الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا تتلاعب بالمزاج الاقتصادي لروسيا

الاقتصاد الروسي في حالة توازن بين عوامل تأثير سلبية وأخرى إيجابية

محرك البحث الروسي «ياندكس» قد أكد أن عدد الطلبات على معلومات عن جولات سياحية  في تركيا قد ارتفع خلال الفترة من 29 يونيو ولغاية الأول من يوليو بثلاث مرات (رويترز)
محرك البحث الروسي «ياندكس» قد أكد أن عدد الطلبات على معلومات عن جولات سياحية في تركيا قد ارتفع خلال الفترة من 29 يونيو ولغاية الأول من يوليو بثلاث مرات (رويترز)
TT

الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا تتلاعب بالمزاج الاقتصادي لروسيا

محرك البحث الروسي «ياندكس» قد أكد أن عدد الطلبات على معلومات عن جولات سياحية  في تركيا قد ارتفع خلال الفترة من 29 يونيو ولغاية الأول من يوليو بثلاث مرات (رويترز)
محرك البحث الروسي «ياندكس» قد أكد أن عدد الطلبات على معلومات عن جولات سياحية في تركيا قد ارتفع خلال الفترة من 29 يونيو ولغاية الأول من يوليو بثلاث مرات (رويترز)

