عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

المنازل الفاخرة الأكثر تأثرًا.. والمصارف ترفع شعار «عالي المخاطر» بوجه بريطانيا

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»
TT

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

بدأت آثار الصدمة الارتدادية الأولى لزلزال خيار الانفصال البريطاني عن أوروبا في الظهور علنا على السوق العقارية البريطانية، مخرجة إلى الساحة نذر «الخطورة» على مستقبل العقار البريطاني، سواء من حيث تراجع حركة الشراء بشكل واضح حيث تمر السوق بمرحلة «الترقب انتظارا للحظة المناسبة»، مع ظهور آلاف الإعلانات التي تسعى لـ«محاولة» إسالة لعاب المشترين عبر «تخفيضات» غير مسبوقة من حيث الكثافة والسرعة، أو من حيث رفع مؤسسات مالية ومصرفية دولية لشعار «عالي المخاطرة» للمرة الأولى في وجه تمويل «العقار البريطاني»، الذي كان يحظى دائمًا بسمعة تصنيفية مرموقة على مدار القرن الماضي، رغم مرور القطاع ببعض الكبوات العابرة على فترات متباعدة.
وكان من المثير أن تشير مجموعة من المؤسسات المصرفية الدولية إلى أنها تفكر في الإحجام عن الاستثمار أو تمويل عمليات شراء العقارات البريطانية لـ«ارتفاع المخاطر»، وهو حدث يعد غير مسبوق في سوق العقارات العالمي عند الحديث على دولة مثل بريطانيا ظلت دائما في تصنيف مالي «ممتاز» منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي مطلع الأسبوع الحالي، أوقف بنك «يونايتد أوفرسيز» السنغافوري، ثالث أكبر بنك في سنغافورة، قروض الرهن العقاري في لندن بشكل مؤقت، ليصبح أول بنك سنغافوري يتخذ هذه الخطوة بعد أن حذرت بنوك آسيوية أخرى من مخاطر استثمارية محتملة في أعقاب تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأحدث خروج بريطانيا اضطرابات في الأسواق العالمية، ودفع الجنيه الإسترليني للهبوط إلى أدنى مستوى في أعوام، مما أثار مخاوف بشأن متانة سوق لندن العقارية التي كانت تجتذب في السابق اهتماما كبيرا من المستثمرين الآسيويين الساعين لتحقيق عائد مستقر.
وقالت متحدثة باسم البنك لـ«رويترز»: «سنتوقف مؤقتا عن تلقي طلبات قروض الرهن العقاري لعقارات في لندن.. في ظل حالة الضبابية نحن بحاجة للتأكد من توخي عملائنا الحذر بشأن استثماراتهم العقارية في لندن».
وعلى الرغم من أن بنك «يونايتد أوفرسيز» هو أول بنك يقدم على مثل هذه الخطوة، فإن التقلب والضبابية منذ إعلان نتيجة استفتاء يوم 23 يونيو (حزيران) الماضي دفعا الكثير من البنوك الآسيوية للتحذير من مخاطر محتملة على العملاء في صفقات عقارات لندن.
وارتفع الدولار السنغافوري عشرة في المائة مقابل الجنيه الإسترليني منذ الاستفتاء، مما أدى إلى تآكل قيمة الأصول الموجودة في بريطانيا. وقالت عدة بنوك آسيوية الخميس الماضي، إنها تصدر مذكرات للعملاء بشأن المخاطر المحتملة على الرغم من أنها ما زالت تصدر قروضا للرهن العقاري في لندن.
داخليًا، تمر السوق بحركة ركود واسعة على مدار الأيام الماضية، في انتظار استقرار الأوضاع. ويتروى المشترون والمستثمرون في الإقدام على خطوة الشراء الآن، خشية هبوط الأسعار بشكل أكبر «ربما بعد لحظات من إبرام صفقة ما»، على حسب تعبير أحد العاملين في القطاع العقاري في العاصمة لندن. فيما تشير تقارير إلى أن عددًا من المشروعات الجديدة القائمة حاليا معرض لمخاطر كبرى من حيث فرص البيع، خاصة في القطاع العقاري الفاخر، على غرار المشروع الجديد على ضفة نهر الـ«تايمز» في ضاحية فوكسهول، والذي قد تصل خسائره الاضطرارية في أسعار البيع إلى نحو 40 في المائة من الأسعار المعلنة سابقا.

