عبد الجليل: القذافي عرض على الثوار دولة غرب أجدابيا

رئيس المجلس الوطني الليبي السابق يروي لـ {الشرق الأوسط} خلفيات وتفاصيل عن «ثورة فبراير»

المستشار مصطفى عبد الجليل خلال حواره مع د. عادل الطريفي رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
المستشار مصطفى عبد الجليل خلال حواره مع د. عادل الطريفي رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
TT

عبد الجليل: القذافي عرض على الثوار دولة غرب أجدابيا

المستشار مصطفى عبد الجليل خلال حواره مع د. عادل الطريفي رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
المستشار مصطفى عبد الجليل خلال حواره مع د. عادل الطريفي رئيس تحرير «الشرق الأوسط»

روى المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق في ليبيا، خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط» في العاصمة المغربية الرباط، تنشرها الصحيفة على حلقتين، اليوم وغدا، خلفيات وتفاصيل عن ثورة 17فبراير (شباط) 2011. وفي حين أوضح أنه لم يكن ضمن منظومة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، فإنه قال في مستهل المقابلة إن عائلته كانت تربطها صلات وطيدة بالملك إدريس السنوسي وبالنظام الملكي السابق. وأردف أن انقلاب القذافي كان غير مفرح بالنسبة له ولعائلته، بل شكل كابوسا، وأنهم كانوا منذ البداية على قناعة بأن نظام القذافي لن يكون في صالح الليبيين.
من جهة ثانية، أشار عبد الجليل إلى أن خطاب سيف الإسلام القذافي بعد اندلاع الثورة كان مفاجئا ومخيبا للآمال، وأوضح «كنت أعول على أن يكون خطاب سيف الإسلام متوازنا، ولو خرج به على عامة الشعب كان بإمكانه أن يخلف والده، وتسوى الأمور بشكل ودي ويعلن دستورا حسب متطلبات الناس». وقال إن «ثمة شخصيات محترمة، مثل جاد الله عزوز الطلحي وأبو زيد دوردة، لو جاءت وتولت الأمور بليبيا في ذلك الوقت لقبلت بها المنطقة الشرقية، وتحققت المصالحة».
وتطرق إلى قضية الممرضات البلغاريات اللواتي حقنّ، مع طبيب فلسطيني، الأطفال الليبيين بفيروس الإيدز، فقال إن القضية كانت صحيحة ولم يلفقها نظام القذافي. وذكر أن العلاقات بين النظام وقطر كانت قوية، وأن السفير القطري في باريس جاء بالتعويضات المالية لأسر الأطفال.

* بالنسبة لك، متى قررت ضرورة الوقوف مع الثورة الليبية؟
- منذ كنت يافعا كانت أسرتي مشمئزة وممتعضة من ذلك الانقلاب الذي جرى عام 1969. نحن في الشرق الليبي كانت تربطنا صلات وطيدة بالملك إدريس السنوسي وبالنظام الملكي السابق، فكان الانقلاب غير مفرح بالنسبة لنا، بل مثّل كابوسا. وكنا منذ البداية على قناعة بأن هذا النظام لن يكون في صالح الليبيين، وبالتالي نشأت في هذه البيئة.
ثم عندما مارست العمل القضائي في عام 1975 بدأت تطرح علينا في القضاء بعض المشكلات الطارئة من خلال تطبيق بعض القوانين التي استحدثت في عهد معمر القذافي، فكانت لدينا كقضاة لليبيا بشكل عام، وقضاة منطقة الجبل الأخضر بشكل خاص، سوابق قضائية في التصدي للكثير من القوانين التي أصدرها القذافي. فمنذ عام 1979 بدأ التعرض للنظام بشكل واضح وجلي من خلال بعض الأحكام. لكننا في الحقيقة لم نتعرض لأي أذى أو ضرر سواء كان شخصيا أو وظيفيا جراء ذلك. وبالتالي، منذ البداية كانت هناك ألفاظ في أسباب الأحكام، وأنا من القضاة الذين أعطاهم الله - سبحانه وتعالى - موهبة تسبيب الأحكام، وهي موهبة أتميز بها عن بقية زملائي. ومنذ ذلك الحين كانت الألفاظ تشير بشكل واضح إلى الفساد الذي رسخه القذافي في ليبيا، ومن ثم لم أكن من المنظومة القذافية.
