مايكل غوف... الطريق إلى 10 داونينغ ستريت

بعد الطلاق البريطاني ـ الأوروبي

مايكل غوف... الطريق إلى 10 داونينغ ستريت
TT

مايكل غوف... الطريق إلى 10 داونينغ ستريت

مايكل غوف... الطريق إلى 10 داونينغ ستريت

تسبب الاستفتاء الذي نُظم يوم 23 يونيو (حزيران) الماضي في بريطانيا وأسفر عن تصويت غالبية البريطانيين لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بـ«زلزال» اقتصادي وسياسي. فالنتيجة الصادمة على المستويين الداخلي والخارجي أثارت «تسونامي» اقتصاديًا أطاح خلال ثلاثة أيام فقط بمليارات الجنيهات من قيمة الأسهم البريطانية قدّرها خبراء ماليون واقتصاديون بأنها تفوق ما تدفعه البلاد حاليًا للاتحاد الأوروبي، على امتداد أكثر من 35 سنة.
أما على الصعيد السياسي، فأدت النتيجة إلى إعلان رئيس الحكومة ديفيد كاميرون، الذي كان في طليعة مؤيدي «البقاء» ضمن الاتحاد، استقالته من منصبه، ودعوته حزبه، حزب المحافظين الحاكم، إلى انتخاب زعيم جديد يتولى على الفور رئاسة الحكومة، وتفجّر أزمة زعامة في حزب العمال المعارض، بعدما اتهمت غالبية نواب الحزب زعيمه اليساري المتشدد جيريمي كوربن بـ«التآمر» على نواب الحزب في مجلس العموم والامتناع عن دعم موقفه الرسمي الداعم لـ«البقاء».
غير أن الأمر اللافت أكثر من غيره كان انفراط التحالف الذي قاد حملة «الخروج» من أوروبا في حزب المحافظين، وانقلاب وزير العدل مايكل غوف على حليفه عمدة لندن السابق بوريس جونسون، وإعلانه ترشيح نفسه لزعامة الحزب، مما اضطر جونسون للانسحاب من حلبة التنافس.
ما كانت «الكاريزما» في يوم من الأيام مزيّة لافتة في شخصية مايكل غوف، وزير العدل البريطاني، والسياسي والكاتب الصحافي ذي النزعة الأكاديمية الجافة. ثم أن الرجل نفسه لم يطرح نفسه إطلاقا، من قبل، كمشروع زعيم، بل على العكس كان ينفي وجود أي نية لديه ببلوغ مركز القرار. وهذا ما جعله في أنظار المعظم «شخصية الظل» الممتازة التي يمكن أن تكون رصيدًا لأي زعيم مستقبلي لحزب المحافظين، وبالتالي، رئيس الحكومة.
على العكس تمامًا، كان زميله وحليفه السابق بوريس جونسون. وهو محافظ مثله، وكاتب وصحافي سياسي مثله، وخريج جامعة أكسفورد مثله، لكن ما لا يختلف عليه اثنان أن جونسون شخصية جذابة وطريفة أحيانا إلى درجة الخفة والظرف الأخرق. وبالفعل، تجلّت «كاريزما» جونسون بفوزه الكبير بمنصب عمدة لندن 2008 متغلبًا على العمدة العمالي السابق اليساري كين ليفينغستون. ثم مما ساعده على تعزيز شعبيته استضافة لندن في عهد عموديته الألعاب الأولمبية عام 2012. وبعدها مع عجز رئيس الوزراء المحافظ المعتدل ديفيد كاميرون عن توحيد أجنحة الحزب خلف قيادته - لا سيما في شأن البقاء في أوروبا أو الخروج منها - أخذ بعض نواب الحزب وقادة كتله تطرح اسم جونسون كخليفة محتمل.
طيلة هذه الفترة لم يكن اسم مايكل غوف مطروحًا كزعيم، لا سيما أن أداءه الوزاري، وبالأخص إبان توليه حقيبة وزارة التربية والتعليم، لم يكن متميزًا بقدر ما كان مثيرًا للجدل.

