«سايكس ـ بيكو» في وعي المتشددين العرب

بين الوحدة والقسمة

«سايكس ـ بيكو» في وعي المتشددين العرب
TT

«سايكس ـ بيكو» في وعي المتشددين العرب

«سايكس ـ بيكو» في وعي المتشددين العرب

كان مفهوما ومتوقعا هدم عناصر «داعش» السواتر الحدودية بين سوريا والعراق، بعد إعلان قادة التنظيم الإرهابي المتطرف خلافتهم المزعومة بيوم واحد في 10 يونيو (حزيران( وما نشروه طوال شهور تالية من خرائط جديدة للمنطقة، كانقلاب على التاريخ الواقعي وجزء من صناعة صورة متخيلة له، مهدت لها مراحل سابقة من الأدب والفكر العربي المعاصر، وفي مقدمتها اتفاقية «سايكس - بيكو».
ولقد مثل عداء وشجب هذه الاتفاقية المبرمة في 15 مايو (أيار) 1916. بين بريطانيا وفرنسا، التي مرت 100 سنة على ذكراها قبل قليل، مكانة خاصة في فكر التيارات الآيديولوجية العربية المعاصرة، بما حملته من هيكلة وصياغة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، خصوصا أن أغلب دوله كانت نتاجها، ونتاج الاتفاقات التالية لها، باستثناء مصر وإيران، فهما وحدهما مَن بقي من بلدان العالم القديم بصيغتهما السابقة نفسها.
الواقع أن «سايكس - بيكو» كانت انعكاسًا لواقع قائم وقديم، كما لم تكن أكثر أهمية من اتفاقات تلتها، كانت أبعد أثرا منها، مثل «مؤتمر سان ريمو» في عام 1920 و«مؤتمر القاهرة» الذي فصل أراضي فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني عن شرق نهر الأردن، لكنها دون سواها ظلت هي قلب «النظرة التآمرية» وملمحها الأول في الخطاب العربي المعاصر.
وصدمت هذه الاتفاقية مثالية حلم «الوحدة والخلافة» في آن واحد، إذ كانت «سايكس - بيكو» إحدى علامات وفاة الخلافة وتوزّع إرثها، وصادمة لدعوات الوحدة واليقظة الوليدة منذ العقد الأول مع القرن العشرين مع أمثال عبد الرحمن الكواكبي في «أم القرى» (عام 1895) أو نجيب عازوري الذي نشر كتابه «يقظة الأمة العربية» عام 1905 وتوفي في عام «سايكس – بيكو» أي 1916 نفسه.
كانت «سايكس - بيكو»، في التصور الغالب، حلقة من حلقات التفوّق الغربي الحديث وهيمنة الغالب على مصير معاهدات الحلف الأنجلو - روسي للسيطرة على بلاد فارس وأفغانستان. كما تزامنت معه وتلته لاحقًا قرارات الانتداب والاحتلال، كمحاولة مستمرة لهيكلة الشرق الأوسط وبلدانه.
لكن، ربما من الخطأ قراءتها بوصفها لحظة شرق أوسطية وليس كلحظة عالمية، ضمن سياقات ما بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، التي انتهت بسقوط عدد من الإمبراطوريات والممالك الكبرى في العالم، وما أحدثته من تغير جيوسياسي كبير كذلك في الغرب كما في الشرق على السواء.
ففي اللحظة العالمية نفسها سقطت الإمبراطورية القيصرية الروسية، والإمبراطورية النمساوية – المجرية، والإمبراطورية الألمانية، والدولة العثمانية بعد ذلك، وكذلك ممالك في إيطاليا وصربيا وبلغاريا. وشهد الشرق الأوسط نفسه اندلاع ما عرف بـ«الثورة العربية الكبرى» بعدها بشهر واحد في يونيو من عام 1916، وغيرها من الأحداث الكبرى التي تثبت أننا كنا أمام فاصل مخاض عالمي خطير أثر على كل العالم وليس على المنطقة فقط.
بيد أن ما رسخ من عداء وتحميل لاتفاقية «سايكس - بيكو» في الشرق الأوسط، كل المسؤولية، أنه أعقبها بعام واحد ما عرف بـ«إعلان بلفور» عام 1917 وما تزامن معه وتبعه، خلال أقل من عقد من الزمان، من تحولات جوهرية وعميقة في أنظمة الحكم في المنطقة. ولعل أبرزها سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 ونجاح «النزعة الطورانية» بقيادة مصطفى كمال «أتاتورك»، وكذلك سقوط الإمبراطورية القاجارية في إيران عام 1925 وبدء حكم آل بهلوي، وتوالي نشوء سائر دول المنطقة، منها الدولة السعودية الثالثة بقيادة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - في العام نفسه.
