عندما حلت لحظة انتزاع ليبيا من ذراع القذافي

عندما حلت لحظة انتزاع  ليبيا من ذراع القذافي
TT

عندما حلت لحظة انتزاع ليبيا من ذراع القذافي

عندما حلت لحظة انتزاع  ليبيا من ذراع القذافي

تقول صفحة يوم الثلاثاء 27 أكتوبر (تشرين الأول) من مفكرتي لعام 2009، إنني خلال غداء جمعني والكاتب الروائي الليبي الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه مع خليفة بازيليا، رحمه الله، بمطعم غير بعيد عن مكتبة الساقي بشارع «ويستبورن غروف» اللندني، سمعت الدبلوماسي الليبي يقول إنه سمع بنفسه معمر القذافي يحذر ويتوعد بلهجة ليبية دارجة ما خلاصته: «آني خديت ليبيا بدراعي، واللي يبيها ما ياخدها مني إلا بالدراع». تعريب ذلك، باختصار، هو إقرار ديكتاتوري بانتزاع حكم ليبيا بسطوة ذراع عسكرية، ومن ثم فلا تخل عن حكمها الاستبدادي إلا بقوة الذراع أيضا. وهكذا كان. بعد سنتين على ذلك الغداء، وعلى وجه التحديد يوم الخميس 20 أكتوبر 2011، قبض ثوار فبراير (شباط) على معمر مختبئا في ذلك الأنبوب، اقتادوه، عذبوه - وهو أمر مرفوض أخلاقيا بصرف النظر عن بشاعة ما ارتكبه القذافي نفسه من فظاعات - ثم أعدموه.
قبل القذافي، للرئيس العراقي صدام حسين قول مشابه معروف كثيرا ما تردد داخل العراق، بقصد إشاعة الخوف، وخارجه لغرض إضعاف وإحباط أي نشاط معارض مدعوم من قوى خارجية، حتى صار يضرب به المثل على إصرار كل حكم انتزع السلطة بانقلاب عسكري على التشبث بها لآخر نفس ومهما كلف الأمر من أنفس، خلاصة ذلك البيان الصدامي المعلن أمام اجتماع لقيادات حزب البعث، هو التالي: باقون في الحكم حتى القبر. وهكذا كان. باعتبار أن صدام حسين غادر الحياة واقفا يستقبل تنفيذ حكم الشنق، مصرا على أنه الرئيس الشرعي المنتخب للعراق، وكان ذلك يوم أضحى 2006، لماذا بالتحديد نهار عيد؟ حسنا، تلك قصة أخرى، لكن الاختيار في حد ذاته أتاح لمناصري الديكتاتور فرصة استحضار ذكراه، في يوم حاضر في روزنامة كل عام، ومن ثم هي فرصة لتجديد مراثي تمجيد زمنه الذي ولى، وذلك حقهم، وتأكيد اعتقادهم – وهو أيضا حق لهم – أن العراق بلا صدام «ما يسوى شي»، باللهجة الدارجة.
كذلك حال ليبيا، إذ بشكل ما يبدو أن هناك من لن يهدأ لهم بال إلا بإثبات أن «البلاد مشت في داهية»، منذ إعدام قائد الفاتح الملهم. آمل أن يسمح أهل الاعتقاد بالمؤامرة في تفسير ما آل إليه الوضع الليبي، وهو أمر مشروع في فضاء يتسع لكل رأي، بوضع النظرية جانبا للحظة، ومحاولة الإجابة عن السؤال: لماذا يفسح المجال أمام الديكتاتوريات ليس فقط كي تعيش سنوات على حساب موت الآخرين، بل أن تنتعش طوال عقود لدرجة أن الخلاص منها يصبح أقرب للمستحيل، ويغدو تلخيص الوطن كله بشخص الديكتاتور هو الأمر المقبول؟ إنه سؤال يعيدني إلى الغداء أعلاه، إذ تداول ثلاثتنا يومها علاقة النخب بأنظمة الحكم، وعلى وجه الخصوص الطبقة المثقفة، ذلك أن المرحوم خليفة بازيليا كان أقرب إلى الحقل الثقافي منه للسلك الدبلوماسي، ولم يكن من الصعب تشخيص حالة كثيرا ما يتفق بشأنها أغلب المثقفين العرب: العجز بسبب الخوف، أو بالعكس: الجبن الوظيفي يولد الاستسلام للحكم السلطوي.
بحق، ما أكثر العاملين في قطاعات تدوير ماكينة تسويق الديكتاتورية على الرغم من إحساس القهر المكتوم في النفوس، ينتظرون، هم وهن، لحظة انفجار تجرفهم معها، ومع أن الانتظار يطول، فإنها تأتي، وفي أغلب الأحوال يفجرها بسطاء الناس، أولئك الذين لم يتأدلجوا وما غرقوا في متاهات التنظير في كيفية تفجير الثورات، لكنهم اكتووا بنار الظلم حتى صار سعيرها بردا وسلاما إذا ما ألقوا بأنفسهم فيها طالما أنها ستجرف معها أصنام الطواغيت. وهكذا كان.
لم تكن بداية ثورة 17 فبراير أمام محكمة بنغازي احتجاجا على محرقة سجن بوسليم سوى لحظة تنتظر لحظيتها، فلما جاءت، خاب الجبار العنيد في فهمها وظن العقيد أنها زوبعة عابرة في فنجان جبروته.
مع ذلك، يبقى السؤال ينتظر إجابة ما، من كل معني بأحوال الطغيان العربي. من جهتي، بدأت بمقالة لي في هذه الجريدة الخميس 5 سبتمبر (أيلول) 2013 مشروع إجابة، إذ ختمتها بما يلي: «لست أتردد الآن، بعد 44 سنة، في الاعتذار لليبيا وأهلها الطيبين، عن الإسهام، ولو بمجرد التغطية الصحافية، في التغطية على الطغيان عددا من السنين»، ذلك أن ليبيا بالنسبة لي أكثر من بلد عشت فيه، فبنغازي شهدت مولد احترافي العمل الصحافي في بواكير شبابي، فيها حبا بكر أولادي، ومنها انطلقتُ أجوب الجبل الأخضر، أبحث عن التحقيق الصحافي في البيضاء ودرنة، أنطلق من طرابلس إلى غدامس حيث مع هزيع آخر الليل أسمع طبول أفريقيا، وأبحر في صحراء سبها كي أصل أم الأرانب، فأنى لي نسيان مكان ليبيا الوطن والأهل في القلب والعقل، لا الصحافة فقط؟ ذلك موضوع آخر يستحق العودة إليه حين أنفض غبار الكسل فأبدأ بتحرير مادة استغرقت من وقت الكاتب المجد في الاجتهاد، الصديق مشاري الذايدي، ست ساعات في تسجيل ذكرياتي عن المشهد الليبي صحافيا في خواتيم عهد الملك الراحل محمد إدريس السنوسي وأوائل سنوات حكم القذافي. آمل أن أتمكن من ذلك بأقرب الآجال. إنما لن يفوتني، وقد أثقلت بالحديث الذاتي، أن أنهي بالإشارة إلى أنني نهار ذلك الغداء، بعدما ودعت كلا من خليفة بازيليا، والدكتور أحمد إبراهيم الفقيه، وإذ كنت أقترب من محطة «بيزووتر» تلقيت اتصالا من أنس يخبرني بولادة ثالثة حفيداتي. آمل أن يكون جيل للا نور، كما اقترحت اسمها، في ليبيا وكل بقعة عربية، أكثر أمنا وراحة بال من أجيال ما قبل «الربيع العربي».. وما بعده.



تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
TT

تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)

أصدرت الدول العربية المجتمعة في مدينة في الأردن، اليوم السبت، بيانها الختامي الذي أكدت فيه دعمها لعملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية.

وقال البيان بعد اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا التي تضم: الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، وبحضور وزراء خارجية الإمارات، ومملكة البحرين، الرئيس الحالي للقمة العربية، ودولة قطر، وذلك ضمن اجتماعات العقبة حول سوريا: «أكد المجتمعون الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته».

وأضاف: «ندعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبمن فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته».

كما دعا البيان إلى «تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يُقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار».

وأكد البيان على «دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده بكل الإمكانات اللازمة، وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا؛ لدعم العملية الانتقالية في سوريا ورعايتها، ومساعدة الشعب السوري الشقيق في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وفق القرار 2254».

وشدد على أن «هذه المرحلة الدقيقة تستوجب حواراً وطنياً شاملاً، وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية؛ لبناء سوريا الحرة الآمنة المستقرة الموحدة التي يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات».

إلى ذلك طالب البيان بـ«ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية»، وأكد «ضرورة احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين».

ودعا إلى «ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب السوري، وحماية سوريا من الانزلاق نحو الفوضى، والعمل الفوري على تمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدرات الدولة السورية».

وحث على «الالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته، في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة».

أيضاً، أكد البيان «التضامن المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة في حماية وحدتها وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها. وتوفير الدعم الإنساني الذي يحتاج إليه الشعب السوري، بما في ذلك من خلال التعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

وتطرق إلى العمل على «تهيئة الظروف الأمنية والحياتية والسياسية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم، وتقديم كل العون اللازم لذلك، وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

كذلك، أدان البيان توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها في جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، ورفضه احتلالاً غاشماً وخرقاً للقانون الدولي ولاتفاق فك الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل في عام 1974، مطالباً بانسحاب القوات الإسرائيلية.

كما أدان الغارات الإسرائيلية على المناطق والمنشآت الأخرى في سوريا، وأكد أن هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلة يجب إنهاء احتلالها، مطالباً مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الاختراقات.

وأوضح أن التعامل مع الواقع الجديد في سوريا سيرتكز على مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات أعلاه، وبما يضمن تحقيق الهدف المشترك في تلبية حقوق الشعب السوري وتطلعاته.