نوح فيلدمان يثير قضية «الشريعة»

قراءة في {سقوط الدولة الإسلامية ونهوضها}

نوح فيلدمان يثير قضية «الشريعة»
TT

نوح فيلدمان يثير قضية «الشريعة»

نوح فيلدمان يثير قضية «الشريعة»

مثل كتاب نوح فيلدمان «سقوط وقيام الدولة الإسلامية»، (الصادر سنة 2014 عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر)، واحدة من المحاولات العلمية الغربية البارزة التي حاولت مناقشة تفكك واستعادة الدولة لقوتها في الجغرافية السياسية الإسلامية. وتدور أطروحته المركزية حول النظام الديمقراطي الدستوري، وارتباط الشريعة بسيادة القانون، وما يطرحه ذلك من تحديات تتعلق ببناء نظام مؤسساتي يحدد شكل الدولة الإسلامية، ويضفي عليه طابعا ديمقراطيا متجددا تسود فيه العدالة، ويتجاوز الهيكل التنظيمي الموروث، الذي يمنح الأولوية لسلطة تنفيذية مستبدة. ويتجاوز اختلال التوازن القائم بين السلطة الرقابية والتشريعية التي مارسها العلماء؛ وكذلك سلطة الحاكم التي توسعت، وأضعفت تاريخيا قدرات النزعة الدستورية الإسلامية الرامية لخلق منظومة مؤسساتية للحكم السياسي قائم على الشريعة.
يمكن القول: إن محاولات البروفسور نوح فيلدمان، أستاذ القانون في جامعة هارفارد الأميركية، ومؤلف لكتب ودراسات متعددة حول قضايا الشرق الأوسط، تتحدد في سؤال «هل يمكن أن تنجح الدولة الإسلامية الجديدة؟». علما بأنه يستحضر دور الإرث السياسي وإلغاء الخلافة، وما استتبعه من فقدان «الشريعة سموها الرسمي، وتم تنزيل رتبة العلماء الذين كانوا حماة الشرع وعزلهم، وأعلنت الدولة الجديدة التي حلت محل القديمة انفصالها عن سابقتها» (ص 42) من جهة. ومن جهة ثانية، يستحضر تجربة المجتمع، الذي عاش في ظل دستور عرفي يتطور على الدوام منذ العصر الأموي، والعباسي، والعثماني؛ وصولا إلى تاريخنا المعاصر، الذي ظهرت فيه الحركات الإسلامية، التي ينادي بعضها بدستور الشريعة، في ظل الدولة القُطرية.
يرى الكاتب، أن هناك فشلاً واضحًا للعلمانية وتجربتها في الحكم عربيًا، سواء ارتبطت العَلمنة باشتراكية الدولة وقوميتها أو ليبراليتها طيلة القرن العشرين. ومع ذلك لم يخف الصراع بين التيارات السياسية الوطنية، وصراع هذه الأخيرة مع الاستعمار؛ الدعوة إلى الإسلام باعتباره حلا للمشكلات السياسية في العالم الإسلامي. بل إن تفاعلات مسار التاريخ السياسي للدولة العربية المعاصرة، زاد من حدة المطالب الشعبية الرامية لاستعادة نموذج مثالي للسلطة يطلق عليه «الخلافة الإسلامية».
لا يعود بنا فيلدمان، ليشرح بالتفصيل مضمون الأطروحات الدستورية التقليدية، والحديثة أو المعاصرة، بالقدر الذي اهتم بالنظرية العامة للنظام السياسي. وليس من الغريب أن نجده يهمل، أطروحات حديثة لها بالغ الأثر في واقع الفكر الدستوري الإسلامي المعاصر. فلا نجد أن أستاذ القانون بهارفارد، يستحضر وهو يحلل التوجهات الدستورية المعاصرة ما طرحه الكثير من المنظرين الإسلاميين من مثل أبي الأعلى المودودي، في كتابه «نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور»، الذي شكل لفترة زمنية مهمة مرجعا نظريا لمحاولات الحركات السياسية الإسلامية لاستعادة المعنى والنموذج الإسلامي للدولة.
