آلاء نجم تتصدر واجهة الدراما العراقية.. وتتألق في السينما والمسرح

بطلة فيلم «صمت الراعي»: شح المختصين في المجال غيّب عنا الأعمال التلفزيونية

آلاء نجم  («الشرق الأوسط») - لقطة من فيلم «صمت الراعي» («الشرق الأوسط»)
آلاء نجم («الشرق الأوسط») - لقطة من فيلم «صمت الراعي» («الشرق الأوسط»)
TT

آلاء نجم تتصدر واجهة الدراما العراقية.. وتتألق في السينما والمسرح

آلاء نجم  («الشرق الأوسط») - لقطة من فيلم «صمت الراعي» («الشرق الأوسط»)
آلاء نجم («الشرق الأوسط») - لقطة من فيلم «صمت الراعي» («الشرق الأوسط»)

تتصدر الفنانة العراقية آلاء نجم واجهة المشهد الدرامي كممثلة من طراز متميز في السينما والمسرح والتلفزيون رغم شح الأعمال الدرامية بسبب الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد وعدم وجود شركات إنتاج فني متخصصة وحريصة على سمعة الدراما العراقية، بل هي شركات مقاولات تهتم بالأرباح دون الاهتمام بجودة العمل الفني من حيث النص والأداء والإخراج وشح المختصين في كتابة السيناريو على حد قولها.
آلاء نجم يختصر وجهها ملامح جمال المرأة العراقية، ولهجتها التي تمزج بين لهجة بغداد حيث ولدت، ولهجة أهل البصرة حيث تنحدر أمها من هذه المدينة الجنوبية، ولأدائها التمثيلي المتميز قربها ذلك كثيرا من جمهور المتلقين، فهي عرفت طريقها نحو الدراما منذ أن كانت طالبة في معهد الفنون الجميلة ولتكمل دراستها الأكاديمية في فن المسرح في كلية الفنون الجميلة ومن ثم تحصل على شهادة الماجستير من خلال أطروحتها «الاتصال اللفظي واللالفظي في أداء الممثل العراقي».
ورغم ذلك تقول: «أنا لم أدخل معهد الفنون الجميلة لأصبح ممثلة أو لأشتغل في عالم الفن وذلك بسبب الظروف الاجتماعية السائدة ونظرة المجتمع المتخلفة للفن وللفنان وخاصة للفنانة، بل دخلت المعهد لأكون مدرسة فنون في المدارس الابتدائية حسب رغبة والدتي».
بمناسبة عرض فيلمها الأخير «صمت الراعي» سيناريو وإخراج رعد مشتت، الفيلم الذي حاز على جوائز عربية ودولية، تحدثت نجم لـ«الشرق الأوسط» ببغداد عن تجربتها الفنية عامة وعن هذا الفيلم الذي يتناول قصة عراقية بأداء وإنتاج عراقي بحت ولكنه بمواصفات فنية عالية من حيث السيناريو والإخراج والتمثيل والتصوير والموسيقى. إذ تقول: «أسند إلي المخرج دور سعدية في الفيلم، وهي امرأة عراقية ريفية، حيث تدور أحداث الفيلم في قرية العيون التابعة لريف السماوة، جنوب غربي العراق، وقد فقدت زوجها في الحرب العراقية الإيرانية وترعى ابنتيها ولم يتبق من عائلتها سوى شقيقها سعود الذي تأخذه الحرب هو الآخر فتصاب بالجنون، في الوقت ذاته تتهم القرية شقيقها باختطاف بنت أحد شيوخها والرحيل بها بعيدا عن أهلها، وهذا يعد عارا كبيرا على عائلة البنت المخطوفة والتي تسمى باللهجة الدارجة (نهيبة) من النهب، وتتم مقاطعة سعدية من قبل الجميع وهذا ما يزيد من أزمتها».
في المشاهد الاستهلالية لفيلم «صمت الراعي» تظهر سعدية وهي تؤدي رقصة غريبة استحوذت على اهتمام المتلقين، هذه الرقصة هي التي تلخص وضع هذه المرأة في المشاهد اللاحقة وحالتها النفسية، لكننا كمتلقين سوف نفاجأ بالأداء المتطور والشغل الداخلي للممثلة وهي تؤدي دور المجنونة، تقول آلاء نجم: «سعدية ليست مجنونة، إنها مصدومة وقد انهارت نفسيا لكثرة المصائب التي توالت عليها، فهي وحيدة وأم لابنتين، أرملة رجل قتلته الحرب، مقاطعة من قبل أهل القرية لاعتقادهم أن شقيقها نهب ابنة شيخهم، ومعروف كم تحملت المرأة العراقية وما زالت من مصائب وهموم بسبب الحروب التي مرت علينا».