سيرة شخصية
وُلِد مايكل غوف يوم 26 أغسطس (آب) 1967، أي أنه في الثامنة والأربعين من العمر، في العاصمة الاسكوتلندية أدنبره. ومع إتمامه أربعة شهور تبنّته عائلة مؤيدة لحزب العمال في مدينة أبردين في أقصى شمال شرقي اسكوتلندا وبريطانيا، حيث نشأ على المذهب البروتستانتي في كنف العائلة. وكان أبوه بالتبني يدير مؤسسة تعمل بتعليب الأسماك وأمه بالتبني موظفة مختبر في جامعة أبردين، قبل أن تتولى العمل في مدرسة للصم في المدينة نفسها. وغوف متزوج منذ عام 2001 من الصحافية والناشطة المحافظة سارة فاين، ولهما ولدان.
تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدرسة حكومية بأبردين، ثم في كلية روبرت غوردن الخاصة العريقة، بعد حصوله على منحة دراسية. ثم في عام 1985 التحق بجامعة أكسفورد (كلية ليدي مارغريت هول) حيث تخرّج عام 1988 بدرجة البكالوريوس في السياسة والفلسفة والاقتصاد، وإبان فترة دراسته في أكسفورد اختير لترؤس «اتحاد أكسفورد» الطلابي.
في أعقاب التخرج امتهن غوف العمل الصحافي، فعمل بداية مراسلاً متمرنًا في صحيفة «برس آند جورنال» في أبردين، وإبان فترة عمله هذه عايش لأول الصراعات النقابية والعمالية. غير أن النقلة التي صنعت اسمه في عالمي الصحافة والسياسة انتقاله عام في صحيفة «التايمز» محررًا، ثم ترقى في عدد من المسؤوليات التحريرية لينتهي كاتب مقالات من أبرز كتابها.
وعبر «التايمز»، كذلك ملحقها الأدبي ومجلة «السبكتايتور» اليمينية مقالات سياسية مهمة ولافتة. وعرفت عنه خلال هذه الحقبة علاقاته الطيبة مع الناشر الملياردير اليميني روبرت مردوخ (مالك «التايمز» و«الصن»). وأيضًا شارك غوف ببرامج وتحقيقات تلفزيونية وإذاعية كثيرة.

في البرلمان والحكومة
في عام 2005 دخل مجلس العموم لأول نائبًا عن حزب المحافظين، إثر فوزه بالمقعد البرلماني المضمون لدائرة سري هيث في أرياف مقاطعة سري إلى الجنوب الغربي من العاصمة لندن. وخلال سنتين فقط، عام 2007، اختير عضوًا في «حكومة الظل» المعارضة برئاسة ديفيد كاميرون وتولى حقيبة الأطفال والتعليم والعائلات.
وبعد انتخابات 2010 التي أنهت حكم العمال المستمر منذ 1997، والتي عجز خلالها أي من الأحزاب الرئيسية عن كسب غالبية مطلقة، شكل المحافظون برئاسة كاميرون حكومة ائتلافية مع حزب الديمقراطيين الأحرار الوسطي، أسندت إلى غوف حقيبة وزارة التربية والتعليم.
ومع أنه حاول تعميم تجربة «الأكاديميات» (نوع من المدارس المتوسطة والثانوية) التي بدأتها الحكومة العمالية، فإن أسلوبه سرعان ما أدى لاصطدامه عام 2013 بـ«الرابطة الوطنية لمديري المدارس» التي شكت من ممارساته «الضاغطة والترهيبية» وصوتت لسحب الثقة عنه. ومن ثم، سرعان ما امتدت معارضة سياسات غوف التعليمية من رابطة مديري المدارس إلى «رابطة المعلمين والمحاضرين»، والاتحاد الوطني للمعلمين وغيرها من اتحادات المعلمين.
ولم يطل الوقت حتى غادر غوف منصبه وزيرًا للتربية والتعليم، إذ في أعقاب التعديل الوزاري الذي جرى عام 2014 نقل ليتولى منصب كبير مسؤولي النظام في الحكومة. ثم بعد فوز المحافظين بغالبية مطلقة في عام 2015 مكّنتهم من الحكم منفردين، من دون الحاجة إلى تحالف مع أحزاب أخرى، رقّي غوف إلى منصب كبير المستشارين ووزير العدل. ومن موقع غوف في هذا المنصب بالذات فإنه لعب دورًا محوريًا بارزًا في حملة الاستفتاء على خروج بريطانيا أو بقائها في الاتحاد الأوروبي، وكان مع عمدة لندن السابق بوريس جونسون الشخصيتين الأبرز في معسكر دعاة «الخروج»، يدعمهما تيار داخل حزب المحافظين يحسب عمومًا على اليمينيين المشككين تقليديًا بفضائل التكامل الأوروبي. وما يذكر في هذا المجال أن هذا التيار المشكك صار أكثر جرأة في طروحاته الانفصالية عن أوروبا بعد ظهور «حزب استقلال المملكة المتحدة» (يوكيب) اليميني المناوئ للمهاجرين، والرافض بقاء بريطانيا داخل الاتحاد. وكان بروز هذا الحزب بالذات وراء خيار رئيس الوزراء كاميرون إجراء الاستفتاء، مع أنه ما كان مضطرًا لإجرائه.

