«تريبيون».. صحيفة داوت أحزاني

جدل حول تغيير الاسم إلى «ذا إنترناشيونال نيويورك تايمز» بداية التحول إلى الإصدار الرقمي

«تريبيون».. صحيفة داوت أحزاني
TT

«تريبيون».. صحيفة داوت أحزاني

«تريبيون».. صحيفة داوت أحزاني

ماذا يعني الاسم ؟ ألم يقل شكسبير: «وما يهم الاسم؟ هل ستكون رائحة الوردة أقل عذوبة لو كان لها اسم آخر؟». ولذا، ما هو السبب وراء التأثير الشديد لتغيير اسم «إنترناشيونال هيرالد تريبيون»؟ لقد جرى تغيير اسم الجريدة اليومية الصادرة باللغة الإنجليزية ليصير اسمها «ذا إنترناشيونال نيويورك تايمز». والحقيقة هي أن «نيويورك تايمز»، بجانب «واشنطن بوست»، كانت واحدة من مالكي «إنترناشيونال هيرالد تريبيون» لعقود.
وفي حال لم يكن الأمر كذلك، فإن هذه المسألة ترجع جزئيا إلى المخاوف العديدة بأن تغيير الاسم قد يكون تمهيدا لتوقف إصدار النسخة المطبوعة، وجعل الخيار المتاح أمام القراء هو متابعة الجريدة عبر الإنترنت.
ورغم ذلك، فحتى لو استمر إصدار النسخة المطبوعة لفترة أطول، فإنها لن تعد مثل «إنترناشيونال هيرالد تريبيون» التي عرفتها لمدة ثلاثة عقود منذ بدايتها في عام 1980.
في هذا الوقت، كنت قد وصلت للتو إلى باريس كمنفى جديد. أبعدني النفي عن النشاط البالغ وضجيج الجريدة اليومية التي عملت فيها محررا في طهران لمدة سبعة أعوام. ولا يدرك هذا الإحساس إلا من عمل في مجال الكتابة الصحافية اليومية، حيث يعرف ماذا يعني ترك ذلك المجال والتدفق المثير للأخبار والآراء فجأة. ومن خلال التلاعب بالكلمات، فقد مازحت قائلا إنني كنت غير مضغوط، مما يعني أنني غادرت دون الحصول على مجال للعمل في الصحافة.
كنت في الثلاثين من عمري في ذلك الوقت ولم أفكر في التقاعد حتى وإن توافرت لدي الوسائل لفعل ذلك. ومما زاد الأمور سوءا، أن الإيرانيين فقدوا فجأة ميزة القدرة على السفر إلى أوروبا وأميركا الشمالية دون وجود تأشيرات. وقبل الاستحواذ على السلطة من قبل الملا، كان الجميع يحب الإيرانيين ويرحب بهم ترحيبا شديدا. وبعد ذلك، لم يفعل أحد هذا الأمر. يمكنني العمل إما بالفارسية أو الإنجليزية. وكانت المشكلة تتمثل في أن آية الله الخميني لن يدعني أعمل في إيران. وبالنسبة للإنجليز، فلم أتمكن من مواجهة مهانة السعي للحصول على تأشيرات لدخول بريطانيا أو الولايات المتحدة الأميركية. ورغم معرفتي باللغة الفرنسية، فإني لم أكتب قط بتلك اللغة، ومن ثم لم يتسن لي دخول ساحة الإعلام الفارسي إلا بعد مرور خمسة أعوام عندما أصبحت رئيس تحرير لمجلة أسبوعية.
وبعد شهور قليلة، بدأت في الكتابة بجريدة «صنداي تايمز» من باريس، بيد أن ذلك لم يلب كافة احتياجاتي. وقد كان ذلك مشوارا طويلا في مجال الكتابة الصحافية حيث أحببت مرونة هيئة التحرير، وكذلك، إن أمكن، استنشاق رائحة القيادة في دار نشر. وقد كنت مولعا وواقعا في شرك التأثير الساحر للأحداث اليومية، فالجريدة أو المجلة الأسبوعية بطيئة للغاية، والإطار الزمني للإنتاج يكون طويلا جدا.
وبعد ذلك جاءني الإنقاذ والمساعدة من جريدة «تريبيون»، وهو الاسم الذي كانت تعرف به جريدة «إنترناشيونال هيرالد تريبيون» بين متابعيها.
وفي بادئ الأمر، ساعدتني الجريدة بصفتي قارئا. وكانت «تريبيون» جريدة منمقة ومتزنة حيث تتكون من أفضل الأعمال التي يكتبها طاقم المحررين بجريدة «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست».
