كارثة الفلوجة الإنسانية.. 85 ألفًا يواجهون خطر الموت

مجلس اللاجئين النرويجي: الظروف المعيشية في المخيمات تزداد سوءاً بمرور الوقت.. والحكومة عاجزة عن تقديم شيء

عراقية تدفع بعجلة بعد إعلان الحكومة إخلاء مئات من العراقيين من مدينة هيت في محافظة الأنبار للوصول إلى أماكن آمنة في محاولة لدخول المدينة وطرد {داعش} منها (أ.ف.ب)
عراقية تدفع بعجلة بعد إعلان الحكومة إخلاء مئات من العراقيين من مدينة هيت في محافظة الأنبار للوصول إلى أماكن آمنة في محاولة لدخول المدينة وطرد {داعش} منها (أ.ف.ب)
TT

كارثة الفلوجة الإنسانية.. 85 ألفًا يواجهون خطر الموت

عراقية تدفع بعجلة بعد إعلان الحكومة إخلاء مئات من العراقيين من مدينة هيت في محافظة الأنبار للوصول إلى أماكن آمنة في محاولة لدخول المدينة وطرد {داعش} منها (أ.ف.ب)
عراقية تدفع بعجلة بعد إعلان الحكومة إخلاء مئات من العراقيين من مدينة هيت في محافظة الأنبار للوصول إلى أماكن آمنة في محاولة لدخول المدينة وطرد {داعش} منها (أ.ف.ب)