أيضًا حَمَلت «سايكس - بيكو»، أو حُمّلت، المسؤولية عن إخفاق فكرة الدولة القومية في الشرق الأوسط، بعكس نجاح النموذج الأوروبي بعد «صلح وستفاليا» (مايو 1648) الذي يُعتبر إعلان نشوء منطق سيادة الدول في العصر الحديث، ونشوء الدولة القومية. ولكن هذا المنطق يتجاهل في الآن ذاته الاختلافات الإثنية والقومية والطائفية الراسخة منذ قرون قبل هذا الاتفاق داخل دول المنطقة وشعوبها، التي حكمها نمط التغلب والاستيلاء التاريخي بشكل رئيس.
لقد اهتم واستهدف وعي النخبة العربية المعاصرة التحرير من الاستعمار ومقاومته، كما استهدف النهضة والحداثة، بعد استدراك الفجوة بين التقدم الغربي والتخلف المشرقي منذ حملة نابليون بونابرت على مصر التي حملت المطبعة والصاروخ عام 1798 ميلادية.
واستدعى واستلزم هدف التحرير والمقاومة فكرة التوحّد وإحياء الروابط السياسية، التي التفت أول ما التفت حول فكرة «الجامعة الإسلامية» وإصلاح «نظام الخلافة» ورفع كفاءته. وهو ما حاوله جمال الدين الأفغاني بدرجة كبيرة وتبعه فيه كثيرون. ولكن تزامنت معها الدعوة لروابط أخرى قومية، كـ«الرابطة الوطنية» في دعوة الليبراليين المصريين لها، و«الرابطة القومية» التي نشطت بعد ذلك بعقد مع تيارات الفكر القومي ومفكريه، من أمثال ساطع الحصري وميشيل عفلق وزكي الأرسوزي وغيرهم، بوصفها محاولة لبعث الأمة عبر الطريق الأصعب في توحيدها أولاً!
وأخيرًا، استلزم واستهدف هم الحداثة الانطلاق من الواقع والممكن، ومن الدولة الوطنية، وليس من التاريخ ورموز تمجيده. ففي مساجلة مشهورة عام 1939 بين طه حسين وساطع الحصري عن الوحدة العربية، كان رد الأول على الأخير بأن المصريين أمة والعرب أمة والترك أمة، وأن الوحدة الثقافية العربية حقيقة واقعة، لكن الوحدة السياسية أمر بعيد وصعب المنال في هذه المرحلة على الأقل. وهو ما قال به مختلف الليبراليين المصريين في هذه المرحلة. ويبدو أن هذا المنطق المعتدل في تصوّر العلاقة والرابطة السياسية بين الدول العربية، بأنها جامعة ورابطة أكثر منها وحدة أو دولة وحدوية هو الذي انتصر عند تأسيس الجامعة العربية في مارس (آذار) 1945، حين عبّرت عن جامعة بين أفراد مترابطين، لا تلغي قراراتهم وتنوعاتهم لصالح وحدة مبتغاة. كما أنه كان الأكثر حضورا في جهودهم نحو التحديث والعصرنة وتأكيد قيمة المواطنة وردّ الاعتبار للدول الوطنية أو القطرية وطرح بدائل كالتكامل أو التعاون أو التنسيق بين الدول الجديدة.
كذلك كان ثمة وعي حقيقي بصعوبة وخطورة تعميم تصور الأمة وسط الاختلافات الإثنية والطائفية بين كثير من شعوب المنطقة، وصعود دور نخب الأقليات في مقاومة المستعمر والمطالبة بالاستقلال، والإصرار على حقوق حديثة لمواطنين لا رعايا في مجتمع حديث. ومن هنا كانت شعارات الثورة المصرية عام 1919 بأن «الدين لله والوطن للجميع»، أو «مصر للمصريين». بل لا نبالغ إذا قلنا إن كان التوجّه والدافع الأكبر هو القطيعة والمفاصلة مع «التتريك» والنزعة التركية التي مثلتها الخلافة العثمانية بغض النظر عن أنها خلافة، وما أرسته من تمييز ضد العرب أو الأقليات فيهم وبينهم!
