الروسية آنا تشابمان تروي «أسرار العالم» تلفزيونيًا

فشلها في مهمتها «الجاسوسية» جعل منها بطلة وطنية ونجمة إعلامية

حلقة عن اسرار الفضاء - في برنامجها «أسرار العالم»
حلقة عن اسرار الفضاء - في برنامجها «أسرار العالم»
TT

الروسية آنا تشابمان تروي «أسرار العالم» تلفزيونيًا

حلقة عن اسرار الفضاء - في برنامجها «أسرار العالم»
حلقة عن اسرار الفضاء - في برنامجها «أسرار العالم»

جرت العادة في كثير من وسائل الإعلام أن يتم تعيين شخصيات من المشاهير لتقديم برامج، وذلك بغية استقطاب أكبر عدد من المشاهدين، وإذا كانت تلك الظاهرة قد اقتصرت في السابق على شخصيات سياسية أو فنية أو رياضية، فإن ظهور الجميلة الروسية آنا تشابمان القادمة من عالم الجاسوسية بكل ما فيه من إثارة وانتقالها للعمل مقدمة لبرامج على واحدة من قناة التلفزة الروسية، قد شكل سابقة من نوعها، تمامًا مثلما هو الكشف عن شخصية جاسوسة روسية جذابة جميلة وذكية وخطيرة، سابقة أو ربما حالة نادرة في عالم الجاسوسية.
وتشابمان كما تجمع على وصفها معظم وسائل الإعلام، امرأة أحجية، تُروى عنها كثير من الحكايات في روسيا وخارجها، وحصلت هذه الجميلة الروسية على شهرة واسعة نتيجة فضيحة وضربة موجعة لجهاز الاستخبارات الروسي، وذلك حين تمكنت الاستخبارات الأميركية من الكشف عن شبكة جواسيس روس يعملون «عملاء نائمون» في الولايات المتحدة، تقول بعض الروايات إن مهامهم كانت تقتصر على مسائل طبيعية وبالدرجة الأولى الاندماج في الحياة الأميركية وشغل مناصب في شركات أو مؤسسات كي يتمكنوا لاحقا من القيام بعملهم على أفضل وجه. بينما وجه الأمن الفيدرالي الأميركي لها ولتسعة مواطنين آخرين من أصل روسي تهمة التعاون مع الاستخبارات الروسية، ومحاولة الحصول على معلومات حول السلاح النووي الأميركي، فضلا عن معلومات حول قيادة جهاز الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) وعن أعضاء في الكونغرس وكذلك حول السياسة الأميركية نحو إيران. وإذ تبقى كل هذه الروايات مجرد فرضيات، فإن الأكيد اليوم أن مسيرة تشابمان في عالم الجاسوسية قد انتهت مع الكشف عن هويتها المهنية عام 2010.
فور عودتها إلى روسيا ضمن عملية تبادل للجواسيس بين روسيا والولايات المتحدة كانت الأولى من نوعها منذ «الحرب الباردة»، تحولت آنا تشابمان إلى بطل قومي، استقبلها فلاديمير بوتين الذي كان حينها رئيسًا للوزراء، وأكد أنها ورفاقها الآخرين الذين تم استبدالهم سيجدون عملا في روسيا، وأعرب عن ثقته في أنهم سيجدون عملا مهما. وعلى مدار أشهر كانت تشابمان نجمة رئيسية في الصحف والمجلات ومحطات التلفزيون الروسية والعالمية، وبلغت مستويات من النجومية لم يسبق لجميلات الشاشة الروسية أن يحققوا مثلها، إلى جانب ذلك تحولت آنا تشابمان لدى كثيرات إلى رمز للمرأة القوية الذكية، الناعمة الرقيقة الجميلة في آن واحد. نجوميتها هذه، ومعها صفاتها الشخصية وجمالها، فتحت أمامها أبوابًا كثيرة، إلا أن أكثرها إثارة لاهتمام تشابمان ذاتها كان العمل في وسائل الإعلام. وكان سيبدو غريبًا وغير منطقي لو لم تتقدم محطات التلفزة بطلب من آنا كي تعمل عندهم، كيف لا وهي الشابة الجميلة الجذابة التي لم يقتصر الأمر على مكانتها القومية، بل زاد على ذلك حين رأى فيها كثيرون شخصية حقيقية من عالم أفلام «جيمس بوند» الجاسوس الذي لا بد من أن تكون معه دوما مساعدة خارقة الجمال، وهي مواصفات تشابمان، التي رأى المنتجون ومديرو المحطات التلفزيونة أنها ستحقق للمحطة التلفزيونية التي ستعمل معها حضورًا جماهيريًا واسعًا.