وتضيف الفنانة: «على الممثلة أن تضيف للشخصية ولا تبقى محصورة في حدودها، أن تشتغل على التفاصيل المهمة وحسب فهمها الفكري للشخصية التي تلعبها».
آلاء جسدت شخصية سعدية كما تجسد شخصية أوفيليا في هاملت شكسبير، لكنها أوفيليا عراقية. وعن ذلك تستطرد قائلة: «أوفيليا كانت مصدومة بموقف هاملت، وسعدية صدمت بموقف شقيقها الذي اعتقدته هجرها من أجل بنت الشيخ أو ضاعت عليها الحقيقة، هكذا أنا لعبت هذه الشخصية، لم أقدمها كمجنونة بل امرأة تناجي نفسها ومعزولة نفسيا وفكريا واجتماعيا عما حولها إضافة إلى ابنتيها، لهذا، باعتقادي أن المتلقي تفاعل مع هذه الشخصية التي وجدها تختصر هموم المرأة العراقية في ذات واحدة».
إننا أمام ممثلة تفسر الشخصية بفكرية عالية وتمنح الدور أكثر مما هو مرسوم أو مكتوب، تذهب إلى عمق الشخصية وتشتغل عليها داخليا، ونادرا ما نجد في التمثيل العراقي مثل هذا الفهم في الأداء، بل هي الوحيدة التي جهدت نفسها في هذا الفيلم كما في أعمالها الأخرى على أن تشتغل بدقة وبإبداع لإظهار مكامن الشخصية من الداخل وليس بصورة سطحية، مما كان يجب أن يكون اسمها في مقدمة أبطال الفيلم.
ورغم أن آلاء نجم دخلت عالم الفن كممثلة محترفة في عام 2008 ورصيد أعمالها السينمائية والتلفزيونية والمسرحية ليس كبيرا من حيث العدد لكنه مهما من حيث النوع» أنا لا أمثل أي دور إذا لم أكن مؤمنة بأن هذه الشخصية سوف تضيف لرصيدي الإبداعي، لا أمثل كي يكون لي رصيد عددي بل رصيد نوعي متميز لهذا أنا مقلة في اختيار الأعمال لأبقى راضية عن نفسي وليبقى الجمهور راضيا عني».
وعلى مستوى السينما لعبت آلاء نجم بطولة ومثلت في أربعة أفلام، «بالإضافة لدوري الذي أعتز به في (صمت الراعي)، لعبت بطولة فيلمي (كرنتينة) و(مدخل إلى نصب الحرية) إخراج عدي رشيد، وهو مخرج يتمتع برؤيا وحس فني متميز وللأسف لم يحافظ عليه العراق لهذا هاجر للولايات المتحدة، و(بغداد حلم وردي) إخراج فيصل الياسري». وتضيف «في التلفزيون كانت هناك مسلسلات مهمة، مثل (سنوات تحت الرماد)، (الطوفان ثانية)، (أوان الحب)، (حرائق الرماد)، و(دنيا الورد)»، دخولها إلى عالم الفن أقرن، كأي فنانة مسرحية، بالمسرح حيث لعبت بطولة مسرحيات تركت في مسيرتها الفنية بصمات متميزة، مثل: في قلب الحدث، أحلام كارتون، استيلاء، وحصان الدم، تقول: «المسرح هو زهو الفن العراقي، ومن التجارب التي أعتز بها هي مسرحية بنات بغداد التي أشرفت عليها حيث اخترنا بنات بأعمار ما بين 12 إلى 18 سنة من دار أيتام ونسجنا من القصص الحقيقية التي تتعلق بهن وبالأوضاع السائدة نصا مسرحيا» وتعتبر هذه النجمة «مسرح الطفل هو الأقرب إلى نفسي، حيث حصلت على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان بتونس عن مسرحية (لنبتسم)، وجائزة في مهرجان أصيلة عن دوري في مسرحية (أليس في بلاد العجائب) ونحن في العراق بحاجة كبيرة لازدهار مسرح الطفل مثلما كان في السبعينات والثمانينات».



