«الكلاوين» و«الصينية» و«المحيبس» تجمع سكان إقليم كردستان في ليالي رمضان

تحتل الألعاب الشعبية التراثية قسما كبيرا من الليالي الرمضانية في إقليم كردستان، فتحتضن مقاهي المدن وحدائقها مزاولة هذه الألعاب المتمثلة بلعبة «الصينية» و«القبعات» و«المحيبس» طيلة ليالي رمضان. وتتخلل هذه الألعاب تنظيم حفلات ودبكات منوعة، وتُغنى فيها الأغاني التراثية، وتشهد في الوقت ذاته توزيع الحلويات على المشاركين في الألعاب وعلى الجمهور. ولا تخلو ممارسة هذه الألعاب من الصراخ والتصفيق تعبيرا عن الفوز وتشجيعا للفريق المفضل.
وتمتاز هذه الليالي الرمضانية باجتماع جميع المكونات العراقية تحت مظلة إقليم كردستان في ظل الأمن والاستقرار والتعايش والتآخي، حيث يرى كثيرون أن هذه الألعاب تساهم في توطيد العلاقات الاجتماعية بين جميع الأطياف.. «الشرق الأوسط» تجولت في المقاهي والحدائق في مدن إقليم كردستان للتعرف على هذه الألعاب عن قرب.
لعبة القبعات أو كما تسمى في الكردية «الكلاوين»، هي واحدة من الألعاب الكردية التراثية التي يعود تاريخها إلى مئات السنين في كردستان، وتُلعب غالبا في ليالي رمضان بين فريقين يتكون كل منهما من ثلاثة لاعبين أو أكثر، حيث يخبئ أحد الفريقين النرد أو الجوز أو حجر صغير تحت إحدى القبعات الإثنتي عشرة التي تتألف منها اللعبة، ويبحث الفريق الآخر عنها ليحصل على النقاط.
ويقول بهزاد معروف، الذي يمارس هذه اللعبة منذ سنين: «لعبة القبعات لعبة قديمة جدا، ورثناها عن آبائنا وأجدادنا.. اللعبة تُجرى بين فريقين، وهي على شوطين، وكل شوط يتكون من 12 جولة. الفريق الفائز يحصل على أكبر نقاط خلال الشوطين، وإن تساوى الفريقان فيلجآن إلى شوط إضافي من 12 جولة لحسم اللعبة». ويضيف شارحا: «أما بالنسبة للمواد المستعملة فيها، فهي عبارة عن 12 قبعة تراثية مصنوعة من الصوف وجوزة أو حجر صغير أو النرد، حيث يخبئ لاعب رئيسي الجوز أو الحجر تحت إحدى القبعات سرا، ويبدأ الفريق الخصم بكشفها في اختيار واحد بالتشاور مع بقية أعضاء الفريق»، مبينا أن هذه اللعبة تعتمد على الذكاء والفطنة والفراسة لكشف المخفي تحت إحدى القبعات. ويستطرد معروف: «لا تخلو ليالي شهر رمضان من هذه اللعبة، حيث نستمر بممارستها حتى وقت السحور طيلة ليالي الشهر، ونقضي أوقاتًا جميلة مع الأهل والأقارب والأصدقاء في أجواء من الموسيقى والغناء الكردي الجميل».
أما اللعبة الثانية من حيث الشعبية، فهي لعبة الصينية، التي تلعب بين فريقين متكونين من 15 لاعبا، يلعب في كل جولة ثلاثة لاعبين، وتتمثل في إخفاء لاعبي أحد الفريقين النرد تحت فنجان نحاسي من الفناجين الأحد عشر المرصوصة على صينية مدورة خفيفة الوزن، خلف ستار من قطعة قماش كبيرة، ومن ثم تقديمها إلى الفريق المقابل للكشف عن الفنجان الذي يغطي النرد عبر محاولتين فقط.
ويقول دلير كريم، الذي يحرص على المشاركة في هذه اللعبة مع فرق الحي الذي يسكنه في مدينة أربيل كل رمضان، إن «هذه اللعبة تنظم كل رمضان، على مستوى أحياء ومناطق المدينة». ويضيف: «على مستوى المدن والمحافظات في إقليم كردستان، فمثلا نحن في أربيل التي تشتهر بهذه اللعبة نذهب إلى محافظة كركوك وإلى ناحية التون خلال ليالي رمضان، لخوض مباريات هذه اللعبة مع فرقها، كذلك نستقبل فرق هذه المدن والمدن الأخرى التي تقدُم على أربيل لخوض المباريات». ويستطرد كريم: «تنظم في نهاية رمضان مباريات نهائية لتحديد بطل اللعبة، حيث تتوج إحدى الفرق بهذا اللقب».
وتأتي لعبة «المحيبس» أو «الخاتم» في المرتبة الثالثة من سلسلة اللعب التي تمارس في ليالي رمضان في إقليم كردستان، رغم ارتفاع شعبيتها خلال العامين الماضيين، بسبب نزوح مئات العراقيين من مناطق العراق الأخرى إلى الإقليم، بسبب التدهورات الأمنية التي تشهدها مناطقهم، فهذه اللعبة غالبا ما تُمارس في بغداد وفي مدن جنوب ووسط العراق. لكن اليوم نشاهد المقاهي في محافظات الإقليم، وقد خصصت قسم منها خلال رمضان لهواة هذه اللعبة التي تتمحور حول إخفاء الخاتم (المحيبس) من قبل أحد الفريقين، ولهذا سميت «المحيبس».
ويقول مازن الجبوري، الذي نزح إلى إقليم كردستان من مدينة الموصل عام 2014، إن «لعبة المحيبس لعبة قديمة جدا، ولها شعبية واسعة في العراق خصوصا في ليالي رمضان». ويضيف: «نحن اليوم نجتمع جميعا في إقليم كردستان في ظل الأمن والأمان والتعايش لممارستها مع بعض، فهي تقربنا أكثر، وتبث الحب والتآلف فيما بيننا.. منذ اليوم الأول من رمضان أحرص مع جار أبو محمد على حضور هذه الجلسات الرمضانية والمشاركة في لعبة المحيبس الجميلة».
ويوضح الجبوري تفاصيل لعبة المحيبس بالقول إن «اللعبة تكون بين فريقين بأي عدد من المشاركين، حيث يخبئ أحد اللاعبين الرئيسيين المحبس في يد أحد أفراد فريقه بشكل سري دون أن يعلم الفريق المقابل بمكان المحبس، وبعد الانتهاء من عملية التخبئة، يبدأ لاعب من الفريق المقابل بالبحث عن المحبس بين أيادي الفريق المنافس، وذلك بالطلب منهم، إما بفتح يد واحدة أو كلتيهما، وهذا يعني أنه لا يحمل المحبس». ويضيف شارحا: «إن اكتشف المحبس في أي يد مخبأة، حينها يحصل فريقه على نقطة ويعود المحبس إليهم فيخبئونه، أما إذا أخطأ اللاعب باكتشاف اليد التي تحمل المحبس حينها (ينقص نقطة من فريقه)، ويصرخ اللاعب الذي بيده المحبس (بات)، ومن هذا سميت لعبة البات أيضا».
وتمارس إلى جانب هذه الألعاب الرئيسية ألعاب شعبية أخرى مثل لعبة «الدامة» الشبيهة بالشطرنج التي يلعبها شخصان فقط، لكن يتجمع عدد كبير من الجمهور حولهما لتشجيعهما على الفوز، بينما يتبادل كبار السن أطراف الحديث ويستذكرون ذكريات الماضي.