وحتى عام 2007 عملت رئيسا للمحكمة الابتدائية في البيضاء (شرق)، وقبلها عملت في بنغازي ودرنة، ومن خلال البرنامج الإصلاحي الذي بدأ آنذاك بعدما يئس الليبيون جميعهم من تغيير معمر. وهنا أود الإشارة إلى أنه (أي معمر القذافي) تعرض منذ السنة الأولى لحكمه للكثير من المؤامرات، أولاها كانت بقيادة وزير الداخلية ووزير الدفاع، والاثنان كانا ينتميان للمنطقة الشرقية، بيد أنها لم يكتب لها النجاح، ويقال إنه وقعت أكثر من خمسين حركة ضد القذافي من مؤامرات ومحاولات اغتيال.
إذن عندما يئس الليبيون من إمكانية تغيير نظام القذافي، خاصة أنه أصلح وضعه العالمي من خلال تسوية قضية لوكيربي، ووضع حدا لبرنامجه النووي الذي أراد من خلاله إزعاج العالم، اتجهوا إلى الإصلاح. وبدأ صوت الإصلاح يرتفع من خلال ابن القذافي، سيف، الذي أنشأ صحيفتين حرتين، واحدة في بنغازي وأخرى في طرابلس، تنتقدان الأوضاع في البلاد بشكل علني. كذلك جرى الترخيص للكتّاب أن يعملوا فيهما، وهو ما عُد شيئا جديدا. أيضا جرى التصالح مع «الإخوان المسلمين» وأفرج عنهم جميعا من السجون، كما أفرج عن عدد من السجناء الذين تعهدوا بالكف عن العودة لمثل الأفعال التي اعتقلوا بسببها على الرغم من أن كثيرين منهم لم يوقعوا على هذا التعهد، وظلوا في السجن. آنذاك عُرض علي أن أكون وزيرا للعدل، وسلمت إلي نحو خمسة ملفات هي في أغلبها ملفات مالية، أولها يتعلق بتعويض الليبيين عن إصدار قانون عام 1978 الذي حد من الملكية العقارية، وفرض على كل مواطن أن يختار بيتا واحدا بينما تخضع بقية البيوت لشعار «البيت لساكنه»، أي أن يمتلكها مستأجرها. والثاني متصل بإلغاء الاقتصاد الحر عام 1979، ومعه جرى إلغاء جميع الشركات الخاصة تحت شعار «شركاء لا أجراء»، وتولى العاملون فيها إدارتها بشكل جماعي وأبعد ملاكها. وهكذا بدأ تعويض الأشخاص الذين لحقتهم الأضرار، وشكلت لجان في كل محكمة ابتدائية برئاسة قضاة وعضوية خبراء ماليين ومهندسين لتقدير هذه الأضرار، ومن ثم بدأ ضخ أموال التعويضات على وزارة العدل.
أما الملف الثالث فكان يتعلق بتعويض السجناء الذين ظلوا في السجن لسنوات طويلة من دون أن تدينهم المحاكم القانونية، بل محاكم ثورية لا يعتد بها، ولقد خصص لكل سجين مبلغ مالي شهري، وهناك سجناء أفرج عنهم وعادوا إلى أعمالهم، وصرفت لهم مستحقات مالية بحسب المدة التي أمضوها في السجن، فهناك من منح 1000 دينار عن كل شهر قضاه في السجن، أما السجناء الذين ليست لهم أعمال أو لم يعودوا لممارسة أعمالهم فقد جرى منحهم 2000 دينار عن الشهر الواحد في السجن.