المايسترو أمل القرمازي: واجهت صعوبات بسبب مجتمعنا الذكوري

تحمل العصا البيضاء أثناء قيادتها الأوركسترا (أمل القرمازي)
تحمل العصا البيضاء أثناء قيادتها الأوركسترا (أمل القرمازي)
TT

المايسترو أمل القرمازي: واجهت صعوبات بسبب مجتمعنا الذكوري

تحمل العصا البيضاء أثناء قيادتها الأوركسترا (أمل القرمازي)
تحمل العصا البيضاء أثناء قيادتها الأوركسترا (أمل القرمازي)

تنتمي المايسترو أمل القرمازي إلى عائلة تهوى الفنّ. تلقّت دروسها في المعهد الوطني التونسي للموسيقى، ومن ثم حصلت على شهادة الدكتوراه في الموسيقى من جامعة السوربون الفرنسية.

حالياً تعتلي أمل القرمازي أهم المسارح العالمية، كقائدة أوركسترا متمكنة ومحترفة.

فهي بعد تعلّمها العزف على آلة الكمان وسّعت خلفيتها الموسيقية، لتنخرط في العزف على البيانو. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «هو امتداد طبيعي للموسيقي المجتهد الشغوف بعمله. وأول مرة وقفت فيها على المسرح لقيادة فريق من الموسيقيين، كان في معهد حيث درست. كنت يومها في السابعة عشرة من عمري».

تتمسك بارتداء الأزرق وبرأيها أنه ينشر الهدوء والسكينة على خشبة المسرح (أمل القرمازي)

أمل التونسية الأصل والأميركية الجنسية، تعدّ الكفاءة مهمّة كي تصل المرأة إلى هذا المركز الفني. «عليها أن تكون صادقة في عملها إلى أبعد حدّ. كما أن المطلوب منها الوثوق بنفسها. للأسف تبوء مهامٍ من هذا النوع ليس بالأمر السهل. فمجال الموسيقى في العالم العربي يهيمن عليه العنصر الذكوري. وهم لا يأخذون المرأة على محمل الجدّ، إذا ما أظهرت موهبة أو تميزاً موسيقياً. ولكن بالإيمان بالنفس والجهد والصدق، يمكنها أن تحارب للوصول إلى هدفها».

ترفض أمل أن تتحدث بسلبية عن صعوبات واجهتها في هذا المجال. ولكنها تؤكّد أنها لمست من الرجال زملائها التشكيك بقدراتها. «إنهم لا يستوعبون إمكانات المرأة ولا آراءها فيما يخص رؤيتها الموسيقية. اشتغلت على معرفة أدقّ التفاصيل في عالم الموسيقى، فكان المسار طويلاً وشاقاً».

دراساتها العليا أسهمت في معرفة أدق التفاصيل الموسيقية (أمل القرمازي)

إنها الحياة التي تقسو علينا أحياناً كما تذكر لـ«الشرق الأوسط»، وتتابع: «ولكننا في النهاية نناضل لتحقيق أحلامنا».

وقفت أمل القرمازي على أهم المسارح العالمية والعربية. أسهمت في إحياء التراث الفني العربي في حفل «أساطير العرب» في باريس، وأقامت حفلات في قرطاج وألمانيا وأميركا. وهي قائدة الأوركسترا لفرقة «مزيكا» اللبنانية. ومن أحدث حفلاتها واحدة أحياها الفنان رامي عيّاش في فرنسا.

