القاع.. خاصرة أمنية لبنانية رخوة تواجه تنظيم داعش في التلال الحدودية مع سوريا

كشفت التفجيرات التي هزت بلدة القاع الحدودية مع سوريا أمس، عن خاصرة أمنية رخوة قبالة مناطق انتشار تنظيم داعش على الضفة السورية من الحدود، والتلال الحدودية اللبنانية، نظرًا لتسرّب انتحاريين من مناطقها الزراعية مرتين خلال عامين إلى داخل الأراضي اللبنانية.
وبينما يفترض الخبراء والمعنيون أن تلك المنطقة «يجب أن تكون آمنة، كون المنطقة الواقعة على الضفة السورية من الحدود خاضعة لسيطرة الجيش النظامي السوري وحلفائه»، دحض الانكشاف الأمني الفرضيات المرتبطة بـ«الأمان على الضفة اللبنانية»، وطرح فرضيات أخرى لكيفية وصول الانتحاريين الأربعة إلى منطقة مأهولة بالسكان، من غير توقيفهم.
وتقع بلدة القاع شمال بعلبك على الحدود اللبنانيّة - السورية في البقاع الشمالي، وهي آخر قرية على خط بعلبك - حمص، يقابلها على بعد كيلومتر واحد، معبر بلدة جوسية السورية إلى ريف القصير في محافظة حمص. وتمتد الأراضي الزراعية والجردية فيها جنوبًا إلى جرود رأس بعلبك اللبنانية التي يسيطر «داعش» على أجزاء من تلالها الحدودية مع سوريا، حيث يحتفظ بخط إمداد له إلى جرود مدينة قارة في أقصى شمال غربي محافظة ريف دمشق، ومنها يحتفظ التنظيم بخط تهريب إلى البادية السورية.
والواقع أن وجود «داعش» في الضفة السورية من الحدود، بقي مجرد احتمال من ضمن احتمالات كيفية اختراق البلدة، إذ تشير التقديرات إلى ترجيح تسلل الانتحاريين من مخيمات اللاجئين في منطقة مشاريع القاع. ويقول مصدر بارز في المنطقة لـ«الشرق الأوسط»: «في الحالتين، سواء أكانوا عبروا من داخل الأراضي السورية أم من مخيمات اللاجئين، فإنهم استخدموا الزوايا والأودية ليختبئوا عن مراكز ونقاط الجيش اللبناني المنتشرة بكثافة في تلك المنطقة».
على الضفة السورية من الحدود، تقدر عناصر «داعش» بنحو 1300 مقاتل، ينتشرون من جرود رأس بعلبك المحاذية للقاع، باتجاه جرود عرسال جنوبًا، ويمتلكون منافذ للعبور إلى العمق السوري. وعلى أطراف القاع، ثمة مخيم للاجئين السوريين في منطقة مشاريع القاع، وهي منطقة زراعية حدودية، على الراغبين بالوصول إليها، أن يعبروا حاجز الجمارك اللبنانية وحواجز للجيش اللبناني. ويمثل الواقعان في القاع، خطرًا عليها، كما يقول سكان البلدة التي تسكنها أغلبية ساحقة من المسيحيين، ومعظمهم يؤيدون حزب «القوات اللبنانية». وتجنبًا لتدهور أمني مسبق، كانت جرت بعض الترتيبات كإبقاء اللاجئين السوريين من بلدة ربلة في داخل البلدة، بينما تم نقل لاجئين آخرين من القصير وريفها إلى منطقة واقعة شمال القاع.
الخروقات، تؤكد أن هناك ثغرات أمنية كثيرة، تمثلها البلدة الحدودية مع سوريا، وتضم طريق بعلبك – حمص الدولي. فقد تسرّب منها انتحاري في عام 2014 استهدف نقطة للجيش اللبناني في نهر العاصي، قبل أن تقع التفجيرات فجر أمس على بعد كيلومتر عن حاجز الجمارك الذي يسبق حواجز قوى الأمن الداخلي والأمن العام على معبر ساقية جوسية.
ويؤكد رئيس مركز «الشرق الأوسط» للدراسات الدكتور هشام جابر لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ثغرات أمنية كثيرة، رغم انتشار الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية بكثافة»، لكنه أشار إلى أن الجيش اللبناني لا يمتلك إمكانيات كاملة، سواء تقنية أو بشرية، لأحكام السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، وبالتالي، تبقى هناك الكثير من الثغرات.
ولطالما نفذ الجيش اللبناني، في مواقعه المتقدمة في بلدة عرسال، أو في بلدة رأس بعلبك إلى الحدود مع سوريا حيث ينتشر «داعش»، ضربات استباقية، وقصفًا دائمًا لتحركات المسلحين. وأشار جابر إلى أن الجيش اللبناني «استفاد من التجهيزات التقنية والدعم العسكري البريطاني الذي ثبت في منطقة رأس بعلبك، فساعدته على تنفيذ ضربات قاسية ضد المسلحين المتشددين في المنطقة». وعليه: «لا تزال هناك مناطق مكشوفة، في حين لم يُستكمل تجهيز الجيش اللبناني الذي يقاتل باللحم الحي، ورغم ذلك ينفذ عمليات استباقية، ويقوم بعمليات التصدي للاختراقات ويتبادل إطلاق النار مع المجموعات الإرهابية».
على الخط الأمني، تنشط مديرية المخابرات في الجيش، كما شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي والأمن العام، التي قوضت البيئة الحاضنة للإرهاب، وفكك أكثر من 15 شبكة إرهابية خلال عام ونيف في إجراءات استباقية لحماية لبنان. لكن التفجير كشف أن لبنان لا يزال في دائرة الخطر. ويقول جابر: «المرجح أن القاع كانت نقطة انطلاق»، مشددًا على أن «المرعب في هذه الحادثة، أن هؤلاء يمثلون كتيبة من الذئاب المنفردة، حيث ينفذ كل شخص بينهم هدفًا مستقلاً، لا نعرفه حتى الآن». وأشار إلى أن «الأهداف كثيرة، بينها القرى المسيحية والشيعية في المنطقة، وحافلات نقل وآليات الجيش اللبناني في المنطقة، وغيرها».
وفي ظل الوقائع الأمنية المستجدة، قالت مصادر في القرية لـ«الشرق الأوسط» إن إجراءات الأمن الذاتي «ستبدأ ليل الاثنين - الثلاثاء»، حيث اتخذت فرقة «صقور القاع» المؤلفة من نحو مائة شاب من أبناء البلدة والمقيمين فيها، قرارًا بالحراسة على مداخل القرية وداخل أحيائها، ومؤازرة الجيش اللبناني والقوى الأمنية في مهماتها، في عملية تأمين استباقي للبلدة من الخروقات. وسيتشابه هؤلاء، مع فعاليات اجتماعية تجري الحراسة وتؤازر القوى الأمنية الرسمية في جرود رأس بعلبك.