اضطرت أسر الفارين من جحيم القتال في مدينة الفلوجة العراقية إلى النوم في الصحراء المكشوفة لمدة أسبوع كامل، في ظل تحذيرات هيئات الإغاثة الإنسانية من أن هؤلاء الناس معرضون إلى خطر الموت مع النقص الحاد والخطير في إمدادات الخيام والمياه إليهم.
وأكثر من 85 ألف مواطن تمكنوا من الفرار من المدينة وضواحيها خلال الأسابيع الأخيرة في الوقت الذي تخوض القوات العراقية فيه حربها من أجل استعادة المدينة من تنظيم داعش الإرهابي. وهناك ما يقرب من 4.4 مليون مواطن عراقي في البلاد أصبحوا من النازحين داخليا، وهو أكبر عدد من النازحين المسجلين في أي دولة. وقالت منظمة الأمم المتحدة أن وتيرة الوافدين الجدد أخذها على حين غرة، على الرغم من علمها بأن عشرات الألوف من الناس كانوا محاصرين في المدينة قبل بدء العمليات العسكرية في الشهر الماضي. والحكومة العراقية، في الأثناء ذاتها، تبدو وأنها قد أعدت القليل، مما لا يكفي، من المساعدات لأسر المواطنين الفارين من القتال.
جلست ميهال عدنان وأطفالها الأربعة إلى جانب متعلقاتهم الشخصية في ذلك المخيم الذي أقيم على عجل على مسافة تبعد 15 ميلا إلى الغرب من الفلوجة بالقرب من مدينة الحبانية العراقية. وكان ذلك يومهم الرابع في العراء من دون مأوى من أي نوع، حيث يتعرضون يوميا للعواصف الترابية ودرجات الحرارة التي تتجاوز حدودا غير مسبوقة من الارتفاع. كانت ميهال تحمل طفلها المعاق البالغ من العمر 13 عاما وتحاول تدليك عضلاته المتيبسة وهو يبكي من آلامه. لقد اتسخت ملابسه وليست هناك مراحيض أو خزانات للمياه يمكن أن تستخدمها لتنظيف طفلها. ولقد انطلقت تلك الأسرة إلى إحدى الخيام التابعة للحكومة للشكوى من انخفاض الإمدادات، حيث إن الأولويات هناك لمن يملكون الأموال أو الاتصالات ببعض المسؤولين. تقول ميهال عدنان: «سوف ننام هنا الليلة»، مشيرة إلى بطانية رمادية واحدة يتقاسمونها بينهم، وأضافت تقول: «ماذا يمكن أن نفعل أيضا؟ إننا بائسون. ليس لدينا شيء البتة».
على مقربة منهم، اندفع الرجال نحو صندوق وحيد من زجاجات المياه كانت قد ألقت به إحدى الشاحنات أثناء سيرها. يقول محمد جاسم خليل، 72 عاما: «إننا نلقى معاملة الكلاب. ما ذنبي في كل الذي يحدث هنا؟» كانت عائلته تنام في العراء لمدة ستة أيام ثم تمكنت أخيرا من الحصول على خيمة. ويقول إسماعيل محمد حسين، 51 عاما: «تمنيت لو أن قذيفة هاون قد سقطت على منزلي في الفلوجة وقتلتني. لكان ذلك أفضل كثيرا من الحياة بهذه الطريقة». وصرح مجلس اللاجئين النرويجي قائلا إن الظروف المعيشية في المخيمات تزداد سواء بمرور الوقت. والفئات الأكثر عرضة للمخاطر هن النساء الحوامل، وكبار السن، وذوو الإعاقة، وبعضهم ينهار بسبب الإرهاق، كما يقول عمال الإغاثة.
يقول نصر مفلحي، مدير المنظمة في العراق إن «الأوضاع تتدهور يوما بعد يوم، وسوف يلقى الناس حتفهم في تلك المخيمات ما لم تصلهم الإمدادات والإغاثة الضرورية. إن ما نشهده اليوم هو نتيجة مباشرة لتأخر استجابة والنقص الشديد في التمويل مع أعداد هائلة من المدنيين الفارين من الكابوس ليعيشوا كابوسا آخر». وتقول الأمم المتحدة إنها تعاني من نقص شديد في التمويل لأنها تتعامل مع أعداد غير مسبوقة من النازحين في العالم، مع وجود واحد من أصل 113 شخصا في العالم غير قادر على العودة إلى وطنه بسلام.
أعلنت الحكومة العراقية انتصارها في الفلوجة، ولكن لم يتم تطهير سوى ثلث مساحة المدينة من المتطرفين، وفقا للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ولا يعلم أحد تعداد السكان المحاصرين في داخل المدينة. ولقد حذرت الأمم المتحدة من فرار مزيد من المواطنين مع تقدم القوات العراقية في المدينة، مما يضيف مزيد من الجهد والإرهاق إلى المخيمات التي تعاني من نقص الإمدادات بالفعل. ولقد ناشد المسؤولون في الأمم المتحدة المجتمع الدولي لتوفير 17.5 مليون دولار من تمويل الطوارئ.
وتحمل العائلات التي تصل إلى المخيمات قصصا مروعة عن الحياة في ظل تنظيم داعش الإرهابي ومسلحيه الذين سيطروا على المدينة لما يقرب من عامين ونصف العام.
كانت إمدادات المواد الغذائية شحيحة لعدة شهور، في الوقت الذي كانت المدينة فيه خاضعة لحصار قوات الأمن العراقية وتتعرض للقصف اليومي بالمدفعية والغارات الجوية. وكانت رحلات الفرار من المدينة محفوفة بكثير من المخاطر، حيث كان المتطرفون من أعضاء «داعش» يطلقون النار على السكان النازحين من المدينة.
