50 سنة على «خان الخليلي» لعاطف سالم

حسن يوسف وعماد حمدي في «خان الخليلي»
حسن يوسف وعماد حمدي في «خان الخليلي»
TT

50 سنة على «خان الخليلي» لعاطف سالم

حسن يوسف وعماد حمدي في «خان الخليلي»
حسن يوسف وعماد حمدي في «خان الخليلي»

في الإحصاء الذي قام به مهرجان دبي قبل عامين بين عشرات النقاد والسينمائيين لانتخاب أفضل مئة فيلم عربي، غاب عن الذكر أي من أفلام المخرج عاطف سالم، بينما حضر من جيله كمال الشيخ وصلاح أبوسيف ويوسف شاهين من بين آخرين.
في الواقع، غالبية أفلام هذا المخرج (1920-2002) لا تستطيع دخول إحصاء كهذا. في مهنته التي بدأت مع فيلم «الحرمان» سنة 1953 وصولاً إلى «ونسيت إني إمرأة» (1994) أصاب المخرج أعمالاً جيدة لكن ما غلب تلك المتوسطة وما دون. من ناحية لدينا «صراع في النيل» (1959) و«موعد مع الحب» (1960) و«أم العروسة» (1963) ومن ناحية أخرى لدينا أضعاف هذه من الأفلام غير المرصّـعة بأي قيمة فنية تذكر ومنها «السيرك» (1968) و«زمان يا حب» (1973) و«سيقان في الوحل» (1975) و«توت توت» (1993).
لكن هناك فيلم فالت من بين تلك المنتمية إلى أفضل ما حققه المخرج وكان من الممكن دخوله إحصاء أفضل 100 فيلم عربي وهو «خان الخليلي». أنجزه المخرج سنة 1965 (وعرض في مطلع العام التالي) عن رواية نجيب محفوظ بالإسم ذاته، وقام بكتابة السيناريو له محمد مصطفى سامي وصوّره مصطفى إمام وقام بالتوليف سعيد الشيخ. أما البطولة فذهبت إلى عماد حمدي وحسن يوسف وسميرة أحمد وتحية كاريوكا وعبدالوارث عسر.
كان «خان الخليلي»، قبل نصف قرن من اليوم سادس فيلم يتم إقتباسه عن رواية لنجيب محفوظ. التقليد كان بدأ سنة 1960 بفيلم «بداية ونهاية» الذي قام صلاح أبوسيف بإخراجه، وبعد عامين قام كمال الشيخ بتحقيق «اللص والكلاب» تم تولى حسن الإمام، في العام 1963، نقل «زقاق المدق» وتلاه بعد عام واحد بفيلم «بين القصرين» ليليه حسام الدين مصطفى بتحقيق «الطريق» في العام نفسه، 1964.
ليس صعباً التكهن بأفضل هذه الإقتباسات وذلك بقراءة أسماء مخرجيها. «بداية ونهاية» كان جهداً كبيراً بذله أبوسيف لإتقان عالم المؤلّـف الإجتماعي والواقعي، وهو الذي كان صديقاً له وكاتباً لبعض سيناريوهات أفلامه (لم يكتب نجيب محفوظ سيناريو أي فيلم مقتبس عن أي من رواياته). كمال الشيخ، بحرفته الذكية استخرج من «اللص والكلاب» قيمة بصرية رائعة وحافظ في الوقت نفسه على تلك الأهداف الإنتقادية للشخصيات الوصولية فيما بعد ثورة 1952. أما عاطف سالم، فإنه عمد، وبصورة شاملة، للإحتفاء بالجانب الروائي من العمل. صحيح غطّـى الفترة التي تقع فيها الأحداث (أربعينات القرن الماضي) وكان لابد له من ذلك، إلا أنه التزم بالنص العاطفي (في نهاية الأمر) لرواية محفوظ التي تتحدث عن شقيقين (حمدي ويوسف) يحبان إبنة الحارة ذاتها (سميرة أحمد). هذا من دون أن يندفع في التقاط السهل من المفارقات كما فعل حسام الدين مصطفى في «الطريق» محولاً الفيلم إلى سينماه الخاصّة ومن دون أن يغرق في حكايات الجانب الشهواني للعالم المرسوم في ذلك الحين على غرار ما فعل حسن الإمام في فيلميه.
«خان الخليلي» يتناول حكاية حارة من حارات القاهرة الشعبية. وعن صواب، قام الفيلم بإيجاز التمهيد المكاني والشخصياتي الذي بدأ نجيب محفوظ روايته هذه. في الواقع، أخر هذا التمهيد مقرراً أن يبدأ بالغارة الجوية التي كان يشنها الطيران الإنكليزي ما دفع بأسرة تتكون من أب وأم وشقيقين للتدافع صوب الملجأ. في البداية كان الشقيق الأكبر أحمد (عماد حمدي) هو الوحيد الذي يسكن مع والديه. وهو أول من التقطت عيناه الجارة الشابة نوال (سميرة أحمد). شقيقه رشدي عاد إلى القاهرة والتقى بنوال ثانياً وكسب حبها. أحمد اضطر لكي ينسحب مكتفيا بالملاحظة. لكن الأمور تتوالى على قدر من التعقيد فرشدي مريض ولاحقاً سيموت. أحمد عليه أن يسكب عطفه على شقيقه وأن يواسي نوال التي يحب.
لولا أن الكاتب هو أحد كبار أدباء القرن العشرين العرب لانهارت الرواية أساساً تحت ثقل هذه التوليفة العاطفية. لكن نجيب محفوظ كاتب نص إجتماعي وسياسي بالدرجة الأولى. حبكاته هي نوافذه على التقاليد والأفكار وسلوكيات الشخصيات ومن خلالها دراسات إجتماعية لمصر في حقب مختلفة. و«خان الخليلي» حافظ، قدر استطاعته، على هذه النوافذ ولم يغلقها. عاين عاطف سالم الشخصيات بدراية وحافظ على كثير من أدوات الكاتب الوصفية وإن تحرر من معظم الإسهاب الذي عرفتها الرواية في فصولها الأربعة الأولى.



شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز