الجزائر: فشل الحصار «الفيسبوكي» لمنع تسريب أوراق امتحان البكالوريا

هاجس تكرار تسريب الأوراق دفع الحكومة للاستنجاد بالجيش

الجزائر: فشل الحصار «الفيسبوكي» لمنع تسريب أوراق امتحان البكالوريا
TT

الجزائر: فشل الحصار «الفيسبوكي» لمنع تسريب أوراق امتحان البكالوريا

الجزائر: فشل الحصار «الفيسبوكي» لمنع تسريب أوراق امتحان البكالوريا

عجزت الحكومة الجزائرية عن فرض «حصارها «الفيسبوكي»، أمس، لمنع تسريب أوراق امتحان البكالوريا. فعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها لحجب مواقع التواصل الاجتماعي، فإن رواد الإنترنت نجحوا في فك كل الشفرات باستعمال تطبيقات مكنتهم من دخول شبكة التواصل الاجتماعي.
وراجت أخبار في منتصف النهار عن «تسريب واسع لأوراق الامتحان»؛ ما أثار قلقا كبيرا في أوساط آباء التلاميذ وفي وزارة التعليم، والمئات من المؤسسات التعليمية؛ حيث تم إجراء الامتحان الجزئي، واتضح في النهاية أن الأمر مجرد إشاعة.
ونظم الامتحان الأصلي يوم 29 مايو (أيار) الماضي واستمر 5 أيام، شهدت تسريبا واسعا لأوراق الامتحانات. واتهم القضاء مجموعة من الأساتذة والموظفين بـ«الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات» بالوقوف وراء الفضيحة، وتم عرضهم على النيابة التي أمرت بحبسهم على ذمة التحقيق.
وتعرضت وزيرة التعليم نورية بن غبريط لهجوم حاد من أطراف سياسية كثيرة، وطالبوا بإبعادها من الحكومة. غير أن رئيس الوزراء عبد المالك سلال تمسك بها، وصرح بأن «كل الطاقم الحكومي يدعم سياسة السيدة بن غبريط في مجال إصلاح النظام التعليمي». واحتفظت الوزيرة بمنصبها في التعديل الحكومي الجزئي الذي أجراه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الأسبوع الماضي. ويعود آخر تسريب لأوراق البكالوريا إلى عام 1993، وتعرض وزير التعليم آنذاك علي بن محمد للإقالة من الحكومة.
وحتى لا تتكرر الفضيحة، اضطرت الحكومة إلى الاستنجاد بالجيش للإشراف على عملية نقل أوراق الامتحان، من «ديوان المسابقات» إلى المدارس التي يمتحن فيها تلاميذ السنة النهائية ثانوي، وهو ما شكل سابقة في البلاد. وتركت هذه الترتيبات انطباعا عاما بأن الأمن الداخلي للجزائر في خطر. يشار إلى أن الامتحانات التي يشارك فيها نصف مليون تلميذ، تتواصل إلى 23 من الشهر الحالي، وقالت وكالة الأنباء الجزائرية أمس، نقلا عن «مصدر حكومي»، إن قرار حجب مواقع التواصل الاجتماعي «كان بهدف حماية المترشحين للبكالوريا، من احتمال تسرب المواضيع على الشبكة العنكبوتية»، وأشار المصدر ذاته إلى أن الإنترنت «يعمل بشكل عادي ومواقع التواصل الاجتماعي هي الوحيدة المعنية بالحظر»، غير أن كل مستعملي الإنترنت واجهوا صعوبة في الإبحار بالشبكة العنكبوتية نظرا لثقلها.
وقالت وزير التعليم في مؤتمر صحافي الجمعة الماضية، إن «كل الإجراءات التنظيمية لضمان السير الحسن للامتحان الجزئي للبكالوريا، تم توفيرها بفضل تضافر جهود الوزارة مع القطاعات المعنية الأخرى ممثلة في الأمن الوطني، والدرك الوطني والحماية المدنية». وأوضحت أن الإجراءات المتخذة «تتضمن منع المترشحين من إدخال الأجهزة والوسائل الإلكترونية، من هواتف جوالة وأجهزة الكومبيوتر المحمولة وكل الأجهزة المزودة بالإنترنت».
وبخصوص الحديث في «فيسبوك» عن «وجود مخطط لتسريب الامتحان من جديد»، قبيل انطلاقه، دعت الوزيرة المترشحين للبكالوريا إلى «التركيز على الامتحان ومراجعة الدروس بدل الاطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعمل على نشر أوراق مغلوطة».
وأكدت بن غبريط أنها «اتخذت أقصى الاحتياطات لضمان بكالوريا عادية بمعدل تسريب صفر في المائة»، مشيرة إلى أنه «تم تجنيد إطار من وزارة التربية الوطنية لمرافقة مواضيع البكالوريا في كل مكان، تكون موجودة فيه بحيث لا يفارقها، وهو الضمان الأمثل لتأمين الامتحانات الجزئية بعد التسريبات التي شهدتها الدورة الماضية».
ويتم تنظيم امتحانات البكالوريا الشهادة التي تفتح باب الجامعة، وفق إجراءات أمنية مشددة تشارك فيها قوات الجيش والشرطة والدرك، كما أن الأساتذة الذين يعدون الأسئلة يظلون منقطعين عن العالم الخارجي شهرا كاملا حتى نهاية الامتحانات، مع منعهم من استخدام الهاتف والإنترنت.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.