يميز المودودي بين الحاكمية القانونية والحاكمية السياسية، ويربط الأولى بحق الله في التشريع للمسلمين، بينما الثانية تخص تنفيذ الأحكام الربانية. فالدولة الإسلامية عند المودودي، دولة الحاكمية، و«الحاكمية بكل معنى من معانيها لله تعالى وحده، فإنه هو الحاكم الحقيقي في واقع الأمر»، (المودودي: نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، الدار السعودية، جدة، طبعة 1985، ص211). أما فيلدمان، بروفسور القانون، فإنه يسجل أن تطور التنظير السياسي الدستوري للإسلاميين، لا يستند إلى المنظومة التقليدية؛ بل يعمل على تجاوزها، وتجاوز استنادها إلى ركيزة العلماء، واعتبارهم الهيئة التشريعية والرقابة للحاكم. والإسلاميون كذلك لا يسعون لاستعادة النظام الشرعي الإسلامي القديم؛ بل إنهم من الناحية النظرية والعملية، انخرطوا في نظام الدولة الحديثة، التي جعلت من الدولة مؤسسة المؤسسات المتعددة، التي تشمل السلطة التنفيذية، والقضائية، والتشريعية، وجعل من موظفيها جزءا من منظومة مدنية للحكم السياسي.
وعلى الرغم من أن الإسلاميين يعظّمون العلماء، فإنهم لا يعتبرونهم عصب الدولة، أو مصدر السلطة، أو الرقابة، أو رجال مؤسسات الدولة المعاصرة. بل إن التوجه الجديد يعتمد سياسة تعوض العلماء بمدنيين في الوظائف العامة، ولا تترك للعلماء غير الدور الاستشاري في نظام الحكم. إن الإسلاميين يطرحون ويتبنون، في الواقع، دعوة مستجدة، تأسيسية لدولة إسلامية جديدة: «والنتيجة أن اقتراحهم الدستوري القائم على الشريعة لا يمثل الدستور الإسلامي الكلاسيكي، بل شيئا مختلفا جدا، إنها مجموعة جديدة من الترتيبات الدستورية المُؤَسلمة»، (سقوط الدولة ونهوضها، ص 143).
من جهة أخرى، يظهر فيلدمان بمظهر المحامي المدافع عن الإسلاميين، وهو ينتقد التصورات الغربية المغلوطة حول الخبرة والتصورات الدستورية الإسلامية. ويعتبر أن كتّاب وفلاسفة من أمثال منتسكيو وماكس فايبر وغيرهم، كرسوا هذا الخطأ الفكري؛ وبالتالي يصعب على الغرب اليوم تصور عودة مؤسساتية ودستورية ديمقراطية للدولة الإسلامية. كذلك، يصعب عليه إدراك حقيقة «صعود الدعم الشعبي للشريعة الإسلامية في العالم الإسلامي مرة أخرى، وتأثير ذلك في الغرب وفي الشرق».
ولهذا لجأ فيلدمان في الدفاع عن وجهة نظره، إلى المنهجية التحليلية لتجربة التاريخية الإصلاحية العثمانية، وعرضه للتغيير الدستوري الذي أدى إلى تعويض العلماء بأجهزة تشريعية وإدارية حديثة تدور في إطار الإنتاج الغربي. وهنا لم يعد النظام السياسي المقنن في حاجة إلى العلماء لاكتساب الشرعية. وفي الإطار نفسه، يؤكد صاحب الكتاب أن الترتيب الدستوري العثماني الجديد، لم يعلن الانفصال التام عن الشريعة والقيم السياسية الإسلامية التي ترتكز على العدالة والمساواة، وإن كان يدور أساسا في مجال الأحوال الشخصية.