تعرَّض الاقتصاد الروسي الأسبوع الماضي لتأثير عوامل سلبية وأخرى إيجابية، لم تترك الأثر الكبير على حركة أسواق المال، ولا على أي مؤشرات اقتصادية أخرى، وذلك على الرغم من القالب السياسي - الإعلامي الضخم الذي جاءت فيه تلك العوامل.
فمن جانب أعلن الاتحاد الأوروبي عن تمديد عقوباته الاقتصادية على روسيا حتى نهاية العام الحالي، بينما أعلنت الولايات المتحدة عن إقرارها عقوبات إضافية بحق شركات روسية، وفي خلفية هذه الخطوات الغربية جاء من جانب آخر الإعلان عن التطبيع بين موسكو وأنقرة، واستئناف التعاون بما في ذلك المجالين التجاري والسياحي، ليخلف الخبر مناخًا أقرب إلى الإيجابي في الأسواق الروسية، وعلى الاقتصاد الروسي بشكل عام.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن يوم الجمعة الماضية عن تمديد عقوباته ضد روسيا لمدة نصف عام، أي حتى نهاية عام 2017، وبهذا تكون تلك العقوبات قد دخلت عامها الثالث، حيث كان الاتحاد الأوروبي قد أقرها في شهر يوليو (تموز) عام 2014، على خلفية الأزمة الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم إلى قوام روسيا الاتحادية، وفي سبتمبر (أيلول) من العام ذاته قررت أوروبا تشديد تلك العقوبات، وأبقت على إلغائها أو تمديد العمل بها رهنًا بالتنفيذ الكامل لاتفاقيات مينسك الخاصة بحل الأزمة الأوكرانية. وإذا كانت العقوبات قد أثرت عند إقرارها أول مرة بصورة كبيرة على الاقتصاد الروسي، بالتزامن مع هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية، فإن تمديدها لأكثر من مرة لاحقًا لم يعد يترك ذلك الأثر، نظرًا لأن الاقتصاد الروسي قد تكيف مع الوضع، وتأقلم على الاستمرار في ظل العقوبات، بينما يبقى خاضعًا بصورة رئيسية لحركة أسعار النفط، والشاهد على ذلك أن التمديد الحالي لم يشكل استثناء، إذ لم تُسجل الأسواق الروسية تقلبات جديرة بالاهتمام بعد إعلان الاتحاد الأوروبي قراره بالتمديد، واقتصر رد الفعل الروسي على الجانب السياسي.
وردًا على الخطوة الأوروبية، أعلنت موسكو من جانبها عن تمديد العمل بعقوبات فرضتها ردا على العقوبات الغربية، وتشمل حظر استيراد عدد كبير من المنتجات الغذائية والخضار والفاكهة من أوروبا، الأمر الذي تسبب بخسائر كبيرة للقطاع الزراعي في عدد كبير من الدول الأوروبية، التي تشهد بعضها احتجاجات ينظمها مزارعون وتجار يطالبون حكوماتهم بإلغاء العقوبات عن روسيا، وآخرها مظاهرات في مدينة فيرونا الإيطالية شارك فيها ما يزيد على عشرة آلاف مزارع، كانوا يعتمدون على تصريف منتجاتهم في الأسواق الروسية، وحرمتهم العقوبات من ذلك، ما تسبب لهم بخسارة كبيرة.
في غضون ذلك عمدت الولايات المتحدة إلى توسيع حزمات عقوباتها ضد روسيا وأعلنت في الأول من يوليو إقرارها عقوبات بحق مجموعة شركات في العالم، بما في ذلك شركات ومصانع روسية هي: المصنع 150 لصيانة الطائرات ومقره في كاليننغراد، ومركز تصميم الآليات في مدنية كولومنا، ومركز التصميم «كونتسيفو» في موسكو، أما مبرر إدراج تلك الشركات على قائمة العقوبات، فهو «قانون عدم الانتشار النووي»، حيث تؤكد الولايات المتحدة أن تلك الشركات زودت إيران وكوريا الشمالية وسوريا بتقنيات أو معدات يمكن استخدامها لتصنيع أسلحة دمار شامل أو تقنيات صاروخية، وإلى أن تتضح نتائج العقوبات الأميركية الجديدة، وكيف ستؤثر في نشاط الشركات المستهدفة، فإنه من الواضح أن توسيع واشنطن لقائمة عقوباتها ضد روسيا لم يؤثر أيضًا، حتى الآن، على الأسواق الروسية.
إلا أنه ورغم تمديد العقوبات الأوروبية وتوسيع العقوبات الأميركية، فقد هيمنت «مزاجية إيجابية» على الأسواق الروسية على خلفية الأنباء والخطوات السريعة الحالية في مجال التطبيع بين موسكو وأنقرة، حتى إن الروبل الروسي انتعش بصورة محدودة تحت تأثير تلك المزاجية.
ويعود هذا الأمر إلى جملة عوامل موضوعية، منها أن تركيا هي الشريك التجاري الثاني لروسيا بعد ألمانيا، وتشغل 5 في المائة من التجارة الخارجية الروسية، وهو رقم كبير حسب تأكيدات رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف، وعودة التعاون التجاري إلى سابق عهده بين البلدين لا بد وأن ينعش السوق الروسية.
من جانب آخر يشير مراقبون إلى أن التطبيع مع تركيا سينعش قطاع السياحة الروسي الذي تتضرر جدًا بعد حظر سفر المواطنين الروس إلى مصر وتركيا، وهي الوجهات الرئيسية للسياح الروس، والخسارة في هذا المجال لم تقتصر على الجانب التركي بل وشملت الشركات السياحية وشركات النقل الجوي في روسيا، وتقدر خسائر الأخيرة عن أشهر القطيعة بين روسيا وتركيا، بما يزيد على 15 مليار روبل روسي «232 مليون دولار».
وكان محرك البحث الروسي «ياندكس» قد أكد أن عدد الطلبات على معلومات عن جولات سياحية في تركيا قد ارتفع خلال الفترة من 29 يونيو (حزيران) ولغاية الأول من يوليو بثلاث مرات، وصعدت تركيا إلى المرتبة الأولى في الطلب السياحي مقابل تراجع الطلبات على السياحة في شبه جزيرة القرم وسوتشي إلى المرتبتين الثانية والثالثة، وهذا ليس سوى مؤشر بسيط من مؤشرات التعاون الاقتصادي - التجاري بين البلدين، وتأثيره في الوضع الاقتصادي بشكل عام.
وإلى جانب السياحة هناك المشاريع الروسية - التركية المشتركة في مجال الطاقة، حيث من المتوقع أن ينتعش أيضًا مشروع شبكة غاز «السيل التركي» لنقل الغاز الروسي إلى تركيا، وهناك الاستثمارات التركية في مشاريع البنى التحتية والمشاريع العقارية العملاقة في روسيا، والكثير من العوامل الأخرى التي جعلت تأثير الإعلان عن التطبيع مع تركيا يطغى كعنصر إيجابي على سلبية تمديد العقوبات الأوروبية وتوسيع العقوبات الأميركية ضد روسيا.
ويتوقع محللون في السوق أن تشهد أسعار عدد كبير من السلع، لا سيما الخضار والفاكهة تراجعًا في السوق الروسية، ذلك أن عودة الصادرات التركية يعني عمليا استعادة الأسواق لكميات كبيرة من الخضار والفاكهة، فعلى سبيل المثال كانت روسيا تحصل على 65 في المائة من البندورة (الطماطم) من تركيا، وعلى ثلث الأزهار والورود الطبيعية أيضا، وما يزيد على ربع المندرين وأنواع من الحمضيات، وقرابة ربع استهلاكها من الخيار.
ولما كانت أسعار تلك المواد قد ارتفعت بسبب حظر استيرادها من تركيا، فمن الطبيعي أن تتراجع الأسعار بعد عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين، والأمر كما يرجح محللون في الأسواق الروسية «لن يقتصر على الخيار والبندورة»، بل وسيطال مجالات اقتصادية استراتيجية.



التوترات الجيوسياسية الخطر الرئيسي على التجارة العالمية

سفن وحاويات في ميناء صيني (رويترز)
سفن وحاويات في ميناء صيني (رويترز)
TT

التوترات الجيوسياسية الخطر الرئيسي على التجارة العالمية

سفن وحاويات في ميناء صيني (رويترز)
سفن وحاويات في ميناء صيني (رويترز)

قال كبير الاقتصاديين في منظمة التجارة العالمية، رالف أوسا، إن التوترات الجيوسياسية، ولاسيما تلك المندلعة في الشرق الأوسط، ما زالت الخطر الرئيسي على التجارة العالمية.

