نظم «إنترنت الأشياء».. تثير مشكلات التدخل في خصوصيات الأطفال

«باختصار، فإن أليكسا هي صديقتي المفضلة الجديدة».. هذا ما كتبته ريبيكا وهي كاتبة وصاحبة مدونة على موقع «مامي بروف». وبصفتها أما لأطفال صغار، فلا يصعب علينا معرفة لماذا تُعدد تفاصيل البهجة التي يدخلها عليها المساعد الافتراضي «أمازون إيكو Amazon Echo»، فهو يقوم بدور المساعد في المطبخ، وبدور أداة ترفيه للطفل ومقدم مقطوعات موسيقية. وأضافت ريبيكا: «هل من الغريب أن أشعر أن أليكسا هي صديقتي الصغيرة التي تمنحني الثقة خلال تلك الساعة الفاتنة من السادسة مساء؟ فهي من تتولى توجيهي بلطف خلال إعداد العشاء».

تسجيل صوت الأطفال

ومع ذلك، فما الذي يمثله إدخال جهاز «دائم التشغيل»، يسجل أصوات الأطفال، إلى خصوصية منزل المرء؟ فقد كشف تحقيق جديد عن الانتهاكات المحتملة لقوانين الخصوصية للأطفال من قبل أجهزة «أمازون إيكو». ووفقًا لصحيفة «الغارديان» البريطانية، فإن الشركات التي تقدم المساعدة الافتراضية مثل «أمازون»، قد يتم تغريمها ملايين الدولارات لجمعها بيانات عن الأطفال دون موافقة صريحة من آبائهم، وخصوصًا أن أجهزة الذكاء الصناعي التي تخزن الملفات الصوتية للأطفال، لا توضح إلى متى يتم التخزين، وكيف يتم استخدامه.
وبدوره، قال جيفري تشستر وهو محام ساعد في صياغة «قانون حماية خصوصية الأطفال الإلكترونية» الذي يستهدف حماية الخصوصية الرقمية للأطفال دون سن الثالثة عشرة، إن «الاكتفاء بإخبار أولياء الأمور بتحمل المسؤولية الفعلية عن الطفل، ليست بالأمر الفعال». وأضاف أنه «وفقًا لهذا القانون، يتعين عليهم أن يعرفوا ما تم جمعه، وكيف تم استخدامه، وهم بحاجة أيضًا للحصول أولاً على الموافقة الصريحة».

أجهزة المساعدة الصوتية

و«أمازون إيكو» ليس بالجهاز الوحيد الذي يثير قلق تشستر، فقد أعلنت شركة غوغل أنها تعمل على إصدار جهاز جديد مشابه للمساعد الافتراضي. وكذلك يوجد تطبيق هادئ الصوت يدعى «سيري Siri» متوافر على آيفون وآيباد، فضلاً عن تداول أنباء بأن آبل تقوم بتطوير جهاز خاص بها ينافس «إيكو».
وقال تشستر: «يتمثل الهدف في استخدام تلك الأجهزة لتغذية الحشد المتزايد من المعلومات التي يجرى جمعها عنا». كما استشهد بإمكانية إنشاء ملفات تعريف للمستهلك تحتوي على معلومات وافرة عن الأشخاص الذين لم يصلوا بعد إلى سن الرشد.
وأضاف: «لا يتم النظر إلى تلك الأجهزة على أنها تقوم بحماية الخصوصية، بل هي بالأحرى سبل جديدة لتقويض الخصوصية، فإعدادات الخصوصية التي لا تؤدي دورها في شرح انتهاكات الخصوصية المحتملة التي تفاقم المشكلة». وقالت شركة أمازون (التي يملك رئيسها التنفيذي «جيفري بي. بيزوس» جريدة «واشنطن بوست») للجريدة إنها تمتثل لقانون حماية خصوصية الأطفال وغيرها من القوانين المعمول بها.

بيانات عن الأطفال

وقضية جمع البيانات عن الأطفال صارت قضية ساخنة في الآونة الأخيرة، إذ تشير أحدث التقارير إلى أن شركات تكنولوجيا التعليم، مثل تلك الشركات التي تقف وراء جهود حوسبة الاختبارات الأساسية المشتركة، تجمع بهدوء تام بيانات الطلاب وتبيعها. ومن ثم، فإن البيانات يتم استخدامها للأغراض التسويقية وللمساعدة على استهداف عائدات الإعلان نحو الجيل القادم من المستهلكين.
ووفقًا للتقرير الذي نشره المركز القومي لسياسة التعليم بعنوان «من أجل مراقبة التعليم: ثقافة الرصد في المدارس»، صُنفت فيسبوك وغوغل بأنهما أكبر المجرمين. ويدعو التقرير إلى التحلي بالمزيد من بعد النظر في عمليات جمع البيانات والمطالبة بالحصول على موافقة الوالدين.
لكن ماذا عن بيانات الأطفال التي يُدخلها الوالدان عن طيب خاطر، إلى العالم الرقمي؟ يقدر متوسط عدد المشاركات التي ينشرها الوالدان عن طفلهما الذي لم يتعد الخامسة من العمر بـ1000 صورة. وهكذا تصبح أخلاقيات نشر صور الأطفال وأشرطة الفيديو والحكايات عن الأطفال محاطة بالشكوك في عالم اليوم. وهي تُعد مشكلة قد تضع الوالدين في خطر مواجهة عقوبات صارمة في فرنسا، وهي بلد يتمتع بعدد وافر من قوانين حماية الخصوصية. وقد حذر المحامون الفرنسيون الآباء والأمهات من خطر التعرض لدفع غرامة تصل إلى 50.000 دولار أميركي أو السجن لمدة عام لنشر صور أطفالهم من دون موافقتهم الصريحة.
وبالنسبة لكاثرين مونتغمري، الأستاذة في الاتصالات والكاتبة المساهمة في صياغة قانون حماية خصوصية الأطفال، فإن الآثار النفسية المحتملة المترتبة على جمع البيانات عن الأطفال مقلقة. وقالت إنه «بدافع رغبتهم في مشاركة البهجة التي يتمتعون بها أثناء تربية أطفالهم، يقوم الوالدان بنشر أشياء تتعلق بأبنائهم وعرضها قبل حتى أن يصير أبناؤهم في السن التي تسمح لهم بإدراك ما يحدث. فهم يصبحون شكلاً آخر من تلفزيون الواقع الرقمي». وأضافت: «أعتقد أن ذلك قد يكون مصدر تهديد وضرر بالغ، وتؤثر بشكل كبير في انتهاك المساحة الخاصة للأطفال التي هم بحاجة إليها من أجل تطوير هوياتهم».
ورغم ذلك، فكما يشدد كل من مونتغمري وتشستر، فإن الشركات هي من يتعين عليها إخبار الآباء والأمهات بما يحدث لتلك البيانات الخاصة بأطفالهم. وقالت مونتغمري: «إن هذا النمط من الإعلام الرقمي مدفوع بنماذج عمل محددة تقوم بمكافأة وتحفيز سلوكيات محددة من شأنها أن تعزز معاير اجتماعية جديدة. وربما يكون علينا أن نعتقد فعلا أن مجتمعا بمثل هذه المعايير ليس المجتمع الذي يجب أن نعيش فيه فعلا».
* خدمة «واشنطن بوست»
ـ خاص بـ {الشرق الأوسط}