دون طول تفكير منها، قررت آنا تشابمان الموافقة على العمل في قناة «رن تي في» التلفزيونية الروسية، التي يُقال إنها «تابعة» للكرملين. في تلك القناة اختارت تشابمان تقديم برنامج لا يقل غرابة وإثارة وتشويقًا عن حياتها في عالم الجاسوسية، وحمل برنامجها اسم «أسرار العالم»، اختصارا لاسم «أسرار العالم مع آنا تشابمان».
أما مواضيع البرنامج فهي كثيرة لكنها كلها من عالم المجهول بما في ذلك النظريات العلمية الغريبة، والحياة على كواكب أخرى، وغيرها من ظواهر طبيعية عجز العلم حتى الآن عن معرفة أسرارها وأسبابها، وتدخل آنا تشابمان عبر برنامجها إلى عالم الميكروبات وأسراره وعالم المواد الغذائية التي نتناولها وما تحتويه من مواد غريبة يصعق المشاهد لدى معرفته وجودها وما إلى ذلك. ففي أحد حلقات برنامجها مثلا تناولت تشابمان «البحث عن سفينة نوح» وخلال سلسلة لقاءات ومعلومات عن سكان محليين في مناطق مختلفة من العالم، تحذر تشابمان عبر برنامجها من أن «الطوفان قادم». وهذه هي روح معظم ما تقدمه من موضوعات.
إلا أن المجال الإعلامي الذي دخلته تشابمان لم يقتصر على تقديم برنامج «أسرار العالم»، بل زاد على ذلك بدخولها مجال الدعاية، ومن ثم تسجيل ماركة تجارية للألبسة النسائية باسمها، وهي طريقة تقليدية للاستفادة من اسم أصبح يعرفه الملايين حول العالم للدلالة على سلعة تجارية، لا سيما عندما يكون الاسم التجاري هو نفسه اسم مالكة الشركة. وهذا أيضًا لم يكن كل شيء بالنسبة لآنا تشابمان التي انتشرت كثير من الحكايات شبه الأسطورية عنها لدى العامة، وحكايات أخرى مثيرة جدًا في أوساط الرجال، وبهذا الشكل أصبحت آنا تشابمان نجمة مطلوبة للمجلات الملونة الخاصة بالرجال، ومنها مجلة «مكسيم» الروسية للملابس النسائية الداخلية، التي تستضيف على غلافها وضمن صفحات كل عدد نجمة روسية من عالم المشاهير، تلتقط لها صورًا مثيرة. وفي عدد من أعداد «مكسيم» طلت آنا تشابمان بكل جمالها، لكن بخجل، على الصفحات الملونة.
تشابمان، الجميلة الروسية، التي قال جو بايدن نائب الرئيس الأميركي عنها مازحًا، إنه لم يكن «صاحب فكرة إعادتها إلى بلادها»، ما زالت حتى اليوم تحظى بشهرة واسعة في روسيا وعلى المستوى العالمي، إلا أن برنامجها التلفزيوني، وإن كان ناجحًا، لكنه لم يرق إلى مستوى توقعات المشاهدين، وليست تشابمان السبب في ذلك، فهي تقدم برنامجها بمهارة وكأنها وُلدت لتكون مقدمة برامج، إلا أن السبب يعود إلى الحكايات التي دارت حول شخصيتها، وعالم «الجواسيس» التي أتت منه، مع كل ما فيه من تشويق وإثارة، لهذا انتظر المشاهدون برنامجا يحاكي عالم الجاسوسية ويتم الكشف خلاله عن أسرار لم يتمكن أحد قبل تشابمان من الكشف عنها.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».