عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

المنازل الفاخرة الأكثر تأثرًا.. والمصارف ترفع شعار «عالي المخاطر» بوجه بريطانيا

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»
TT

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

بدأت آثار الصدمة الارتدادية الأولى لزلزال خيار الانفصال البريطاني عن أوروبا في الظهور علنا على السوق العقارية البريطانية، مخرجة إلى الساحة نذر «الخطورة» على مستقبل العقار البريطاني، سواء من حيث تراجع حركة الشراء بشكل واضح حيث تمر السوق بمرحلة «الترقب انتظارا للحظة المناسبة»، مع ظهور آلاف الإعلانات التي تسعى لـ«محاولة» إسالة لعاب المشترين عبر «تخفيضات» غير مسبوقة من حيث الكثافة والسرعة، أو من حيث رفع مؤسسات مالية ومصرفية دولية لشعار «عالي المخاطرة» للمرة الأولى في وجه تمويل «العقار البريطاني»، الذي كان يحظى دائمًا بسمعة تصنيفية مرموقة على مدار القرن الماضي، رغم مرور القطاع ببعض الكبوات العابرة على فترات متباعدة.
وكان من المثير أن تشير مجموعة من المؤسسات المصرفية الدولية إلى أنها تفكر في الإحجام عن الاستثمار أو تمويل عمليات شراء العقارات البريطانية لـ«ارتفاع المخاطر»، وهو حدث يعد غير مسبوق في سوق العقارات العالمي عند الحديث على دولة مثل بريطانيا ظلت دائما في تصنيف مالي «ممتاز» منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي مطلع الأسبوع الحالي، أوقف بنك «يونايتد أوفرسيز» السنغافوري، ثالث أكبر بنك في سنغافورة، قروض الرهن العقاري في لندن بشكل مؤقت، ليصبح أول بنك سنغافوري يتخذ هذه الخطوة بعد أن حذرت بنوك آسيوية أخرى من مخاطر استثمارية محتملة في أعقاب تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأحدث خروج بريطانيا اضطرابات في الأسواق العالمية، ودفع الجنيه الإسترليني للهبوط إلى أدنى مستوى في أعوام، مما أثار مخاوف بشأن متانة سوق لندن العقارية التي كانت تجتذب في السابق اهتماما كبيرا من المستثمرين الآسيويين الساعين لتحقيق عائد مستقر.
وقالت متحدثة باسم البنك لـ«رويترز»: «سنتوقف مؤقتا عن تلقي طلبات قروض الرهن العقاري لعقارات في لندن.. في ظل حالة الضبابية نحن بحاجة للتأكد من توخي عملائنا الحذر بشأن استثماراتهم العقارية في لندن».
وعلى الرغم من أن بنك «يونايتد أوفرسيز» هو أول بنك يقدم على مثل هذه الخطوة، فإن التقلب والضبابية منذ إعلان نتيجة استفتاء يوم 23 يونيو (حزيران) الماضي دفعا الكثير من البنوك الآسيوية للتحذير من مخاطر محتملة على العملاء في صفقات عقارات لندن.
وارتفع الدولار السنغافوري عشرة في المائة مقابل الجنيه الإسترليني منذ الاستفتاء، مما أدى إلى تآكل قيمة الأصول الموجودة في بريطانيا. وقالت عدة بنوك آسيوية الخميس الماضي، إنها تصدر مذكرات للعملاء بشأن المخاطر المحتملة على الرغم من أنها ما زالت تصدر قروضا للرهن العقاري في لندن.
داخليًا، تمر السوق بحركة ركود واسعة على مدار الأيام الماضية، في انتظار استقرار الأوضاع. ويتروى المشترون والمستثمرون في الإقدام على خطوة الشراء الآن، خشية هبوط الأسعار بشكل أكبر «ربما بعد لحظات من إبرام صفقة ما»، على حسب تعبير أحد العاملين في القطاع العقاري في العاصمة لندن. فيما تشير تقارير إلى أن عددًا من المشروعات الجديدة القائمة حاليا معرض لمخاطر كبرى من حيث فرص البيع، خاصة في القطاع العقاري الفاخر، على غرار المشروع الجديد على ضفة نهر الـ«تايمز» في ضاحية فوكسهول، والذي قد تصل خسائره الاضطرارية في أسعار البيع إلى نحو 40 في المائة من الأسعار المعلنة سابقا.

