في مخيم الأردن.. اللاجئون السوريون يستعدون لمنفى طويل الأمد

عائلة الشرعة تستبعد جهوزية سوريا على استيعابها بعد سقوط النظام

أطفال في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في المفرق شمال الأردن يحملون أواني محملة بالماء (رويترز)
أطفال في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في المفرق شمال الأردن يحملون أواني محملة بالماء (رويترز)
TT

في مخيم الأردن.. اللاجئون السوريون يستعدون لمنفى طويل الأمد

أطفال في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في المفرق شمال الأردن يحملون أواني محملة بالماء (رويترز)
أطفال في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في المفرق شمال الأردن يحملون أواني محملة بالماء (رويترز)

غادر سلام الشرعة وأسرته سوريا في أوائل عام 2013، حيث لم يكن أحد يتوقع أن تمتد الحرب الأهلية في بلادهم لسنوات من دون أية إشارات على التهدئة، وخلق أسوأ أزمة للاجئين في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
كانت عائلة الشرعة من بين أوائل العائلات التي انتهى بها المطاف إلى مخيم الزعتري، وهو أول مخيمات اللاجئين الأردنية، وأكبر تلك المخيمات في الوقت الراهن، حيث يتسع لأكثر من 80 ألف لاجئي سوري. وقد اتسعت رقعة المخيم الأردني الشهير بمرور الوقت مع إرساء أسس حياة جديدة على أيدي اللاجئين وسط الغبار والأتربة المحيطة بهم من كل جانب واستعدادهم للمكوث لسنوات قادمة في هذا المنفى الإجباري. وتلك العائلة الصغيرة هي جزء من النزوح الجماعي للاجئين السوريين، حيث غادر أكثر من 4.8 مليون مواطن منازلهم ومنذ عام 2011، بما في ذلك 655 ألف مواطن استقر بهم الأمر في الأردن.
في الأثناء ذاتها، تعاني هيئات الإغاثة الدولية من العجز المزمن في التمويل والمساعدات. ونداء المساعدات الذي أطلقته الأمم المتحدة يسعى لتأمين مبلغ 4.55 مليار دولار لصالح اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم خلال هذا العام، ولكن بحلول شهر أبريل (نيسان) لم يتوفر من الأموال المطلوبة سوى ربعها تقريبا.
وتحاول الدول المانحة تحويل التركيز التمويلي من المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المشروعات التنموية طويلة الأجل في البلدان الإقليمية المضيفة. وهو جزء من الجهود المبذولة لتثبيط اللاجئين عن الهجرة إلى أوروبا، غير أن برامج التعليم وتوفير فرص العمل تستغرق وقتا طويلا قبل أن تبدأ.
وفي مخيم الزعتري الأردني، تحاول أسرة الشرعة ذات الأفراد الثمانية، وهم الوالد سلام، والزوجة هدى وستة من الأطفال، بناء المنزل الجديد، بحسب تحقيق أجرته وكالة «أسوشييتد برس» مع العائلة، التي تعيش في مقطورتين سابقتي التجهيز متصلتين بخيمة من القماش المشمع. ولديهم فيها غرفتا نوم، وغرفة للمعيشة، ودورة للمياه، ومطبخ، أي ما يعد رفاهية نسبية بالنسبة لمخيم من مخيمات اللاجئين.
يمتلك سلام الشرعة متجرًا لبيع اللوازم المنزلية في سوق المخيم المزدحمة، وقد عمل ذات مرة كضابط شرطة في أحد أحياء المخيم. ويكتب المواطن السوري البالغ من العمر 43 عاما، الشعر، ويستخدم أبياته في الحفاظ على ذكرى سوريا حية في وجدان أطفاله. وأحد أشعاره كان بعنوان «العام السادس»، في إشارة إلى مدة الصراع السوري الحالي. يقول فيها:
«دخلنا عامنا السادس مفعمين بالحزن. وفي كل يوم يسألني ولداي، كم بقي لدينا من الوقت حتى نعود يا والدي؟ إنني أفتقد رفاق الشارع، وأفتقد مذاق مياهنا العذبة، ومناخ أجواء بلادنا الرائعة»، في إشارة منه إلى ولديه أيمن (13 عاما)، وصائب (11 عاما). وقد ولد كل أطفاله في سوريا باستثناء ابنه محمد البالغ من العمر عامين فحسب، ويأمل من أشعاره في أن تؤمن لهم ذكرياتهم عن الوطن.
شعر الشرعة كان قد أدخله السجن ذات مرة في سوريا. ففي عام 2012، تمكن أعضاء من «الشبيحة» السورية، وهي فرقة شبه عسكرية موالية للنظام السوري الحاكم، من اختطاف الشرعة من منزل عائلته في محافظة درعا السورية الجنوبية. يقول الشرعة إنه اعتقل بسبب أنه نشر أغان وأشعار يحتج فيها على نظام الأسد. وعندما أطلق سراحه بعد 4 شهور، تعرض منزل جيرانه لغارة جوية مدمرة من قبل طائرات النظام، عندها، قررت العائلة أن الوقت قد حان للرحيل ومغادرة سوريا. فحزموا حقائبهم وتوجهوا نحو الأردن، ودفعوا أموالا للمهربين من أجل أن يعبروا بهم بعيدا عن نقاط التفتيش العسكرية. ثم ساروا الكيلومترات الثلاثة الأخيرة من الرحلة الطويلة وهم يحملون أمتعتهم على أكتافهم.
في ذلك الوقت، كان الآلاف يفرون من سوريا، متجهين إلى تركيا، ولبنان، والأردن. أما مخيم الزعتري، والذي كان قبل الحرب لا يبعد سوى ساعة بالسيارة من محافظة درعا، فقد تأسس في صيف عام 2012، وتوسعت رقعة المخيم من بضعة خيام قليلة إلى مدينة واقعية تضم بين جنباتها أكثر من مائة ألف لاجئ. وانخفض تعداد سكان ذلك المخيم عندما افتتح مخيم الأزرق الجديد في عام 2014.
لا يتوقع الشرعة العودة إلى الوطن قريبًا، وهو يأمل أن يبقى أطفاله في المدرسة، وأن يتمكنوا من الزواج والازدهار داخل المخيم. يقول لـ«أسوشييتد برس»: «إذا ما سقط النظام السوري غدًا، فلن نتمكن من العودة قبل مرور عشرة أعوام أخرى. ولا أقل من عشرة أعوام بسبب أن ما سوف نواجهه في سوريا سيكون أسوأ بكثير مما يواجهه الناس الآن في ليبيا».
إنه يجلس في هدوء ممسكًا بكراسته ويبدأ في القراءة. في حين يتجمع أطفاله حوله يمنة ويسرة، وينظر أيمن إلى الكلمات المتدلية من بين شفتي الوالد، ويركز صائب على قسمات وجه الأب. يسمعونه وهو يقول: «فلتسمعوا صوت قريتنا، واسألوا أحبتكم عن أحوال المنفى».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.