حي مولنبيك.. «الأرض الخصبة» للتشدد والإرهاب في أوروبا

مساعٍ لتجفيف مصادر المتطرفين المالية من تجارة السلاح والمخدرات

حي مولنبيك حيث غالبية من السكان  من أصول عربية وإسلامية
حي مولنبيك حيث غالبية من السكان من أصول عربية وإسلامية
TT

حي مولنبيك.. «الأرض الخصبة» للتشدد والإرهاب في أوروبا

حي مولنبيك حيث غالبية من السكان  من أصول عربية وإسلامية
حي مولنبيك حيث غالبية من السكان من أصول عربية وإسلامية

في أعقاب تفجيرات العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والبلجيكية بروكسل في مارس (آذار) الماضي، وتورّط عدد من الشبان من سكان حي مولنبيك في بروكسل في هذه الهجمات - سواءً بالتخطيط أو التنفيذ أو تقديم المساعدة لمرتكبي التفجيرات - اكتسب الحي سمعته السيئة في جميع أنحاء العالم، وبات يوصف بأنه «نواة» أو «الأرض الخصبة» للتشدد والإرهاب في أوروبا.
في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» قالت فرنسواز سكيبمانس، عمدة بلدية مولنبيك، وهي بلدية معروفة بأن غالبية السكان من أصول إسلامية «إن الوضع في مولنبيك له خصوصية. ونريد أن نظهر للمؤسسات الأوروبية وضعية بروكسل بشكل عام وبلدية مولنبيك بالذات، وبخاصة أن الأخيرة تتمتع بظروف ووضعية خاصة، ونريد نشرح هذه الأمور للمسؤولين الأوروبيين، ولا سيما عقب توجيه انتقادات وإشارات بالاتهامات إلى هذه البلدية خلال الأشهر الماضية». وأضافت سكيبمانس «الجميع تألم وكانت هناك حالة من الحزن في أعقاب تفجيرات مارس الماضي، وتحديدًا، هنا في مولنبيك.. لكننا في أمس الحاجة إلى المزيد من التضامن، ونريد لكل سكان مولنبيك بصرف النظر عن عقيدتهم أن يتقاسموا الأنشطة والاحتفالات ويظهروا التضامن».
حاليًا يعيش في مولنبيك غالبية من المسلمين، الأبرز بينهم المغاربة والأتراك إلى جانب جنسيات أفريقية. وقالت سارة تورين، مسؤولة ملف الحوار بين الثقافات في مولنبيك خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»: إن «الحل الوحيد لمواجهة العنف والإرهاب يكمن في التعايش السلمي بين الجميع، وأن تلتقي بالآخر والتصدي للأفكار الخاطئة عن الآخر. نحن نستطيع أن نعيش معا رغم الاختلاف الثقافي، ونجعل من التنوع والاختلاف شيئا إيجابيًا. وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي أعلنت الحكومة البلجيكية بعض تفاصيل خطتها التي قالت عنها إنها تهدف إلى (تنظيف) بلديات عدة في العاصمة بروكسل، ومنها بلدية مولنبيك، التي وصفها البعض بأنها (بؤرة للتطرف)».
ولكن على الرغم من أن هذه البلدية ليست الوحيدة في البلاد التي تطرح مشكلة للسلطات بسبب تصاعد نسبة البطالة والأنشطة غير القانونية، فإن ارتباط اسم مولنبيك ببعض منفذي ومخططي هجمات إرهابية عدة جعلها تحتل مكان الأولوية بالنسبة لوزير الداخلية يان جامبون، الذي ينتمي إلى التيار اليميني المتشدد. وكان جامبون قد قال في تصريحات لوسائل إعلام محلية: إن مخططه يتضمن بالدرجة الأولى العمل على محاربة الاقتصاد الموازي المستشري فيها، فـ«المتطرفون من سكان البلدية هم رسميًا عاطلون عن العمل، لكنهم يحصلون على الأموال بفضل تجارة»، ثم تحدث عن نيته «زيادة الدعم للسلطات الإدارية البلدية ليتسنى لها القيام بعملها من ناحية ضبط عدد السكان وفرز القاطنين على أراضيها بشكل غير قانوني».