وكان الملف الرابع ذلك الذي يتعلق بمذبحة أبو سليم، الذي كنت أنوي من خلاله الإفصاح عن أسماء شهداء المذبحة التي وقعت عام 1996 بعد تمرد مساجين شبان على الأوضاع في السجن، وقتل بعض الحراس. وبعد مفاوضات قرر القذافي قتل هؤلاء الشبان جميعا. وبالفعل هذا ما حدث خلال ثلاث ساعات، والأمر المؤكد أنه قتل 1269 شابا. وهكذا جرى إبلاغ ذويهم رسميا بمقتلهم.. وفتحنا لهم فرصة لطلب التعويض.. وحددنا التعويض عن كل شهيد بـ200 ألف دينار ليبي، أي ما يعادل 160 ألف دولار تقريبا، وشكلت لهذا الغرض اللجان نفسها التي كانت في المحاكم الابتدائية، وبدأت الأمور تسير قدما إلى الأمام. وأخيرا كانت أيضا قضية الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني، الذين حقنوا دماء أطفال في المنطقة الشرقية بفيروس الإيدز.
* هل كانت القضية الأخيرة حقيقية أم مفتعلة من نظام القذافي؟
- كانت قضية حقيقية وليست مفتعلة من النظام، والممرضات والطبيب حكمت عليهم المحكمة العليا بالإعدام مرتين.
* هل الدم كان ملوثا أم أن الأمر كان مقصودا؟
- حسب اعترافات الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني فإن ما قاموا به كان مقصودا.
* ماذا كان الهدف من ذلك؟
- ماذا أقول لك؟ القذافي في كثير من خطاباته كان يقول لليبيين اذهبوا عن ليبيا التي لا يوجد فيها ماء، اذهبوا إلى أفريقيا جنة الله في الأرض. وعندما يقول له البعض سنذهب إلى أوروبا كان يرد بالقول لا، إن أوروبا «صاقعة عليكم» (باردة عليكم).. إذ كان يهدف من وراء ذلك أن يذهب الليبيون ويأتي بآخرين مطيعين له من آسيا وأفريقيا، فيمنحهم الجنسية الليبية، ويحكم الناس من خلال وضعية أو سياسة معينة.
* كم كلفت ماليا هذه الملفات جميعا؟
- صرفنا عليها نحو مليارين وسبعمائة مليون دينار ليبي.
* وهكذا أصبحت ضمن المنظومة القذافية..؟
- لم أكن في يوم من الأيام ضمن هذه المنظومة، بل بالعكس، وأتذكر أنني عندما اطلعت على كشف قاعدة البيانات التي من خلالها جرى إعلام الأسر التي قتل أبناؤها في مذبحة أبو سليم، أنه كانت هناك أسرة في مصراتة كان منها أربعة أشقاء قتلوا خلال المذبحة، أرسلت لهم بصفتي وزيرا للعدل برقية تعزية وقلت لهم فيها إنهم سوف يكونون شفعاء لهم يوم القيامة مثلما سيكونون شهداء على من كان سببا في قمعهم. لا لم أكن في يوم من الأيام من ضمن هذه المنظومة. زد على ذلك أننا قمنا بتنفيذ الأحكام، فكان أي حكم يصدر من المحاكم يقضي بالتعويضات المالية ننفذه في الحين.. مثلا، كنا ننفذ بشكل فوري أي حكم يقضي بإخلاء السبيل، بمعنى أننا ذهبنا في اتجاه معين، بيد أنني صادفتني بعض الصعاب.
* مثل ماذا؟
- هناك متهمون في قضية اسمها «قضية الجماعة الإسلامية المقاتلة» والتي قضت فيها محكمة الجنايات والمحكمة العليا ببراءة نحو 300 سجين، بيد أن الإفراج عنهم لم ينفذ، فوجهت عدة مراسلات للمؤتمر الشعبي العام (البرلمان) واللجنة الشعبية العامة (رئاسة الوزراء) لكن أحدا لم ينصع لقرار القضاء. كما أن القذافي وقع أمر الإفراج عن محكومين بالاعدام بعد إدانتهم بالقتل العمد, عندما كان يقول إنه ليس رئيسا للدولة. وقال «هؤلاء الأشخاص يخرجون من السجن حتى وإن لم يتنازل أولياء الدم عن حقوقهم». لقد تحينت الفرصة في المؤتمر الشعبي العام في شهر فبراير (شباط) 2010، وقلت إن هناك بندا في جدول الأعمال يسمى «بند المساءلة»، ولم تكن هناك أي مساءلة لوزارة العدل. أنا طلبت الكلمة، وعبّرت عن استغرابي من كون وزارة العدل لم توجه لها أي مساءلة، خاصة أننا أخفقنا في كثير من المسائل، أولاها أننا لم نجتمع خلال سنتين، وهذا طبعا مخالف لسلطة الشعب، لأنني أتعامل مع رؤساء المحاكم والنيابات من دون أن أجتمع مع أمناء العدل، الذين جرى زرعهم في كل بلدية وفي كل مكون إداري. وقلت أيضا إن هناك أكثر من 300 سجين حكمت المحكمة العليا ببراءتهم ولكن لم يفرج عنهم، وهناك أيضا من صدر في حقهم حكم بالإعدام بعد إدانتهم بالقتل العمد بيد أنهم جرى الإفراج عنهم من دون أن يتنازل أولياء الدم، وبالتالي فإنني أقدم استقالتي لأنني عاجز عن تحقيق العدالة في ليبيا.