رفع فلاح حسين علي ذراعيه ليكشف للناس عن الكدمات الغائرة التي قال إنها نتيجة للجلد بالأسلاك الكهربائية الغليظة على أيدي مسلحي التنظيم. وقال إنه كان سجينا لدى «داعش» عندما بدأت العمليات العسكرية وتمكنت قوات الأمن العراقية من إطلاق سراحه. وقال إنه اعتقل وظل قيد الاحتجاز لمدة 20 يوما حيث تعرض الرجال في حي النزال الذي كان يسكنه للاعتقال على أيدي مسلحي التنظيم بعد رفع العالم العراقي على تلك المنطقة بين عشية وضحاها.
وأضاف فلاح قائلا: «لم نكن نريد بقاء التنظيم الإرهابي هناك. ولكنهم نقلونا من موت إلى موت من نوع آخر. أي نوع من الحياة هذه التي نحياها؟» يقول غسان أبو شعر، وهو منسق الطوارئ لمنظمة أطباء بلا حدود، إن إجمالي الإصابات داخل المخيمات هو للإصابات الجسدية والعقلية، مضيفا أن «الناس هنا في نقطة الانهيار».
ومما يضيف إلى الضغوط العسيرة التي تشهدها العائلات هناك أن الرجال كافة من سن القتال هم قيد الاحتجاز من أجل الفحص والمراجعة الأمنية، حيث تركوا النساء والأطفال لمواجهة الشدائد بمفردهم حتى يتم الإفراج عن الرجال.
ولا يزال زوج ميهال عدنان وولدها البالغ من العمر 17 عاما قيد الاحتجاز الأمني. وقالت إحدى النساء من حي المعلمين في الفلوجة، وقد فضلت الإفصاح عن اسمها لأنها كانت تنتقد ردود فعل الحكومة العراقية: «إذا كانت الحكومة عاجزة عن مساعدتنا فينبغي عليهم الإفراج عن رجالنا. لقد فررنا من (داعش)، ومن القصف المستمر، ومن الجوع، حتى نلقى ذلك في انتظارنا».
ولقد اشتكى كثيرون أنهم لا يُسمح لهم بالمغادرة من محافظة الأنبار العراقية، حتى من أجل تلقي العلاج أو حتى إن كانت لهم عائلة أو أقارب في بغداد التي تبعد 40 ميلا إلى الشرق. وفي حين أن السكان ذوي الأغلبية السنية يشكلون تهديدا أمنيا، إلا أن الوصول إلى المدينة مقيد بمنتهى الشدة.
وفي مخيم آخر مقام في خارج بلدة الخالدية القريبة، يتلقى السكان وجبات غذائية جاهزة يوميا، وهناك عدد محدود من دورات المياه وخزانات المياه. تقول بعض العائلات إنه على الرغم من تلك المصاعب، فإن الحياة في المخيمات أفضل كثيرا من الحياة في ظل «داعش».
حيث يقول مهدي صالح عابد، 94 عاما، وهو يجلس في ظل خيمة من الخيام إن «الحياة هنا أشبه بالسجن. ولكن الحياة هنا في الغبار والأتربة أفضل بكثير من الحياة مع (داعش)». كانت إحدى الهيئات الإغاثية قد قامت بتسليم مائة ألف رطل من المواد الغذائية، مع انتشار الغبار خلال الصفوف الجرداء من الخيام في الصحراء أثناء اصطفاف الناس من أجل تسلم نصيبهم منها – ولكن العائلات هناك تفتقر إلى أساسيات الحياة مثل المواقد المحمولة حتى يمكنها الاستفادة من أكياس الدقيق والأرز التي يتلقونها من الهيئات الإغاثة.
يقول جيريمي كورتني، مؤسس تحالف الحب الوقائي، وهي من الجمعيات الإغاثية التي كانت تشرف على التوزيع، إن مستوى التخطيط ليس إلا عبارة عن كارثة متكاملة الأركان، وأضاف يقول: «لقد فشلت الحكومة العراقية والمنظمات الدولية في القيام بما يلزمهم القيام به لمواجهة هذه الكارثة».
وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي تواجه حكومته احتجاجات شعبية واسعة النطاق في بغداد، وعلى نحو غير متوقع عن عملية استعادة الفلوجة في أواخر مايو (أيار) فيما وصفه بعض المحللين بأنه محاولة لتشتيت الانتباه بعيدا عن مشاكله السياسية المتفاقمة في الداخل.
ولكن على الرغم من حقيقة أن العملية العسكرية قد بدأت بمثابة «محاولة سريعة لحفظ ماء الوجه» والتي أخذت الجميع على حين غرة، كان من الواضح أنه سوف يكون هناك نزوج جماعي للمواطنين بمجرد الإعلان عن بدء العمليات العسكرية قبل شهر من الآن، مما يمنح الجمعيات الإغاثية الوقت الكافي للاستعداد والتجهيز، كما قال كورتني.
من بين 85 ألف شخص من الفارين من المدينة، هناك 60 ألف مواطن وصلوا خلال ثلاثة أيام فقط الأسبوع الماضي، مما أغرق جهود وكالات الإغاثة الإنسانية بأعدادهم الهائلة. يقول برونو غيدو، الممثل العراقي لوكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: «لا يمكن لأحد أن يكون مستعدا لكارثة بهذا الحجم الرهيب». وأضاف أن المخيمات التي ترعاها الأمم المتحدة لا يمكنها استقبال سوى 16.830 شخص فقط، على الرغم من أن المخيمات الحكومية والخيام الكبيرة المؤقتة التي تستخدمها أكثر من 30 عائلة عراقية من الفلوجة تمثل درجة من درجات النقص في التجهيزات، فلا تزال هناك حاجة إلى 20 مخيما آخرين، كما أضاف.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.