عقيدة طرابلس اللبنانية

الحرب السورية صبّت الزيت على نار التشدد

عقيدة طرابلس اللبنانية
TT

عقيدة طرابلس اللبنانية

عقيدة طرابلس اللبنانية

ارتبطت مدينة طرابلس اللبنانية خلال السنوات الأخيرة بالحركات الإسلامية المحافظة والمتشددة، مع تفكيك كثير من خلاياها في «عاصمة الشمال» والمناطق المحيطة بها مثل الضنّية وعكّار، مع الإشارة إلى أن الشمال تعتبر اليوم من أكثر مناطق لبنان تهميشًا. ولقد تأثر مشهد التشدد الإسلامي في تاريخ المدينة المعقّد بالسياسة المحلية كما بالعداء لنظام الأسد السوري، الذي ترجم في زيادة عدد الهجمات الإرهابية ضد ميليشيا ما يسمى «حزب الله» التي تقاتل إلى جانب قوات نظام بشار الأسد في سوريا.
يشرح الدكتور عبد الغني عماد، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية اللبنانية، لمحات من الحركات الإسلامية المحافظة والمشددة في لبنان فيقول: «إن الشيخ سالم الشهال أسس أول مجموعة تنتمي إلى هذه التوجهات هي (شباب محمد في لبنان) خلال عقد الأربعينات، وكانت حركته دعوية، من أهدافها تصحيح الممارسات الخاطئة للمسلمين. أما على الصعيد السياسي فلم يكن للشيخ الشهال أطروحة سياسية واضحة، مع العلم أنه ترشح للنيابة عام 1972 غير أنه انسحب لصالح (الجماعة الإسلامية).. وفي هذا دليل واضح على انفتاحه».
ويتابع الدكتور عماد شرحه قائلا: «مع بدء الحرب اللبنانية أدى غياب الشيخ سالم الشهال عن الساحة الأمنية إلى صعود شخصيات جديدة من تلاميذه. وهذه النزعة تزايدت بعد وفاته، غير أن الانقسام الطاغي على الساحة السلفية ناتج عن طبيعة الحركة التي هي دعوية وليست حزبية».
وللعلم، نشأت في طرابلس مدارس صغيرة أخرى مثل تلك التابعة لسراج منير البخاري وحركة صفوان الزعبي والشيخ سالم الرافعي، الذي كان من أوائل من دعا إلى «الجهاد» في سوريا، فضلاً عن شخصيات أخرى مثل الشيخ بلال دقماق والشيخ نبيل رحيم أو الشيخ محمد خضر، ناهيك بحركات إسلامية راديكالية أخرى مثل «حركة التوحيد» التي أسّسها الشيع سعيد شعبان.
ومع بدء الشعور بالخطر من سياسات ما يسمى «حزب الله» ومواقفه طرأ تسييس واضح المعالم على المشهد الإسلامي في طرابلس ومحيطها، وظهر حراك محافظ ومتشدد ملحوظ. وازداد شعور التيار المتشدد مع أحداث 2008 واجتياح ما يسمى «حزب الله» بيروت ومحاولته غزو الجبل. وحاليًا تعتمد الفصائل الإسلامية المحافظة والمتشددة في طرابلس على شبكة من المساجد والمنظمات غير الحكومية والمدارس، وتتلقى التمويل من مختلف الدول العربية. وحسب الدكتور عماد يوجد اليوم في المدينة ومحيطها نوعان من هذه الفصائل: النوع الأول توجّه إلى حمل السلاح، وارتبط عدد من الخلايا بمنظمات إرهابية. أما النوع الثاني فهو الذي رفض حمل السلاح، ومع ذلك فقد تعرض للتوقيفات الأمنية - مثل الأول - إثر الأحداث الطائفية بين منطقة باب التبانة السنّيّة وجبل محسن العلوية في طرابلس بعد بدء حرب سوريا.
