اللاجئون السوريون في لبنان بين التضامن والعنصرية

توقيفات شملت المئات منهم خلال أيام ومطالبات بالتمييز بينهم وبين الإرهابيين

أحد مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة بر الياس في لبنان (أ.ف.ب)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة بر الياس في لبنان (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون السوريون في لبنان بين التضامن والعنصرية

أحد مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة بر الياس في لبنان (أ.ف.ب)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة بر الياس في لبنان (أ.ف.ب)

منذ اليوم الأول لتفجيرات بلدة القاع، في منطقة البقاع بأقصى شمال شرقي لبنان، التي وقعت بداية الأسبوع الحالي بدأت الحملات العشوائية في لبنان بحق اللاجئين السوريين وما لحق بها من توقيفات، تقول السلطات المعنية إنها تشمل مَن لا يملكون منهم أوراقا قانونية في وقت سجّل اعتداءات على عدد منهم في بعض المناطق وفرض قرارات خاصة بهم من قبل عدد من البلديات. وبين الداعم لقضية اللاجئين والمطالب بألا توجه التهم ضدّهم، وبين الذي رفع شعارات ومطالب لا تعكس إلا عنصرية في التعامل مع هؤلاء الهاربين من الحرب في بلادهم، يتضح أن المشكلة الأساسية تبقى في غموض سياسة لبنان الرسمي في هذه القضية بسبب الانقسام اللبناني حولها، الذي بدأ برفض إنشاء مخيمات شرعية لها وأدى بعد ذلك إلى انتشار العشوائية منها التي وصل عددها إلى 1800 مخيم.
وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس وضع ما يحصل بعد تفجيرات القاع في خانة ردود الأفعال وخوف اللبنانيين من أن يضرب الإرهاب مناطقهم، معتبرا أن ذلك لن يبقى طويلا وستعود الأمور إلى طبيعتها بعد أيام قليلة. وقال درباس - حليف لتيار المستقبل - لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «أكرّر ما سبق لي أن قلته في مجلس الوزراء، وهو أننا إذا وجهنا أصابع الاتهام للاجئين السوريين بشكل عام، ودخلنا في حملة الكراهية، فعندها قد نساهم في الجريمة التي ارتكبها الإرهابيون الذين هم أساسا أتوا من داخل سوريا، وهو ما قد يؤدي إلى ردّة فعل سلبية أيضا من اللاجئين أنفسهم». وفي حين أكد درباس أنه حتى الآن ليس هناك أي إجراءات جديدة أو تعديلات على سياسة لبنان المتبعة في قضية اللاجئين، اعتبر أن القرارات التي اتخذتها البلديات كمنع تجوّلهم في أوقات محددة إنما جاءت لامتصاص غضب الناس في بعض المناطق، آملاً أن تعود الأمور إلى طبيعتها في وقت لاحق. وأشار إلى أن لبنان كان ولا يزال يطالب بنقل اللاجئين إلى مناطق آمنة في سوريا، لكن المشكلة في رفض المجتمع الدولي ذلك. وللعلم كان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل كان قد طالب الأسبوع الماضي البلديات التابعة لـ«التيار الوطني الحر» (التيار العوني)، الذي يترأسه، باتخاذ «إجراءات معينة» ضد اللاجئين، أهمها منع إقامة تجمعات أو مخيمات أو السماح لهم بفتح محلات تجارية.
وفي وقت سجّلت منظمات إنسانية انتهاكات بحق اللاجئين، انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي حملات وشعارات تطالب بالتمييز بين اللاجئ والإرهابي تحت شعار: «#لاجئ_ مش_ إرهابي و#لبناني_ مش_عنصري» إضافة إلى مطالبات من قبل الناشطين السوريين بحماية النازحين وتقديم المساعدات اللازمة لهم أو إخراجهم من لبنان تحت شعار #أخرجونا_من_لبنان، كما أطلق ناشطون عريضة تطالب بوضع حد لجميع أشكال العقوبات الجماعية والتمييز والتهميش ضد النازحين وحمايتهم من قبل السلطات المعنية وتراجع البلديات عن القرارات المجحفة بحقهم، وجاء ذلك ردا على حملات عنصرية عدّة بحق اللاجئين، رصد بعضها ناشطون على صفحة حملت عنوان «مرصد العنصرية».
وفي هذا الإطار، يقول مدير مؤسسة «لايف» نبيل الحلبي، أنّه يجري تنفيذ حملات عشوائية وجماعية منظمة بحق اللاجئين السوريين ليس هدفها إلا «تنفيس الشارع العنصري» بعد تفجيرات القاع. وأردف الحلبي لـ«الشرق الأوسط» أنّه «سُجّل خلال أسبوع توقيف نحو 750 سوريًا، علما بأن وزير الداخلية نهاد المشنوق كان قد أعلن بنفسه أن انتحاريي القاع ليسوا من اللاجئين بل أتوا من سوريا». ثم أوضح أن المشكلة في لبنان هي الخلافات بين الأفرقاء اللبنانيين الذين يرفض بعض منهم إقامة مخيمات شرعية ومنظمة لإيواء اللاجئين الذين هم في معظمهم من المعارضين وأتوا إلى لبنان بطرق غير شرعية هربا من الحرب، وبالتالي لا يملكون أوراقا ثبوتية، في حين تقوم اليوم السلطات بتوقيفهم لهذا السبب. وهذا مع العلم أن القانون الدولي يسمح للهاربين من الحرب بسلوك أي طريق آمنة، وسبق لمحكمة لبنانية أن برأت لاجئين من هذه التهمة. وأشار الحلبي إلى أنّ السلطات اللبنانية تقوم أيضا بحجز جوازات سفر لمواطنين سوريين قبلت طلبات لجوئهم في بعض الدول على خلفية نشاطهم السياسي.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.