مجاويش.. واحة هدوء بلا حدود

تخيل نفسك مسترخيا على مصطبة من الرمال‏ الناعمة..‏ أمام أمواج البحر الأحمر الهادئة، والقمر ينشر أشعته الفضية الخالصة ليخفف من عتمة السواد‏،‏ والنجوم تضوي‏..‏ وبعيدا عن صخب قاهرة المعز وتلوثها وتهورها وباعتها الجائلين الذين شوهوا صورة وسط البلد بأصواتهم الزاعقة وبضاعتهم التي احتلوا بها أرصفة الشوارع الرئيسة.. عشت أياما في هذه الحالة منتشيا بسكون الطبيعة،‏ متوحدا معها‏، مستسلما لها في قرية مجاويش الساحرة، وهي أكبر قرية سياحية وأقدمها، افتتحها الرئيس الراحل أنور السادات، بحسب لوحة تأسيسية من الرخام في عهد وزير السياحة والطيران المدني جمال الناظر، ومحافظ البحر الأحمر الأسبق علي عفيفي.
وأينما تذهب في الغردقة أو تتجول في قرية مجاويش يقابلك الناس بالابتسامة، ويشعروك وهم يتحدثون إليك بأنك جزء منهم. إنهم أناس طيبون في أرض طيبة. اقتربت من عرفات موظف الاستقبال النشط الذي يدخل القلب من دون استئذان. وهناك عم محمد وعدد كبير من الطهاة البارعين الذين يقدمون يوميا أطباقا متنوعة من مختلف صنوف الأكلات الغربية والشرقية والحلويات، لكن الأهم كان ليلة شرقية على العشاء لبس فيها الجرسونات جلاليب بيضاء كأنهم قادمون من العصر المملوكي أو العثماني، أما صنوف الطعام فكانت مصرية خالصة من الكشري والفتة باللحم والثوم والكفتة والفلافل، أقبل عليها السياح بهمة ونشاط، وأغلبهم من الروس.
ورغم أن القرى السياحية تعاني هي الأخرى من كساد بسبب الظروف التي تمر بها مصر، فإن جميع العاملين يأملون في المستقبل أن تستقر الأحوال وتعود السياحة الغربية إلى سابق عهدها. عصام أحمد مدير المكاتب الأمامية الذي التقته «الشرق الأوسط» في مدخل قرية مجاويش، يتحدث عن خبرته في مجال العمل السياحي ومزايا قرية مجاويش من جهة فرص العمل السياحي، وقرية مجاويش السياحية، وهي أول قرية سياحية في الغردقة تقع في قلب مدينة الغردقة ولها شاطئها الخاص بها وطوله نحو كيلومترين وهي معروفة بجنة البحر الأحمر. والمنتجع يقدم مجموعة من الأنشطة كالغطس وركوب الأمواج والخيل، والقرية جزء يتبع شركة مصر للسياحة التي أنشئت على يد الاقتصادي العظيم طلعت حرب عام 1934 لتصبح أول وأقدم شركة سياحية في مصر والشرق الأوسط. ويبدو القطاع السياحي بمثابة رهان كبير لدى أهل الغردقة، فلا حديث في المقاهي أو داخل البازارات السياحية إلا عن الكبوة المؤقتة التي تتعرض لها الشركات والمنتجعات السياحية بسبب الظروف التي تمر بها مصر.
والغردقة مدينة مصرية على ساحل البحر الأحمر وعاصمة محافظة البحر الأحمر. فيها ميناء تجاري ويقصدها السياح لشواطئها والأنشطة البحرية. وتطورت مدينة الغردقة في الأعوام الماضية تطورا مطردا نظرا لتحولها لمدينة سياحية رئيسة على ساحل البحر الأحمر.
وتعد الغردقة من أهم مصادر الجذب السياحي في مصر، فهي توفر كافة التسهيلات والخدمات للسياح. يوجد هناك العديد من المنتجعات السياحية.. الفنادق الفاخرة، والنزل المميزة، والشعاب المرجانية في شواطئ الغردقة تعد الأجمل في العالم. كما أصبحت الغردقة واحدة من المدن السياحية التي تستضيف الكثير من الألعاب المائية مثل المراكب الشراعية، والغوص. تمتد الغردقة لمسافة 25 ميلا على طول البحر الأحمر، حيث شهدت في الفترة الأخيرة تطورات كثيرة جعلتها مكانا مفضلا للعديد من السياح. يمكنك المشي ليلا على الشواطئ والاستمتاع بالجو المثالي هناك حيث الهدوء والراحة التامة. تشعر وكأنك تجلس في مطعم مريح على جانب البحر وتشاهد اليخوت والقوارب وهي تمر من أمامك.. يا له من منظر رائع!
