«حدائق الصيفي» تبصر النور على أيد عائلية

مبنى تراثي مهجور يصبح مقهى ومدرسة لتعليم العربية في بيروت

أم نزيه تعد أحد الأطباق الرئيسة للمقهى
أم نزيه تعد أحد الأطباق الرئيسة للمقهى
TT

«حدائق الصيفي» تبصر النور على أيد عائلية

أم نزيه تعد أحد الأطباق الرئيسة للمقهى
أم نزيه تعد أحد الأطباق الرئيسة للمقهى

الوصول إليه، يحتم على الزائر اجتياز سلالم وأدراج قديمة، عمرها من عمر البناءين، أي ما بين 300 و400 سنة على أقل تقدير. في الاستقبال حديقة «الابتكار»، في الهواء الطلق، وقد جهزت بمقاعد خشبية، موزعة بين الأشجار والزهور. إنها المحطة الأولى قبل ولوج مقهى «أم نزيه».
المقهى عبارة عن مشروع نموذجي مؤلف من مبنيين تراثيين يجذبان بنوافذهما الخشبية الزرقاء معظم المارة في شارع 11 في حي باستور الواقع في شارع الجميزة (شرق بيروت)، وقد «عربشت» على جدرانهما رسوم من نوع الغرافيتي، حتى باتا بمثابة حي قائم بذاته. باختصار إنها حدائق الصيفي الحضارية التي أعادت للمنطقة التراثية زهوها فشكلت منذ انطلاقتها قبل سنة وسبعة أشهر وحتى اليوم نسمة لحياة هادئة، مستمدة من الطبيعة والتراث اللبناني.
وتقول أم نزيه في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي التقتها في إحدى حدائق المقهى: «المكان كان عبارة عن مبان مهجورة وخربة، والنفايات تعم المكان، قمنا باستثماره بعد أن نظفناه ورممناه وزرعنا فيه شجرا وورودا، ثم فتحنا فيه مدرسة لتعليم اللغة العربية للأجانب، بعدها أقمنا مسكنا للطلاب ورحنا نقدم لهم طعام الفطور في الباحة الصغيرة، بعدها الطبق اليومي الذي تحول تدريجيا إلى أطباق حتى ذاع صيت القهوة في المنطقة ومحيطها».
وتضيف: «أعد الأطباق اليومية بحسب المواسم، كما لو كنت أحضرها لأولادي، بنفس الحب والحرص على النظافة والمذاق والنوعية، إنه ببساطة بيتي الثاني».
على هامش يوميات الجميزة الصاخبة بمشاريعها الكثيرة، والغارقة في سندان ورش البناء نهارا، وضجيج مقاهيها ومطاعمها ليلا ارتفع المبنى الأول، المؤلف من ثلاث طبقات، اثنان منها بمثابة نزل لطلاب الجامعات المحيطة فيما تحول الثالث إلى مدرسة لتدريس اللغة العربية واللبنانية المحكية والفصحى لطلاب من جنسيات أوروبية مختلفة وللمغتربين اللبنانيين.
قبالة هذا المبنى، يطل المبنى الثاني - وهو نزل أيضا مجهز لاستقبال الزوار – بشرفته الواسعة التي تحولت إلى مقهى ومطعم «أم نزيه». هذه المدرسة افتتحتها رنا (إحدى بنات أم نزيه)، التي نجحت بمساعدة زوجها الأميركي من جعلها مدرسة خاصة بها، وهي تضم اليوم ما بين 120 و150 طالبا. وعن ذلك تشرح: «جهزنا قاعات هذا الطابق بكل ما يلزم لعدة الدرس. وأصبح للمعهد مناهج تعليم خاصة به، إذ نصدر كتبا لتعلم هذه اللغة من المستوى صفر إلى مستوى متقدم جدا».
