الاستفتاء على «الأوروبي».. صراع أجيال ومرآة لانقسامات المجتمع

بوريس جونسون يواجه عائلته المناصرة لأوروبا بمواقفه المتعصبة للخروج

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يخاطب مواطنين في بريستول أمس في محاولة للإقناع بالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يخاطب مواطنين في بريستول أمس في محاولة للإقناع بالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)
TT

الاستفتاء على «الأوروبي».. صراع أجيال ومرآة لانقسامات المجتمع

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يخاطب مواطنين في بريستول أمس في محاولة للإقناع بالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يخاطب مواطنين في بريستول أمس في محاولة للإقناع بالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)

لا يميل أفراد أسرة دريسكول إلى الشجار. وإذا ما تشاجروا، فسيكون الجدل عادة حول من عليه الدور لاستخدام المكنسة الكهربائية.
تعمل ليزلي دريسكول، 55 عاما، في بيع الكعكات الساخنة في أحد المخابز الإنجليزية في لندن ودائما ما تنادي زبائنها بكلمات لطيفة مثل «حبيبتي» أو «عزيزتي»، فيما يعمل زوجها بيتر، 54 عاما، في شركة تركيب الأرضيات. أما ابنتهما لويز البالغة من العمر 19 عاما، ذات الشعر الأزرق، فتعمل نادلة في أحد المقاهي.
ولكن في الأسبوع الماضي، تشاجرت عائلة دريسكول بشكل سيء. وبعد مرور فترة وجيزة من الجدل الحاد، خرج الأب بيتر من المنزل وهو عابس الجبين لرؤية بعض من أصدقائه في ديربي ناحية الشمال. وكان مصدر المشكلة العائلية هو ما إذا كان ينبغي على بريطانيا البقاء في أو مغادرة الاتحاد الأوروبي، وهي العملية التي يشار إليها إعلاميا باسم «البريكست».
ومع الاستفتاء على عضوية الاتحاد الذي لم يبق عليه سوى بضعة أيام والمقرر انعقاده اليوم، تشير استطلاعات الرأي إلى الانقسام العميق الذي ضرب البلاد حول الأسس الاجتماعية والاقتصادية والإقليمية، مع نسبة كبيرة من كبار السن والعمال الإنجليز الذين يؤيدون الخروج البريطاني من الاتحاد، ونسبة مماثلة من صغار السن والأفضل تعليما، وأغلبهم من سكان اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية، يفضلون البقاء ضمن عضوية الاتحاد.
ومع أن الآثار المترتبة على الاختيار تدور مع الناخبين حيث داروا، إلا أن التوترات الداخلية في تزايد مستمر. وفي حالة عائلة دريسكول، فإنهم يعيشون حالة «غليان» شديد. وقالت لويز في ظهيرة أحد الأيام، وهي تنظر إلى والدتها بشكل مباشر أثناء جلوسهما في أحد المقاهي: «إنا أختلف معها تماما. لا ينبغي علينا مغادرة الاتحاد أبدا، إنها المنظمة التي ساعدتنا بأكثر مما كنا نستطيع مساعدة أنفسنا إذا مضينا في طريقنا بمفردنا».
ولويز هي الوحيدة في عائلتها التي تريد بقاء بريطانيا ضمن عضوية الاتحاد، حيث إن والديها وجدها البالغ من العمر 80 عاما يريدون للبلاد مغادرة الاتحاد.
وقالت والدة لويز «إنها جزيرة صغيرة»، مشيرة إلى أنه «علينا الاهتمام بشؤوننا أولا. إن الأفعال الطيبة تبدأ من المنزل». وأجابت لويز تقول: «لكننا جميعنا بشر. وعلينا مساعدة بعضنا البعض». وردت والدتها عليها تقول وهي تهز رأسها: «إنني لا أفكر بهذه الطريقة يا عزيزتي. إذا كنت مولودة هنا، فأنت بالتأكيد إنجليزية. ولا أهتم إن كنت سوداء أم بيضاء أم خضراء أم زرقاء أم بنفسجية أم وردية - فأنت بالأساس إنجليزية». وأولئك المولودون في الخارج، كما استطردت السيدة دريسكول: «لديهم حكوماتهم التي ترعاهم، ولديهم البرلمانات الخاصة بهم، وأيا كان اسمها».
