جنوب أفريقيا.. من دولة عنصرية إلى {قوس قزح}

الطبيعة في أبهى صورها

جنوب أفريقيا.. من دولة عنصرية إلى {قوس قزح}
TT

جنوب أفريقيا.. من دولة عنصرية إلى {قوس قزح}

جنوب أفريقيا.. من دولة عنصرية إلى {قوس قزح}

جنوب أفريقيا هي ثاني أكبر اقتصاد أفريقي بعد نيجيريا، وهي من أشهر الوجهات السياحية في القارة، وتستقبل سنويًا ما يزيد على عشرة ملايين سائح. وهي الدولة التي تشتهر برئيسها السابق نيلسون مانديلا وبتنظيم بطولات عالمية ناجحة في الرغبي وكأس العالم لكرة القدم. ولكن معظم زوار جنوب أفريقيا يأتون إليها للاستمتاع بالطبيعة الأفريقية المتنوعة بين رحلات السفاري والشواطئ والجبال والوديان والمدن الكبرى.
ورغم بعض المشكلات الهيكلية التي يعاني منها اقتصاد جنوب أفريقيا، مثل ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وعدم العدالة في توزيع الثروة، فإنها تتمتع بأمان نسبي للسياح ويزداد الإقبال عليها عامًا بعد عام بنسبة سبعة في المائة.
ووفقًا لمجلس السياحة العالمي، فإن الدخل السنوي من السياحة لجنوب أفريقيا يبلغ 6.4 مليار دولار، وهي صناعة توفر وظائف لنسبة 10.3 في المائة من الأيدي العاملة في جنوب أفريقيا. وتأتي النسبة الغالبة من السياح إلى جنوب أفريقيا من الدول المجاورة ومن أوروبا. واهم عوامل الجذب السياحي الطبيعة المتنوعة ومحميات الحيوانات الوحشية والثقافة المتنوعة.
وتعد رحلات السفاري من أشهر عوامل الجذب السياحي للبلاد، وهي رحلات يمكن للمشارك فيها مشاهدة كل الحيوانات الوحشية بأنواعها في بيئتها الطبيعية. وأهم المحميات في جنوب أفريقيا هي «كروغر بارك» وتقع في غرب البلاد، وهي أكبر محمية طبيعية في قارة أفريقيا، وتم تأسيسها في عام 1926. ويزروها سنويا نحو مليون ونصف مليون زائر.
وتتنوع الطبيعة النباتية في جنوب أفريقيا وفقًا لتنوع المناطق بين الوديان والجبال والمواقع الجغرافية المختلفة. وأغنى المناطق بالثروة الزراعية هي منطقة كيب الغربية التي يزورها مليونا زائر سنويا للاستمتاع بطبيعتها الخلابة والصعود على تلال تايبل ماوتن، الشهيرة التي تفتح مجال الرؤية لعشرات الأميال في كل الاتجاهات.
من الأفكار التي تقدمها الشركات السياحية رحلات بحرية لمشاهدة الحيتان في جنوب المحيط الأطلسي، وزيارة الحدائق النباتية بالقرب من كيب تاون، وتناول الوجبات على الشواطئ ورحلات المشي في مناطق جبلية.
من التوجهات السياحية الجديدة في جنوب أفريقيا محاولات للاعتماد على السياحة البيئية. وتشرف على هذا التوجه مؤسسة خاصة اسمها «ساتسا» تمثل القطاع السياحي ولا تهدف للربح. وهي تهدف إلى تشجيع السياحة البيئية المستدامة، بالإضافة إلى المحافظة على مستويات راقية للخدمة من الشركات التي تتمتع بعضوية المؤسسة.
وهناك كثير من الجوانب الثقافية والتراثية التي تجذب السياح إلى جنوب أفريقيا، منها آثار الحضارات الأفريقية القديمة فيها، ومناطق الحفريات التي يقال إنها كانت المهد الأول للإنسانية في أفريقيا بالإضافة إلى معالم لها دلالات معنوية، مثل جزيرة روبن التي سجن فيها نيلسون مانديلا وقلعة غود هوب التي تطل على أقصى جنوب القارة الأفريقية. وهناك أيضًا منطقة سويتو التي كانت مهد الثورة على التفرقة العنصرية في البلاد..
