حكومة الظل «تتحايل» على كوربين لإقناعه بالتنحي

الصحف البريطانية: غوف ليس أهلاً للثقة

حكومة الظل «تتحايل» على كوربين لإقناعه بالتنحي
TT

حكومة الظل «تتحايل» على كوربين لإقناعه بالتنحي

حكومة الظل «تتحايل» على كوربين لإقناعه بالتنحي

لم تكن استقالة 9 أعضاء في حكومة الظل وتصويت 172 نائبا لصالح حجب الثقة عنه كافيا لإقناع جيريمي كوربين، زعيم المعارضة، بالتنحي عن منصبه في رئاسة حزب العمال. ويبدو أن بعض قياديي الحزب ممن يؤيدون إقصاءهم يخططون لـ«التحايل» على الزعيم اليساري وإبرام تسوية تنجح في إقناعه بالتنحي مقابل تطبيق بعض السياسات التي أقرّها بالتوافق مع باقي أعضاء الحزب في الفترة الأخيرة.
وكشف الإعلام البريطاني في عطلة نهاية الأسبوع عن «خطة» يعدها أعضاء في حكومة الظل تتضمن، وفقا لما أكدته الـ«بي. بي. سي»، توافقا يضمن «انسحابا مشرفا» لجيريمي ويلتزم من خلاله الحزب ببعض السياسات التي أقرها كوربين تتعلّق بالمساواة بين الجنسين، وتعزيز الديمقراطية داخل الحزب.
إلا أن أعضاء حكومة الظل والنواب المؤيدين لكوربين، أمثال وزير المالية في حكومة الظل جون ماكدونال، متشبتون به وأكدوا مرارا منذ انفجار الأزمة على أن ثقتهم بكوربين «لن تتزعزع مهما كانت التحديات». وأوضح عمدة لندن الأسبق، كين ليفينغستون، أن كوربين سيفوز بأي منافسة على زعامة الحزب، وأن الناس «غاضبون» من محاولة النواب إزاحة زعيم انتخب بنسبة 60 في المائة من أعضاء الحزب.
وعن «الخطة التوافقية» قال جيمس شنايدر، أحد أعضاء التيار المساند لكوربين، إنها ستبوء بالفشل لأن «زعيم الحزب يتمتع بدعم كبير عند أعضائه».
وأضاف شنايدر في تصريحات لـ«بي بي سي» أن كوربين أظهر «صلابة» في البقاء على رأس الحزب، واتهم النواب الآخرين بمحاولة «الانقلاب على الديمقراطية في الحزب»، مستطردا: «إذا كانوا غير راضين عن زعامة، جيريمي كوربين، وعن السياسة التي يتبناها، عليهم أن يحصلوا على 51 توقيعا، وعليهم أن يجدوا مرشحا، ويقدموه لأعضاء الحزب، ولكن ليس أمامهم أي مرشح بإمكانه هزيمة كوربين».
في المقابل، قالت المرشحة المحتملة لزعامة الحزب، أنغيلا إيغل، الخميس الماضي: إن «الفرصة لا تزال متاحة أمام كوربين ليقوم بالتصرف الصائب». كما حاول نائبه، توم واتسون، دفعه للتخلي عن منصبه، دون أن يفضي ذلك إلى نتيجة ملموسة. كما انضم اد ميليباند، زعيم حزب العمال السابق، أيضا إلى المطالبين باستقالة كوربين، قائلا إن بقاءه لم يعد «محتملا».
وتعرض كوربين لانتقادات وضغوط كبيرة لما اعتبره جزء من أعضاء حزبه أداءً فاشلا في حملة الاستفتاء بشأن الاتحاد الأوروبي، حيث إن حملته لم تنجح في إقناع قواعده الانتخابية في بعض مناطق إنجلترا بطرحه الداعم للبقاء في تكتل الـ28 دولة.
على صعيد متصل، يجوز القول: إن الصحف البريطانية، وبخاصة منها تلك التي أعلنت دعمها لحملة البقاء في الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء، لا تزال تحت وقع الصدمة. إلا أنها حوّلت تركيزها من «الخيبة» تجاه نتيجة التصويت وتسليط الضوء على أكاذيب بعض داعمي الخروج، إلى تطورات «المعارك» السياسية داخل الحزبين البريطانيين الرئيسيين وتبعات الخروج على تلاحم المجتمع. وكتبت صحيفة «ذي أوبزورفر» مقالا أمس عن التداعيات العنصرية للاستفتاء، حيث سجلت الشرطة ارتفاعا في «جرائم الكراهية» لخمسة أضعافها منذ إعلان نتائج الاستفتاء. ويرى مراقبون أن مظاهر العداء والتمييز ضد الأجانب تتجسد اليوم أكثر من ذي قبل، كما أنها تتغذّى من الخطاب المتشدد لبعض السياسيين ومواقف بعض وسائل الإعلام.
كما تطرقت الصحيفة في مقالها الافتتاحي إلى تسرع عمدة لندن السابق بوريس جونسون في إطلاق حملة الخروج، منتقدة «لا مسؤوليته» و«جهله» و«أنانيته» في إشارة واضحة إلى إطلاقه الحملة لخدمة مصالحه الخاصة. أما غوف، فاعتبرت الصحيفة أنه «ليس أهلا للثقة». ودعت الصحيفة في مقالها المعنون «بعد أسبوع من الفوضى والحقد؛ من سينقذنا من هؤلاء القادة المثيرين للشفقة؟»، إلى رئيس وزراء قادر على توحيد الحزب والبلد.
أما صحيفة «ذي صاندي تيليغراف» فاهتمت بالانقسامات الأوروبية - الأوروبية التي كانت أبرز معالمها أمس تصريح وزير ألماني رفض الكشف عن هويته أن المستشارة أنغيلا ميركل قد تدفع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى التنحي لاعتبارها بأنه «جزء من المشكلة». كما اهتمت الصحيفة بتسليط الضوء على الانقسامات داخل حزب المحافظين البريطاني، مخصصة قسما من تغطيتها لاتهامات بين جونسون وغوف غداة إعلان الأخير ترشيحه لخلافة كاميرون.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