رمضان داخل محطة السكك الحديدية بدلهي.. أجواء خارجة عن المألوف

حمالو الحقائب يصومون وسط حرارة مرتفعة.. وزملاؤهم غير المسلمين يتكفلون بترتيب وجبة الإفطار

حمال في محطة نظام الدين للسكك الحديدية بدلهي وفي حر الصيف («الشرق الأوسط»)
حمال في محطة نظام الدين للسكك الحديدية بدلهي وفي حر الصيف («الشرق الأوسط»)
TT

رمضان داخل محطة السكك الحديدية بدلهي.. أجواء خارجة عن المألوف

حمال في محطة نظام الدين للسكك الحديدية بدلهي وفي حر الصيف («الشرق الأوسط»)
حمال في محطة نظام الدين للسكك الحديدية بدلهي وفي حر الصيف («الشرق الأوسط»)

وسط محطة «نظام الدين» للسكك الحديدية بدلهي، وفي حر الصيف القائظ، يتسلق محمد غفار، البالغ من العمر 65 عامًا السلالم، حاملاً أمتعة الركاب الثقيلة إلى موقف سيارات الأجرة القريب، وهو يلهث بسبب ارتفاع درجات الحرارة القاتلة، دون أن يروي ظمأه بقطرة ماء، ثم يتوقف بعض الوقت ليلتقط أنفاسه.
غير أن حالته ليست استثناءً، فثمة ما يقرب من 250 حمالا مسلما آخر يعمل بمحطة السكك الحديدية، يعملون وسط درجات حرارة مرتفعة، وتنوء أجسادهم بثقل حقائب الركاب خلال شهر رمضان المبارك. وعند موعد الإفطار يتجمع ما يزيد عن المائة منهم بمعاطفهم الحمراء المميزة، ويتوجهون للصلاة والإفطار في المسجد المجاور، حيث يؤم المصلين مولانا محمد يونس، إمام المسجد منذ عام 2000. وهو نفسه حمال أيضًا. وفي كل ليلة من ليالي الشهر الكريم، يمتلئ المسجد بنحو 100 حمال، وسائقي سيارات الأجرة، ليفطروا ويصلوا بعد يوم عمل مضن على معدة فارغة. كما أن كثيرا من الحمالين الهندوس يتقاسمون العبء مع زملائهم المسلمين أثناء صيامهم في شهر رمضان الكريم، ما يعكس صورة صادقة عن علمانية الهندية واحترامًا بالغًا للديانات الأخرى.
وفي هذا السياق يقول راغوناث، وهو حارس عقار يعمل في المحطة طيلة 30 عامًا: «لقد صار الأمر أشبه بالقاعدة غير المكتوبة في المحطة... فمرة واحدة على الأقل في اليوم يبادر كل الحمالين غير الصائمين في مساعدة جميع الصائمين في حمل الحقائب خلال هذا الشهر الفضيل... وهذه هي طريقتنا في القيام بالعمل الصالح في سبيل الله، وأعتقد أنه فعل ورع».
في نحو السادسة مساء، يُنصب بعض الحمالين طاولة إفطار من الموز والبابايا وبعض التمر والوجبات الخفيفة، مثل السمبوسة وغيرها من الوجبات. ولا تتكفل أي لجنة أو صندوق بتكاليف وجبة الإفطار، بل يتم تجميع قيمتها من جيوب الحمالين وسائقي التاكسي كل يوم.
ويشرح كريم خان، وهو حمال يبلغ من العمر 40 عامًا، بينما ينغمس في فرش الحصير الذي سوف تُرص عليه وجبة الإفطار «نجمع يوميًا ما بين ألف إلى 1.200 روبية هندية، تكفي لشراء زجاجتين من الشوربات، والسكر، والموز، والبابايا، والمانجو، ويشارك كل مرء بحسب قدراته المالية». وعادة ما يشارك الحمالون غير المسلمين وسائقو سيارات الأجرة في ترتيب وجبة الإفطار للحمالين الصائمين.
من جهته، يقول يعقوب علي، الذي غالبًا ما يكون متواجدًا في المحطة في أوقات السحور في الرابعة صباحًا، الذي عمل حمالاً طيلة الـ35 عامًا: «لدي أسرة كبيرة أعيلها، وإن لم أعمل فلن أتمكن من جلب هدايا العيد إليهم. لكن على الرغم من الصوم فإن الله يمنحني القوة لحمل الحقائب والأمتعة الثقيلة. وعلي أن أكسب ولو أجرا متواضعا لكي أتمكن من وضع الابتسامة على وجوه أطفالي عندما أقبلهم في العيد».
ومن جانبه، يقول محمد أكبر: «عندما ترى حمالا يعمل في نهار رمضان أثناء الصيام، ستدرك قيمة الطعام والشراب في حياة البشر. فالأمر لا يشبه الصيام أثناء المكوث في منزل مكيف. إن رمضاننا رمضان حقيقي». أما حافيظ بيك، الذي عمل بالمهنة طيلة 20 عامًا، فيؤكد أن الله عز وجل يمنحه القوة الكافية لإتمام مهامه اليومية حتى خلال فترة الصوم، ويبدي ابتهاجه بالتفاني الذي يقوم به المسلمون الأتقياء خلال شهر رمضان الكريم.
وأثناء انتظارهم على المقاعد المتاحة لهم بالمحطة، يأخذ عدد من الحمالين الشباب، الذين يقومون بفريضة الصيام، قيلولة قصيرة على الأقل خلال اليوم لاستعادة طاقتهم. فيما يذهب بعض الحمالين إلى منازل مؤلفة من حجرة واحدة للاستراحة، في حين يتوجه بعضهم إلى المسجد المجاور لمدخل المحطة.
ويقول مولانا محمد يونس، إمام مسجد والي دارغا المؤلف من طابقين، الذي يُشبه في تصميمه الكعبة في مكة المكرمة: «حتى سنوات قليلة مضت كان المسجد مغطى بصفيح يكتوي الحمالون وسائقو سيارات الأجرة بأسفله. لكن جرى تشييده على مراحل استغرقت خمس سنوات بفضل تبرعات الحمالين وسائقي الأجرة وبعض المواطنين المسلمين الذين يعيشون في الحي السكني المجاور».
وقد أصبح هذا المسجد يُستخدم أيضًا استراحة للحمالين وسائقي سيارات الأجرة والعمال. وخلال فترة ما بعد الظهيرة يجد المرء ما لا يقل عن عشرة منهم يأخذون قيلولة على أرضية المسجد بجوار الضريحين. وقد جرى جمع التبرعات لتركيب مروحة تبريد كبيرة تعمل بالمياه في الطابق السفلي لتخفيف حرارة الجو الشديدة.
وفي غضون ذلك، وكالمعتاد خلال ذلك الشهر الكريم، يؤدي الحمالون الصلوات الخمس خلال فترات الاستراحة من عملهم، ويؤمن كثيرون منهم أن تلك الصلوات تمدهم بالطاقة اللازمة من أجل مواصلة الصيام المجهد.



أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.