وفي جنوب أفريقيا، توجد 8 مواقع تراث إنساني وفقًا لتصنيف منظمة اليونيسكو، منها محميات طبيعية اسمها «سيمانغالسكو ويتلاند بارك» و«يوكالامبا دريكسبرغ بارك» و«كوالا زولو ناتال». وتشمل المواقع جزيرة روبن آيلاند وموقع طبيعي بالقرب من مدينة كيب تاون ومهد الإنسانية، وغيرها.
ويحتاج المسافرون من الدول العربية إلى جنوب أفريقيا إلى تأشيرات دخول يتعين الحصول عليها شخصيًا من قنصليات وسفارات الدولة. ويعفى من التأشيرة حاملو جوازات سفر أوروبية أو أميركية أو لاتينية، بالإضافة إلى مواطني كندا وأستراليا واليابان. وتقوم شركات الطيران العربية برحلات مباشرة إلى مطارات جنوب أفريقيا، منها «طيران الإمارات» و«القطرية»، بالإضافة إلى خطوط طيران جنوب أفريقيا.
وتشمل نصيحة وزارة الخارجية البريطانية للمسافرين إلى جنوب أفريقيا الحذر أثناء الإقامة لأن معدلات الجرائم عالية في البلاد، وإن كانت السلطات تبذل الكثير من الجهد لتوفير الحماية والأمان للسياح. وتقع معظم الجرائم في مناطق عشوائيات تسمى تاون شيبس.
ويتعين على السياح عدم الاحتفاظ بأشياء ثمينة في حقائب السفر المشحونة نظرًا لارتفاع معدلات السرقة من داخل مطار جوهانسبورغ، والاحتفاظ بالنقود والكاميرات في حقيبة اليد. وتشمل النصائح عدم استبدال أو إظهار كميات كبيرة من النقد في الأماكن العامة. ويجب أيضًا الحرص عند القيادة في المناطق البعيدة والمهجورة مثل زولو لاند وزولو ناتال، حيث يستمر خطر الخطف وسرقة السيارات. ويجب عدم التوقف لمساعدة سيارات معطلة على الطريق لأن ذلك يستخدم أحيانا كوسيلة لخطف السيارات والاعتداء على راكبيها. ويجب الحرص أيضًا عند السباحة البحرية حيث التيارات القوية تسبب غرق كثير من السباحين سنويا. كما يجب الحرص بصفة عامة في المسائل الصحية مع ملاحظة أن جنوب أفريقيا ينتشر فيها الإيدز بنسبة كبيرة.
من أهم الوجهات التي قد تهم السائح العربي في جنوب أفريقيا:
- محمية كروغر: وهي من أكبر واهم محميات الحيوانات الوحشية في أفريقيا وبها كثير من المنتجعات المتنوعة بداية من فنادق بالإفطار وحتى شاليهات الخدمة الشاملة. ويمكن لشركات السياحة «تفصيل» رحلات مناسبة لكل مسافر سواء كانت عائلة بأطفال أو مجموعة من الشباب. وتمتد محمية كروغر على مساحة 20 ألف كيلومتر مربع وهي تزخر بكل أنواع الحياة البرية، منها 147 نوعًا من الحيوانات و507 أنواع من الطيور، و336 نوعا من الأشجار. وتقع المحمية في شرق البلاد على الحدود الجنوبية مع زيمبابوي والشرقية مع موزمبيق.
- منطقة الحدائق والكيب الشرقية: وهو منطقة تمتد لمسافة 300 كيلومتر على شواطئ جنوب أفريقيا وتعد من أجمل مناطق البلاد، حيث تنتشر فيها الحدائق والغابات. والمتجول في هذه المنطقة يمر بشواطئ رملية وبحيرات وتلال مغطاة بالخضرة، وغابات بها شبكات طرق وممرات. ويذهب السياح إلى هذه المنطقة القريبة من كيب تاون بالسيارات وهم يختارون بين الجولات الخاطفة بالطريق السريع أو التجول في الطرق الفرعية التي تمر بالغابات والجبال. وفي منتصف الجولة السياحية تقع مدينة كريسنا السياحية التي توفر جولات سياحية في أطرافها وتشتهر بوجبات بحرية طازجة.
