رمضان يعني لي أمي حتى آخر يوم من عمري

رمضان يعني لي أمي  حتى آخر يوم من عمري
TT

رمضان يعني لي أمي حتى آخر يوم من عمري

رمضان يعني لي أمي  حتى آخر يوم من عمري

ذكرياتي في رمضان محورها واحد وهو أمّي رحمها الله. فهذا الشهر الكريم بكلّ معانيه وقيمه يذكّرني فيها وبالخطّ العريض.
لا أبالغ إذا قلت أن شريط حياتي يمرّ أمامي الآن وأنا أتحدّث عن هذه المناسبة الكريمة. فأتخيل أمّي «تنغل» في البيت وتتنقّل بيننا كنسمة البركة وهي تحضّر أطباق المائدة الرمضانية التي كنا نجتمع حولها نحن العشرة، أشقائي الثمانية ووالدي رحمه الله. كانت لا تتعب ولا تكلّ، وكلّ همّها كان ينصبّ على نقطة واحدة، ألا وهي تحضير طعام يليق بالشهر الكريم وكل طبق من أطباقه يستهدف واحدا منّا.
كانت تحبّ أن تخصّص لكلّ منا الطبق الذي يشتهيه، لم تفكّر ولا مرة واحدة بنفسها، همّها الأول والأخير أولادها وزوجها. كريمة النفس والطباع هي ولذلك كان لرمضان في منزلنا نكهة خاصة، تترجمه أمّي بأياديها البيضاء التي كانت تقوم بفعل الخير بصمت دون أن تجاهر بالموضوع، ولطالما كانت وصيّتها لي بأن أقوم بذلك على طريقتها. وعندما كنت صغيرا وبعد انتهائها من تحضير الطعام كانت تغادر المنزل لبرهة قصيرة حتى تقوم بأعمالها الخيّرة بنفسها. هي لا تحبّ أن نتحدّث عن هذا الموضوع فبرأيها فاعل الخير يجب أن يكون كتوما أولا وكريما ثانيا فيعطي دون أن يعدّ. كانت تعرف أهل الحي بالاسم فتطلّ عليهم في الشهر الفضيل دائما. أكثر ما أتذكّره من تلك الفترة هو اصطحابها لي إلى السوق لشراء الحاجات ومونة الشهر الفضيل. فكنت أحمل لها الأغراض ونترافق سويا ذهابا وإيابا بفرحة كبيرة.
أما المائدة الرمضانية فكانت تحتوي على كلّ ما طاب ولذّ من أطباق، ما زالت رائحتها الشهيّة تسكن حاسّة الشمّ لديّ.
أما صوت الأذان فهو يعيدني إلى تلك المناسبة بقوة، فرمضان يعني لي صوت المؤذّن وأمّي معا. فهما ثنائي لا يفترق أحدهما عن الآخر في ذاكرتي. لقد تغيّر رمضان اليوم عن الماضي. كان شهر الزكاة والعبادة والصوم، أما اليوم فصار موسم مقاهي وتدخين نراجيل، فالمظاهر و«الفشخرة» إذا أمكن القول سادت أيام رمضان مع أن معانيه الحقيقية بعيدة كلّ البعد عن تلك الأمور السطحيّة. رمضان هو الشهر الفضيل للفقير بينما اليوم صار شهر التخمة للغني. فأكاد أشعر أن البعض نسي ماذا تعني هذه المناسبة حتى انغمس في معان أخرى لا تقاربه لا من بعيد ولا من قريب.
الفتوش والدجاج المشوي والكبّة وغيرها، هي أطباق رمضانية بامتياز كانت تصفّها أمي على المائدة بحبّ فنغرف منها الطعام بشهيّة الأطفال التواقين لتذوّق أكلاتهم المفضّلة. أما أكثر الحلويات التي كنت أنتظرها على المائدة فهي حلو «الكلّاج» البيروتي، الذي ما زلت حتى اليوم أحرص على تناوله في هذا الشهر وعلى شرائه لأولادي. لم أستطع مع الأسف أن أحافظ على تقاليد هذا الشهر الكريم مع أفراد عائلتي الصغيرة، ولكننا غالبا ما نجتمع سويا حول مائدة رمضانية تكون المحبّة عنوانها، فمهما حاولت فلن أستطيع أن أقلد أمي.
أما العيدية التي كانت لا تتجاوز الليرتين فكنا ننتظرها عشية العيد، بعد أن نكون قد وضعنا ثيابنا الجديدة للمناسبة قرب وسادتنا لتنام معنا حتى لا يتجرّأ أحدهم ويأخذها على غفلة منّا.
هي لحظات جميلة جدا تأخذني بكلّ تفصيل منها إلى حضن أمي الدافئ. ما لم أكن أحبّه في العيد هو منظر الخروف المذبوح. أما المسحراتي فكنت أخاف من صوته لأنه يستحضر أمامي تلقائيا صورة الكلب الذي يرافقه وكنت أخاف منه.
ولعلّ أجمل أيام العيد كانت تلك التي نمضيها في حرج بيروت وأرض جلول وأحيانا في ساحة الشهداء وسط بيروت. فكان المشوار من منزلنا الواقع في منطقة حارة حريك إلى الأسواق، متعة لا تشبه غيرها ونحن نحمل العيدية ونتزين بثياب العيد. وأول نزهة نقوم بها في هذه المناسبة كانت إلى مدفن جدّي وجدّتي، فذلك كان واجبا محتّما علينا في عيد الفطر المبارك. وكل رمضان وأنتم بألف بخير.



