مصير غامض للوحدات العسكرية المحايدة في اليمن

الحوثيون سعوا إلى الانقضاض الغادر على ألوية نأت بنفسها عن الاحتراب

الوحدات المحايدة تعيش حالة إرباك بين خناق الميليشيات الحوثية وتحكم صالح بكثير من القيادات العسكرية (إ.ب.أ)
الوحدات المحايدة تعيش حالة إرباك بين خناق الميليشيات الحوثية وتحكم صالح بكثير من القيادات العسكرية (إ.ب.أ)
TT

مصير غامض للوحدات العسكرية المحايدة في اليمن

الوحدات المحايدة تعيش حالة إرباك بين خناق الميليشيات الحوثية وتحكم صالح بكثير من القيادات العسكرية (إ.ب.أ)
الوحدات المحايدة تعيش حالة إرباك بين خناق الميليشيات الحوثية وتحكم صالح بكثير من القيادات العسكرية (إ.ب.أ)

قبل أن ينجح الانقلاب في اليمن، كان الجندي خالد قاسم أحمد، يفضل تناول وجبة العقدة كل يوم جمعة في صنعاء مع والدته وإخوته، بعد أن ينهكه دوام أسبوع كامل في العاصمة اليمنية التي ستكون على موعد مع فوضى طويلة الأمد.
يقول خالد إنه حرم من تلك الوجبة، كما حرم اليمن كله من الأمن، ورغم تردد نجاح اتفاق السلم والشراكة -حينها- إلا أن هجوم الانقلاب على منزل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي فاجأ اليمنيين، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن، لا يجد المتابع إلا الفوضى في البلاد. ومن المصطلح ذاته، انسحب الحياد حتى من الألوية العسكرية التي حاولت النأي بنفسها عن أي المعسكرين، حتى لا تقع في الحرب أو الشتات.
عند مهاجمة منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحجز وزير الدفاع، انهارت ما تبقت من معنويات عند بعض الوحدات العسكرية وبعدها استولى الحوثيون على كل المعسكرات، وبعد كل ذلك كانوا يعرضون إعلان الولاء لهم ليكتفوا بعدم مواجهتهم أو غربلتهم، وكانوا عمليا استولوا بالقوة على ثلاثة ألوية رئاسية: هي الأول والثاني والثالث في النهدين، ثم سقطت كل الألوية تحت قبضة الميليشيات بتوجيهات من المخلوع صالح ذي السلطة النافذة.
يقول الجندي قاسم، إنه كان مع أصدقائه يؤيدون الشرعية لكنهم لم يعلنوا ذلك وسينشقون منتقلين إلى جبهات القتال مع الجيش الوطني التابع للشرعية، بيد أنه يستطرد أن المسألة معقدة وليست سهلة التفصيل، فالوحدات والعساكر لا يمتثلون دائما إلى قيادة، أكثر مما ينتمون إلى ولاءات. وهنا يكمن المصير الغامض.
لكن مصادر عسكرية يمنية تحدثت معها «الشرق الأوسط» ذهبت إلى انقسام بين شقين، الأول يقول إن هناك بالفعل وحدات نأت بنفسها رغبة في الحياد، لكنها تعرضت لويلات الانقلابيين الذين شيدوا انقلابهم بتعيينات وتقليب للرتب وقيادات الألوية، بينما يذهب الرأي الآخر إلى أن الوحدات الموالية لا تعدو سوى خدعة يتخذها المخلوع ورقة قد يحتاجها يوما ما.
وقبل الشروع في الحديث عن الشق الأول، يجدر التوقف عند الثاني إذ يتجذر منه أن هناك «حجة» للحياد، إذ أشارت مصادر عسكرية يمنية إلى أن الوحدات التي أخذت جانب الحياد، لا تعتبره إلا «حجة» لحماية نفسها من غارات التحالف العربي الذي تدخل لاستعادة الشرعية والدولة من الميليشيات الانقلابية في 26 مارس (آذار) 2015. وتتكئ المصادر على إسناد معلوماتها بأنه لا يوجد جيش وطني في الأساس.. «إنه جيش عشائري قبلي ولاؤه للمخلوع صالح وليس للمواطن وللوطن كما هي ولاءات جيوش دول العالم لبلدانها، مضيفا أن جميع تلك الألوية والوحدات العسكرية تنفذ تعليمات المخلوع صالح وهو خارج السلطة، وكانوا يسلمون السلاح للحوثيين من دون أي مواجهات في حروب خمر ودماج وعمران وكذلك سلموا بعضا منها للقاعدة حسب التعليمات من أجل تمكين الحوثيين لإسقاط عمران ومن ثم السيطرة على صنعاء وهو ما تم بالفعل».
ومع بداية الاحتشاد للميليشيات ومحاصرة صنعاء، كان أكبر تجمع لهم في المدخل الجنوبي والغربي للعاصمة، ولم تتدخل المعسكرات حينها، حيث نأت بنفسها عن الحرب ولم تتدخل لمواجهة الميليشيات معسكر الصباحة في الحصبة، مثل ألوية الصواريخ بعصر، والاستقبال في شملان همدان، ووحدات قاع المنقب غرب صنعاء وكذلك معسكر السواد، والاحتياط جنوب صنعاء، فضلا عن معسكر الخرافي بخشم البكرة شمال صنعاء.
