مشاورات مغلقة في مجلس الأمن بعد تجربة بيونغ يانغ الصاروخية الجديدة

وزير الدفاع الأميركي يدعو لتعزيز أنظمة بلاده الدفاعية

مشاورات مغلقة في مجلس الأمن بعد تجربة بيونغ يانغ الصاروخية الجديدة
TT

مشاورات مغلقة في مجلس الأمن بعد تجربة بيونغ يانغ الصاروخية الجديدة

مشاورات مغلقة في مجلس الأمن بعد تجربة بيونغ يانغ الصاروخية الجديدة

رحب الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بنجاح تجربة بلاده لصاروخ جديد متوسط المدى، قائلا إنه يشكل تهديدا مباشرا للقواعد العسكرية الأميركية في المحيط الهادئ، وذلك حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، اليوم (الخميس).
ونقلت الوكالة عن كيم، الذي أشرف شخصيا يوم أمس (الأربعاء) على تجربة صاروخ من طراز "موسودان"، قوله إنه كان "حدثا كبيرا" عزز بشكل كبير قدرة بلاده على شن هجوم نووي وقائي.
وبطلب من الولايات المتحدة واليابان اللتين دانتا الخطوة، بدأت الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي مشاورات مغلقة يوم أمس.
وأعربت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامنثا باور، عن أملها بصدور "إدانة سريعة وجماعية" من قبل مجلس الأمن لما وصفته بـ"تحدي" بيونغ يانغ للمجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وأملت في أن يصدر المجلس في البداية بيانا يدين عمليتي الإطلاق الأخيرتين. لكنها شددت أيضا على وجوب تعزيز تطبيق العقوبات الصارمة التي سبق وأقرها المجلس في مارس (آذار) الماضي.
وفي ختام المشاورات، قال رئيس مجلس الأمن نائب السفير الفرنسي ألكسي لاميك، إن هناك "تقاربا كبيرا في وجهات النظر" بين الدول الأعضاء لإدانة التجربة الشمالية الأخيرة. مشيرا إلى أن الدول الأعضاء أجمعت على أن عمليتي الإطلاق تشكلان "انتهاكا لكل قرارات مجلس الأمن"، لافتا إلى أن المجتمعين "شددوا على الأهمية الحاسمة في العمل على تنفيذ" القرار 2270 الصادر في مارس.
وأوضح لاميك أن إعلانا رسميا من المجلس "قيد المناقشة بين الدول الأعضاء، ويفترض أن يجدد الرسالة شديدة اللهجة للنظام" الكوري الشمالي. واعتبر أن تبني القرار هو "مسألة أيام".
من جهتها، أعلنت نائبة المدير العام لمكتب شؤون اميركا الشمالية في وزارة الخارجية الكورية الشمالية تشو سون هوي خلال زيارة الى بكين، ان بلادها "لا تفكر" في استئناف المحادثات حول برنامجها النووي.
وصرحت تشو بالانجليزية أمام سفارة بلادها في العاصمة الصينية "في الظروف الراهنة ومع استمرار السياسة العدائية للولايات المتحدة، فان جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ليست في موقع الحديث عن نزع الاسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية".
وتشارك تشو في منتدى سنوي للأمن في بكين.
وفي رد فعل من الولايات المتحدة على التجربتين الكوريتين، قال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر يوم أمس إن على الولايات المتحدة مواصلة تعزيز أنظمتها الدفاعية ضد الصواريخ لحماية مصالحها وحلفائها في آسيا، إثر اختبار بيونغ يانغ لصاروخ باليستي.
واضاف كارتر للصحافيين أن "ذلك يدل على أننا يجب أن نواصل القيام بما نفعله، وهو بناء أنظمة مضادة للصواريخ مختلفة المدى لحماية حلفائنا الكوريين الجنوبيين، والقوات الأميركية (المنتشرة) في شبه الجزيرة الكورية، واليابان والأراضي الأميركية".
ولفت كارتر إلى أنه لا يعرف ما إذا يمكن اعتبار التجربة الكورية الشمالية نجاحا، لعدم علمه بأهدافها. مضيفا "مهما كان الأمر (...) علينا الاستمرار في استباق التهديد عن طريق ضمان نوعية أنظمتنا المضادة للصواريخ، وأيضا من خلال مواصلة تطويرها".