فعاليات ثقافية وتراثية تستقبل العيد في السعودية

تجمع ساحة قصر المصمك أهالي الرياض للاحتفالات في كل المناسبات (واس)
تجمع ساحة قصر المصمك أهالي الرياض للاحتفالات في كل المناسبات (واس)
TT

فعاليات ثقافية وتراثية تستقبل العيد في السعودية

تجمع ساحة قصر المصمك أهالي الرياض للاحتفالات في كل المناسبات (واس)
تجمع ساحة قصر المصمك أهالي الرياض للاحتفالات في كل المناسبات (واس)

احتفالات تحيي الموروث وتسترجع التاريخ وتعزز من الثقافة المحلية تقيمها وزارة الثقافة في عدد من المدن السعودية بمناسبة عيد الفطر، لإبراز ثقافة المجتمع السعودي، والعادات الاحتفالية الأصيلة المرتبطة به، وتجسيدها في قوالب إبداعية تستهدف جميع شرائح المجتمع.
«حي العيد» أحد هذا الاحتفالات التي تقيمها «الثقافة» في الرياض بدعمٍ من برنامج جودة الحياة - أحد برامج تحقيق «رؤية السعودية 2030» - حيث تقام في 3 مواقع بالمدينة، هي: ساحة المصمك، وسوق الزل، وشارع السويلم، وهي مناطق اعتاد سكان الرياض على التردد عليها؛ كونها تمثل جزءاً مهماً من تاريخ مدينتهم.
وأعدت الوزارة المهرجان بأسلوبٍ مميز يأخذ الزائر في رحلة ثقافية إبداعية تعكس عادات المجتمع السعودي بهذه المناسبة، تبدأ بمنطقة «عيدنا في البيت الكبير» التي تقدم طابع البيوت السعودية المفعمة بالحب والمودة، وممرات العيد التي تشهد «مسيرة العيد» لتُدخِل البهجة على قلوب الزوار، وتنشر الفرحة بينهم بأجوائها العائلية.

يهتم أهالي الطائف بوردهم بشكل كبير ويقيمون له مهرجاناً كل عام للاحتفال به  (واس)

