النظام يعتمد القضم التدريجي في الغوطة.. مستغلاً الدعاية الروسية للهدنة

معلومات عن حشود لـ«حزب الله» في محيط مضايا تحضيرًا لاقتحامها

غبار يتصاعد من انهيار مبنى في كفر بطنا بريف دمشق بفعل غارات الطيران الحربي.. ورجلان يساعدان امرأة على مغادرة المكان في 13 من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
غبار يتصاعد من انهيار مبنى في كفر بطنا بريف دمشق بفعل غارات الطيران الحربي.. ورجلان يساعدان امرأة على مغادرة المكان في 13 من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
TT

النظام يعتمد القضم التدريجي في الغوطة.. مستغلاً الدعاية الروسية للهدنة

غبار يتصاعد من انهيار مبنى في كفر بطنا بريف دمشق بفعل غارات الطيران الحربي.. ورجلان يساعدان امرأة على مغادرة المكان في 13 من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
غبار يتصاعد من انهيار مبنى في كفر بطنا بريف دمشق بفعل غارات الطيران الحربي.. ورجلان يساعدان امرأة على مغادرة المكان في 13 من الشهر الحالي (أ.ف.ب)

فعّل النظام السوري عملياته العسكرية في الغوطة الشرقية لدمشق، مستغلاً هدنة أعلنها الروس في الإعلام، لكنها لا تعكس الواقع القائم على الأرض، وهو يواصل قصفه الجوي بالبراميل المتفجرة لمناطق سيطرة المعارضة، محاولا الاستفادة من دعاية الهدنة لشنّ هجمات على جبهات متعددة، سعيًا لإحراز تقدّم ميداني على طريقة القضم التدريجي. وعلى الرغم من هدير الطائرات وأصوات المدافع والصواريخ التابعة لقوات الأسد، التي تملأ سماء الغوطة، تصرّ موسكو على أن الهدنة لا تزال سارية في 158 مدينة وبلدة سورية بينها دمشق وريفها. في وقت أفادت معلومات أن ما يسمّى «حزب الله» بدأ بـ«حشد المئات من مقاتليه حول بلدة مضايا المحاصرة في ريف دمشق الغربي تحضيرًا لاقتحامها».
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن اشتباكات عنيفة دارت بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل المعارضة من جهة أخرى في محيط الموارد المائية قرب مدينة حرستا بالغوطة الشرقية، فيما ألقت طائرات مروحية بعد منتصف ليل الثلاثاء ما لا يقل عن 18 برميلاً متفجرًا على مناطق في بلدتي حزرما والبحارية بالغوطة الشرقية، كما قصف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة بلدة الديرخبية ومحيطها بريف دمشق الغربي، ترافق مع اشتباكات بين قوات النظام وفصائل المعارضة في محيط البلدة. عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن قوات النظام شنّت ليل أمس (الأول) هجومًا على الجبهة الشمالية، محاولة التقدم والسيطرة على بلدة البحارية، لكن «جيش الإسلام» تصدّى لها ونفّذ هجومًا معاكسًا. وأكد أن هذا الهجوم «مكن الثوار من تحرير نقاط كانت في قبضة النظام، فكان ردّ الأخير بقصف المنطقة بـ18 برميلاً متفجرًا».
وعلى الرغم من محاولات النظام شنّ عمليات متفرقة، على طريقة القضم التدريجي، أكد الداراني أن «الوضع العام في جبهة الغوطة الشرقية مريح إلى حدّ ما»، مشيرًا إلى أن «اتفاق المصالحة الذي أنهى الصراع بين (جيش الإسلام) و(فيلق الرحمن)، ساعد الفصائل على استعادة المبادرة وصدّ معظم هجمات النظام، والمحافظة على الوضع القائم». ولفت إلى أن «الرهان على إنشاء الجيش الموحّد الذي يضم كل الفصائل، من ضمن غرفة عمليات واحدة تدير المعارك على الأرض، سيجعل الوضع أفضل مما عليه الآن».
من جهته، أعلن المركز الروسي لتنسيق الهدنة في سوريا عن «اتساع نطاق الهدنة في البلاد مع ارتفاع عدد المدن والبلدات والقرى التي انضمت إليها إلى 158». وأشار المركز الموجود في قاعدة «حميميم» الجوية، إلى أن «هذا التطور الإيجابي جاء بعد إعلان إحدى القرى الواقعة في ريف حمص التزامها بالتهدئة، غير أن عدد الجماعات التي أعلنت تقيدها بوقف الأعمال القتالية في البلاد ظل على حاله، وهو 61».
ووصف إسماعيل الداراني الإعلان الروسي بأنه مثير للسخرية، وقال: «منذ أربع سنوات لم تشهد درايا والغوطتين أي أثر للهدنة». ورأى أن «مئات البراميل المتفجرة والقصف المدفعي والصاروخي اليومي، ومحاولة النظام السيطرة على المناطق المحررة خير دليل على زيف الادعاء الروسي»، مشيرًا إلى أن «مثل هذه البيانات ليست إلا غطاء روسيًا يوفر للنظام الفرصة تلو الأخرى للاستمرار في جرائمه».
من جهته، أكد الناشط المعارض في الغوطة الشرقية أبو بكر عقاب لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل البيانات الروسية التي تتحدث عن الهدنة فاقدة للمصداقية». وأوضح أن «ما يصدر عن قاعدة «حميميم» أو عن وزارة الدفاع الروسية أو الناطق العسكري الروسي، لا يعدو كونه دعاية إعلامية تحاول من خلالها موسكو إثبات دورها في المسرح السوري، لكن الحقيقة مغايرة تمامًا».
الناشط السوري رأى أن «الحديث عن هدنة في 158 مدينة وبلدة بينها دمشق وريفها، ليست إلا دعاية يراد تسويقها أمام المجتمع الدولي». وسأل عقاب «عن أي هدنة يتحدثون، وهم يعلمون أن مدن وبلدات الغوطتين محاصرة ولا يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية إليها، ورغم ذلك تتعرض للقصف الجوي التدميري؟»، كاشفًا أن «كل جبهات الغوطة مشتعلة خصوصًا جبهات البحارية والمرج وزبدين والاستراد الدولي».
إلى ذلك، أعلن موقع «الدرر الشامية» المعارض، أن ما يسمّى «حزب الله» اللبناني «بدأ حشد المئات من مقاتليه حول بلدة مضايا المحاصرة في ريف دمشق الغربي، تحضيرًا لاقتحامها». ونقل الموقع عن الهيئة الإغاثية الموحدة في مضايا والزبداني، قولها، إن «ميليشيا حزب الله عمدت في الآونة الأخيرة إلى ضم المباني المحيطة بالبلدة، حيث قامت بالتقدم من جهة الأطراف الجنوبية، والسيطرة على خمسة مبان جديدة، في خطوة لتشديد الحصار»، لافتًا إلى أن الحزب «أقدم يوم الأحد الفائت على إحراق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في سهول بلدتي مضايا والزبداني، وطالب أهالي منطقة الكروم بإخلاء منازلهم».
وتعاني الزبداني ومضايا من حصار خانق، تفرضه قوات الأسد و ما يسمى «حزب الله» منذ قرابة عشرة أشهر، حيث تمنع دخول أو خروج أي شيء من البلدتين، في ظل نقص حاد بالمواد الغذائية.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.