الرأي الأول بأن الوحدات المحايدة موجودة يستشهد بألوية الحماية الرئاسية الثلاثة في مقر دار الرئاسة، ويقول إنها لم تتدخل في البداية، وتم بعد ذلك إخضاعها ومصادرة أسلحتها من قبل الميليشيات الانقلابية، وفي نهاية المطاف وبعد السيطرة على صنعاء تم الاستيلاء على جميع الوحدات التي التزمت الحياد، مستطردا أن «الوحدات والألوية التي نأت بنفسها عن الصراع منذ بداية الانقلاب على الشرعية من بينها اللواء التاسع واللواء 117 واللواء 103 والذي كان قائده اللواء فضل حسن وهو من يقود محور العند وجبهات كرش ضد الميليشيات حاليًا.. هناك ألوية ووحدات عسكرية كانت محايدة أثناء ما قبل سقوط صنعاء مثل اللواء 314 حماية رئاسية، ألوية الصواريخ، اللواء الأول مشاة جبلي، ولكنها فيما بعد سلمت لهم من ذات نفسها بعد تضييق الخناق».
يقول قائد عسكري آخر رفض الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط» بأن كثيرا من الألوية في محافظة صعدة كانت موالية للمخلوع صالح وسلمت للحوثيين قبيل إسقاط عمران وصنعاء بأوامر من صالح نفسه، وأبرزها: لواء 103 كتاف صعدة، لواء 125 مشاة، لواء 112 مشاة وقائده عباس عبد الله سعد، وكذلك اللواء الأول مدفعية وقائده حسن خيران، ولواء 101 بالبقع، ولواء 131 مشاة، ولواء 9 مشاة وقائده علي الزقيف، إلى جانب لواء 127 مشاة العقلة، ولواء 105 مشاة يقوده «الصياغي»، لواء 730 مشاة وهو لواء العمالقة في حرف سفيان، بفروعه «فرع الشرطة العسكرية، فرع الأمن المركزي»، إضافة إلى عدد من الكتائب المستقلة.
الجندي خالد قاسم أحمد يعود بالقول، بعد أن سيطرت الميليشيات الانقلابية على وزارة الدفاع قاموا بتعيين مقربين لهم في جميع الوحدات العسكرية في الجيش، وجاء ذلك بعد إسقاط الميليشيات لمحافظة عمران والاستيلاء على معسكرات اللواء 310.
وحول ذلك، قال مصدر عسكري إنه كان يحوي أسلحة نوعية من مدفعي ذاتية الحركة وراجمات صواريخ وغيرها.
وعند دخول الميليشيات الانقلابية صنعاء لم تواجههم سواء قوات اللواء 314 في صنعاء وحماية وزارة الدفاع وسرية حماية التلفزيون، فيما ترك الباقون المعسكرات لتستولي عليها الميليشيات وتنقلها إلى عمران، لكن بقية الألوية في صنعاء انقسمت، فهناك من أعلن الولاء مثل لواء الدفاع الجوي وقيادة القوات الجوية، وهناك من نأى بنفسه، وكان الحوثيون قد حاولوا حينها مهاجمة ألوية الصواريخ وأولوية الاحتياط، وفقا للمصدر العسكري.
إلى ذلك زادت حدة الخلافات والمواجهات بين عناصر موالية للمخلوع صالح بصنعاء وعناصر ميليشيا الحوثي حول بعض التعيينات في الإدارات الحكومية، جراء تعمد الميليشيات لاستبدال عناصرهم بمناصب يشغلها موالون للمخلوع صالح وهو ما أدى إلى نشوب خلافات وتراشقات وصلت إلى حد المواجهات بالأيدي والأسلحة بين تحالف الميليشيات الانقلابية من صالح والحوثيين.
وقال مسؤولون إن بوادر خلافات تنشب بين الحين والآخر وتتوسع بشكل سريع وخطير جراء عمليات التوغل للحوثيين للدفع بعناصرهم في الإدارات والمرافق الحكومية ولو حتى على حساب الموالين للمخلوع صالح، وهو الأمر إلى قيام موالين للمخلوع بردة فعل كبيرة أمام ما وصفوها تجاوزات تحالف العرب من عناصر ميليشيا أنصار الله كما يحبون تسميتهم.
وما زالت الميليشيات وقوات المخلوع صالح تشهد حالة شقاق دائم وإن لم تظهر للسطح فثمة إقصاء كبير للحوثيين من الموظفين والمسؤولين المحسوبين على المخلوع صالح في جميع الوظائف الحكومية المدنية والأمنية والعسكرية في صنعاء والمحافظات الشمالية، فما من مرفق أو مؤسسة إلا وتشهد عمليات تحشيد ومواجهات غير معلنة بين ميليشيا تحالف الانقلاب من الحوثيين وصالح.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.