لتنتقل الرحلة بعدها إلى منطقة «عيدنا في جمعتنا»، وهي عبارة عن ساحة خارجية تحتوي على جلسات مميزة بطابع المهرجان متضمنة عدة أنشطة، وهي حوامة العيد التي تقام في شارع السويلم 3 مرات باليوم وتوزع خلالها الحلوى؛ لتُحاكي في مشهدٍ تمثيلي عادة الحوامة القديمة في نجد، بحيث كان الأطفال يحومون انطلاقاً من مسجد الحي، ومروراً بالبيوت، منشدين خلالها أهازيج مختلفة مرتبطة بهذه المناسبة السعيدة.
وفي شمال السعودية، تقيم الوزارة مهرجان «أرض الخزامى» في نسخته الأولى بالتزامن مع العيد ولمدة 15 يوماً في مدينتي سكاكا، ودومة الجندل في منطقة الجوف، لإبراز التاريخ العريق للمنطقة والاحتفاء بعادات وتقاليد سكانها.
وسيتم إحياء المناطق المفتوحة حول قلعة زعبل بمعارض فنية مفتوحة بمشاركة فنانين من المنطقة ومن مختلف مناطق المملكة، إلى جانب إحياء شوارع القلعة بالألعاب الشعبية التي تُقدَّم بمشاركة أطفال المنطقة، كما ستوضع منصات لكبار السن لرواية قصص عن قلعة زعبل على المستوى الاجتماعي والنهضة التي تمت خلال المائة عام السابقة، التي أثرت بشكل عام على المنطقة.
كما سيوفر المهرجان فرصة التخييم للزوار ضمن أنشطة ثقافية مختلفة تتضمن السرد القصصي، والفنون الأدائية، والطهي الحي، في الوقت الذي سيقدم فيه شارع الفنون الشعبية كرنفالاً من الخزامى، يحوي مناطق لصناعة الزيتون وصناعات السدو.
وتحتضن بحيرة دومة الجندل عدة فعاليات، تشمل مقهى حديقة اللافندر، ومنطقة نزهة الخزامى، وسوق الخزامى لبيع مختلف المنتجات المستخلصة من نبتة الخزامى، وكذلك منطقة مخصصة لورش العمل التي تتناول صناعة مختلف منتجات الخزامى، والتعريف بها، وكيفية زراعتها.
كما يستضيف المسرح في مناطق المهرجان عروضاً موسيقية وأدائية لاستعراض تراث الخزامى في منطقة الجوف، والمعزوفات المختلفة باستخدام الناي والطبول والدفوف، إضافة إلى العديد من الأمسيات الشعرية التي ستستضيف نخبة من الشعراء.
وتسعى وزارة الثقافة إلى جعل مهرجان «أرض الخزامى» واحداً من أهم 10 مهرجانات ثقافية، عبر تقديم فعاليات بقوالب مبتكرة ومستوى عالمي، مع تأصيل التراث المادي وغير المادي، بما يضمن تغطية جميع الجوانب الثقافية، والتراثية، والإبداعية للمنطقة، مع إشراك الأهالي من ممارسين، ومثقفين، ومهتمين، في أنشطة المهرجان الرامية إلى إبراز نبتة الخزامى بوصفها هوية حضارية تمتاز بها المنطقة.
وفي غرب السعودية، تبدأ الوزارة بمهرجان «طائف الورد» الذي يهدف إلى تعزيز الهوية الثقافية للمدينة وإبراز مكتسباتها الطبيعية والتاريخية ونشر ثقافة أهاليها وتسليط الضوء على الورد الطائفي وأهميته.
ويصاحب المهرجان مسيرة استعراضية للورد، تضم مؤدِّين، ومركبات مزينة بالورود، ومجسمات ضخمة تعكس هوية المهرجان بالورود تجوب شوارع مدينة الطائف، وصولاً إلى متنزه الردف حيث تقام هناك فعاليات «جبل الورد»، ومعرض «ترانيم الورد»، و«سوق الورد».
وسيكون رواد الأعمال، والشركات المحلية والعالمية، والمنتجون المحليون والمزارعون، على موعد مع ملتقى «مهرجان طائف الورد» الذي يمثل منصة تجمع المزارعين مع رواد العلامات التجارية العالمية، مما يوجِد فرصاً استثمارية، واتفاقيات تعاون كُبرى مع العلامات التجارية العالمية؛ ليكون ورد الطائف ضمن أعمالهم المعتمدة.
وتأتي في مقدمة أنشطة متنزه الردف فعالية جبل الورد التي تعكس قصة ساحرة عبر عرض ضوئي على الجبل وممر الانطباعية الذي يعيد إحياء أعمال فنية بمشاركة فنانين محليين، كما يضم متنزه الردف، سوق الورد المتضمنة مجموعة من الأكشاك المصممة بطريقة عصرية تتلاءم مع طبيعة المهرجان؛ دعماً للعلامات التجارية المحلية والأسر المنتجة التي تحوي منتجاتهم مواد مصنوعة من الورد الطائفي، فيما يستضيف المسرح مجموعة من الفنانين، محليين وعالميين، وتقام عليه عدة عروض فنية وموسيقية ومسرحية تستهدف الأطفال والعائلات وأيضاً الشباب.
وعلى جانب آخر من متنزه الردف، تقام فعالية «الطعام والورد»، بمشاركة نخبة من الطهاة المحليين في أنشطة متخصصة للطهي، بهدف تعزيز المنتجات المستخلصة من الورد الطائفي في الطبخ وتعريفها للعالم، كما خصص مهرجان «ورد الطائف» منطقة للأطفال في متنزه الردف، صُمّمت بناءً على مبادئ التعليم بالترفيه، حيث يشارك المعهد الملكي للفنون التقليدية بمتنزه الردف بورشتي عمل، من خلال حفر نقوش الورد على الجبس، وتشكيل الورد بالخوص في الوقت الذي يقدم «شارع النور» رحلة ثقافية وعروضاً فنية حية تقام على امتداد الشارع بمشاركة فنانين محليين.
وتسعى وزارة الثقافة من خلال تنظيم مهرجان «طائف الورد» إلى إبراز مقومات الطائف الثقافية، والترويج لمنتجاتها الزراعية، وأبرزها الورد الطائفي، والاحتفاء بتاريخها وتراثها بشكلٍ عام، مما يعزز من قيمتها بوصفها وجهة ثقافية جاذبة.