وقال أوسا، وفق وكالة أنباء «شينخوا» الصينية، إن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى نقص الإمدادات وارتفاع أسعار النفط، مضيفاً: «ارتفاع أسعار النفط سيؤثر على النشاط الاقتصادي الكلي، وكذلك على التجارة الدولية». وهبط برنت بأكثر من 7 في المائة خلال الأسبوع الماضي، بينما خسر خام غرب تكساس نحو 8 في المائة، وهو أكبر انخفاض أسبوعي لهما منذ الثاني من سبتمبر (أيلول)، وذلك بعد أن خفضت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) ووكالة الطاقة الدولية، توقعاتهما للطلب العالمي على النفط في عامي 2024 و2025.

وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 1.39 دولار أو 1.87 في المائة إلى 73.06 دولار للبرميل عند التسوية، كما هبط خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.45 دولار أو 2.05 في المائة إلى 69.22 دولار للبرميل. ونما الاقتصاد في الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، في الربع الثالث بأبطأ وتيرة منذ أوائل 2023، لكن البيانات المتعلقة بالاستهلاك والإنتاج الصناعي فاقت التوقعات في سبتمبر.

وقال جون كيلدوف، الشريك في «أجين كابيتال» في نيويورك: «الصين مهمة في المعادلة فيما يتعلق بالطلب، لذا يؤثر ذلك بشدة على الأسعار هنا اليوم». كما انخفض إنتاج مصافي التكرير في الصين للشهر السادس على التوالي إذ أثر ضعف استهلاك الوقود وتراجع هوامش التكرير سلباً على عمليات المعالجة.

وقال نيل أتكينسون، محلل الطاقة المستقل المقيم في باريس، والرئيس السابق لقسم النفط في وكالة الطاقة الدولية: «لا يمكننا تجاهل أثر المركبات الكهربائية في الصين». وأضاف: «هناك عوامل عدة مؤثرة هنا، الضعف الاقتصادي في الصين، ولكن أيضاً التحرك صوب تحويل قطاع النقل إلى العمل بالكهرباء». وقفزت مبيعات المركبات الكهربائية في الصين 42 بالمائة في أغسطس (آب)، وسجلت مستوى قياسياً مرتفعاً بما يزيد على مليون مركبة. وطرح البنك المركزي الصيني خطتين للتمويل، ستضخان مبدئياً 800 مليار يوان (112.38 مليار دولار) في سوق الأسهم من خلال أدوات سياسة نقدية تم إطلاقها حديثاً.

وقال ريشي راجانالا، الشريك في «إيجس هيدجنج»: «تظهر البيانات الصينية علامات مؤقتة على التحسن، لكن الإحاطات الأحدث عن التحفيز الاقتصادي الإضافي جعلت المشاركين في السوق يشعرون بالإحباط».

وفي تقرير صادر في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، توقعت منظمة التجارة الدولية أن ينمو حجم تجارة السلع العالمية بنسبة 2.7 في المائة في عام 2024، بزيادة طفيفة عن توقعاتها في أبريل (نيسان) الماضي، التي أشارت إلى نموه بنسبة 2.6 في المائة.

وكانت التوقعات الإقليمية تحديثاً مهماً في التقرير الجديد. في ضوء ذلك، قال أوسا: «نرى أن أداء آسيا أقوى مما توقعنا، بينما كان أداء أوروبا أضعف مما توقعنا»، مضيفاً: «تظل آسيا المحرك الرئيسي للتجارة الدولية، سواء في الاستيراد أو التصدير».

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تزيد الصادرات في آسيا بنسبة 7.4 بالمائة في عام 2024، وذلك مقارنة بزيادة وارداتها بـ4.3 في المائة.

وأردف أوسا: «كنا نتوقع انتعاش التجارة في أبريل الماضي، وما زلنا نتوقع انتعاشها اليوم، يرجع ذلك بشكل كبير إلى عودة التضخم إلى طبيعته والتخفيف المقابل للسياسة النقدية».

وقال إن الصين تظهر أداءً قوياً في التصدير، مشيراً إلى أنه من الممكن أن تعزز سياسة التحفيز الأخيرة التي نفذتها الحكومة الصينية، الطلب المحلي داخلها، وتساعد على إعادة التوازن في التجارة الدولية.

ومن أجل معالجة التحديات المتعددة، دعا أوسا إلى الدفاع عن نظام التجارة متعدد الأطراف، بحيث تمثل منظمة التجارة العالمية نواته، مؤكداً أهمية تكييف منظمة التجارة العالمية لتناسب متطلبات القرن الحادي والعشرين.

وفيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي، سلط أوسا الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في خفض تكاليف التجارة والتغلب على الحواجز اللغوية وتوسيع الخدمات المقدمة إلكترونياً.