في حين نجحت التيارات الفكرية والآيديولوجية العربية في تعديل تصوراتها للدولة الوطنية الحديثة التي نشأت بعد هذه الاتفاقات، خصوصا مع استفادتها من أخطاء وفشل تجاربها الحزبية الوحدوية الحاكمة، أصر الإسلاميون - وبدرجة أكبر الراديكاليون منهم - على معاداة هذه الدولة وكل ما هو غربي وما تمخّض عن واقع صنعه أو شارك فيه. فكان اعتبار«الدولة الوطنية» صنمًا لا يجوز قبوله أو الإيمان به. وما تعلق به، شأن مقولات الديمقراطية والمواطنة وحقوق الأقليات وما شابه من أمور فالقبول بها يعني القبول بما تولّد عنها، أي يعني القطع مع مفهوم دولة «المؤمنين والخلافة» الواحدة والمتوحدة، ما يوجب الكفر بالأولى أولاً.
يقول زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري في التبرئة تعبيرًا عن هذا التصور، ومركزية «سايكس - بيكو» فيه: «هذه الدولة الوطنية فرضت علينا حدود سايكس - بيكو بالقوة والقهر والتزوير، وهي زائلة لا محالة إن شاء الله، لأنها أمر طارئ فرض بالقوة على الأمة المسلمة، التي عاشت تحت دولة واحدة حتى عام 1924، والأمر الطارئ المفروض لا بد أن يزول، لأنه يخالف حقائق الأشياء وطبائعها» (ص 49). ويقول أيضًا في موضع آخر معبّرًا عن هذا الرفض والكفر بما يسمى الوحدة الوطنية «إن تقديس الوحدة الوطنية ثمرة خبيثة من ثمرات سايكس - بيكو التي قسّمت الأمة المسلمة لأسلاب متفرقة نهبًا لتركة الدولة العثمانية، ثم عشّشت هذه السياسة الغازية المجرمة في عقولنا حتى أصبحت صنمًا مقدسًا، فيجب على المسلم طِبقًا لها في كل قُطر أن يتحد مع أبناء قطره وبلده حتى لو كانوا من أعدى أعداء»... (الأعمال الكاملة - ص 5)
وفي دراسة له عام 2013 ينتقد «أبو محمد المقدسي» الثورات العربية وتعاطف بعض الإسلاميين معها لقبولها الوحدة الوطنية، المتمخصة عن «سايكس - بيكو» بقوله «ركبت موجة الربيع العربي وانساقت بل ذابت مع شعاراته الجاهلية، رأيناها كيف تروّج للوطنية ورفعت أعلام سايكس - بيكو وأخواتها في كثير من البلاد إرضاء للعوام وانسياقًا مع الطغاة، فلا هي تميّزت عن هؤلاء ولا عملت على إخراج الناس من حمأة الجاهلية». ويجتمع مختلف الإسلاميين على هذا التصوّر الشجبي والرفضي لهذا الواقع الذي تأسس بعد هذه الاتفاقية، ولكن بدرجات مختلفة، ليس حسب تصور حجم المؤامرة، ولكن حسب إيمان كل فصيل بفكرة الوطن أو الوحدة الوطنية ودولتها الجديدة.
تبدو صورة «سايكس - بيكو» واحدة عند كل رافضي فكرة الدولة الوطنية والقطرية الحديثة، التي ربحها العرب بعد الاستقلال، وسوق الخطاب اللاتاريخي - الذي صعد عربيًا في فترة الخمسينات والستينات - في تحميل الآخر كل الوزر عن «مؤامراته ومخططاته» المسؤولة عن واقع العرب والمسلمين وأزماتهم وتقسيماتهم داخليًا وخارجيًا.
تقع فجوة هذا التصوّر في تجاهل الواقع والتاريخي العربي والإسلامي المنقسم قبلها بكثير، منذ قرون. منذ العصر العباسي الأول والثاني حين تعددت العواصم والمراكز ونشأت الإمارات السلطانية، ثم الدول المستقلة وممالك الطوائف وإماراتها التي ربما كانت أكثر شتاتًا وتعددا منه الآن. ففي أواخر عهد الأيوبيين أنفسهم - أبناء صلاح الدين وإخوته - توزّعت منطقة مصر والشام على أكثر من ست إمارات، وكذلك بلدان المغرب العربي واليمن وشبه الجزيرة العربية، كانت أكثر تقسيمًا مما كان بعد هذه اللحظة التاريخية العالمية المهمة.
ثم إن تصور الخلافة العثمانية - أو غيرها - وحدة شاملة وحامية للمسلمين من القوى الغربية قبل هذا التاريخ، يخالفه التاريخ ووقائعه الذي شهد احتلال مصر قبل انهيارها بأربعة عقود تقريبًا عام 1882. وبلاد أخرى كتونس والجزائر والهند وغيرها. ويكفي أن نشير إلى أن انفراد صلاح الدين، مثلاً، بتحرير القدس في حياة الخلافة العباسية قبل وفاتها بقليل، لم يكن إلا لكون الرهان على الدولة الوطنية الواقعية وليس على التصورات الأممية والرابطة السياسية المعنوية.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».