«الأوروبي» يطالب بريطانيا بصوت واحد بإجراء مفاوضات فورية لخروجها من الاتحاد

وزير الخارجية الفرنسي: لن نقبل أن تلعب بريطانيا لعبة القط والفأر

«الأوروبي» يطالب بريطانيا بصوت واحد بإجراء مفاوضات فورية لخروجها من الاتحاد
TT

«الأوروبي» يطالب بريطانيا بصوت واحد بإجراء مفاوضات فورية لخروجها من الاتحاد

«الأوروبي» يطالب بريطانيا بصوت واحد بإجراء مفاوضات فورية لخروجها من الاتحاد

طالبت الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي اليوم (السبت)، بريطانيا بالشروع «في أسرع وقت ممكن» في آلية الخروج من الاتحاد الأوروبي، في حين أكدت فرنسا أن تعيين رئيس جديد للحكومة البريطانية أمر «ملح».
وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، في ختام اجتماع لوزراء خارجية الدول الست، في برلين: «نقول هنا معًا إن هذه العملية يجب أن تبدأ بأسرع وقت حتى لا نجد أنفسنا غارقين في مأزق». وطالب بريطانيا بضرورة اللجوء إلى المادة «50» من معاهدة لشبونة «في أسرع وقت»، من أجل الدخول في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال بعد لقائه مع نظرائه من فرنسا وإيطاليا ودول بينولوكس الثلاث (هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ)، وهي الدول الأعضاء المؤسسة للاتحاد الأوروبي: «يتعين بدء العملية بعد اللجوء للمادة 50 في أسرع وقت ممكن لتفادي مأزق يطول أمده».
وذكر وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسيلبورن أنّه يتعين على بريطانيا ألا «تلعب لعبة القط والفأر» بتأجيل المفاوضات بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي.
واستضاف شتاينمار الاجتماع الذي عقد في «فيلا بورسيجغ» وهو دار ضيافة وزارة الخارجية، لبحث الخطوات المقبلة ولإجراء مشاورات بشأن مبادرة إصلاح أوروبية، من شأنها أن تسمح للأعضاء الأكثر معارضة بإقامة علاقة من دون قيود مع بروكسل.
وتهدف جهود الإصلاح التي بدأتها ألمانيا وفرنسا إلى منع الدول التي يوجد بها حركات قوية متشككة في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وهولندا، من إجراء تصويت مماثل للاستفتاء البريطاني، الذي وافق خلاله 52 في المائة، على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأكمل شتاينماير بعد الاجتماع قائلاً: «يجب أن تتاح لنا الفرصة لإظهار أن أوروبا ضرورية، وقادرة أيضًا على التحرك»، في قضايا تشمل إدارة أزمة اللاجئين والبطالة بين الشباب. وتعرض الاجتماع لانتقادات من قبل هؤلاء الذين يقولون إن أي محاولة للإصلاح يتعين أن تشمل جميع الدول الأعضاء المتبقية وعددها 27 دولة.
من جهته، قال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت اليوم، بعد اجتماع لوزراء خارجية الدول الست، للصحافيين، إنّه لن يكون مقبولاً أن تلعب بريطانيا لعبة «القط والفأر». مضيفًا: «لا بد بالطبع من تعيين رئيس وزراء جديد وهذا يتطلب على الأرجح بضعة أيام، لكن الأمر عاجل حقًا». وتابع: «من صالح بريطانيا وصالح الأوروبيين ألا نمر بفترة من الغموض يكون لها تبعات مالية، ويمكن أن يكون لها تبعات اقتصادية وسياسية». فيما أفاد ديدييه ريندرز وزير خارجية بلجيكا بأن على أوروبا تقديم إجابات عن قضايا تشمل الهجرة والأمن والوظائف، فيما صرح نظيره الهولندي بيرت كوندرس، بأن أوروبا لا يمكنها أن تقبل فراغًا سياسيًا. وأضاف: «هذا لن يكون أسلوب العمل المعتاد».
وقبيل الاجتماع، دعا وزير الخارجية الفرنسي، الاتحاد الأوروبي، للمضي قدمًا وبسرعة لتحديد شروط خروج بريطانيا من التكتل قائلاً، إنّ الدول الأعضاء الباقية في الاتحاد بحاجة لمنحه هدفًا جديدًا لتجنب سيطرة النزعة الشعبوية على دفة الأمور.
وبعد نتيجة استفتاء بلاده بالخروج من الاتحاد، أعلن جوناثان هيل ممثل بريطانيا لدى المفوضية الأوروبية ببروكسل، ومفوض الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي، اليوم، أنه قرر الاستقالة.
وكان هيل من الأصوات الداعية إلى بقاء بريطانيا في الاتحاد. وقال في بيان: «لا أرى أنه من الصواب أن أستمر بصفة مفوض بريطانيا وكأن شيئًا لم يكن. لذا أبلغت (رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر) أنني سأستقيل». وأضاف: «وينبغي في الوقت نفسه أن يكون هناك تسليم منظم، لذلك قلت إنّني سأعمل معه لضمان أن يحدث هذا في الأسابيع المقبلة».
وهيل (55 سنة)، زعيم سابق في حزب المحافظين بمجلس اللوردات البريطاني، وهو يسير بقراره اليوم على خطى حليفه المقرب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي قرر التنحي عن منصبه أيضًا بسبب نتيجة الاستفتاء الذي جرى يوم الخميس.
تجاوزت عريضة على الإنترنت موجهة إلى البرلمان البريطاني للمطالبة بإجراء استفتاء ثان بشأن الاتحاد الأوروبي، عتبة المليون توقيع، اليوم (السبت)، في أعقاب قرار البريطانيين الخروج من الكتلة الأوروبية.
وتطالب العريضة بإجراء استفتاء جديد بعد استفتاء الخميس، الذي قضى بنسبة 51.9 في المائة من الأصوات، بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسجل نسبة مشاركة عالية بلغت 72 في المائة.
ويتحتم على البرلمان النظر في أي عريضة تجمع أكثر من مائة ألف توقيع، غير أن هذه المناقشات لا تلزم بأي عملية تصويت أو إصدار قرار، ولا يمكن بأي من الأحوال أن تؤدي إلى إعادة النظر في نتيجة الاستفتاء.
وتعكس العريضة الانقسامات العميقة التي ظهرت في بريطانيا على ضوء الاستفتاء، ولا سيما بين الشباب والمسنين، وبين اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية ولندن من جهة، وأطراف المدن والأرياف من جهة أخرى.
في فرنسا، قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اليوم، إنّ بريطانيا يجب أن تترك الاتحاد الأوروبي بطريقة منظمة، بعد أن صوت شعبها في استفتاء لمغادرة التكتل. وأسف للقرار الذي اتخذه الشعب البريطاني، لكنه يقبله لأن «هذه هي الديمقراطية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