تونس: مأزق حكومة.. أم أزمة حكم؟

مع تعثر محاولات تشكيل وزارة جديدة

تونس: مأزق حكومة.. أم أزمة حكم؟
TT

تونس: مأزق حكومة.. أم أزمة حكم؟

تونس: مأزق حكومة.. أم أزمة حكم؟

خلافًا للبرنامج الذي سبق أن أعلن عنه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ومستشاروه لن تتشكل «حكومة الوحدة الوطنية» التي ستعوّض حكومة الحبيب الصيد يوم 27 يونيو (حزيران) الحالي أو قبل عيد الفطر. ولقد أفرز الاجتماع التشاوري الجديد الذي أشرف عليه قائد السبسي أخيرًا بمشاركة ممثلي 9 أحزاب وزعماء النقابات خلافات حول مضمون «الوثيقة الرئاسية» التي تبرر الإطاحة بحكومة الصيد وتشكيل حكومة جديدة تدعمها «كل الأطراف السياسية والاقتصادية والاجتماعية». وفي هذه الأثناء كشفت المشاورات داخل الحزبين الكبيرين، «نداء تونس» و«النهضة»، وفي صفوف المعارضة، عن خلافات في تقييم الحكومة الحالية ورئيسها بما يوشك أن يفجر أزمات داخلية فيها بينها.. خلافات قد تتسبب بانهيار حزب الرئيس الذي فقد الأغلبية البرلمانية منذ أشهر. فإلى أين تسير تونس في ظل «الماراثون السياسي الجديد» الذي تشهده من أجل الإطاحة بالحكومة الثامنة منذ سقوط حكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011؟
وهل سيكون تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» خطوة نحو الإنقاذ والإصلاح أم مدخلاً لأزمة سياسية اجتماعية اقتصادية جديدة؟

رسميًا، رحبت كل قيادات الأحزاب التونسية بالمبادرة التي أطلقها الرئيس الباجي قائد السبسي مطلع يونيو الحالي ودعا فيها إلى «حكومة وحدة وطنية» طلب من المعارضة ومن نقابات العمال ورجال الأعمال المشاركة فيها. إلا أن الأزمات بدأت تبرز منذ بدء جلسات «الحوار الوطني» في قصر الرئاسة بضاحية قرطاج، قرب تونس العاصمة، لرسم أولويات الحكومة المقبلة، ومناقشة أسماء المرشحين لتعويض الحبيب الصيد ووزرائه.
وفي الوقت نفسه تفجرت خلافات جديدة داخل حزب الرئيس وخارجه بسبب التقييمات المتباينة للحكومة الحالية والبرلمان والمواقف المتناقضة من «البديل» المقترح رغم بروز نوع من الإجماع حول المبرّرات الذي قدمها قائد السبسي لمبادرته ومنها خصوصًا «المخاطر الاقتصادية والاجتماعية» التي تهدد البلاد.
* معركة الكراسي والمواقع
مصادر مسؤولة أفادت «الشرق الأوسط» بأن الاجتماع الموسع لقيادة حزب الرئيس الذي عقد بإشراف نجله حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي للحزب، كشف وجود مناصرين للإبقاء على الحبيب الصيد رئيسًا للحكومة في حال تعديلها وآخرين مساندين لرحيله. وكان بين الذين دافعوا عن الصيد وزيرا الخارجية خميس الجهيناوي والسياحة سلمى اللومي، والوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد شوكات. كذلك صدرت تصريحات عن قياديين في «النهضة» بينهم الوزير السابق عبد اللطيف المكي تؤكد أن الحزب الأول في البرلمان لم يبت نهائيًا في «مشروع» تعويض الحبيب الصيد. وعندما بدأت «الحرب النفسية» ومعركة «لتسريبات» لأسماء المرشحين لتعويض رئيس الحكومة الحالي استفحلت الخلافات داخل الحزب الحاكم منذ عام ونصف العام، وخارجه. وتعالت مجددًا الدعوات لاختيار «شخصية مستقلة» لرئاسة الحكومة المقبلة.
ورغم تصريحات رئيس الجمهورية ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية التي حذّرت التونسيين من «العجز المالي» ومن إفلاس الصناديق الاجتماعية وشركات وطنية كبيرة العام المقبل، يبدو السياسيون والنقابيون منشغلين أساسًا بـ«معركة الكراسي والمواقع».
و«مرة أخرى تجد البلاد فيها نفسها مهددة بالمعنيين بـ(الغنيمة)، وليس بإصلاح الأوضاع العامة» على حد تعبير النقيب السابق للمحامين التونسيين عبد الرزاق الكيلاني، ووزير المالية السابق إلياس فخفاخ.
* مشاريع معطّلة
الوزيرة سلمى اللومي، رغم أنها من بين أقارب الرئيس، انتقدت ما وصفته بـ«تعاقب الحكومات بنسق سريع خلال الأعوام الماضية» مما تسبب في «تعطل إنجاز المشاريع وتعثر عمل الإدارة التي أصبحت مكبّلة بالخوف، لأن أغلب المسؤولين الإداريين باتوا يتخوّفون من تنفيذ قرارات الوزراء أو رؤسائهم المباشرين، نتيجة ما حدث بعد 14 يناير 2011 (من محاكمات واعتقالات ومضايقات)، حين دفع كبار الموظفين وبعض الوزراء ثمن قرارات خاطئة اتخذها الرئيس السابق ومستشاروه». كذلك اعتبر برلمانيون معارضون مثل زهير المغزاوي، زعيم حزب الشعب، أنه «ليس من مصلحة شباب تونس العاطل عن العمل والمهمش محاولة إنقاذ حزب النداء عبر مبادرات قد تزيد الأوضاع في البلاد تعفنًا».
* المعارضة تقاطع؟
أما في صفوف المعارضة اليسارية «المتشددة»، بزعامة حمه الهمامي ورفاقه في «الجبهة الشعبية»، فقد تقرر إيقاف المشاركة في الاجتماعات التي يشرف عليها رئيس الدولة. وانطلقت حملة إعلامية دعائية قوية ضد «نداء تونس» وشركائه في حكومتي الحبيب الصيد، مع تحميلها «مسؤولية تعمق أزمات البطالة والفقر والتضخم وعجز موازنات الدولة وبينها الميزان التجاري وميزان الدفوعات»، على حد تعبير البرلماني اليساري عمار عمروسية من حزب العمال الشيوعي.
ويُعتبر بعض المراقبين في تونس، منهم الأكاديمي رضا الشكندالي، أن «خطر الانكماش الاقتصادي في تونس قد يستفحل إذا تعمّقت الأزمة بين النقابات القريبة من اليسار التونسي والسلطات، وإذا لم تتوصل الحكومة والأطراف الاجتماعية إلى اتفاق حول تجميد الإضرابات والتحركات الاحتجاجية لمدة لا تقل عن سنتين». بينما اعتبر محسن مرزوق، زعيم حزب مشروع تونس- المنشق عن حزب قائد السبسي قبل أشهر - أن «الهدف الرئيسي من المبادرة الرئاسية ليس سياسيًا بل كان ولا يزال اجتماعيًا اقتصاديًا»، أي إشراك النقابات والمعارضة اليسارية في الحكومة المستقبلية.
وفي حين فهم نقابيون يساريون بارزون، مثل سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، المبادرة الرئاسية على أساس أنها «محاولة لتوريط النقابات» في الخيارات السياسية والاقتصادية الفاشلة للائتلاف الحكومي، ذهب اليساري عمروسية إلى حد التساؤل عن قيمة التمسك بالمبادرة الرئاسية الحالية إذا لم يدعمها اتحاد نقابات العمال ولم تساندها المعارضة اليسارية بزعامة «الجبهة الشعبية».
* «النهضة» تحسن موقعها
في المقابل، ماذا عن موقف حزب حركة «النهضة» (الإسلامي)، الحزب الأول في البرلمان منذ الانقسامات التي أضعفت «نداء تونس» الفائز بالمرتبة الأولى في انتخابات 2014؟ فرسميًا ساند زعيم «النهضة» راشد الغنوشي ومستشاره السياسي لطفي زيتون ورئيس كتلة الحزب في البرلمان نور الدين البحيري «المبادرة الرئاسية»، وذكّروا بكونهم دعوا إلى حكومة «وحدة وطنية» منذ ما قبل تشكيل حكومة الحبيب الصيد الأولى في يناير 2015.
كذلك تحرّك الغنوشي في تونس وخارجها بقوة لدعم مبادرة الرئيس قائد السبسي وخيار «التوافق الوطني» و«دعم تجربة الشراكة بين العلمانيين والإسلاميين». وبعد التصريح الذي أدلى به الحبيب الصيد، وأعلن فيه أنه لن يستقيل من منصبه، زاره الغنوشي ثم قياديون من «النهضة» مصحوبين بزعماء من أحزاب سياسية أخرى. وصدرت في أعقاب تلك اللقاءات بلاغات صحافية عن ترحيب الحبيب الصيد بالمبادرة الرئاسية، بما يعني استعداده للاستقالة دون «التسبب في أزمة سياسية ودستورية»، حذر منها الأكاديمي خلفية شاطر وبعض الخبراء القانونيين، مثل أمين محفوظ وقيس سعيد. وأكدت مصادر مختلفة أن زعيم «النهضة» تعهد للحبيب الصيد بـ«خروج مشرف» من الحكومة في صورة استكمال مشاورات اختيار «البديل».