وشدّد الوزير البلجيكي على أن مخططه يتضمن زيادة عدد قوات الشرطة في البلدية ودعم إمكانياتها من أجل تفعيل عملها في التصدي للجريمة والمخالفات، وكذلك التحري حول شبكات التطرف والأشخاص الذين يعتزمون الذهاب إلى أماكن الصراعات للقتال إلى جانب مجموعات إرهابية. وتابع جامبون «عبر خطة مولنبيك، أرغب في معالجة الوضع المحلي في مجال الأمن، الذي تطور على مر السنين، والذي له تأثير التهديد في المستويين الوطني والدولي، في ارتباطه بالإرهاب والتطرف». وبالفعل، تشاورت أجهزة الداخلية مع عمدة مولنبيك، ودوائر الشرطة المحلية، والشرطة الفيدرالية ودائرة الأجانب ومختلف المكاتب الوزارية من أجل إعداد هذه الخطة. وأظهرت هذه الخطة أن مقاربة الظاهرة لا يمكن أن تتحدد في هذه البلدية وحدها، بل ينبغي أن تشمل منطقة أكبر تضم أحياء، منها سان جيل واندرلخت ولاكن (بروكسل المدينة) وكوكلبرغ وسكاربيك وسان جوس وفيلفورد (بارابانت فلامان).
من ناحية أخرى، توجّهت «الشرق الأوسط» إلى مقر بلدية مولنبيك، وسألنا عضو المجلس المحلي آناليزا جادليتا، عما تردد في وسائل الإعلام البلجيكية من أن السلطات المحلية والأمنية في مولنبيك تدرس مقترحًا لوزير الداخلية يتعلق بحملة تفتيش وتدقيق واسعة على كل مساكن الحي؛ للتأكد من عدم وجود أشخاص غير مسجلين في السجلات الرسمية، وهو الأمر الذي يفسره البعض بأنه محاولة للقبض على مطلوبين أمنيًا. وكانت المفاجأة في رد المسؤولة في السلطة المحلية، التي قالت: «اقتراح وزير الداخلية غير ملائم لنا حاليًا، فنحن لدينا خطوات أخرى أهم، وتتعلق بمواجهة الفكر المتشدد، وتفادي تأثر الشباب بهذا التشدد. وأنا أعتقد أن تفتيش كل المنازل هنا أمر صعب تحقيقه، ولا سيما إذا ما علمنا أن الحي يضم 38 ألف وحدة سكنية». ثم تساءلت «كيف سندقق في كل منزل على حدة؟ وكم عدد الموظفين والأمنيين المطلوبين لهذا الأمر».
«البعض من سكان الحي لا ينظرون إلى القضية من هذه الزاوية، بل لهم حسابات أخرى» كما يقول مراد، الشاب المغربي المقيم في الحي، ثم يضيف «أنا ضد مثل هذه الخطط، وأعتقد أن السلطات لو أقدمت على تنفيذ المقترح ستتعرض لانتقادات شديدة، وأنا أول من سينتقد هذه الخطوة». ويبرر مراد موقفه بالقول: «الواحد يكون مع زوجته وأولاده في البيت وفجأة يأتي من يفتش المنزل. هذا أمر غير مقبول؛ لأنهم إذا كانوا يبحثون عن شخص مطلوب أمنيًا، فهذا عملهم ولا بد لهم أن يحددوا في البداية المنزل الموجود فيه، ثم يقومون بالتفتيش.. وليس تفتيش كل المنازل».
وحقًا، واجهت خطة الحكومة القاضية بإجراء عملية تفتيش على كل منازل بلدية مولنبيك مصاعب وخلافات بين وزارة الداخلية والإدارة المحلية في البلدية - الحي. وحسب الوزير جامبون، تعد الحكومة لإرسال أعداد من الموظفين المدنيين في الوزارة لمساعدة السلطات المحلية في تنفيذ عملية تفتيش وتدقيق في كل المنازل؛ وذلك للتأكد من وجود فعلي للسكان المسجلة أسماؤهم في السجلات الرسمية في البلدية، والتحقق من وجود أشخاص آخرين من غير المسجلين بشكل رسمي.
وللعلم، كان الوزير قد صرح عقب تفجيرات باريس بأنه «يعيش في بعض بيوت مولنبيك عشرة أشخاص، بينما المسجلون رسميًا في البلدية يقل عن نصف هذا العدد، وهو وضع غير مقبول، وعلينا أن نعرف مَن يعيش على التراب البلجيكي». وأوضح جامبون في تصريحات على هامش ندوة حزبية ما يتداول يتعلق «بعنصر طارئ لخطة شاملة» من أجل هذه البلدية التي كانت تضم الكثير من منفذي هجمات الجمعة 13 نوفمبر بباريس أو المشتبه بهم.
وبعد يومين من وقوع هذه الهجمات، أعلنت الحكومة البلجيكية عن تطوير خطة منهجية تستهدف مولنبيك على وجه الخصوص. وبعد بضعة أيام عيّنت وزير الداخلية منسّقًا للوضع بفي مولنبيك، ويومذاك أعلن عن نيته تفتيش كل عنوان بالبلدة من طرف الشرطة المحلية، مضيفًا أنه يرغب في «القيام بالتنظيف». وعلى الأثر، علقت عمدة مولنبيك على تصريحات الوزير، بأنها تتحفظ عن كلمة «تنظيف»، واعتبرت أن عرض الوزير ليس الأنسب، أضافت: «العرض ليس ضروريًا لأن هذه مسؤولية رجال الشرطة وليس الموظف المدني... ومواجهة التشدد من صميم عمل الشرطة، وفور هجمات باريس بدأت شرطة مولنبيك بالفعل في إعداد قوائم بالعناوين التي ستقوم بزيارتها للتدقيق والتفتيش عن سكان هذه المنازل». ولفتت إلى أن هذه الزيارات يجب أن تضع في الحسبان وضعية سكان مولنبيك وظروفهم.