بعد نصف ساعة جاء القذافي إلى المؤتمر الشعبي، وواجهني في القاعة قائلا إن وزير العدل لم يختر المكان المناسب ليقول كذا أو كذا، وإنني لم أختر الوقت الصحيح. وزاد قائلا «المتهمون هؤلاء ينتمون إلى تنظيم القاعدة، ولو أفرجنا عنهم ستبدأ التفجيرات في ليبيا، ومن أفرجت عنهم قَتَلوا دفاعا عن أعراضهم وأموالهم، وبالتالي كيف يحكم القضاء بالإعدام على شخص دافع عن عرضه أو ماله أو نفسه؟». عندها ناقشته في سابقة معروفة عند الليبيين، وربما هي التي رفعت من أسهمي عندما اختارني الليبيون لرئاسة المجلس الوطني الانتقالي.
إضافة إلى ما سبق فإن مدينتي البيضاء سقط فيها أول شهيدين في الثورة يوم 16 فبراير، وأيضا جرى إخراج كل السجناء من السجن، وأحرقت المحاكم، وبالتالي لم يكن أمامي بد من أن أنضم إلى الثوار في وقت مبكر. هذه الخلفية هي التي جعلتني أتبوأ هذه المنزلة المتقدمة في الثورة مقارنة مع بقية المسؤولين الليبيين.
* كيف جرى اختيارك لتمثيل الثورة.. وهل كان لديك تواصل مع نشطاء فيها؟
- مدينة البيضاء كانت أول من تحرك.. وشكل الثوار فيها مجلسا محليا كنت أنا رئيسه. ومن ثم اختاروا لجنة لإدارة الأزمة أوكلوها لأساتذة في الجامعة، وخبراء متخصصين. وبعد ذلك بدأت المناطق الشرقية تتحرك، وباشرت تشكيل مجالس محلية تضم بعض الساسة ممن لديهم بعد نظر، مثل (محمود) جبريل و(عبد الرحمن) شلقم، والذين ألحوا على ضرورة تشكيل إطار سياسي يتعامل معه العالم الخارجي، واجتمعت الشخصيات المكونة لهذا الإطار في بنغازي يوم 26 فبراير، أي بعد تسعة أيام من اندلاع الثورة، واختاروني رئيسا للمجلس.
* ما أول القرارات التي اتخذتها عندما تسلمت هذه المسؤولية.. وكيف كانت رؤيتك.. وما الذي كنت تراه ضروريا عمله في ذلك الوقت؟
- كانت الأمور في ذلك الوقت صعبة للغاية. أولا، أمرنا المجالس المحلية في طبرق ودرنة والمرج وبنغازي باختيار ممثليهم، وحددنا يوم الخامس من مارس للاجتماع في بنغازي. وجاء ممثلو هذه المجالس المحلية، وتشكل المجلس الوطني الانتقالي من أحد عشر شخصا يمثلون المجالس المحلية والشباب والمرأة والسجناء السياسيين والعسكريين. وكانت الأولويات كالآتي: الأولوية السياسية، التي تكمن في التعامل مع العالم الخارجي والتواصل معه للحصول على الدعم للمجلس الوطني الانتقالي كمحاور أو كممثل شرعي وحيد للشعب الليبي. والأولوية الاقتصادية، ذلك أننا كنا قد انعزلنا عن المنطقة الغربية بالكامل، وهي المنطقة التي توجد فيها الحكومة.. وكان همنا وشغلنا الشاغل توفير الكهرباء والمحروقات والمواد الغذائية الأساسية. والأولوية الثالثة تكمن في الموضوع العسكري الداخلي.. طبعا، نحن واجهنا قوات القذافي، وهي قوات رهيبة، بينما لم يكن لدى الثوار السلاح الكافي، وعلى الرغم من ذلك تقدموا نحو الجبهات، وانضم إليهم بعض القادة والضباط في الجيش وكذلك البدو.
