رمضان أيام زمان.. لمّة عائلية

رمضان أيام زمان.. لمّة عائلية
TT

رمضان أيام زمان.. لمّة عائلية

رمضان أيام زمان.. لمّة عائلية

أشعر بحسرة كبيرة وأنا أتحدّث عن ذكرياتي الرمضانية أيام زمان. فنحن اليوم نعيش هذا الشهر بأسلوب مغاير تماما عمّا كنّا نعيشه في الماضي. كلّ شيء تبدّل فيه، وبتنا نفتقد تلك الأجواء العابقة بالحبّ والصدق، وبالأخصّ إلى لمّة العائلة التي كانت تشكّل رمزًا أساسيًا من رموز هذا الشهر الفضيل.
لقد كنت من سكّان منطقة رأس النبع في بيروت، حيث كان منزلنا يقع في شارع محمد الحوت. كلّ ما كان يدور في فلك هذا الشهر كانت البركة عنوانه، فمائدة رمضان كانت بسيطة، بحيث توضع أطباق الطعام عليها بعفوية، عكس الاصطفاف الأنيق المصطنع الذي تشهده اليوم. أما المسحراتي فكان يتنقّل بين الأحياء مع الطبلة مناديًا على أهل الحي كلٌّ باسمه، ثم ما لبث أن صار يستخدم الدراجة النارية مواكبة لتطور العصر، ولنفتقده تماما اليوم بعد أن صار بمثابة دقّة قديمة اندثرت مع الوقت.
كنت وإخوتي ننتظر وصول الشهر الكريم لنستفيق على زينة متلألئة ترتديها شوارع بيروت في الأيام الأخيرة من شهر شعبان، فتحفّزنا على المشاركة في هذا الشهر صوما وعبادة. الفرحة والبهجة وسعادة الانتماء كانت تشكّل العنوان العريض لرمضان أيام زمان.
أما الصدق في التعامل مع الآخرين فكان تحصيل حاصل لا نبحث عن أصحابه، لأنهم كانوا موجودين بشكل دائم بيننا. فمشترياتنا مثلا لم تكن تقتصر على هذا المحلّ أو ذاك، فكما «أبو محمد» كذلك «أبو مروان» أو «أبو حسن» هم حلوانجية «أوادم»، كان يقول لنا أبي نشتري الحلويات من عندهم وعيوننا مغمضة. وهذا الأمر ما زال محفورا في ذاكرتي إلى حدّ جعلني أفكّر بمشروع برنامج أو مسلسل، يحكيان عن حلوانجية بيروت في رمضان أيام زمان، وقد تداولت بهذا الأمر مع الفنان أحمد قعبور لننفذّه في رمضان المقبل.
في كلّ حي من أحياء بيروت كان هناك بائع حلوى نشتري من عنده الكلاّج البيروتي ذا الطعم اللذيذ، فلقد كنّا على يقين أن «أبو محمد» مثلا لا يغشّنا في القشدة ولا في الزيت ولا في السكّر الذي يستخدمه في تحضير حلوياته، عكس اليوم تماما، إذ صار الأمر ينحسر باسمين أو ثلاثة من محلات الحلوى «النظيفة» إذا أمكننا القول، التي حصدت شهرتها هذه ليس بفعل جودة منتجاتها على ما أعتقد، بل بسبب الحملات الإعلانية المروّجة لها.
وللمدفع وقعه في رمضان أيام زمان، وكان صوته يأتينا من منطقة الأوزاعي موحّدا الأذان والشهر الفضيل معا. ويومها كان «تلفزيون لبنان» الوحيد الموجود على الساحة الإعلامية المرئية، فنتابع الأذان وأوقات الإمساك والإفطار من خلاله. أما مائدة رمضان فكانت تتزيّن بأفراد العائلة مجتمعين وليس بعدد الأطباق المصطفّة عليها. فنحن خمسة أشقاء ومع أعمامي وأولادهم كنّا نتشارك في تناول طعام الإفطار المحضّر من يدي نساء العائلة وفي مقدّمتهن والدتي. بيوتنا كانت صغيرة وعندما أتذكّرها اليوم أتساءل كيف كانت تتّسع لنا جميعا؟ فلقد تربينا وترعرعنا فيها، كأنها قصر من قصور ألف ليلة وليلة، فلم نكن نتنبّه إلى مساحتها المتواضعة أبدا.
روح مدينة بيروت التي كانت تتنفّس الفرح من خلال ناسها وأهل البركة فيها، كانت تعنون أيام شهر رمضان الكريم. فلا اختلاف في موعد العيد ولا في أوقات الصوم ولا في المستويات الاجتماعية. فجميعنا سواسية في هذا الشهر نطبّق عاداته وتقاليده، دون أي خلفية سلبية أو تطرّف ديني وما شابه.
أكثر ما يحزنني هو أن أولادي لم ولن يتمتعوا يوما بهذا الشهر الكريم مثلنا. حتى إنني لم أخبرهم يوما عن ذكرياتي هذه، التي أنوي قراءتها لهم من خلال جريدتكم الغرّاء إن شاء الله. أما العيدية فكانت تتوّج هذا الشهر، فهي بمثابة الحلم الذي يراودنا منذ يومه الأول، خمس ليرات كان مبلغا لا يستهان به، نصرفه فلسا فلسا ونحن مبهورون بكميّة المال التي نحتفظ بها في جيبنا. هذا الواجب الذي كان يمارسه كبار أفراد العائلة تجاه الصغار، كان له نكهته ووقعه المميز علينا نحن أولاد الإخوان الصبّاح.
«رزق الله» قد تكون العبارة المناسبة لذكرياتي الرمضانية عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، هي ذكريات عزيزة على قلبي، تفوح منها رائحة ثياب العيد الجديدة التي نشتريها عشيّة وصوله تماما، ملبكين وفرحين كانت تغفو إلى جانبنا وعلى أسرّتنا، بعد أن نتفتّل ليوم طويل في أسواق بيروت (سوق الطويلة وسوق إياس) المكتظّة بالناس مع الباحثين عن ثياب العيد لأولادهم مثلنا تماما. برأيي أن التطوّر في كلّ أشكاله شوّه شهر رمضان الكريم، وقد يخيّل للبعض أنه اليوم يعيش رمضان الحديث بكلّ عناصر البهرجة التي تواكبه، إلا أنني متأكد من شيء واحد، وهو أن رمضان أيام الزمن الجميل كان أكثر تطوّرا وانفتاحا، لأنه كان يجمع الكلّ تحت أجنحته دون أي تفرقة. هو يصلنا اليوم ملخبطا تائها، لأن أفكارنا مشتّتة بأمور دنيوية، وأتمنى أن تصفو أذهاننا يوما ما لنستعيد هذه الذكرى بجماليتها وبساطتها. وكلّ رمضان وأنتم بخير والله أكرم.
* صاحب شركة «الصبّاح للإنتاج الفنّي» (سيدرز آرت برودكشن)



أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.