وفي جميع ربوع البلاد، يدفع الجدال الأزواج في مواجهة الزوجات، والأطفال في مواجهة الآباء، والشقيقات في مواجهة الأشقاء. ومن غير المرجح لمثل تلك الانقسامات أن تلتئم بسهولة بعد انتهاء الاستفتاء.
حتى عائلة بوريس جونسون، العمدة السابق لمدينة لندن وأبرز الوجوه المؤيدة لحملة مغادرة بريطانية للكتلة الأوروبية، لم تكن بمنأى عن الجدال والمنازعات. فوالده، ستانلي، وشقيقته، راشيل، وشقيقه، جو، وهو عضو في البرلمان البريطاني والذي عمل بشكل وثيق مع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، يفضلون جميعا البقاء ضمن عضوية الاتحاد. أما والدة بوريس جونسون، شارلوت جونسون وال، فهي ترغب في الانسحاب وتؤيد المغادرة. ولقد حاولت راشيل مرارا وتكرارا إثناء العمدة الأسبق، من دون جدوى، عن تأييد مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي خلال مباريات التنس التي جمعتهما سويا.
وفي إزلينغتون، وهو حي من أحياء العاصمة لندن حيث عاش أفراد عائلة دريسكول لثمانية أجيال متتالية، فإن سكان الحي يعلنون وعلى نحو متزايد عن نواياهم حيال التصويت، وهو من الأمور نادرة الحدوث في المجتمع البريطاني.
هناك صفوف من المنازل عبر الشوارع صارت تحمل ملصقات «البقاء» معلقة على النوافذ. وعلى الطريق الممتلئ بمتاجر الجزارين، والمخابز، والأسماك، ومختلف التجار الذين يومئون برؤوسهم بقوة عند سؤالهم إذا ما كانوا يعتزمون التصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
وتلامس الجدال الثائر حول استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمها مع قضايا متنوعة مثل الهجرة، والإرهاب، والاقتصاد، أزمة الإسكان، ومصير وزارة الصحة الوطنية. وبعض من هذه القضايا، مثل قضية الهجرة، تتعلق بصورة مباشرة بالاتحاد الأوروبي. والقضايا الأخرى، مثل أزمة الإسكان بأسعار معقولة، ليست على صلة وثيقة بالاتحاد.
ومع ذلك، فإن مثل تلك الفروق لا تتمتع بقدر كبير من الوضوح. بالنسبة للكثيرين، فإن الاستفتاء يعتبر من قبيل الفرص السانحة لتسجيل حالة الاستياء العامة حيال توجهات البلاد، كما أنه فرصة سانحة كذلك لرفض أو قبول أوروبا بأسرها. ولقد تشكلت مواقف بعض الناخبين من واقع التجارب الشخصية والحكايات الماضية.
فهناك، على سبيل المثال، اعتقاد شائع بأن المواطنين الأوروبيين سوف يتدفقون على بريطانيا، ولا سيما من دول أوروبا الشرقية، للاستفادة من نظام الرعاية الاجتماعية المتميز هناك. ولكن نظام الرعاية الاجتماعية البريطاني لا يتسم بالسخاء الذي نشهده في الكثير من الدول الأوروبية الأخرى، وهناك نسبة تقل عن 7 في المائة من المهاجرين يتمتعون بفوائد هذه النظم.
وفي حالة السيدة دريسكول، فإنها تتذكر جدها لوالدها الذي كان يرهن سترته ثم يعيد رهنها مرة تلو المرة كي يغطي الأساسيات من تكاليف المعيشة. ولقد عادت تلك الذكريات البائسة إلى الحياة مرة أخرى، كما تقول، عندما اكتشفت قبل بضع سنوات أن العائلة البولندية الوافدة حديثا في الحي الذي تسكن فيه قد تلقت أموالا لشراء سيارة جديدة، وانتقلوا ليعيشوا في منزل جديد يضم أربع غرف للنوم.
تقول دريسكول: «قبل سنوات، لم يكن لدينا ضمان اجتماعي أو أي شيء من هذا القبيل. كان عليك أن تتصرف بنفسك لإعالة نفسك». كان على جدتها أن تستعيد سترة زوجها من متجر الرهانات عندما يحصل على راتبه في كل يوم جمعة، ثم يعيدون رهنها مرة أخرى يوم الاثنين، كما قالت دريسكول: «وهكذا كانت تسير حياتهم أسبوعا تلو الآخر».