وسم تخفيضات

من الجهة الأخرى، تشهد السوق العقارية تدفقا هائلا من إعلانات «التخفيضات» في أسعار المنازل المعروضة للبيع على المواقع الإلكترونية العقارية المتخصصة. وأشارت صحيفة «إيفيننغ ستاندرد» الشعبية البريطانية إلى أن هناك أكثر من نحو 13 ألف منزل معروضة للبيع على موقع «زوبلا Zoopla» الإلكتروني، الذي تفضله الأجيال الجديدة للتعامل في السوق العقارية، قد تم تخفيض أسعارها على الموقع وإدراجها في باب بعنوان «تخفيضات»، وهو ما يشير بحسب الصحيفة إلى أن نحو منزل من بين كل ستة منازل معروضة شهد تخفيضا للسعر منذ «جمعة الانفصال».
وتشير الأرقام إلى معدل تخفيض سعري يصل في المتوسط إلى نحو 15 في المائة في الأحياء الراقية والمنازل الفاخرة، على غرار نوتينغ هيل وتشيلسي وكينزنغتون، مع توقعات باحتمالية مزيد من الهبوط خلال الفترة المقبلة. وكان وزير المالية جورج أوزبورن تنبأ قبل إجراء الاستفتاء بأن قيمة العقارات ستتراجع بنحو 18 في المائة في حال الانفصال.
ويعزز من تلك الاحتمالات أن العقارات في لندن كانت مقومة بأسعار أعلى من قيمتها الحقيقية، وذلك نتيجة المضاربات والتكالب على الشراء مع نقص المعروض في مقابل الطلب.. ومع التوتر الواسع الذي أصاب السوق، فمن المتوقع أن تهبط أسعار العقارات إلى ما دون قيمتها الفعلية، فاقدة ما يحوم حول 20 في المائة من سعرها قبل «البريكست».
ويترقب المستثمرون الأجانب السوق انتظارا للحظة المناسبة لقنص الفرص، حيث أسهم الهبوط الحاد لسعر الجنيه الإسترليني مقابل العملات الرئيسية في حدوث انخفاض مزدوج لأسعار العقارات البريطانية، مرة نتيجة فرق أسعار العملة، ومرة نتيجة تخفيضات الأسعار بحثا عن مشتر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل انهيار السوق.. لكن «الخوف من المستقبل» يبقى عامل «طرد» لأغلب المستثمرين في الوقت الحالي؛ وتحدد مساحة المخاطرة والمغامرة لدى المستثمر قابليته للشراء من عدمه في خلال الأيام المقبلة.

مستقبل السوق

وتظل بريطانيا وخصوصًا العاصمة لندن وجهة شديدة الجاذبية للمستثمرين والدارسين والموظفين الأجانب، ولا يتوقع المحللون أن يصل السوق إلى مرحلة «الانهيار التام»، لكن أغلبهم يتوقع مرحلة صدمة قوية تستمر حتى نهاية العام الحالي، يعقبها تعافٍ بطئ قد يبدأ العام المقبل عقب وضوح الرؤية أمام القيادة السياسية في بريطانيا والعالم حول قضية الانفصال الأوروبي.
وبالنسبة للمستثمرين البريطانيين، قد تكون أجواء الغموض الحالية سببا في الإحجام عن الصفقات العقارية، على الرغم من أن العقارات تعتبر على نطاق واسع أكثر ربحية من أصول آمنة أخرى بسبب نقص المعروض. وقال بول فيرث، مدير قطاع العقارات في شركة «إيروين ميتشل» القانونية، لـ«رويترز»: «عدد من الصفقات التي أعرفها فشلت أو تم تأجيلها بالتأكيد.. الجميع قرروا التوقف حاليا لحين استقرار الوضع الجديد».
وفي إحدى الصفقات، تم تأجيل شراء صندوق استثمارات أميركي خاص لمركز تسوق إقليمي تبلغ قيمته أكثر من 30 مليون جنيه إسترليني (نحو 40 مليون دولار)، بعد التصويت بالانسحاب، لمدة لا تقل عن شهرين وذلك بانتظار استقرار الأسواق.
وأضاف فيرث أن صفقة أخرى كانت شركته تعمل عليها شهدت تعليق شركة فرنسية متخصصة في بيع السلع الكمالية لخططها الخاصة بافتتاح متجر في لندن عقب التصويت.
وقال إن عددا من «صفقاتهم الاستثمارية الهامة» التي تفوق قيمتها 30 مليون إسترليني لكل صفقة توقفت، وهي صفقات كانت تضم مستثمرين بريطانيين بالأساس، لكن تضم مستثمرين أجانب. وأتمت شركته صفقة واحدة تفوق قيمتها أكثر من 40 مليون إسترليني منذ التصويت بالخروج من الاتحاد.
ووفقًا لبحث في يونيو الماضي أجرته شركة «كوشمان آند ويكفيلد» للخدمات العقارية، وصل حجم الاستثمارات العقارية التجارية في بريطانيا إلى 10.7 مليار جنيه إسترليني في أول ثلاثة أشهر من 2016، بما يمثل انخفاضًا نسبته 28 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وكذلك أقل حجم ربع سنوي لها منذ الربع الثاني من 2013. كما ظهرت إشارات أيضًا على أن تداعيات قرار الخروج من التكتل تفيد المستثمرين المحترفين، مثل الصناديق الخاصة، على حساب المشترين الذين قد يعانون بسبب الأوضاع الاقتصادية.