* ما هو مقدار الثقة الذي كان لديك في ذلك الوقت بشأن نجاح الثورة؟
- لم يساورني أي شك. كانت لدي رؤى غيبية مفادها أن هذه الثورة ستنجح، وأن القذافي أزفت أيامه، ولم يساورني شك أيضا في أنني سأتعرض في يوم من الأيام لأي ضرر، حتى بعد وفاة القذافي.
* بعدما بدأتم تتعاطون مع الأزمة، هل حاول النظام في وقت من الأوقات أن يتواصل معكم في محاولة منه لإقناعكم بالعدول عن مساركم الجديد؟
- يوم 17 فبراير اتصل بي أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء)، وكنت وقتذاك في المنطقة الشرقية، وسألني عما حصل هناك. ففي ذلك اليوم سقط 15 شهيدا في مدينة البيضاء، وقبل ذلك بيوم سقط شهيدان في المدينة. فأعطيته فكرة عن الأوضاع السائدة في ذلك الوقت، وسألني عن طلبات الثوار، فقلت له وقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة، ومنحهم ميدانا للتعبير عن تطلعاتهم.
* سيف الإسلام كان يعرفك في ذلك الوقت.. هل حاول الاتصال بك؟
- حاول الاتصال بي، لكننا لم نتواصل. مدير مكتبي قال لي إن سيف يريد الحديث معي، وسألني هل يتصل به، فكان جوابي اتركه هو من يتصل. لكن سيف الإسلام لم يحاول الاتصال بي مجددا. والحقيقة أنه لا القذافي ولا أولاده يعرفون حقيقة وضعي. الوحيد الذي اتصل به هو رئيس الوزراء (البغدادي المحمودي).
* هل تفاجأت من موقف سيف الإسلام وبعض إخوانه.. من انحيازهم للعائلة؟
- كنت أعول على أن يكون خطاب سيف الإسلام متوازنا، فلو خرج به على عامة الشعب لكان بإمكانه أن يخلف والده، وتسوى الأمور بشكل ودي ويعلن دستورا حسب متطلبات الناس، لأن الناس أصبحوا يرفضون القذافي، ويريدون دستورا وتنمية، وهذه أمور كانت في ذلك الوقت أقرب إلى الواقع من أي شيء آخر. لكن سيف الإسلام خرج بتهديد ووعيد وقال إن البلاد ستقسم. لقد كان خطابا غير متوقع.
* خيب ظنك إذن؟
- طبعا.
* متى أحسستم بأنه أصبح بالإمكان فعلا القضاء على القذافي.. وهل كانت هناك لحظات شك؟
- كما سبق لي القول، لم يساورني أي شك على المستوى الشخصي، على الرغم من العقبات والعراقيل.