ووفقًا لمصدر - اختار التكتم على هويته نظرًا لحساسية الموضوع - يحصل كثيرون من ناشطي الفصائل المحافظة والمتشددة، كما أن معظم هذه الفصائل في طرابلس لديها اتصالات منتظمة مع هيئات مثل الشرطة والجيش أو الاستخبارات، وحتى وقت قريب كان يتم تأمين الأسلحة لها من قبل السياسيين المحليين. وفي هذا السياق يقول الشيخ بلال دقماق إن انقسام بعض هذه الفصائل يؤدي إلى ضعفهم، في حين يستطيعون أن يكونوا أقوياء.
والواقع أن المشهد الإسلامي المحافظ في لبنان عمومًا، يبقى مثل بقية الأنسجة السياسية والاجتماعية المعقدة في لبنان، منقسمًا بعمق. كما أن الفصائل الإسلامية في طرابلس لا تتعرّض للتلاعب بها فقط من قبل القوى الخارجية، بل أيضًا تقع رهينة في يد السياسيين المحليين الذين يستخدمونها في اللعبة السياسية. فخلال الفترة بين عامي 2012 و2015، شهدت طرابلس اشتباكات بين المسلحين المتشددين وأفراد من الأقلية العلوية الموالية لنظام الأسد في سوريا وكذلك ضد الجيش اللبناني. وانتهت المعركة أواخر العام الماضي بعد اعتقال قادة الميليشيات وتفكيك الخلايا الإرهابية. وفي مايو (أيار) 2015، اعتقل الجيش اللبناني إبراهيم بركات، الموصوف تارة بأمير «داعش» في شمال لبنان، وتارة بـ«القاضي الشرعي» للتنظيم الإرهابي، وذلك بتهمة العمل على تجنيد الشباب لصالح التنظيم.
من جهة أخرى، لفترة طويلة بدا أن معظم المحافظين المتشدّدين في الشارع الإسلامي الطرابلسي يؤيدون قوى «14 آذار»، وعلى رأسها تيار «المستقبل» - ذو الغالبية السنّية - برئاسة رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، في حين فضلت الفصائل السنية الراديكالية الأخرى مثل «حركة التوحيد» التي تلقى رعاية قوية ومباشرة من نظام سوريا وإيران، أن تدين بولائها لقوى «8 آذار» بقيادة ما يسمى «حزب الله».
إنما يبدو أن هذا المشهد الإسلامي قد تغير، بما في ذلك مكوناته المتشددة والحركية التي تعكس الديناميات المحلية في طرابلس. إذ صبّت أصواتها خلال الانتخابات البلدية الأخيرة التي أجريت في مايو (أيار) الماضي لصالح اللائحة المدعومة من قبل وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي، وهو من «14 آذار» الذي تميّز بتشدده ضد ما يسمى «حزب الله» ومناهضته لسوريا ورفضه مهادنة مناصري النظام السوري داخل طرابلس، في حين فضل غيره من أعضاء «14 آذار» اتخاذ مواقف أقل تشددًا. وكما هو معروف، فازت القائمة المدعومة من ريفي ضد ما وصفت بـ«قائمة المليارات» الائتلافية التي شكلتها الشخصيات السياسية والاقتصادية السنّية، وفي مقدمتهم الرئيس الحريري ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي والوزيران محمد الصفدي وفيصل كرامي، بالتحالف مع «الجماعة الإسلامية» و«جمعية المشاريع الإسلامية» (الأحباش).
وفي حين لم يشارك المحافظون المتشددون عمومًا في العملية الديمقراطية، فقد صوت كثيرون، منهم في طرابلس، ضد القائمة الائتلافية (الحريري - ميقاتي - الصفدي - كرامي)، لمصلحة القائمة المدعومة من ريفي. ووفق الشيخ محمد إبراهيم، وهو رجل دين من حي المنكوبين، المنطقة التي أسهم سكانها إلى حد كبير في معارك سوريا: «بقاء اللواء ريفي على مواقفه الحازمة، يفسر الدعم الواسع الذي حظي به» في الانتخابات. وفي المقابل سجل ابتعاد للناخبين عن «الأحباش» و«الجماعة الإسلامية» المشاركين في اللائحة المناوئة للائحة المدعومة من ريفي.