صدمة الداخل

ووفقًا لتقارير متخصصة لقياس المؤشرات الأولية، وقراءات أولية أجرتها «الشرق الأوسط»، فإن ثمة تراجع كبير في حركة العقارات منذ صبيحة الاستفتاء. وإن كان الوقت مبكرا جدا لقياس الأداء العام للسوق خلال المرحلة المقبلة، إلا أن وكلاء عقاريين في العاصمة لندن يرون أن نتيجة الاستفتاء ستنعكس بكل تأكيد على السوق العقارية في المرحلة الأولى للاضطراب، خصوصًا في لندن، وسينخفض الطلب إلى حد ما وستتراجع الأسعار، مشيرين إلى أن ذلك قد يكون كارثة لمواطني بريطانيا الذين سيفقدون جانبا قد يكون كبيرا من قيمة أصولهم العقارية في منازلهم؛ إلا أنه سيكون فرصة جيدة للغاية للمستثمرين والمغامرين الأجانب، للشراء بأسعار منخفضة وسط موجة بيع كبيرة. ويختلف الخبراء حول تأثير الانفصال البريطاني على الاستثمارات الخليجية في بريطانيا، فبينما يرى البعض أن الانفصال وتبعاته على كل القطاعات الاقتصادية والمالية والعقارية تمنح فرصة جيدة جدا للاستثمار خلال الفترة المقبلة، يرى آخرون أن ذلك ينطبق على الاستثمارات «الجديدة» وليس «القائمة»، حيث ستتأثر الأخيرة سلبًا نتيجة انخفاض قيمتها بما يفوق قدرة المستثمر على احتمال الخسائر القصيرة والمتوسطة المدى.

تراجع الاستثمارات

ومنذ مطلع الشهر الماضي، أوضحت مؤشرات كثيرة تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية الجديدة على وجه العموم، والخليجية منها على وجه الخصوص بشكل كبير، وإحجام واسع عن ضخ المزيد من الاستثمارات في العقارات البريطانية، وذلك خشية هبوط الأسعار وانهيارها عقب اختيار البريطانيون الانفصال عن الأوروبي. ويعتبر القطاع العقاري في بريطانيا واحدًا من أهم القطاعات الجاذبة للمستثمرين الأجانب من مختلف أنحاء العالم، خاصة في أعقاب تماسك أسعار العقارات خلال الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت أواخر عام 2008، وخلال أزمة الديون السيادية الأوروبية التي نشبت في أواخر عام 2010.
ويعد المستثمرون الخليجيون الأهم بالنسبة لقطاع العقارات في بريطانيا، حيث تمتلك صناديق استثمار سيادية وخاصة، ومحافظ استثمارية كبرى، أضخم العقارات وأغلاها ثمنًا في وسط العاصمة البريطانية لندن، في الوقت الذي تتحدث فيه كثير من المصادر في السوق عن قلق في أوساط المستثمرين الخليجيين من انهيار في الأسعار عقب الاستفتاء. وبحسب إحصاءات وأرقام غير رسمية، تبلغ تقديرات استثمارات المواطنين الخليجيين في القطاع العقاري في بريطانيا نحو 65 مليار دولار، تنصب أغلبها في لندن واسكوتلندا وويلز.