تأسست الغردقة في أوائل القرن العشرين كقرية صغيرة للصيد، لذا تعد من المدن حديثة الإنشاء وقد بدأت تجني شعبيتها في بداية الثمانينات بين المصريين حيث ارتفع عدد الزوار المصريين والأجانب للمدينة لتصبح رائدة المنتجعات المطلة على البحر الأحمر.
وقد حبا الله الغردقة بموقع مميز على البحر الأحمر وطقس دافئ، لذلك أصبحت مركزا عالميا للرياضات المائية كالتزحلق على الأمواج والطيران الورقي والرحلات البحرية والصيد في أعماق البحار والغطس والغوص بجانب الشعاب المرجانية التي تعد من أفضل الشعاب في العالم. وتعد مدينة الغردقة من أكثر المدن حيوية حيث مجموعة الفنادق والسوق السياحية والحياة الليلية الباهرة بجانب منتجع الجونة الذي يضم الكثير من القرى السياحية والفنادق والعديد من الخدمات.
وتمارس في الغردقة الأنشطة والرياضات البحرية من تزلج وإبحار وغوص. ومياهها الدافئة تحتضن أنواعا نادرة من الأسماك والشعاب المرجانية. واستضافت الغردقة العديد من مسابقات الغوص منذ عام 1950 وهي اليوم أشهر مدن الغوص في العالم، ويأتي الطيران من أوروبا ومن القاهرة والأقصر ويهبط يوميا في مطار الغردقة عشرات الرحلات الجوية، وتعد الغردقة أكبر مدن البحر الأحمر.
يقول عصام أحمد مدير المكاتب الأمامية لقرية مجاويش السياحية في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن القرية تتحدث عن نفسها وتقدم نفسها للسائح العربي والغربي من جهة الشمس والشاطئ الرملي البديع والخدمات التي تقدمها على مدار الساعة، فالمساحة الإجمالية للقرية مليون و350 ألف متر مربع، وتتمتع بأطول شاطئ رملي يطل على مياه البحر الأحمر، بالإضافة إلى مساحات كبيرة من الحدائق الغناء والورود، مؤكدا أن القرية تتمتع بنسبة عالية جدا من الأمن والأمان. وأضاف أنها أول قرية سياحية يجري افتتاحها في الغردقة عام 1979 في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، والشركة المالكة لها هي شركة مصر للسياحة التابعة لوزارة الاستثمار، والقرية مصنفة «أربعة نجوم»، وتشمل 425 غرفة مقسمة إلى شاليهات، وفي الداخل أيضا مبنى فندقي وفللات فاخرة تمتد على طول الشاطئ الرملي الذي يبلغ طوله كيلومترا و200 متر. ويضيف عصام أحمد «لقد عملت في الغردقة منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن شاطئ مجاويش يعد الأطول والأكثر راحة وهدوءا، والقرية تدار حاليا من قبل الشركة المالكة، مصر للسياحة، وهي إدارة مصرية خالصة، ويبلغ عدد العمالة في القرية الفندقية نحو 460 شخصا». ويعترف عصام أحمد أن السياحة في الغردقة ليست كسابق عهدها قبل سنوات، بسبب الظروف العامة التي تمر بها مصر، مشيرا إلى أن نسبة الإشغال في قرية مجاويش نحو 40 في المائة في المتوسط، ويؤكد أن الظروف العامة تحسنت كثيرا عما قبل، ونسبة الإشغال في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) وشهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) تزداد كثيرا بسبب الرحلات القادمة من أوروبا، عادا أن السوق السياحية تعتمد بنسبة 70 في المائة على السياحة القادمة من روسيا، بسبب انخفاض الأسعار أو بسبب أن السائح الروسي لا يخاف من الأوضاع السياسية التي تمر بها مصر مقارنة بالسياح الغربيين، ولكن بالنسبة للجميع، المهم هو السياحة الشاطئية والشمس الساطعة التي جاءوا للاستمتاع بها. وعن أصعب المواقف التي مر بها، يقول عصام أحمد إن كثيرا من السياح في لحظة العودة إلى أوطانهم يشعرون بالأسى لمغادرة هذا المكان الرائع والسماء الزرقاء والشمس الساطعة والعودة إلى غيوم وضباب أوروبا، ويتمنون أن تمتد الإجازة لأسبوع آخر أو شهر آخر أو لنهاية العمر. وأوضح عصام أحمد أنه يعمل بالقاعدة الشهيرة: «السائح عندما يعود إلى بلده وهو سعيد فهو أفضل مروج سياحي للمكان الذي كان فيه، وربما سيدفع عشرة سياح مثله لزيارة نفس المكان».