داخل قهوة أم نزيه تجد روادا وطلابا من مختلف الجنسيات والأعمار، فيما تلفتك المعارض التي يقيمها ثلاثة فنانين (لبنانيين وعراقي) وهم من النزلاء. واللافت في مقهى «أم نزيه» ذلك التمازج الثقافي بين القادمين من أوروبا وأميركا والشرق الأوسط، وبين اللغة العربية والإنجليزية في أجواء تغلب عليها الألفة والبساطة واللطافة وضمن لائحة أسعار يمكن وصفها بـ«الرخيصة» مقارنة مع الأسعار المتداولة في المنطقة.
أم نزيه ديراني وهي من بلدة قصرنبا البقاعية، ومعها أختها، وكذلك أبو نزيه، ونزيه، وأخواته الثلاث، الأصهار والأحفاد، كلهم يعملون في المكان، ما أعطى للقهوة طابعا عائليا، يبدو غريبا في شارع كالجميزة، فضلا عن أجواء الدبكة والعتابا والأغاني اللبنانية التي تطغى على المقهى.
بدوره يؤكد أبو نزيه أن أولوية العائلة من خلال هذا المشروع ليس الكسب المادي، مشددا على أنه ليس تجاريا «هدفنا تأمين فسحة للتواصل والاختلاط والتنوع، من خلال الطعام اللذيذ والمدرسة، والحفلات الموسيقية كل جمعة، إضافة إلى المعارض واللوحات»، مبديا ثقته بأن جميع الرواد والنزلاء سعداء. والمقهى - المطعم الصيفي والشتوي، يجمع حول طاولاته الخشبية، وديوانيته العربية، الطلاب والأفراد والعائلات ممن يبحثون عن لقمة طعام قروية بامتياز، بعيدا عن الوجبات السريعة «الفاست فوود» وضوضاء بيروت.
وبذلك، فإنه يقدم لرواده إلى الجلسة الهادئة، ونفس النرجيلة، والمناقيش على الصاج، طعام الفطور والغداء من «حواضر الضيعة»، و(المازة) في المساء.
لمحبي السهرات الطربية، يخصص المقهى والمطعم مساء كل جمعة سهرة طربية يحييها شباب ألفوا هذا النوع من الفن، فيسترسلون في عزف على العود، يطرب الرواد بصوت فيروز وأغانيها القديمة. أما محبو السهرات الأجنبية من نزلاء النزلين، وأهالي الجميزة، فما عليهم سوى الصعود إلى سطح النزل الذي تحول إلى مربع ليلي، اختار له أصحاب المشروع اسم «Coup d état».
وعلى بعد أمتار قليلة من المقهى تطل حديقتان صغيرتان، لجهة مدخل المرفأ - جادة شارل حلو، وما بينهما من كهف ومحترف، يستقبل الفنانين من رسامين ومصورين ومصممي أزياء من أصحاب الحس التراثي القديم لتنفيذ أعمالهم وعرضها في رحاب هذا المشروع الذي يبرز وكأنه قرية منسية في قلب العاصمة التي تغيرت ملامحها.
وفي الختام يشير نزيه إلى أن الفكرة ولدت قبل عام وسبعة أشهر معه ومع رنا، وزوجها ماك ماكلينهين، بعد أن كانوا قد افتتحوا منذ أربعة أعوام، مدرسة صغيرة لتعليم اللغة العربية المحكية والفصحى للطلاب الأجانب، بالقرب من بيت الكتائب المركزي في الصيفي.
آنذاك كان التدريس محصورا بغرفة صغيرة، لكن مع إطلاقنا موقعا إلكترونيا خاصا بالصف العربي، ازداد الطلب على التعلم، ما استدعى استئجارنا طابقا كاملا لاستيعاب الطلاب، وفق ما يقوله نزيه. ومع الوقت، وبعد أن راح يستفسر هؤلاء الطلاب عن الأماكن المناسبة التي يمكن أن يقيموا فيها، وأين يتناولون الطعام؟ فكر نزيه بضرورة الانتقال إلى مكان آخر لتأمين هذه المتطلبات، فكان استثمار الموقع الذي تحول إلى أماكن لقاء ضمن تنظيم يراعي الحفاظ على البيئة.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».