فرص الخليج

وأشارت توقعات محللين عرب وأجانب في مطلع الأسبوع الماضي إلى أن شهية المستثمرين من الخليج الجدد قد تزداد خلال الفترة المقبلة لاقتناص فرص عقارية «جديدة» في بريطانيا مع الأسعار التي ستتجه إلى الانخفاض حتى نهاية العام، ما قد يرفع إجمالي الاستثمارات هناك إلى نحو 100 مليار دولار، لكن جانبًا من المحللين يرون عكس ذلك، حيث إن الأرقام ربما لا تتغير كثيرا - أو تنخفض - نتيجة اندفاع عدد من أصحاب الاستثمارات العقارية الحالية إلى البيع للتخلص سريعًا من الفجوة السعرية. وفي إطار المحاولات البريطانية لإنقاذ السوق العقارية من الانهيار أعلن بنك «إتس إس بي سي» في وقت متأخر عشية الاستفتاء، يوم الخميس قبل الماضي، أنه قرر خفض الفائدة على الرهون العقارية للمشترين لأول مرة إلى أقل من 1 في المائة، وهذا أدنى مستوى للفائدة على الرهون العقارية في تاريخ بريطانيا، إذ لم تهبط من قبل إلى هذا المستوى، سواء خلال فترة الطفرة أو حتى خلال الركود الذي تزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت أواخر عام 2008.
ويعد «إتش إس بي سي» أكبر لاعب في السوق العقارية البريطانية وأكبر مقرض على الإطلاق، مما يجعل قراراته ذات تأثير سوقي بارز ومؤشر غاية في الأهمية على السياسات التي تنتهجها البنوك الأخرى. وتعاني سوق العقارات في بريطانيا من ركود ملموس منذ عدة أشهر، بسبب الاعتقاد بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يؤدي إلى انهيار في هذا القطاع، حيث إن نسبة كبيرة من الطلب على الوحدات السكنية يأتي من مهاجرين أوروبيين يتدفقون على بريطانيا للعمل والعيش فيها بسبب أن أوضاعها الاقتصادية أفضل حالاً من غيرها من دول أوروبا.
كما يرى كثير من المتابعين للسوق أن «جزءًا من مشكلة الفقاعة العقارية البريطانية، وسوقها الذي خرج في أجزاء كثيرة وهامة منه عن نطاق سيطرة الطبقة الوسطى إلى حد بعيد، كان يعود إلى أن بريطانيا عضو بالاتحاد الأوروبي، بما يحمله ذلك من تيسيرات وتسهيلات لأثرياء العالم من جهة، مما جعل عملية المزايدة تخرج عن نطاق العقل في كثير من الأحيان.. مع مزاحمة مواطني أوروبا لأهل بريطانيا في المساحات المحدودة للتطوير العقاري من جهة أخرى، مما أسفر عن موجة غلاء فاحشة».
من جهة أخرى، يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن تأثير «البريكست» العقاري قد يسفر عن رد فعل عكسي يصب في مصلحة الأسواق العربية، إذ إن الركود المتوقع في الاقتصاد البريطاني قد يدفع المستثمرين البريطانيين والغربيين إلى التوجه بصورة أكثر كثافة إلى أسواق عقارية بالشرق الأوسط، وقد تتجه البوصلة بشكل كبير إلى دبي ومصر والسعودية.