وأجرت كوريا الشمالية يوم أمس تجربتين متتاليتين لصاروخ "موسودان" متوسط المدى (من 2500 إلى 4000 كيلومتر).
وهذا الطراز من الصواريخ يمكنه ان يصيب اهدافا تمتد من كوريا الجنوبية واليابان كحد أدنى، الى القواعد العسكرية الاميركية في جزيرة غوام في المحيط الهادئ كحد أقصى.
وقال كيم "لدينا قدرة أكيدة على مهاجمة الأميركيين بشكل شامل وملموس في مسرح العمليات في المحيط الهادئ"، وأضاف أن نجاح تلك التجربة "كان فرصة مهمة لتعزيز قوة الضربة النووية الهجومية لدولتنا"، على حد قوله.
وبعد أربع تجارب فاشلة في العام الحالي، يبدو أن تجربتي يوم أمس أظهرتا أن صاروخي "موسودان" قطعا مسافات أكبر من تلك التي سجلت في اختبارات سابقة.
ونددت واشنطن وطوكيو بانتهاكات واضحة لقرارات الامم المتحدة، بينما توعدت سيول بالسعي الى تعزيز العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ.
وأطلق الصاروخ الاول قبيل الساعة السادسة من صباح أمس (21:00 ت غ من الثلاثاء) وحلق لمسافة 150 كلم فوق البحر الشرقي الذي يسمى بحر اليابان ايضا. واطلق الصاروخ الثاني بعد ساعتين من المكان نفسه وقطع مسافة 400 كيلومتر على ارتفاع ألف كيلومتر، وفقا لمحللين عسكريين يابانيين.
وأوضحت الوكالة الكورية المركزية، أن الصاروخ أطلق بزاوية عالية لمحاكاة مداه الكامل، وقد بلغ أقصى ارتفاع له أكثر من 1400 كيلومتر. مضيفة أنه "قدم ضمانة علمية تكنولوجية أكيدة لتطوير نظام الأسلحة الاستراتيجية"، لافتة إلى أن "تجربة الإطلاق تمت بنجاح من دون أدنى تأثير على أمن الدول المجاورة".
وقالت خبيرة اسلحة الدمار الشامل الكورية الشمالية في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في كاليفورنيا ميليسا هانهام، إن عمليتي الإطلاق الأخيرتين تشكلان تقدما مثيرا للقلق.
وأضافت لوكالة الصحافة الفرنسية "لا أعرف ما اذا كان ذلك نجاحا لكنه تقدم بالتأكيد. الاختبارات هي تجارب وهم يتعلمون من كل مرة". واعتبرت أن "على أصحاب القرار التركيز على منع التجارب حتى لا يصبح هذا الصاروخ عملانيا".
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي، إن التجربتين الاخيرتين يفترض أن تسرعا جهود الأسرة الدولية لاحباط برنامج التسلح غير الشرعي لكوريا الشمالية. مضيفا "ننوي التعبير عن قلقنا لدى الامم المتحدة من اجل تعزيز التصميم الدولي على محاسبة كوريا الشمالية على هذه التحركات الاستفزازية".
من جانبه، اكد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أمس أن هذا النوع من التجارب "غير مقبول" كما نقلت عنه قناة "ان اتش كي" التلفزيونية.
اما وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، فقد حذرت بيونغ يانغ من انها تواجه خطر تعزيز العقوبات المفروضة عليها، ودانت "نفاق وخداع" الاقتراح الكوري الشمالي الاخير بالحوار مع سيول.
من جهتها، حذرت الصين، الحليف التقليدي الأقرب لكوريا الشمالية، من "أي تحرك من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التوتر"، داعية إلى استئناف المحادثات بشأن برنامج بيونغ يانغ النووي.
وتدهور الوضع الى حد كبير في شبه الجزيرة الكورية بعد التجربة النووية الرابعة التي اجراها الشمال مطلع كانون الثاني/يناير، تلاها في فبراير(شباط) اطلاق صاروخ في عملية تعتبر تجربة لصاروخ بعيد المدى. ومنذ ذلك الحين، تبنى مجلس الأمن الدولي عقوبات هي الأكثر صرامة التي تفرض على كوريا الشمالية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