يشرح بعض المحافظين المتشددين كيف أنهم ينظرون بشكل سلبي إلى قبول تحالف «الجماعة الإسلامية» مع «الأحباش» الذين يشكلون أعداء طبيعيين لهم لأسباب سياسية ودينية على حد سواء. ويقول أحدهم: «الأحباش كانوا من داعمي النظام السوري إبان احتلاله للمدينة»، وفي عام 1986، نفذ الجيش السوري حملة عنيفة على سكان المدينة أدت إلى اختطاف وقتل المئات من الناس.
مع هذا، وعلى الرغم من هذا الماضي المليء بالأحداث، فإن المشهد الطائفي التعددي في لبنان، والتحالفات السنّيّة القديمة مع الدولة عنصران حالا دون نجاح تنظيمات إرهابية متطرفة مثل «القاعدة» بإحكام طابعها المؤسسي في لبنان رغم بذلها محاولات كثيرة. لكن الحرب السورية غيرت هذا الواقع. وكما يقول الشيخ إبراهيم: «الحرب في سوريا والانتهاكات ضد الثورة والشارع السني أغضب السكان في طرابلس. كذلك أدى تدخل (حزب الله) إلى صب الزيت على النار، وساهم في توجه كثيرين إلى سوريا، حتى وصل عددهم إلى 1000 شخص». مع العلم أن مصادر الاستخبارات العسكرية في لبنان تقول إن عددهم لا يتجاوز الـ250.
أمر آخر لافت، هو أنه بينما يتعاطف «الجيل القديم» من المحافظين المتشدّدين مع «جبهة النصرة»، فإن «الجيل الأصغر سنًا» يؤيد «داعش». وخلال الأسابيع الأخيرة، ألقي القبض على عدة خلايا لعلاقاتها بالتنظيم المتطرف. و«على الرغم من الإجراءات الكثيرة التي اتخذت لوقف نشاط (داعش)، فإن كثيرا من الأشخاص الذين يدعمون آيديولوجيا التنظيم ما زالوا موجودين. ومن غير المتوقّع حصول هجمات إرهابية كبيرة خلال شهر رمضان كون أتباع (داعش) في لبنان لا يملكون إمكانيات لإجراء أعمال بهذا الحجم»، وفق مصدر في الجيش اللبناني: «لكن قد يكون من السهل وقوع عمليات صغيرة لا تتطلّب جهدًا تقنيًا أو تدريبًا على غرار ما شهدناه في باريس».
في المقابل، تعتبر مصادر متشددة في طرابلس أن الخطر الجديد قد ينشأ من الشباب الذين سبق أن اعتقلوا بطريقة عشوائية، للاشتباه في علاقاتهم مع المنظمات الإرهابية، والذين أطلق سراحهم بعد تبرئتهم. وهنا يقول الشيخ إبراهيم: «ألقي القبض على كثير من الشباب لدعمهم الآيديولوجي للنصرة أو و(داعش)، وسجنوا لشهور عدة.. ومن ثم أطلق سراحهم في النهاية لعدم وجود أي إثباتات ضدهم»، متابعًا أن «هؤلاء الشباب الممتعضين من اعتقالهم غير القانوني والمعاملة السيئة يشكلون قنابل موقوتة، وبالأخص، أنه سبق وضعهم في السجن مع المتطرّفين المتشدّدين من جبهة النصرة و(داعش)».
هذا، وعلى الرغم من الإنجازات الكثيرة التي حققتها القوى الأمنية اللبنانية بالقبض على الخلايا الإرهابية وتفكيكها، فإن السلطات اللبنانية لا تزال عاجزة عن وضع حد لمزيد من تطرف الشباب، بحيث تبدو عاجزة عن تأمين فرص جديدة لهم أو التفكير ببديل عن زجهم في السجون بالقرب من الإرهابيين المتطرفين.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».