«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
TT

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)

تبرز المنازل الذكية خياراً جديداً في أسلوب الحياة مع التسارع الذي تشهده التقنيات المنزلية؛ مما يعتقد أنها تجعل الحياة أسهل من خلال التحكم في مرافق المنازل عبر الهاتف المحمول، الأمر الذي يضم هذا الاستخدام ضمن استخدامات كثيرة عبر تلك الأجهزة المحمولة.
ويمكن الآن التحكم بكل شيء في المنزل وفق طرق سهلة، سواء كان ذلك تشغيل الإضاءة أو فتح الستائر، أو تشغيل الواي فاي، أو تعديل درجة الحرارة، وفتح وإغلاق قفل الباب الأمامي، وحتى إشعال وإطفاء الموقد، حيث يقضي معظم الأفراد أغلب أوقاته في المنزل أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك التفكير بالتكنولوجيا عندما التواجد في المنزل يكون أقل مقارنة بالخارج فيما عدا تقنية الواي فاي.
غدت الصورة عن المنزل التي تتمثل بأنه مكان خالٍ من التكنولوجيا على وشك التغيير، فحان وقت النظر إلى الأجهزة الكثيرة المتناثرة في أنحاء المنزل، سواء كان التلفزيون في غرفة المعيشة، أو الثلاجة في المطبخ، أو المكيّف في غرف النوم، أو حتى جهاز تسخين المياه في الحمامات. وأصبح الأفراد محاطين بالإلكترونيات التي يتم وصفها بالأجهزة الذكية بشكل متزايد كل يوم، فهي تملك أجهزة استشعار تمكّنها من تسجيل البيانات ومشاركتها عبر الإنترنت. ويوجد اليوم نحو 31 مليار جهاز متصل بالإنترنت، ومن المفترض أن يرتفع هذا العدد إلى 75.4 مليار بحلول عام 2025، وفقاً لتقديرات وكالة الأبحاث «ستسيتا».
ولا شك بأن السؤال الذي يسيطر في الوقت الحالي هو، متى ستصبح المنازل أكثر ذكاءً عبر وصل جميع هذه الأجهزة بمركز واحد، ليتم التمكن من القياس والتحكم بكل شيء داخل المنازل. وتتجاوز رؤية المنزل الذكي مفهوم الراحة، حيث ستكون التقنيات الجديدة ذات تأثير عميق وإيجابي على الصحة من خلال مراقبة النظام الغذائي وظروف البيئة المحيطة في الأشخاص ورفاهيتهم بشكل عام. وسيتمكن الأطباء بفضل التكنولوجيا من معرفة حالة الأشخاص بالوقت الفعلي كما سيكون تاريخهم الطبي في متناول اليد قبل حتى إخبار الأطباء به. وعلاوة على ذلك، ستمكن المنازل الذكية العاملين في الرعاية الصحية من علاج الأمراض بشكل استباقي.
وسيمتد تأثير التكنولوجيا أيضاً إلى طريقة التعليم والتعلُّم عند وصل أجهزة التعلم الخاصة بالأطفال بأجهزة معلميهم، لتعزيز التفاعل والتعليم المخصص، وسيزداد التركيز على التدريس عبر الوسائط المتعددة، حيث سنتمكن من تحقيق فكرة غرف الدراسة الافتراضية على أرض الواقع، وسيتمكن البالغون أيضاً من إكمال دراستهم من النقطة التي توقفوا عندها، وذلك عبر الدورات التي تم تطويرها للتعلّم المنزلي والتي يمكن بثها على شاشات الأجهزة.
وتعد البيئة المحرك الأهم لتقنيات المنزل الذكي، وخاصة بما يتعلق بتأثير الأشخاص عليها، حيث تستطيع الأتمتة المنزلية الذكية أن تخفّض استهلاك الطاقة والمياه في المباني إلى حد كبير. وصحيح بأن المستهلك سيستخدم المزيد من الأجهزة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، إلا أن حلول المنزل الذكي المدعمة بالذكاء الصناعي تستطيع أن تتعرف على سلوك من يعيشون في المنزل وتشغيل الأجهزة أو إيقافها استناداً إلى الروتين اليومي للمستخدم. وسنتمكن مع هذه الحلول الذكية عبر نظرة واحدة على الهواتف المحمولة من معرفة مقدار الطاقة والمياه المستهلكة وتكلفتها. وبالنظر إلى ارتفاع تكلفتهما بشكل مستمر، سيضطر أصحاب المنازل والمرافق والحكومات إلى البحث عن طرق أفضل وأكثر فاعلية للحد من التلوث البيئي، وجعل الحياة أكثر استدامة.
وقد تبدو هذه الأفكار التقنية بعيدة التحقيق، إلا أنها حالياً في مراحل التصميم في مشاريع مثل «نيوم»، المبادرة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، والتي تعد حجر الأساس في «رؤية السعودية 2030»، كما أنها وصفت كأضخم مشروع حضري في العالم اليوم. وستعيد هذه المبادرة تعريف طريقة العيش وستركز في جزء كبير منها على المنازل.
وقال نجيب النعيم، رئيس مجلس إدارة العمليات في «شنايدر إلكتريك» السعودية: «سيكون لمبادرة (نيوم) تأثير غير مباشر على المنطقة بشكل عام، وينبغي أن تصبح المنازل الذكية القاعدة السائدة في الشرق الأوسط بحلول عام 2030. ويبدو لنا أن المنازل الذكية ستستمر في النمو مستقبلاً؛ مما يعني أن طريقة عيشنا اليومية ستتغير بشكل كبير». وبدأت الشركة الاستثمار في أتمتة المنزل الذكي منذ عقود من الزمن، ويعتقد النعيم بأن طريقة عيشنا «ستكون مختلفة بشكل جذري في المستقبل».