ويذكر هنا أن الوزير كان تحدث أيضا عن ضرورة اتخاذ تدابير في مجال التعليم وتطوير التخطيط الترابي وتكافؤ الفرص من أجل «إعطاء مستقبل للشباب ما بين 15 و16 سنة». ووافق مجلس الوزراء على مشروع مرسوم ملكي للمشروعات الرائدة التي تستهدف السيطرة على التطرف العنيف ومكافحة التطرف في عشر بلديات، من بينها مولنبيك بمبلغ إجمالي وصل إلى مليون يورو. وحول هذا قالت العمدة سكيبمانس «إننا نعيش في بلدية كبيرة الحجم، وفيها تنوع ثقافي، ولم نتخيل أن نصل إلى هذه الدرجة من التخوف بعد ظهور الراديكالية العنيفة. ولقد حذرت منذ سنوات طويلة من مشكلة تتعلق بالتعايش السلمي في هذه البلدية، وكان التحدي كبيرا نتيجة تراكمات وصعوبات اجتماعية في قطاع التربية، وكذلك سوق العمل والسكن غير اللائق والعائلات الكبيرة العدد».
مما يستحق الإشارة، أن ثلاثة أشخاص من بين المشاركين في هجمات باريس هم من سكان مولنبيك. بل إن تقارير إعلامية أفادت بأن شخصًا رابعًا ربما شارك في التخطيط للهجمات وهو مطلوب في بلجيكا على ذمة قضايا أخرى. وكلها هذه مسائل ربما تثير مخاوف البلجيكيين. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قالت سيدة بلجيكية تعيش بالقرب من السوق الشعبية التي تقام في البلدية كل يوم خميس إنها «لا تتوقع حدوث هجمات في مولنبيك»، مضيفة «لا أعتقد أن هجمات يمكن أن تقع هنا لأنهم لن يقتلوا مواطنين من الأصول نفسها. وأنا أتعامل مع كل جيراني، لكن لا أستطيع أن أعرف ما في تفكير الجار من شر أو طيبة. وبعد ما حدث، من الممكن أن يحدث تصادم بين المسلمين والبلجيكيين». بينما قال رجل في العقد الخامس من عمره «الإرهاب يمكن أن يحدث في أي مكان في العالم، كما أن ».
في المقابل، في أعقاب حملات مداهمة شنت لاعتقال أحد المطلوبين، وفرض الشرطة طوقًا أمنيًا تباينت ردود الأفعال بشأنها من جانب سكان الحي. فقال أحدهم وهو من أصول مغاربية اسمه مصطفى «لا يمكن أن يكون الأمن وحده حلاً للإرهاب... وبالنسبة للشباب يجب أن نتعامل معهم كما نتعامل مع الشيوخ كبار السن، وأيضا مع الأطفال؛ لأن هذه الشريحة الإنسانية لم تجد من يستمع ويتفهم لمطالبها، مع أن هناك حاجة إلى تكوين شخصيتها». ويقول خليل زجندي، وهو رئيس إحدى الجمعيات في بروكسل، إن الشرطة والسلطات «تقاعستا عن مساعدة هؤلاء الشباب وفهم مطالبهم واكتشاف المتشددين منهم، والآن تقومان بعمليات مداهمة وتضييق أمني على السكان الذين هم في الأصل ضحايا، ورغم ذلك، يشير إليهم البعض بأصابع الاتهام».
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» رأى الشيخ نور الدين الطويل، وهو أحد أبرز القيادات الدينية في بروكسل ورئيس جمعية المسلمين الجدد، أن «بلجيكا لم تكن يومًا مرتعًا للتطرف والإرهاب، ولكن هناك فئة قليلة جدا انحرفت عن الطريق وسارت في طريق الانحراف لفترة من الوقت، ثم وقعت فريسة في أيدي من يستغلون ظروفهم». وحول انحراف هؤلاء وما ترتب عليه قال الشيخ نور الدين «هناك تقصير من جانب الحكومة البلجيكية ومن جانب أولياء الأمور، وأيضا من جانب المدارس. وفضلا عن كل ذلك هناك شيء خطير جدًا هو خطاب الكراهية الذي يظهر من وقت لآخر. ومن هنا يجب أن يعاد النظر في الخطاب الديني ويكون هناك خطاب معتدل كما يجب أيضا أن يكون هناك اهتماما بتكوين الأئمة وإعدادهم».
الشارع البلجيكي، إذن، بدا رافضًا في مجمله لما تردده وسائل إعلام غربية بأن بلجيكا أصبحت «حاضنة للتطرف والإرهاب». وإذ أكد البعض أن الأمر يقتصر على فئة قليلة جدًا من المسلمين وفي أحياء معروفة ومحددة داخل العاصمة البلجيكية، أشار آخرون إلى فشل الحكومة في دمج الأجانب في المجتمع ما قد يساهم في توفير أرضية للتطرف.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».