وبناءً على استقراء الخبرة التاريخية الدستورية، فإن «الدولة الإسلامية الحديثة يمكنها تقديم العدالة القضائية والسياسية لمسلمي العصر الحديث، ولكن فقط إذا تم إنشاء مؤسسات جديدة تستعيد التوازن الدستوري بين القوى والسلطات». هذه الإمكانية لم تعد بعيدة المنال، وبخاصة أمام التوسع السوسيولوجي لظاهرة المطلب الشعبي بالعودة لقيم الشريعة الإسلامية. وهي ظاهرة تستحق في نظر فيلدمان طرح إشكالية جديدة من الناحية السياسية والدستورية، يمكن تلخيصها في السؤال التالي «لماذا يطالب الناس الآن بعودة الشريعة وينجذبون إليها رغم أن أجدادهم في العصر الحديث نبذوها ووصفوها بأنها أثر من الماضي السحيق؟».
لقد حاول نوح فيلدمان الإجابة في هذا الكتاب عن هذا السؤال، وتقديمه للفكر الغربي المعاصر الذي أصيب بتشوش تصوري تجاه قضايا الشريعة والسياسة في العالم العربي الإسلامي. ولذلك تعمد تذكير القارئ: «إن القوى الغربية تعتبرها (أي الشريعة) تهديدا للديمقراطية، في حين أن الحركات الإسلامية تكسب الانتخابات بسببها، ويستخدمها الإرهابيون لتبرير جرائمهم. فما هي الشريعة؟ ولماذا لها هذه الشعبية الجارفة بين المسلمين رغم الأحكام الجنائية القاسية فيها؟ وهل يمكن لدولة إسلامية أخرى أن تنجح؟ بل هل ينبغي لها أن تنجح؟».
لتجاوز هذا الإشكال، يحيل فيلدمان على الواقع العربي بعد الحراك في 2011، وعاد في المقدمة الطويلة لطبعة الكتاب سنة 2012 لتقديم مزيد من المؤشرات الدالة على تطور فكر الإسلاميين الدستوري والديمقراطي، معتبرا «الدعوة إلى الشريعة هي دعوة إلى سيادة القانون». ومن جانب ثان، فإن الحكومات العربية الديكتاتورية التي اتسمت بعدم توازن السلطة تواجه اضمحلالاً متزايدا. غير أن الكاتب يشير إلى جانب ثالث في يرتبط مركزيا بأطروحة الكتاب، ويتعلق «بالتحديات الدستورية التي يواجهها الديمقراطيون الإسلاميون عندما تسنح لهم الفرصة حقا لتحديد شكل الدولة الجديدة: تحديات إضفاء الطابع الديمقراطي والمؤسساتي على الشريعة يقوم اليوم إصلاحيون دستوريون في تونس ومصر بحله» (ص 35).
غير أن الأكاديمي الأميركي عاد وسجل ملاحظة صدقتها التجربة الراهنة لما بعد 2011، حيث قال: «إذا وصل الإسلاميون للحكم، لكنهم لم يتمكنوا من خلق مؤسسات توازن بين القوى واستعادة حكم القانون، فإننا جميعا (بما فينا الغرب) سنمر بفترة عصيبة». في الواقع سبق للكاتب في كتابه «ما بعد الجهاد» أن ناقش هذه القضية؛ إضافة إلى أن واقع توسع «داعش» بالعراق وسوريا، وتمددها في أفريقيا والغرب، وقدرتها على التجنيد، تلخص ما يرمي إليه فيلدمان حينما يدعو إلى خلق تواصل، بل ومساعدة الحركات الإسلامية الديمقراطية المعتدلة، على بناء نموذج دستوري ديمقراطي جديد، حتى ولو كان في ظل دولة إسلامية حديثة. لكنه في نهاية كتابه، يعود بنا لطرح سؤال مركزي يتعلق بما «إذا كان الإسلاميون، وهم في الحكم، قادرين فعلا على تحقيق سيادة القانون؟» كما يطرح مسألة لا تقل أهمية على أطروحة الكتاب المركزية، وترتبط بالمصداقية «فإذا كان الإسلاميون غير قادرين على توفير العدالة السياسية، سيجدون أنفسهم يفقدون مصداقيتهم مثل سابقيهم» (ص 179).
* اساذ العلوم السياسية جامعة محمد الخامس ـ الرباط



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».