التطورات في تقنيات المنزل الذكي
تتطور التكنولوجيا اليوم بوتيرة متسارعة وتقنيات المنزل الذكي ليست استثناءً، والتساؤل يتمحور في معنى هذا التطور من حيث الأداء العملي، وكيف يمكن أن تؤثر البيوت الذكية على الحياة.
الذكاء الصناعي: سيكون الذكاء الصناعي في صميم التقنيات في المنازل المستقبلية، وستتمكن المنازل الذكية من تتبع موقع الأشخاص داخل المنزل، إما عن طريق جهاز استشعار إلكتروني يتم تركيبه على الملابس أو أجهزة استشعار إلكترونية داخل المنزل. وسيمتلك المنزل القدرة على تحديد هوية الأشخاص وأماكنهم، وسيستخدم هذه المعلومات لتلبية الاحتياجات وتوقعها أيضاً. وسيكون المنزل قادراً على ضبط كل شيء بدءاً من التدفئة والتبريد إلى الموسيقى والإضاءة، وكل ذلك حسب احتياجات الشخص الذي سيدخل من باب المنزل.
الإضاءة الذكية: ستُحدث الإضاءة الذكية ثورة في طريقة إضاءة المنازل، فهي تعمل على ضبط نفسها تلقائياً من خلال الكشف عن وجود الأشخاص في الغرفة، وحال خروجهم من هناك، تصبح الأنوار خافتة أو يتم إطفاؤها تماماً. كما يمكن أن تطبق الإضاءة الذكية على نشاطات الأشخاص؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لأجهزة استشعار الضغط إطفاء الأنوار عند الاستلقاء في السرير بعد وقت معين، وستكتشف المستشعرات استيقاظ الأفراد لاستخدام الحمام وتقوم بتشغيل الإنارة. وتضبط الإضاءة درجة سطوعها تلقائياً وفقاً لفترات اليوم، وسيتذكر المنزل الذكي الروتين الخاص بالمستخدم ليتمكن من تخصيص كل جهاز في منزلك حسب الرغبة.
الأقفال الذكية: يمكن أيضاً برمجة الأقفال الذكية وفقاً لاحتياجات الأفراد، فيمكن السماح للزوار بالدخول أو منعهم بناءً على سمات تعريفية محددة. كما يمكنك السماح بالدخول لشخص ما، مثل حامل البريد عن بُعد. ويمكن إرسال رموز فتح الأقفال الافتراضية عبر تطبيق إلكتروني وفتح الباب عبر استخدام الهاتف المحمول.
مراقبة المنزل: تستطيع الأنظمة الأمنية الذكية مراقبة المنزل بشكل مستقل، والإبلاغ عن أي حوادث غير مسبوقة لمالك المنزل، وإبلاغ خدمات الطوارئ إذا لزم الأمر. وتستطيع المنازل الذكية أيضاً مراقبة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، فتقدم لهم يد المساعدة كتذكيرهم بتناول أدويتهم وضمان إتمامهم للمهام اليومية بنجاح وأمان. وفي حالات الطوارئ كالسقوط أو الحوادث، سيتمكن نظام المنزل الذكي من إخطار خدمات الطوارئ والسماح لهم بالدخول تلقائياً.