* مررتم بلحظة تراجعت فيها بعض قوات مقاتليكم.. كيف كان الشعور حينها، وهل كان هناك من يطالب بالحوار مع النظام لوقف القتال.. أم كنتم مقتنعين بأنه لا يمكن التفاوض معه؟
- كنا نعول في الحقيقة على شخصيات ليبية محترمة، لو جاءت وتولت الأمور في ذلك الوقت لقبلت بها المنطقة الشرقية وتحققت المصالحة، ومنها على سبيل المثال جاد الله عزوز الطلحي الذي كان رئيسا للوزراء كما كان مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة ووزيرا للصناعة، وهو شخص يكن له الليبيون كل التقدير والاحترام. وكان هناك أيضا شخص آخر اسمه أبو زيد دوردة، عمل هو الآخر رئيسا للوزراء ووزيرا للزراعة ومندوبا لليبيا لدى الأمم المتحدة. هاتان الشخصيتان كان يعول عليهما في الشرق الليبي، إذا ما تولى أي منهما أو كلاهما الأمور في ليبيا. في غضون ذلك جاءنا مبعوث الاتحاد الأفريقي وعرض الصلح لكن ليس عن طريق هؤلاء الأشخاص، بل عن طريق تشكيل حكومة ممزوجة بشخصيات يختارها النظام والثوار، لكننا رفضنا هذه الفكرة.
زارنا أيضا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، عبد الإله الخطيب (وزير خارجية الأردن الأسبق)، ثلاث مرات عارضا موضوع المصالحة. كان هدفنا الأول والأساسي من المصالحة هو مطلب لا يمكن للقذافي أن يقبل به، وهو يكمن في وقف إطلاق النار، وإخراج قواته من طرابلس لإعطاء فرصة لليبيين في العاصمة للتعبير عن تطلعاتهم. قلنا أيضا فليخرج أهل طرابلس، فإن قالوا نحن مع الثورة فليكن، وإن قالوا مع القذافي فليكن. نحن عندها لا يمكننا أن ننفصل عن المنطقة الغربية. بالطبع عرضوا علينا الانفصال على مساحة 40 كيلومترا غرب أجدابيا، فقلنا إن هذا غير ممكن، إلا إذا خرجت الجماهير في طرابلس مؤيدة للقذافي، ولن يكون لدينا مانع حينها.
* حينما قررتم التواصل مع العالم الخارجي، ما هو الانطباع الذي كان لديكم إزاء ما يمكن أن يحدث.. وكيف كانت رؤيتكم لما حدث بعد ذلك بشأن مواقف الدول؟
- لم نكن نتصور من القذافي أن يواجهنا بهذه القوة، ولولا وقوف المجتمع الدولي لما تمكنا من الوصول إلى ما يصبو إليه الليبيون في ذلك الوقت. لقد كان لي أول اتصال مع شخص اسمه خالد من مكتب أمير قطر، وأنا على يقين وأعرف جيدا مدى صلة النظام القطري بالقذافي، خاصة رئيس الوزراء الذي كان على صلة وطيدة به. وفي هذا السياق أعلم جيدا أنه عندما قرر النظام تعويض أسر الأطفال الليبيين المصابين بالإيدز كان التعويض عاليا، وحصل كل طفل على ما يعادل مليون دولار، وهذا مبلغ كبير في ليبيا، ذلك أنه حتى مبلغ مائة ألف دولار يظل مبلغا كبير في ليبيا في ذلك الوقت. مَن أتى بمبلغ التعويضات إلى ليبيا هو السفير القطري في باريس، وباعتباري وزيرا للعدل كانت لدي صورة من مراسلة تتعلق بذلك، إلا أنها للأسف أحرقت بسبب حريق تعرض له مكتبي في طرابلس.
كنت على يقين أيضا بأن النظام الفرنسي كان على علاقة وطيدة بنظام القذافي، فزوجة الرئيس (يومذاك) نيكولا ساركوزي هي التي حضرت إلى طرابلس لتسلم الممرضات عندما تنازل أولياء أمور الأطفال. وبموجب القانون عندما يتنازل ولي الأمر تخفض عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد، وهو ما قمنا به كمجلس قضاء مختص. وبموجب اتفاقية قضائية سابقة بين ليبيا وبلغاريا نقلت الممرضات لتمضية بقية عقوبتهن في بلغاريا. نحن لم نكن نتوقع هذا الدور المتقدم في مساندة الثورة الليبية سواء من الحكومة القطرية أو من الحكومة الفرنسية، اللتين كانت لهما الريادة في مناصرتنا. أيضا نسجل لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي دورهم كأول مؤسسة أو أول منظومة سياسية تؤيد الثورة الليبية، من بعد ذلك جاءت جامعة الدول العربية وإيطاليا، وهكذا دواليك.



«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».