«وجود الثقافات المختلفة والمجتمعات المتنوعة هو من الأمور الرائعة» كما تقول، ولكن «ما لا يعجبني هو حقيقة أنه من خلال كل ذلك أننا تركنا أنفسنا منفتحين بشدة على الجميع. إنني أشعر وكأنني مواطنة من الدرجة الثانية في موطني وبلادي».
ودريسكول هي مواطنة إنجليزية وتفخر بذلك (وليست بريطانية، كما تقول - فلقد شطبت على تلك الكلمة في جواز سفرها وغيرتها إلى كلمة «إنجليزية»). ولقد حارب والدها في الحرب العالمية الثانية، كما حارب جدها في الحرب العالمية الأولى، ولقد عاشت كل حياتها في هذا الحي بالعاصمة لندن.
ولقد نشأت لويز في نفس المكان، ولكن في بريطانيا المزدهرة، ذات الثقافات المتعددة بأكثر مما شهدت الأجيال السابقة عليها. وفي المدرسة، كانت الوحيدة ذات البشرة البيضاء برفقة تلميذتين فقط. وأصدقائها من إريتريا ونيجيريا وجنوب أفريقيا.
ولقد صوتت لويز لصالح حزب الخضر في الانتخابات العامة التي جرت العام الماضي، ولقد أصابها الذهول لما علمت أن والدتها، وهي الناخبة العمالية التقليدية، قد صوتت لصالح حزب الاستقلال البريطاني المناهض لأوروبا. «آسفة، أعلم أنني عتيقة الطراز - لا أستطيع التحكم في ذلك، يا عزيزتي»، كما قالت دريسكول لابنتها، ببعض من الخجل البسيط.
وقالت لويز إنها تتفهم الضغوط التي تلقيها الهجرة على عاتق المدارس والمستشفيات في البلاد. ولكن مغادرة الاتحاد الأوروبي تسبب لها قلقا شديدا، كما تقول، بسبب أنه تعتبره مخاطرة بتدمير اقتصاد البلاد. ولقد استغرق الأمر منها ثمانية أشهر للحصول على عمل كنادلة في أحد المقاهي.
وأضافت لويز تقول: «إذا ما أردت العمل في الخارج، لكان الأمر أسهل بكثير إذا ما كانت إنجلترا جزءا من الاتحاد الأوروبي».
وأشارت والدتها عليها بالانتقال إلى نيويورك، وهي غير مدركة على نحو جيد للمفارقة الكبيرة التي سوف تجعل من ابنتها مهاجرة هي الأخرى. ولقد تحول النقاش حول الهجرة، وبشكل شبه حتمي، إلى جدال محتدم حول الإرهاب. حيث قالت السيدة دريسكول إن الحدود البريطانية التي يسهل اختراقها قد سهلت على الإرهابيين الدخول إلى البلاد، حيث كررت رسالة مفادها أن الحملة من أجل مغادرة الاتحاد الأوروبي ليست اختيارا سهلا ويسيرا على الناخبين ولكنهم مضطرون إليها.
ولقد سألت لويز لماذا تريد والدتها وقف تدفق المهاجرين إلى إنجلترا، فأجابتها والدتها تقول: «إنا غير قلقة من الأشخاص الطيبين. بل من الأشخاص السيئين».
واستطردت تقول: «عندما تكون حدودنا مفتوحة بهذه الطريقة، يبدو وكأننا نقول للإرهابيين تعالوا إلى بلادنا واقتلونا في ديارنا»، وأضافت أن أعضاء الجيش الجمهوري الآيرلندي كانوا على الأقل يخطرون الناس قبل تفجير القنابل في مختلف أنحاء بريطانيا خلال الفترة بين سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
وأضافت السيدة دريسكول تقول: «يمكننا استقلال الحافلة في الغد في وجود رجل يحمل حقيبة للظهر ثم تنفجر الحقيبة بالرجل بكل شيء. أليس كذلك؟ ولا علاقة للأمر بما يسمونه معتقداتهم».
أدارت لويز عينيها فيما يبدو وكأنه محاولة نهائية، وقالت: «في نهاية اليوم، سوف يكون للاتحاد الأوروبي تأثير على جيلي أكثر مما يؤثر على جيلك. أفلا يكون من حقنا أن نقرر ما إذا كنا نستمر في الاتحاد أو نغادره؟».
لزمت والدتها الصمت وظلت تفكر. ثم قالت في هدوء: «إنني أبلغ 55 عاما من العمر. وأعلم أنه في غضون 50 عاما من الآن سوف تكونين على قيد الحياة من دوني، ولسوف تتحملين وحدك كل ما سوف يحدث»، ثم توقفت لبرهة قبل أن تقول أخيرا «أعتذر، ولكنني ما زلت أريد مغادرة الاتحاد».
* خدمة «نيويورك تايمز»