نظام التكييف: يعد التكييف من الضروريات الأساسية في دول الخليج، وعلى الرغم من ذلك لن يتغير قريباً، فإن الحلول المنزلية الذكية يمكن أن تقلل استهلاك الطاقة التي نستخدمها لتشغيل أنظمة التبريد لدينا في الصيف وأنظمة التدفئة في الشتاء بشكل كبير. فمن خلال التعلم الذاتي لسلوك واحتياجات الأسرة بالنسبة لتدفئة وتبريد المنزل مع مرور الوقت وإقران تلك المعلومات مع درجة الحرارة داخل المنزل وخارجه، يستطيع منظم الحرارة الذكي تقليص قيمة فواتير استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المائة أو أكثر؛ مما سيختصر على الوالدين تأنيب الأطفال للتوقف عن العبث بمفتاح الطاقة.
طريقة دمج الأجهزة الذكية بنظام المنزل الذكي: يملك كل واحد منا الكثير من الأجهزة الذكية في المنزل والتي يمكن وصلها بشبكة الإنترنت. وما يحتاج إليه معظم الأشخاص هو وسيلة بسيطة بأسعار معقولة لإيصال جميع هذه الأجهزة بنظام واحد. ويؤمن نجيب النعيم من شركة «شنايدر إلكتريك» بأن تطبيق ويزر الذي أطلقته الشركة ومفهوم المنزل المتصل المتطور (سكوير دي) ربما يكون الحل المثالي لمن يبحثون عن تقنية المنزل الذكي الرائدة اليوم.
وقال النعيم «سيتطلب تحقيق ذلك شركة ذات خبرة بالطاقة والكهرباء والخدمات الرقمية والأجهزة والبرامج لتنشئ جهاز تحكم المنزل الذكي الذي نحتاج إليه جميعاً. ويعمل تطبيق (ويزر) من جهاز واحد نحمله بيدنا دائماً هو الهاتف المتحرك. ومن خلال وصل كل جهاز لدينا في المنزل بالإنترنت والتحكم به عبر (ويزر) سنتمكن من مراقبة كافة أجهزتنا والتحكم بها بطريقة آمنة ومن جهاز واحد».
وتهدف «شنايدر» على المدى الطويل إلى إضافة مستشعرات في جميع المعدات الكهربائية في المنزل لتتيح قياس استهلاك الطاقة والتحكم بالأجهزة، إما مباشرة أو من خلال الذكاء الصناعي، ومساعدة أصحاب المنازل والمباني على إنشاء «شبكات كهربائية صغيرة» من خلال دمج البطاريات وأجهزة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية. وبهذا قد تصبح الأسلاك الكهربائية والمقابس والقواطع الخاصة بك العمود الفقري الذكي لمنزلك المستقبلي.
«شنايدر» هي من المشاركين في مبادرة «موطن الابتكار» التابعة لشركة «سابك»، وهي مشروع يهدف إلى إنشاء منزل تجريبي متكامل بأثاثه لتوفير تجربة عيش حديثة ومريحة ومستدامة، وإلى رفد السعودية بالمشاريع المستدامة. ويعرض مشروع «موطن الابتكار» ما يمكن تحقيقه عندما تتعاون الشركات العالمية مع رواد الأبحاث مثل «سابك» لابتكار أفكار جديدة من شأنها أن تثير اهتمام السعوديين وتُطلعهم على ما ستبدو عليه منازلهم في المستقبل.
وقال النعيم: «لم تتغير منازلنا كثيراً على الرغم من كمية التقنيات المحيطة بنا. وأصبح ذلك على وشك التغيير، فسنستذكر مستقبلاً الماضي بعد عقد من الزمن، ونتساءل لماذا لم نختر مفهوم المنزل الذكي في وقت أبكر. وسيحدث ذلك ثورة في طريقة راحتنا وعملنا ولعبنا. وأعتقد أن السعودية ستقود مسيرة التطور التقني في المنازل الذكية بفضل مشاريعها الرائدة مثل (نيوم)».