بدأت مهمتي كقائدة أوركسترا من دون أن أحمل العصا وغمرتني مشاعر الإبهار عندما لمستها بأناملي للمرة الأولى

المايسترو أمل القرمازي

وفي العام المقبل ستحيي حفلاً موسيقياً في إحدى الجامعات الأميركية. تحمل عصا القيادة بيدها مشيرة للفريق العازف بالسلّم والنوتات الموسيقية التي عليهم اتباعها، فلماذا تأخرت في حمل هذه العصا؟ تردّ: «بدأت مهمتي كقائدة أوركسترا من دون أن أحمل العصا. شعرت وكأن الوقت لا يزال باكراً كي أتوّج خبراتي بها. فهي بنظري علامة فارقة تحمل قدسية معينة ومسؤولية كبرى. صحيح أنني متعمّقة في علوم الموسيقى، ودرست نحو 20 عاماً، كي أكون على المستوى المطلوب فيها، ولكنني في الوقت نفسه ترددت في حملها، وغمرتني مشاعر الإبهار عندما لمستها بأناملي للمرة الأولى».

أستخدم نوعية وموديلات الأزياء التي أرتديها على المسرح كسلاح أدافع به عن أنوثة المرأة المايسترو

المايسترو أمل القرمازي

قصة العصا مع أمل القرمازي لها حكايتها. فقد تلقتها كهدية من إحدى صديقاتها. وهي بيضاء ومصنوعة من الخشب ولها قبضة دائرية باللون نفسه. «الناس في منطقتنا لا يعيرون العصا الموسيقية الأهمية الكبرى. ولكنها في الواقع تحمل معاني كثيرة لقائد الأوركسترا. ما أعنيه هنا لا يتعلّق بمشاعر الغرور والفخامة، ولكنه يرافق مهمة قائد الأوركسترا كأداة تشير إلى موقعه أولاً. كما أنها تسهّل عملية إدارة الأوركسترا، بحيث كل عازف يدرك ما هي مهمته بالتحديد من خلال كيفية تحريكها».

في لحظات قيادتي للأوركسترا تختلط المشاعر التي تصيبني فيرتفع منسوب الأدرينالين عندي لأشعر بأجمل لحظات حياتي المهنية

المايسترو أمل القرمازي

بالنسبة للعصا البيضاء بالتحديد، تقول: «تعكس أضواء المسرح فتلمع في العتمة والإضاءة الخافتة على الخشبة».

قبيل اعتلائها المسرح تنتابها مشاعر المسؤولية. «هناك تحضيرات جمّة تسبق هذه الوقفة. أدرس وأكتب كل شاردة وواردة تتألف منها مقاطع الموسيقى المعزوفة. فتقديم موسيقى راقية على المستوى المطلوب يتطلّب مني كل ذلك. فالناس تأتي الحفل كي تستمتع بالموسيقى وتسافر معها إلى عالم الأحلام. ومن واجبي أن أقدّم لهم ما يحقق لهم رغبتهم هذه. والمطلوب مني تقديم المنتج المميز ليروق لهم».

لمست من زملائي الرجال التشكيك بقدراتي... إنهم لا يستوعبون إمكانات المرأة ولا آراءها فيما يخص رؤيتها الموسيقية

المايسترو أمل القرمازي

تبدي أمل القرمازي إعجابها بموسيقيين لبنانيين كثر ومن بينهم المايسترو هاروت فازليان. وكذلك تتابع بحماس قائد الأوركسترا لبنان بعلبكي. ولا تنسى ذكر الرحابنة وموسيقاهم المميزة التي طالت شهرتها الشرق والغرب. وتضيف: «موسيقاهم رائعة، وأعتبر الرحابنة مدرسة موسيقية. فيما زياد الرحباني هو عبقري موسيقى بنظري. أعماله تدخل القلب ببساطة، وتنبع من أفكار مبهرة ورائعة».

حتى الأزياء تعيرها أمل القرمازي على المسرح الأهمية. وتختم: «أستخدم نوعية وموديلات الأزياء التي أرتديها على المسرح كسلاح أدافع به عن أنوثة المرأة المايسترو. وأتمسّك بارتداء الأزرق في غالبية الوقت. فهو من الألوان الأنيقة التي تنشر الهدوء والسكينة على الخشبة. ففي لحظات قيادتي للأوركسترا تختلط المشاعر التي تصيبني. ويمتزج الحب والشوق والخوف والعلم، فيرتفع منسوب الأدرينالين عندي لأشعر بأجمل لحظات حياتي المهنية».