معركة الزعامة
في أعقاب الاستفتاء الأوروبي، ونتيجته «المزلزلة» كان كثيرون في حزب المحافظين والشارع البريطاني، عمومًا، يتوقعون بعد أن تهدأ الخواطر ويستقر وضع الأسهم، أن تبدأ معركة خلافة ديفيد كاميرون، الذي اختار الابتعاد عن السلطة بأنفة وشهامة، متحملاً المسؤولية في رهانه الخاسر.
كذلك كان السواد الأعظم من المتابعين يتوقعون أن يكون جونسون هو المرشح «الجاهز» والأوفر حظًا لأن يتولى زعامة الحزب، ومن ثم تلقائيًا، رئاسة الحكومة بعد سريان مفعول استقالة كاميرون إبان المؤتمر الوطني للحزب هذا الخريف. غير أن الانقسام الحاد داخل صفوف الحزب بين مناصري «البقاء» ومؤيدي «الخروج»، والخسائر المالية الضخمة المبكرة في بورصة لندن وحي «السيتي» (حي المال والأعمال)، فضل جونسون وغوف التريث والتزام الحذر والصمت مؤقتًا، في حين بدأت جهات محسوبة على قلب «المؤسسة» الحزبية تعمل على دفع مرشح (أو مرشحة) فوق الانقسام الحاد يستطيع لملمة الصفوف المنقسمة والانطلاق من أرضية صلبة للتفاوض مع الأوروبيين خلال الأشهر المقبلة على ترتيبات الخروج.
وحقًا، بادرت وزيرة الداخلية تيريزا ماي، وهي سياسية محترمة تعد من مؤيدي التقارب الأوروبي لكنها - بحكم موقعها وزيرة للداخلية - عرف عنها تشددها إزاء ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وكذلك مكافحة الإرهاب، إلى تقديم ترشحها. ولم يلبث الباب أن فتح أمام مرشحين آخرين.
إلا أن المفاجأة الضخمة جاءت من قلب ما كان حتى تلك اللحظة «كتلة الحليفين» الأبرز في معسكر الخروج... أي جونسون وغوف. بينما كان الإعلاميون والنواب والجمهور ينتظر إعلان جونسون ترشيحه نفسه ضد ماي، بادر غوف إلى ترشيح نفسه وتبرير هذا الترشيح بكلام يمس مكانة «حليفه» السابق، ويشكل - كما رأى كثيرون - خيانة وطعنة في الظهر.
إذ قال غوف، الذي سبق له القول صراحة إنه غير راغب بمنصب رئاسة الحكومة، في بيان ترشحه يوم أول من أمس: «لقد توصلت إلى قناعة مؤداها أن بوريس (جونسون) لا يستطيع أن يقود أو يبني فريقًا مؤهلاً للمهام التي تنتظرنا!».
ولم ينتظر جونسون طويلاً، إزاء هذه الصراحة الجارحة والتشكيك بمؤهلاته القيادية من أقرب حلفائه، إذ بادر بسرعة إلى إعلان عزوفه عن خوض معركة الزعامة، التي يبدو أنها حتى اللحظة على الأقل ستدور بين مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين، على رأسهم ماي وغوف، ومعهما وزير الدفاع السابق ليام فوكس ووزير العمل والتعويضات ستيفن كراب.
في مطلق الأحوال فإن غوف يواجه معركة صعبة، خلال الأسابيع المقبلة ستحتدم المعركة وتتكشف التحالفات التكتيكية، وترمي الكتل المالية والسياسية والمصلحية النافذة داخل الحزب بثقلها مع هذا المرشح أو ذاك، ولا يتوقع أن تتضح الصورة بسرعة، مع أن ثمة من يرجح أن يتجنب المحافظون الذهاب مع مرشحين يعمّقون الانقسامات.

مشكلات أخرى
ولكن لعل ما يزيد الصورة العامة غموضًا، سواء ربح مايكل غوف معركته داخل حزب المحافظين أو خسر، أن ثمة مشكلات أخرى تعج بها الحياة السياسية البريطانية في هذه الساعات.
ذلك أن حزب العمال أيضًا يعيش صراع أجنحة عنيفًا، وهو الذي يفترض به أن يستفيد من الأزمة التي زجّ المحافظون أنفسهم بها عبر استفتاء قسم صفوفهم وأسقط زعيمهم وهدد حكومتهم. وإصرار زعيم العمال اليساري جيريمي كوربن على رفض مطالبات نواب الحزب بالاستقالة، وسعيه للاستقواء بنقابات العمال وحركيي الفروع الحزبية ضد النواب، يهدد بتفسخ الحزب وانقسامه إلى حزبين: الأول اشتراكي معتدل تمثله الغالبية الساحقة من النواب الحاليين، والثاني يساري متطرف يمثله كوربن وأصحابه.
وكان نواب الحزب الذين اتهموا كورين بالمخادعة والتقصير المتعمّد في دعم حملة «البقاء» في أوروبا، قد صوّتوا بالأمس بغالبية 172 صوتًا مقابل 40 لصالح تنحّي كورين، لكن الأخير لتاريخه يعاند ويتهم النواب بالانقلاب على الحزب وجذوره الجماهيرية.
أيضًا هناك التحدي الانفصالي الذي يشكله الإقليمان ذاتيا الحكم اللذان صوتا مع «البقاء» وهما اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية. وثمة من يشك بإمكانية إقناع الاسكوتلنديين على الأقل بصرف النظر عن استفتاء شعبي يمهّد لاستقلال اسكوتلندا وانفصالها عن بريطانيا، ومن ثم عودتها إلى «الحضن الأوروبي» منفردة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.