعو حجي بكر نائب البغدادي وجعلها بقيادة عمر الشيشاني، والآن هم بقيادة المدعو فاضل حيفا مساعد البغدادي».
وطبقًا للوقائع والحيثيات التي رافقت مسيرة «داعش» في العراق منذ احتلاله الموصل وكل محافظة نينوى في العاشر من يونيو (حزيران) عام 2014، ومن ثم تمدده نحو محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار واقترابه من العاصمة بغداد (على بعد 40 كلم)، بالإضافة إلى تحقيقه أخطر خرق باتجاه محافظة كربلاء (110 كلم جنوب بغداد)، التي تضم مرقدي الإمامين الحسين وأخيه العباس من خلال سيطرته على ناحية جرف الصخر (60 كلم جنوب بغداد) ونحو (40 كلم شمال كربلاء)، فإن تنظيم داعش لا سيما بعد إعلانه «الخلافة» عمل على تطوير أدواته وأدائه معًا. أما أدواته فقد تمثلت في نوعية المواد التي يستخدمها في عمليات التفجير والتفخيخ للأماكن والمنازل، بالإضافة إلى الأسلحة التي كان غنمها أثناء هزيمة الجيش العراقي في معركة الموصل (استسلام نحو 4 فرق عسكرية بكامل أسلحتها الثقيلة)، تضاف إلى ذلك الأموال التي بات يتحصل عليها من سيطرته على مئات آبار النفط في العراق وقبلها في سوريا، التي جعلته يضمن موارد مالية هائلة شهريًا من خلال بيع النفط بالسوق السوداء (سعر البرميل لدى «داعش» 25 دولارًا في وقت كانت فيه أسعار النفط العالمية لا تزال بحدود 90 دولارًا). غير أن الأخطر في أداء تنظيم داعش يتمثل في الأجيال الجديدة من الانتحاريين ممن باتوا يأتون إليه من مناطق مختلفة من دول العالم، لا سيما بعد إعلان ما أسماها «دولة الخلافة الإسلامية» ومبايعة أبو بكر البغدادي بمثابة «أمير للمؤمنين». وبينما جاء تمدد «داعش» بعد احتلاله ثلث مساحة العراق بسبب الانكسار الحاد للجيش العراقي، فإن إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن تشكيل التحالف الدولي المناهض لـ«داعش» الذي يتكون من نحو 60 دولة، بالإضافة إلى الإجراءات التي تم اتخاذها في العراق وفي المقدمة منها إزاحة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عن منصبه، وإعادة هيكلة الجيش العراقي بعد تشكيل حكومة جديدة برئاسة حيدر العبادي، عدت أكثر توازنًا وتمثيلاً للمكونات من الحكومة التي سبقتها، بالإضافة إلى حشود المتطوعين بعد فتوى المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني المسماة «الجهاد الكفائي» وانخراط أبناء المناطق الغربية ذات الغالبية السنية فيما سمي «الحشد العشائري» بهدف مقاتلة «داعش»، أدت إلى تغيير المعادلة.
وقد بدأت المعادلة تتغير بالفعل منذ سبتمبر (أيلول) عام 2014 عندما بدأت الطلعات الجوية لطيران التحالف الدولي، وفي المقدمة منها الطيران الأميركي تضرب في عمق أهداف «داعش» ومراكزه الحيوية، يضاف إلى ذلك مقتل عناصر بتنظيم داعش ممن يشكلون الحلقة الضيقة المحيطة بأبو بكر البغدادي، وصولاً إلى بدء خسارة التنظيم معظم الأراضي التي كان يحتلها في العراق. فمن مجموع المساحة التي كان يحتلها تنظيم داعش في العراق التي بلغت نحو 40 في المائة من الأراضي العراقية، فإنه بدأ يتراجع بحيث لم يعد يحتفظ الآن إلا بما نسبته نحو 10 في المائة من الأراضي. وقد بدأ مسلسل تراجع التنظيم في محافظة ديالى التي جرى تحريرها أوائل عام 2015 ومحافظة صلاح الدين، ومن ثم معظم أراضي محافظة الأنبار خلال الشهور الستة الأولى من عام 2016 وآخرها الفلوجة التي تعد أهم معاقله، حيث لم يتبق سوى مدن الفرات الأعلى (راوة وعانة والقائم) من الأنبار، بالإضافة إلى محافظة نينوى التي بدأت المعارك فيها تحقق تقدمًا واضحًا.