لكن الرئيس الجديد لمجلس الشورى - القيادة العليا لحزب «النهضة» - الوزير السابق عبد الكريم الهاروني - أعلن في أكثر من تصريح أن حركته التي أصبحت «صاحبة الكتلة الأولى في البرلمان»، وأثبتت اعتدالها للعالم وللشعب التونسي - من خلال مؤتمرها الوطني العاشر تطالب بأن تكون حصتها في الحكومة المقبلة «مطابقة لحجمها السياسي».
هذا التصريح الذي تزامن مع تصريحات مماثلة لقياديين بارزين في «النهضة» يكشف بوضوح أنها لن ترضى في التشكيلة القادمة بحصتها الحالية - أي بحقيبتي التشغيل والصناعة - بل ستطالب بحقائب أكثر وأهم. كما سيكون موقفها حاسمًا في البت في تغيير رئيس الحكومة من عدمه واختيار «البديل» عنه إذا تأكدت مغادرته موقعه.
* الغنوشي في باريس
ويعتقد المراقبون في تونس الآن أن «حظوظ النهضة في المشاركة بحجم أكبر في رسم توجهات الحكومة المقبلة تحسنت بعد زيارة العمل» غير المسبوقة التي قام بها وفد من قيادة «النهضة» بزعامة راشد الغنوشي هذا الأسبوع إلى باريس، حيث استقبل من قبل رسميين فرنسيين كبار بينهم وزير الخارجية جون مارك إيرولت ورئيسا البرلمان ومجلس الشيوخ ورئيس الحكومة السابق جان بيار رافاران. وإذا كانت واشنطن ولندن وبرلين وبروكسل تساند منذ مدة طويلة مشاركة «النهضة» و«الاتجاه الإسلامي المعتدل» في الحكم رغم اعتراضات فرنسية واضحة، فقد تسفر زيارة الغنوشي والوفد الكبير المرافق له إلى باريس عن «إعادة خلط الأوراق أكثر في تونس» وعن تعديل موقف فرنسا «العلماني المتشدد» من الإسلاميين التونسيين.
* المصالحة التاريخية
لكن هذا الخلط الجديد للأوراق يتناقض جوهريًا مع معارضي إشراك «النهضة» في الحكومة المقبلة من داخل حزب الرئيس وخارجه، وبينهم برلمانيون يساريون ونقابيون من «الجبهة الشعبية» نظموا أخيرًا حملة إعلامية سياسية ضدها مع اتهام حكومتها السابقة مجدّدًا بتحمل «المسؤولية السياسية والأخلاقية» عن اغتيال زعيميها شكري بلعيد ومحمد الإبراهمي عام 2013 من قبل إرهابيين ينتسبون إلى مجموعات مسلحة متعاطفة مع «القاعدة» و«داعش».
لكن التيار السائد في قيادة «نداء تونس»، بزعامة حافظ قائد السبسي ورجلي الأعمال محمد رؤوف الخماسي وفوزي اللومي والوزير خالد شوكات، يناصر مشاركة «النهضة» في الحكومة المقبلة، ويرفض إقصاءها لأسباب كثيرة. من بينها أنها الكتلة الأكبر في البرلمان، وبالتالي، لأن حرمانها من المشاركة في الحكم سيخدمها ويجعل منها أكبر حزب معارض في مرحلة ستضطر خلالها الحكومة لاتخاذ إجراءات غير شعبية وقاسية اقتصاديًا واجتماعيًا، من بينها قرارات تهم الأسعار والرواتب وسن التقاعد والشركات العمومية الكبرى المفلسة.
وحقًا، دعا محمد رؤوف الخماسي وخالد شوكات، آخر أمين عام للحزب الحاكم في عهد بن علي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «مصالحة تاريخية ونهائية» بين الوطنيين التونسيين، وخصوصًا بين «الدستوريين» و«الإسلاميين المعتدلين».
* المأزق الجديد؟
لكن الأزمة في تونس تتطوّر نحو «مأزق جديد» إذا ما عجز أنصار «مبادرة الحكومة الوطنية» عن تفعيلها وسط دعوات إلى «تجديد الثقة بالحبيب الصيد خدمة للاستقرار الحكومي والسياسي الذي يطالب به المستثمرون». وفي هذه الحالة يتوقع قياديون من داخل «نداء تونس» أن تكون «الحصيلة مأزقًا يتحمل مسؤوليته المستشارون الذين ورّطوا رئيس الدولة في مبادرة غير مضمونة النتائج». وبعدما أجهضت مبادرات سابقة قام بها رئيس الدولة - بينها مبادرة لإعلان مصالحة وطنية شاملة - يخشى قياديون في «النداء» و«النهضة» أن تفشل المبادرة السياسية الجديدة فتكون «النتيجة مزيدًا من إضعاف مؤسسة الرئاسة وحزب الرئيس»، وفي هذه الحالة قد يكون «البديل» عن «حكومة الحبيب الصيد» تكليف رئيس الحكومة الحالي بتشكيل حكومته الثالثة مع تغيير بعض وزرائها.