لم تكن الصحيفة تملك فريقا تحريريا خاصا بها، رغم عمل جوزيف فيتشت كفريق تحرير من شخص واحد. وكان لها مراسلة فنية أسطورية تمثلت في شخصية سورين ميلكيان. وبغض النظر عن ذلك، تعاملت هيئة التحرير الصغيرة لـ«تريبيون» بصفحة أو صفحتين للرأي والتحليل. كان رئيس التحرير مورت روزنبلوم، المراسل المتمرس الذي يعمل في وكالة «أسوشييتد برس»، والذي شعر بإحباط بالغ لأنه لم يتمكن من كتابة الكثير من التقارير الخاصة به، وقام بالاتصال بي ودعاني لتناول القهوة. وعندما وصلت إلى مكاتب «تريبيون» المتواضعة في نيولي، شعرت بتحسن مفاجئ. لم يكن هناك مطبعة في المبنى ولا رائحة الرصاص ولم يكن هناك أي ملامح لصخب صحيفتي «كيهان» في طهران. رغم ذلك كنت في مكتب الصحيفة مرة أخرى، بعد أسابيع طويلة من الرفض. وعندما دعاني روزنبلوم لبدء كتابة عمودي الخاص، وأن أكتب كل ما أراه، انتابتني لحظة من الخوف. فهل سأتمكن كشخص اعتاد على الكتابة بشكل يومي، من القيام بذلك بعد أسابيع بعيدا عن الآلة الكاتبة؟ أخيرا، تمكنت من ذلك وبطلت التعويذة.
وخلال السنوات التالية وفي ظل رؤساء التحرير المتعاقبين، وتحديدا فيليب فويسي وجون فينوكر ووالتر ويلز، عرضت «تريبيون» لي مساحة للتعبير عن وجهات نظري بشأن سلسلة من القضايا.
بدأت «تريبيون» تطبع في باريس في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1887 كطبعة مكثفة لطبعة نيويورك وهي تحمل طموحا في أن تتحول إلى صحيفة عالمية. وكانت «نيويورك هيرالد» التي امتلكها في تلك الفترة جيمس بينت، أغنى مطبوعة في الولايات المتحدة. وفي العشرينات اندمجت الصحيفة مع باريس «هيرالد» لتشكل صحيفة «إنترناشيونال هيرالد تريبيون». وعلى مدى ما يقرب من عقدين كانت «هيرالد» المصدر الرئيس للأخبار ووجهات النظر للجالية الأميركية الكبيرة في باريس، من بين أبرز كتابها إرنست همنغواي، وإف سكوت فيتزاغيرالد وهنري ميلر وغرترود شتاين.
كانت الصحيفة تباع في شوارع باريس الرئيسة عبر «باعة جائلين»، الكثير منهم الطلبة الأميركيون المعدمون الذين حصلوا على صحيفة ناطقة باللغة الإنجليزية في عاصمة النور. وفي فيلم جان لوك غودارد «Breathless» تعمل جين سيبرغ كواحدة من أولئك الباعة الجائلين عندما تواجه المحتال الوضيع الذي يؤدي دوره جان بول بلموندو.
وفي منتصف التسعينات، تحولت الـ«تريبيون» إلى صحيفة يومية عالمية لها طبعات خاصة في هونغ كونغ، وفي مقر نشأتها في نيويورك.
وعندما اشترت صحيفة «نيويورك تايمز» نصيب «واشنطن تايمز» في «تريبيون»، أعرب الكثيرون عن خشيتهم أن الصحيفة اليومية كانت تتجه إلى خفض الميزانية. لم يحدث ذلك، وعوضا عن ذلك ضخت «نيويورك تايمز» رأسمال جديدا في الشركة، وهو ما مكن «تريبيون» من الحفاظ على مكانتها كواحدة من أفضل الصحف في العالم.
وكانت «تريبيون» الصحيفة الأولى في العالم التي تستغل خدمات البريد الجوي لتحقيق معدل توزيع عال على مستوى العالم، ورغم تخطي نسبة توزيعها 250.000 نسخة، فإنها كانت مؤثرة بشكل كبير كصحيفة لا يقرأها سوى النخبة على مستوى العالم. فاسمها يفتح كل الأبواب أمام مراسل يسعى إلى لقاء شخصية هامة في السياسة والدبلوماسية والأعمال والفن. ورغم كونها أميركية ومملوكة بأكملها لأميركيين، فإن النخبة في جميع أنحاء العالم ترى أنها صحيفة خاصة بهم. فحتى من يكرهون أميركا لعدة أسباب، لم يكن باستطاعتهم كراهية «تريبيون»، وهو ما يشكل دليلا حيا على أن الصحيفة الجيدة هي الجسر الأفضل الذي يمكن من خلاله تجاوز الانقسامات الثقافية السياسية.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.