في هذا السياق فإن التنظيم وهو يتراجع على مستوى الأرض بالإضافة إلى قلة موارده المالية بسبب فقدانه آبار النفط وكثيرًا من المنافذ والإتاوات التي يحصل عليها، بدأ يزج بما بات يسمى بالانغماسيين، وهم جزء من حروب الجيل الرابع. وفي هذا السياق يقول عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد الكربولي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الانغماسيين يمثلون حروب الجيل الرابع من الإرهاب، وهي حرب نفسية بامتياز، حيث يلعب فيها الإعلام الدور الأكبر والأخطر»، مشيرًا إلى أن «الإعلام هو أحد الأسلحة الرئيسية في الجيل الرابع، حيث يدعم أحداث الفوضى الاستباقية وتوجيه الأنظار وصناعة الخبر وتضخيم الأحداث وزعزعة الاستقرار والتحريض على الفتنة بين طبقات الشعب الواحد وإثارة المذهبية والعقائدية، بحيث يسهل تمزيق الوطن الواحد وإفشال الدولة في النهاية». ويضيف الكربولي أن «تزايد العمليات الانتحارية وتنوعها بطرق وأساليب مختلفة ومنها الانغماسيون يؤكد من جديد الحاجة إلى مقاربة صحيحة لمحاربة الإرهاب، لكن ليس بالطرق التقليدية التي عفا عليها الزمن، بل الحاجة باتت ماسة إلى العمل على تجفيف منابع الإرهاب من خلال إحكام سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية، حيث يتدفق الإرهابيون، والعمل على استيعاب أبناء المناطق التي يحاول الإرهاب استخدامها للتمدد، مستفيدًا من الأخطاء التي تمارسها السلطات هناك، سواء كانت أمنية أم عسكرية، بالإضافة إلى تغيير النظرة إلى أبناء تلك المناطق ومحاولة استيعابهم وزجهم في مختلف ميادين العمل والحياة».
قبل عام 2015 لم يعرف شيء عن مصطلح «الانغماسيون» أو الجيل الرابع من مقاتلي «داعش». لكن خلال معارك تطهير مصفى بيجي التي جرت بدءًا من شهر مايو (أيار) عام 2015 ظهر إلى الوجود مصطلح الانغماسيين. وفي هذا السياق يقول يزن الجبوري القيادي في الحشد العشائري من أبناء محافظة صلاح الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن بداية عمل الانغماسيين الذين إن تم تكليفهم بمهمة انتحارية فإنهم لا يترددون في تنفيذها تحت أي ظرف وأي حسابات، يقول إن «بداية هؤلاء وطبقًا للمعلومات التي كانت لدينا أن تنظيم داعش زج في معركة مصفى بيجي التي استمرت شهورًا وكلفت التنظيم كما كلفتنا في الجانب العراقي كثيرًا من الخسائر، من منطلق أن السيطرة على أكبر مصافي العراق تعني حسم معركة صلاح الدين بما بات يطلق عليهم فيما بعد الانغماسيين». وأضاف الجبوري أن «هؤلاء الانغماسيين جاءوا من منطقة الجزيرة إلى هذا المعسكر لتحقيق هدفين في آن واحد، أحدهما تحقيق نصر إعلامي لكي يقولوا إننا موجودون، وهو ما دفعهم إلى إرسال هذا النوع من الانتحاريين، والثاني إحداث أكبر قدر من الخوف لدى جماعة الحشد الوطني من أبناء المنطقة وجماعة معسكر نينوى لقناعتهم بأننا سنتوجه إلى الشرقاط (شمال تكريت) لاستكمال عملية تحرير صلاح الدين، وكذلك لشعورهم بأن أبناء هذه المناطق هم من سيتولون عملية تحريرها».
وأوضح أن «وجود الحشد الوطني وأبناء نينوى يفشل مشروع (داعش)، حيث يلغي صبغة الحرب الطائفية التي يسعى لتكريسها في العراق». لكن «داعش» رغم خسارته معركة صلاح الدين وقبلها ديالى وفشله في اقتحام أسوار بغداد وأخيرًا الفلوجة، فإنه بدأ يضاعف من العمليات التي ينفذها الانغماسيون، بهدف تحقيق جملة أهداف يقف في المقدمة منها البعد الإعلامي لجهة التأكيد أن التنظيم موجود وقادر على الضرب بل وحتى الانتقام. ولعل العملية الأخيرة التي حصلت في حي الكرادة قبل اليوم الأخير من رمضان وأودت بحياة أكثر من 300 قتيل عراقي وجرح مئات آخرين وما ترتب عليها من استقالات وإقالات (وزير الداخلية وقائد عمليات بغداد وقادة الأمن) تعطي الانطباع لدى الآخرين بأن «داعش» وإن يخسر الأراضي فإنه لا يزال يملك زمام المبادرة.
ليس هذا فقط، فإن التوجه نحو سامراء وبالذات إلى بلد يضم غالبية شيعية رغم وجوده في محافظة ذات غالبية سنية (صلاح الدين) ومهاجمة أحد المراقد الشيعية المهمة (مرقد الإمام سيد محمد أبن علي الهادي) بثلاثة من الانغماسيين، مما أدى إلى مقتل وجرح أكثر من 100 شخص بعد 3 أيام على فاجعة الكرادة، إنما يعني من منظور «داعش» أنه لا يزال موجودًا سواء على مستوى الإعلام بوصفه الخبر الأول في وكالات الأنباء، أو على مستوى الواقع حيث توقع عملياته مئات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.