* صعوبات ولكن
الصعوبات المالية والاقتصادية التي تواجهها تونس تحتاج بالفعل إلى «تصحيح» في نظر عدد من الخبراء الاقتصاديين، بينهم وزير المالية السابق جلول عياد، الذي يقول إن الإفلاس يهدّد الآن كثير من المؤسسات الحكومية والصناديق الاجتماعية، وهذا رغم إشارته إلى أن «أوضاع القطاع الخاص والمؤسسات الصناعية والتجارية الخاصة التونسية تحسنت بشكل ملموس». وفي الوقت نفسه، كشف الشاذلي العياري، محافظ البنك المركزي التونسي، أن البنك لم يسجل سحب أي من المودعين في البنوك التونسية لأرصدتهم «ما يؤكد ثقتهم في النظام البنكي التونسي، رغم البلبلة التي أثيرت حول مشروع قانون البنوك والمؤسسات المالية والمتعلقة أساسًا بمخاوف من الإفلاس». وأشار العياري أمام البرلمان التونسي قبل أيام إلى أن «المؤشرات المتوفرة للبنك المركزي، تؤكد أن أوضاع البنوك التونسية مقبولة، وأنها بعيدة عن شبح الإفلاس باستثناء بنكين اثنين». كما كشف أن تونس ستحصل خلال الفترة المقبلة على تمويلات من المؤسسات المالية الدولية ستمكنها من سد الحاجات في الميزانية والتنمية مع مراعاة نسبة الدين الخارجي حتى لا تتجاوز الحدود المقبولة». واستطرد الشاذلي العياري قائلاً: «المشكل في تونس لا يتعلق بالتمويل الذي سيتم الحصول عليه تدريجيًا، بقدر ما يتعلق بالاستقرار السياسي والأمني والتوافق بين الأطراف الاجتماعية حتى تستفيد تونس من قرارات التي أعلن عنها أطراف دولية، بينها تخصيص منحة سنوية لفائدة تونس تقدر بمليار دولار على مدى 5 سنوات من البنك الدولي و3 مليار من صندوق النقد ونصف مليار من البنك الأفريقي للتنمية ومثلها من الاتحاد الأوروبي.. إلخ».
* «الطريق الثالث»؟
إذا كانت الأوضاع على مثل هذه الدرجة من الهشاشة، هل سيستمر الإصرار إذن على تغيير الحكومة ورئيسها أم يمدد التمديد له إلى ما بعد تنظيم الانتخابات البلدية في مارس (آذار) 2017 مثلما سبق أن أورد راشد الغنوشي في حديث لـ«الشرق الأوسط»؟
مصادر مقربة من الرئيس السابق المنصف المرزوقي، مثل عماد الدايمي الوزير ومدير الديوان الرئاسي سابقًا، تتحدث عن حرص بعض «اللوبيات» على الإطاحة بالصيد لأنه رفض تغيير المدير العام للامن الوطني عبد الرحمن الحاج علي، وقد يكون «اعترض على بعض مشاريع الصفقات المشبوهة».
وفي هذا السياق، تعاد إلى السطح قضية التحرك الذي نظمته إحدى النقابات الأمنية في فبراير (شباط) الماضي في ساحة الحكومة بالقصبة للمطالبة بالإطاحة بالحاج علي والحبيب الصيد مع رفع شعارات لا أخلاقية ضدهما، واقتحام مقر رئاسة الحكومة. وفي المقابل، يتمسك آخرون بتشكيل حكومة جديدة مع إشارة التقارير الوطنية والعالمية إلى استفحال ظواهر الرشوة والفساد والاستبداد في «تونس ما بعد الثورة».
وعليه، قد يكون «الطريق الثالث» هو الحل الوسط الذي يرضي كل الأطراف في النهاية، أي تكليف الحبيب الصيد بترؤس «حكومة الوحدة الوطنية» مع تغيير بعض الوزراء «المثيرين للجدل» أو الذين تعترض عليهم النقابات والمعارضة. وقد يسهم هذا «الحل الوسط» في تكريس شعارات يرفعها كبار السياسيين في تونس منذ سنوات من بينها «أولوية الاستقرار»، خصوصًا في وزارات السيادة، لا سيما وزارة الداخلية.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»