- منطقة الكيب الشمالية: وهي أكبر مناطق جنوب أفريقيا مساحة، وأقلها سكانًا، وهي تقع على حدود صحراء كالهاري وتمتد حتى شاطئ المحيط الأطلسي بين كيب تاون جنوبًا وحدود ناميبيا شمالاً. وهي منطقة قاحلة معظم فترات العام، ولكنها مع أمطار الشتاء تتحول إلى منطقة خضراء تموج بالأزهار البرية. وهي مناطق كانت تلوذ بها قبائل جنوب أفريقيا هربًا من غزوات البيض لبلادهم، وتنتشر فيها رسوم الكهوف لمختلف أنواع الحيوانات. ومن أهم معالم المنطقة جبال سيدربيرغ شمال كيب تاون، وهي تشتهر بالشلالات، ويجتازها السياح مشيًا على الأقدام. وتعيش بعض أنواع الحيوانات في صحراء كالهاري.
- صحراء كالهاري: وهي منطقة سياحية جديدة يذهب إليها السياح لاستكشاف ما فيها من حياة برية. وتتسم رمال هذه الصحراء باللون الأحمر، وبها كثير من مشاهد الجمال الطبيعي، ويسكنها كثير من الطيور الجارحة ونوع من الأسود والعديد من الغزلان. وللحفاظ على توازن هذا النظام البيئي أقيمت محمية «كالاجادي ترانس فرونتير» بالتعاون بين جنوب أفريقيا وبوتشوانا لحماية منطقة تبلغ ضعف محمية كروغر في المساحة.
وهناك كثير من الجولات السياحية المتخصصة التي تنظمها شركات السياحة للاستفادة من التنوع الهائل في بيئة جنوب أفريقيا. من هذه الجولات الجمع بين كيب تاون وشلالات فيكتوريا وزيارة بوتشوانا، أو زيارة كيب تاون ومحمية كروغر وشلالات فيكتوريا. وتوفر بعض الشركات إمكانية الجولات بالسيارة إلى منطقة الكيب الغربي أو محمية كوازولو ناتال.
ومن أهم الأنشطة التي يمكن للسياح القيام بها في جنوب أفريقيا رياضات المشي والجري وتسلق الجبال والغوص والسباحة والتجديف. كما توفر البلاد كثيرًا من الطرق الجيدة ومراكز خدمة السيارات التي تتيح سياحة حرة بواسطة استئجار وقيادة السيارات.

جنوب أفريقيا في سطور
يزور جنوب أفريقيا سنويا ما يزيد على عشرة ملايين سائح. وبعد أن ظلت طويلاً دولة عنصرية منقسمة على نفسها ويفرض عليها المجتمع الدولي كثيرًا من العقوبات، تحولت إلى ما أطلق عليه الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا دولة «قوس قزح» نظرًا لتعدد الأجناس والألوان للشعوب التي تسكن فيها.
وأسهم في التعريف الدولي بجنوب أفريقيا إقامة بطولة كأس العالم لكرة القدم فيها في عام 2010. ويذهب السياح إلى جنوب أفريقيا للاستمتاع بطبيعتها المتنوعة من 1500 كيلومتر من الشواطئ على المحيطين الهندي والأطلسي إلى مناطق السافانا والصحراء.
ويأتي معظم سياح جنوب أفريقيا للاستمتاع برحلات السفاري أو الذهاب إلى الشواطئ. وبعضهم يذهب لزيارة المدن الكبرى مثل جوهانسبورغ وكيب تاون. وخلال فترات الصيف في نصف الكرة الشمالي توفر جنوب أفريقيا طقسا شتويا معتدلا يصلح أكثر لرحلات السفاري.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».