وسم تخفيضات

من الجهة الأخرى، تشهد السوق العقارية تدفقا هائلا من إعلانات «التخفيضات» في أسعار المنازل المعروضة للبيع على المواقع الإلكترونية العقارية المتخصصة. وأشارت صحيفة «إيفيننغ ستاندرد» الشعبية البريطانية إلى أن هناك أكثر من نحو 13 ألف منزل معروضة للبيع على موقع «زوبلا Zoopla» الإلكتروني، الذي تفضله الأجيال الجديدة للتعامل في السوق العقارية، قد تم تخفيض أسعارها على الموقع وإدراجها في باب بعنوان «تخفيضات»، وهو ما يشير بحسب الصحيفة إلى أن نحو منزل من بين كل ستة منازل معروضة شهد تخفيضا للسعر منذ «جمعة الانفصال».
وتشير الأرقام إلى معدل تخفيض سعري يصل في المتوسط إلى نحو 15 في المائة في الأحياء الراقية والمنازل الفاخرة، على غرار نوتينغ هيل وتشيلسي وكينزنغتون، مع توقعات باحتمالية مزيد من الهبوط خلال الفترة المقبلة. وكان وزير المالية جورج أوزبورن تنبأ قبل إجراء الاستفتاء بأن قيمة العقارات ستتراجع بنحو 18 في المائة في حال الانفصال.
ويعزز من تلك الاحتمالات أن العقارات في لندن كانت مقومة بأسعار أعلى من قيمتها الحقيقية، وذلك نتيجة المضاربات والتكالب على الشراء مع نقص المعروض في مقابل الطلب.. ومع التوتر الواسع الذي أصاب السوق، فمن المتوقع أن تهبط أسعار العقارات إلى ما دون قيمتها الفعلية، فاقدة ما يحوم حول 20 في المائة من سعرها قبل «البريكست».
ويترقب المستثمرون الأجانب السوق انتظارا للحظة المناسبة لقنص الفرص، حيث أسهم الهبوط الحاد لسعر الجنيه الإسترليني مقابل العملات الرئيسية في حدوث انخفاض مزدوج لأسعار العقارات البريطانية، مرة نتيجة فرق أسعار العملة، ومرة نتيجة تخفيضات الأسعار بحثا عن مشتر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل انهيار السوق.. لكن «الخوف من المستقبل» يبقى عامل «طرد» لأغلب المستثمرين في الوقت الحالي؛ وتحدد مساحة المخاطرة والمغامرة لدى المستثمر قابليته للشراء من عدمه في خلال الأيام المقبلة.

