سوريا: «داعش» يواصل اعتقالاته في مناطق سيطرته رغم انشغاله بالقتال في منبج

قيادي معارض: التنظيم اتخذ تدابير لكسب المدنيين وترهيبهم لينفي المعلومات عن انهياراته

سوريا: «داعش» يواصل اعتقالاته في مناطق سيطرته رغم انشغاله بالقتال في منبج
TT

سوريا: «داعش» يواصل اعتقالاته في مناطق سيطرته رغم انشغاله بالقتال في منبج

سوريا: «داعش» يواصل اعتقالاته في مناطق سيطرته رغم انشغاله بالقتال في منبج

استبق تنظيم داعش خسائره في مدينة منبج بريف محافظة حلب الشرقي، في شمال سوريا، بإطلاق أكبر عملية اعتقالات في معاقله بالمنطقة، من ضمنها اعتقالات في مدينة منبج التي تحاصرها ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» من ثلاث جهات، بموازاة تكثيف تدابيره العسكرية في مناطق نفوذه، بحسب ما قالت مصادر في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط».
وقال أبو محمد الرقاوي، إن الاعتقالات بدأت في منبج والباب قبل هذه الفترة، مشيرًا إلى أن المدينة تشهد استنفارًا كبيرًا من قبل «داعش» في مقابل استنفار «سوريا الديمقراطية» ما يخلق «مخاوف على المدنيين». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع سيئ داخل المدينة، ومن الصعب التواصل مع المراسلين هناك»، لكنه أكد أن الوضع في الرقة «لم يطرأ عليه أي تغيير جذري وليس هناك ما هو خارق لما اعتدنا عليه في المدينة».
ووسط تشكيك بأن يكون «داعش» قادرا على تنفيذ اعتقالات في داخل مدينة منبج، بسبب الحصار، أكد القيادي المعارض منذر سلال لـ«الشرق الأوسط» أن حالات الاعتقال في قلب المدينة «لا تزال قائمة»، مؤكدًا أن التنظيم «اعتقل شخصًا بتهمة التدخين في قلب منبج، كما اقتاد شخصًا آخر أمس من منبج إلى صوران بهدف إعدامه بتهمة التعامل مع المرتدين».
بدوره، أكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أن عمليات الاعتقال لا تزال مستمرة من قبل تنظيم داعش بحق المواطنين الكرد والمواطنين من أبناء قرى ريف مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي، حيث شهدت قرى عرب ويران والنيربية وتل جرجي وشبيران وكعيبة وبلدتا العسيلة وقباسين وقرى أخرى يسيطر عليها التنظيم عمليات اعتقالات بحيث ارتفع إلى نحو 900 عدد المعتقلين حتى الآن من قبل التنظيم، وتم اقتيادهم إلى معتقلات للتنظيم فيما نقل بعضهم الآخر بحسب مصادر أهلية لحفر خنادق وفي ريف منبج وريفي الباب والراعي. كما أشار «المرصد» إلى أن عدد المدنيين الذين أعدمهم التنظيم ارتفع إلى 13 بالإضافة إلى مقتل 5 آخرين على الأقل جراء استهدافهم من قبل تنظيم داعش خلال محاولتهم الفرار من مناطقهم.
«داعش» يحاول اكتساب الحاضنة الشعبية والحفاظ على تأييدها له إلى جانب اتخاذها دروعا بشرية في الحرب، كما يحاول حشد الطاقات إلى صفوفه خلال هجمات «سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية مدعومة بطائرات أميركية في المعركة. وأشار سلال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التنظيم «يتعاطى مع موضوع منبج كما لو لم يكن هناك أي هجوم أو حصار، فقد اتخذ عدة إجراءات لكسب الحاضنة الشعبية، بينها تخفيض سعر الخبز، وتأمين سلع تموينية للسكان، إلى جانب ترهيب السكان عبر مواصلة الاعتقالات بحق السكان»، مشيرًا إلى أن تلك الإجراءات «يهدف من خلالها إلى نفي أي معلومات عن انهياره، ويستكمل تطبيق قوانينه حتى انسحابه كليًا من المنطقة تحت ضغط القصف والعمليات العسكرية».
وبينما انخفضت نسبة النزوح من منبج، بسبب الحصار، فإن حافلات تابعة للجيش السوري الحر تنقل ألف مدني سوري يوميًا من كافة مناطق «داعش» من دير الزور والرقة وريف حلب الشرقي، باتجاه اعزاز في ريف حلب الشمالي الحدودي مع تركيا هربًا من المعارك، حيث تنطلق حافلات الحر من أول نقطة له بعد نقاط انتشار تنظيم داعش.
بالموازاة، أفاد ناشطون بمقتل 5 بينهم طبيب بيطري وطفلان على الأقل بينما أصيب أكثر من 10 آخرين بجراح بينهم أطفال، جراء انفجار ألغام بهم زرعها تنظيم داعش أثناء محاولتهم الخروج من الجهة الشمالية لمدينة منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، معظمهم من النازحين من بلدة الشيوخ الواقعة قرب الضفاف الشرقية لنهر الفرات.
ميدانيًا، تواصلت المعارك العنيفة في مدينة منبج ومحيطها وأطرافها، بين «سوريا الديمقراطية» تنظيم داعش في منطقة مطاحن مدينة منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، وسط تحليق مستمر لطائرات التحالف الدولي في سماء المدينة وريفها وتنفيذها ضربات مستهدفة تنظيم داعش ومواقعه.
وأشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى ارتفاع أعداد قتلى الطرفين في معارك منبج، حيث ارتفع إلى 81 عدد مقاتلي «سوريا الديمقراطية» الذين قضوا في الاشتباكات مع التنظيم وتفجير المفخخات والألغام منذ انطلاق الهجمات في 31 مايو (أيار) الحالي، فيما ارتفع إلى 463 عدد عناصر التنظيم الذين قضوا في الاشتباكات ذاتها وقصف طائرات التحالف في الفترة نفسها. كما ارتفع إلى 110 عدد القتلى المدنيين الذين تمكن «المرصد» من توثيق مقتلهم منذ بدء المعارك، بينهم 25 طفلاً و22 مواطنة. ومنذ انطلاق العملية، تمكنت «سوريا الديمقراطية» من السيطرة على أكثر من مائة قرية ومزرعة في ريف منبج لتنجح لاحقا في تطويق المدينة بشكل كامل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.