واشنطن: تهديدات بوتين النووية الجديدة «غير مسؤولة على الإطلاق»

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)
TT

واشنطن: تهديدات بوتين النووية الجديدة «غير مسؤولة على الإطلاق»

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)

عدَّ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، اليوم الخميس، التهديدات الجديدة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن الأسلحة النووية «غير مسؤولة على الإطلاق»، وذلك غداة إعلانه خططاً لتوسيع قواعد بلاده المتعلّقة باستخدامها.

وقال بلينكن، لمحطة «إم إس إن بي سي» الأميركية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن ما أعلنه بوتين «غير مسؤول على الإطلاق، وأظن أن كثيرين في العالم تحدثوا بوضوح عن ذلك سابقاً، كلما لوّح بالسيف النووي، بما يشمل الصين».

وحذّر الرئيس الروسي الغرب، أمس الأربعاء، من أن روسيا قد تستخدم الأسلحة النووية إذا تعرضت لضربات بصواريخ تقليدية، وأن موسكو ستَعدّ أي هجوم عليها، بدعم من قوة نووية، هجوماً مشتركاً.

وقرار تعديل العقيدة النووية الرسمية لروسيا هو رد «الكرملين» على المشاورات في الولايات المتحدة وبريطانيا حول السماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ غربية تقليدية على روسيا.

وقال بوتين، في بداية اجتماع لمجلس الأمن الروسي، إن التعديل جاء رداً على المشهد العالمي المتغير بسرعة، الذي واجه روسيا بتهديدات ومخاطر جديدة، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال بوتين (71 عاماً)، وهو صانع القرار الرئيسي في الترسانة النووية الضخمة لروسيا، إنه يريد تأكيد تغيير رئيسي واحد تحديداً. وأضاف: «من المقترح عدُّ العدوان على روسيا من أي دولة غير نووية، ولكن بمشاركة أو دعم دولة نووية، بمثابة هجوم مشترك على روسيا الاتحادية».

وأضاف: «شروط انتقال روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية محددة بوضوح أيضاً»، وقال إن موسكو ستدرس هذه الخطوة، إذا رصدت بداية إطلاق مكثف لصواريخ أو طائرات مُقاتلة أو مُسيّرة نحوها.

وأشار إلى أن روسيا تحتفظ أيضاً بالحق في استخدام الأسلحة النووية، إذا تعرضت هي أو بيلاروسيا لأي عدوان، بما في ذلك الاعتداءات باستخدام الأسلحة التقليدية.

وقال بوتين إن التوضيحات مدروسة بعناية ومتناسبة مع التهديدات العسكرية الحديثة التي تواجهها روسيا في تأكيد أن العقيدة النووية تتغير.

وعقب إعلان الرئيس الروسي، اتهمت أوكرانيا القيادة في موسكو بـ«الابتزاز النووي».

وقال أندري يرماك، كبير مسؤولي مكتب الرئيس الأوكراني، عبر تطبيق «تلغرام»، الأربعاء: «لم يتبقّ لروسيا سوى الابتزاز النووي. ليست لديها أي وسيلة أخرى لترويع العالم»، مضيفاً أن محاولة الترويع لن تجدي نفعاً.

وتنصُّ العقيدة النووية الروسية، المنشورة حالياً وفق مرسوم أصدره بوتين عام 2020، على أن روسيا قد تستخدم الأسلحة النووية، في حال وقوع هجوم نووي من عدو أو هجوم تقليدي يهدد وجود الدولة.

وتشمل التغييرات الجديدة، التي حددها بوتين، توسيع نطاق التهديدات التي قد تجعل روسيا تفكر في توجيه ضربة نووية، وإدخال حليفتها بيلاروسيا تحت المظلة النووية، وفكرة عدّ أي قوة نووية منافسة تدعم توجيه ضربة تقليدية لروسيا، مشارِكة في الهجوم على روسيا أيضاً.