مستقبل السوق

وتظل بريطانيا وخصوصًا العاصمة لندن وجهة شديدة الجاذبية للمستثمرين والدارسين والموظفين الأجانب، ولا يتوقع المحللون أن يصل السوق إلى مرحلة «الانهيار التام»، لكن أغلبهم يتوقع مرحلة صدمة قوية تستمر حتى نهاية العام الحالي، يعقبها تعافٍ بطئ قد يبدأ العام المقبل عقب وضوح الرؤية أمام القيادة السياسية في بريطانيا والعالم حول قضية الانفصال الأوروبي.
وبالنسبة للمستثمرين البريطانيين، قد تكون أجواء الغموض الحالية سببا في الإحجام عن الصفقات العقارية، على الرغم من أن العقارات تعتبر على نطاق واسع أكثر ربحية من أصول آمنة أخرى بسبب نقص المعروض. وقال بول فيرث، مدير قطاع العقارات في شركة «إيروين ميتشل» القانونية، لـ«رويترز»: «عدد من الصفقات التي أعرفها فشلت أو تم تأجيلها بالتأكيد.. الجميع قرروا التوقف حاليا لحين استقرار الوضع الجديد».
وفي إحدى الصفقات، تم تأجيل شراء صندوق استثمارات أميركي خاص لمركز تسوق إقليمي تبلغ قيمته أكثر من 30 مليون جنيه إسترليني (نحو 40 مليون دولار)، بعد التصويت بالانسحاب، لمدة لا تقل عن شهرين وذلك بانتظار استقرار الأسواق.
وأضاف فيرث أن صفقة أخرى كانت شركته تعمل عليها شهدت تعليق شركة فرنسية متخصصة في بيع السلع الكمالية لخططها الخاصة بافتتاح متجر في لندن عقب التصويت.
وقال إن عددا من «صفقاتهم الاستثمارية الهامة» التي تفوق قيمتها 30 مليون إسترليني لكل صفقة توقفت، وهي صفقات كانت تضم مستثمرين بريطانيين بالأساس، لكن تضم مستثمرين أجانب. وأتمت شركته صفقة واحدة تفوق قيمتها أكثر من 40 مليون إسترليني منذ التصويت بالخروج من الاتحاد.
ووفقًا لبحث في يونيو الماضي أجرته شركة «كوشمان آند ويكفيلد» للخدمات العقارية، وصل حجم الاستثمارات العقارية التجارية في بريطانيا إلى 10.7 مليار جنيه إسترليني في أول ثلاثة أشهر من 2016، بما يمثل انخفاضًا نسبته 28 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وكذلك أقل حجم ربع سنوي لها منذ الربع الثاني من 2013. كما ظهرت إشارات أيضًا على أن تداعيات قرار الخروج من التكتل تفيد المستثمرين المحترفين، مثل الصناديق الخاصة، على حساب المشترين الذين قد يعانون بسبب الأوضاع الاقتصادية.

صدمة الداخل

ووفقًا لتقارير متخصصة لقياس المؤشرات الأولية، وقراءات أولية أجرتها «الشرق الأوسط»، فإن ثمة تراجع كبير في حركة العقارات منذ صبيحة الاستفتاء. وإن كان الوقت مبكرا جدا لقياس الأداء العام للسوق خلال المرحلة المقبلة، إلا أن وكلاء عقاريين في العاصمة لندن يرون أن نتيجة الاستفتاء ستنعكس بكل تأكيد على السوق العقارية في المرحلة الأولى للاضطراب، خصوصًا في لندن، وسينخفض الطلب إلى حد ما وستتراجع الأسعار، مشيرين إلى أن ذلك قد يكون كارثة لمواطني بريطانيا الذين سيفقدون جانبا قد يكون كبيرا من قيمة أصولهم العقارية في منازلهم؛ إلا أنه سيكون فرصة جيدة للغاية للمستثمرين والمغامرين الأجانب، للشراء بأسعار منخفضة وسط موجة بيع كبيرة. ويختلف الخبراء حول تأثير الانفصال البريطاني على الاستثمارات الخليجية في بريطانيا، فبينما يرى البعض أن الانفصال وتبعاته على كل القطاعات الاقتصادية والمالية والعقارية تمنح فرصة جيدة جدا للاستثمار خلال الفترة المقبلة، يرى آخرون أن ذلك ينطبق على الاستثمارات «الجديدة» وليس «القائمة»، حيث ستتأثر الأخيرة سلبًا نتيجة انخفاض قيمتها بما يفوق قدرة المستثمر على احتمال الخسائر القصيرة والمتوسطة المدى.

تراجع الاستثمارات

ومنذ مطلع الشهر الماضي، أوضحت مؤشرات كثيرة تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية الجديدة على وجه العموم، والخليجية منها على وجه الخصوص بشكل كبير، وإحجام واسع عن ضخ المزيد من الاستثمارات في العقارات البريطانية، وذلك خشية هبوط الأسعار وانهيارها عقب اختيار البريطانيون الانفصال عن الأوروبي. ويعتبر القطاع العقاري في بريطانيا واحدًا من أهم القطاعات الجاذبة للمستثمرين الأجانب من مختلف أنحاء العالم، خاصة في أعقاب تماسك أسعار العقارات خلال الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت أواخر عام 2008، وخلال أزمة الديون السيادية الأوروبية التي نشبت في أواخر عام 2010.
ويعد المستثمرون الخليجيون الأهم بالنسبة لقطاع العقارات في بريطانيا، حيث تمتلك صناديق استثمار سيادية وخاصة، ومحافظ استثمارية كبرى، أضخم العقارات وأغلاها ثمنًا في وسط العاصمة البريطانية لندن، في الوقت الذي تتحدث فيه كثير من المصادر في السوق عن قلق في أوساط المستثمرين الخليجيين من انهيار في الأسعار عقب الاستفتاء. وبحسب إحصاءات وأرقام غير رسمية، تبلغ تقديرات استثمارات المواطنين الخليجيين في القطاع العقاري في بريطانيا نحو 65 مليار دولار، تنصب أغلبها في لندن واسكوتلندا وويلز.

فرص الخليج

وأشارت توقعات محللين عرب وأجانب في مطلع الأسبوع الماضي إلى أن شهية المستثمرين من الخليج الجدد قد تزداد خلال الفترة المقبلة لاقتناص فرص عقارية «جديدة» في بريطانيا مع الأسعار التي ستتجه إلى الانخفاض حتى نهاية العام، ما قد يرفع إجمالي الاستثمارات هناك إلى نحو 100 مليار دولار، لكن جانبًا من المحللين يرون عكس ذلك، حيث إن الأرقام ربما لا تتغير كثيرا - أو تنخفض - نتيجة اندفاع عدد من أصحاب الاستثمارات العقارية الحالية إلى البيع للتخلص سريعًا من الفجوة السعرية. وفي إطار المحاولات البريطانية لإنقاذ السوق العقارية من الانهيار أعلن بنك «إتس إس بي سي» في وقت متأخر عشية الاستفتاء، يوم الخميس قبل الماضي، أنه قرر خفض الفائدة على الرهون العقارية للمشترين لأول مرة إلى أقل من 1 في المائة، وهذا أدنى مستوى للفائدة على الرهون العقارية في تاريخ بريطانيا، إذ لم تهبط من قبل إلى هذا المستوى، سواء خلال فترة الطفرة أو حتى خلال الركود الذي تزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت أواخر عام 2008.
ويعد «إتش إس بي سي» أكبر لاعب في السوق العقارية البريطانية وأكبر مقرض على الإطلاق، مما يجعل قراراته ذات تأثير سوقي بارز ومؤشر غاية في الأهمية على السياسات التي تنتهجها البنوك الأخرى. وتعاني سوق العقارات في بريطانيا من ركود ملموس منذ عدة أشهر، بسبب الاعتقاد بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يؤدي إلى انهيار في هذا القطاع، حيث إن نسبة كبيرة من الطلب على الوحدات السكنية يأتي من مهاجرين أوروبيين يتدفقون على بريطانيا للعمل والعيش فيها بسبب أن أوضاعها الاقتصادية أفضل حالاً من غيرها من دول أوروبا.
كما يرى كثير من المتابعين للسوق أن «جزءًا من مشكلة الفقاعة العقارية البريطانية، وسوقها الذي خرج في أجزاء كثيرة وهامة منه عن نطاق سيطرة الطبقة الوسطى إلى حد بعيد، كان يعود إلى أن بريطانيا عضو بالاتحاد الأوروبي، بما يحمله ذلك من تيسيرات وتسهيلات لأثرياء العالم من جهة، مما جعل عملية المزايدة تخرج عن نطاق العقل في كثير من الأحيان.. مع مزاحمة مواطني أوروبا لأهل بريطانيا في المساحات المحدودة للتطوير العقاري من جهة أخرى، مما أسفر عن موجة غلاء فاحشة».
من جهة أخرى، يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن تأثير «البريكست» العقاري قد يسفر عن رد فعل عكسي يصب في مصلحة الأسواق العربية، إذ إن الركود المتوقع في الاقتصاد البريطاني قد يدفع المستثمرين البريطانيين والغربيين إلى التوجه بصورة أكثر كثافة إلى أسواق عقارية بالشرق الأوسط، وقد تتجه البوصلة بشكل كبير إلى دبي ومصر والسعودية.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»