شاشة الناقد: المنعطف

أشرف برهوم في لقطة من «المنعطف»
أشرف برهوم في لقطة من «المنعطف»
TT

شاشة الناقد: المنعطف

أشرف برهوم في لقطة من «المنعطف»
أشرف برهوم في لقطة من «المنعطف»

إخراج: رفقي عساف
دراما اجتماعية
الأردن/ الإمارات/ مصر | 2016
تقييم الناقد:(3*)
«المنعطف» هو الفيلم الروائي الأول للمخرج الأردني (ذي الأصل الفلسطيني) رفقي عدنان عساف ومن إنتاج الأردنية النشطة رولا ناصر والسيناريست والمنتج المصري ذو الإسهامات المتميزة في كلي الحقلين محمد حفظي. في الأساس، مفاجأة رائعة كتبها المخرج نفسه وتستطيع أن تربطها بمسارات وذكريات خاصّـة به (في النهاية إهداء لأبيه الذي نرى بطله يتذكره في أكثر من مشهد) كما بملامح من الحياة العامّـة في رحى الحاضر القلق الذي تعيشه بضعة دول عربية.
مثل الفيلم الجيد الآخر «آخر أيام المدينة» لتامر سعيد، فإن الشكوى الذاتية لبطله هي ذاتها لشركاء آخرين من أوطان أخرى. تجتمع تحت مظلة الهم الواحد والطموحات التي لا تتحقق. هنا نلتقي أولاً براضي (أشرف برهوم): رجل منطو يعيش في عربة فولسفاكن زرقاء مركون في خربة في مكان مقفر بين التلال. في الليل يقرأ على مصباح بطارية ثم ينام بلا غطاء. في اليوم التالي، هناك حادثة خطف لفتاة أسمها ليلى (فاطمة ليلى) استقلت تاكسي لكن مع حلول الليل يحاول سائق التاكسي وراكب بجانبه الإعتداء عليها وسرقتها بعدما قاداها إلى المكان ذاته.
ينقذها راضي غصباً عنه لأنه كان بنى حياته على العزلة ولم يضع في حسابه الإختلاط مع الآخرين. يوافق على إعادتها إلى مدينة إربد وهي سريعاً ما تثق به (والفيلم يبرر هذه الثقة جيداً). على الطريق يتوقفان لراكب ثالث أسمه سامي (مازن معضم)، مخرج تلفزيوني غير معروف تعطلت سيارته المتوجه إلى المدينة ذاتها. ورحلة الطريق تستمر من هنا بكل ما يخالجها من أوضاع ثلاث شخصيات كلها تعاني من ماض بدأ قبلها وسقطت ضحيته: راضي الفلسطيني الذي لا يزال يحن إلى أبيه وليلى الفلسطينية أيضاً التي تعيش في مخيم اليرموك في دمشق (وكانت تسعى في مطلع الفيلم العودة إليه) وسامي الذي غادر لبنان خلال حرب 2006 وعوض تحقيق أفلام كما يريد تحوّل إلى مخرج تلفزيوني غير معروف.
الأبعاد هي أكثر من الماضي الشخصي في هذا الفيلم. هي عن جيل عريض لديه مشاكله مع الآخرين. أحلامه غير محققة وذكرياته حانية. هذه الذكريات لا تدع راضي قادراً على دخول الحياة الحاضرة. عندما يحاول يُـصاب بإجهاد في القلب يؤدي به إلى المستشفى (ولو أنه من غير الواضح مشاهد ليلى في المستشفى).
أشرف برهوم قابض على أدائه مستنداً إلى القليل من العمق المتاح وزميليه جيدين خصوصاً الفتاة هاضمة نظراتها وتفاصيل سلوكها. نبرة المخرج الهادئة مثالية. ما يعيب الفيلم هو تلك الموسيقا (سعاد ساهر بشناق) الخالية من البحث والتحفيز والواردة بمنوال واحد لا يتغير.
اللافت الإختيار الصائب للمشاهد التي يراد لها أن تتقاطع مع مشاهد أخرى بعيدة، زمنيا ومكانياً. هذا ليس بالأمر السهل على أي مخرج لأن المسألة ليست توليفاً مونتاجياً بقدر ما هي رؤية واثقة تدرك أين ومتى تستخدم مثل تلك المشاهد. إنها مشاهد «فوروورد» (استباقية) تدفع المشاهد للتساؤل حولها، وهي ترد بدقة كتوقيت، ولو أن الأحداث المؤدية إليها في نهاية الفيلم، لا تحتاج إليها كتفعيل درامي أو تشويقي. أسلوب المخرج هادئ والتصوير جيد لا يشوب لحظاته إلا موسيقى خالية من البحث قافزة منذ بدايتها إلى النتائج ومتكررة بالمنوال ذاته أكثر من مرّة.

(1*) لا يستحق
(2*) وسط
(3*) جيد
(4*) ممتاز
(5*) تحفة



غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
TT

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)

يُقيم «مهرجان القاهرة» الذي بدأ دورته الـ45 يوم أول من أمس، ندوة خاصة عن المخرج والمنتج مصطفى العقاد الذي كان رحل في مثل هذه الأيام ضحية عملية إرهابية في عمّان قبل 19 سنة.

مُخرج «الرسالة»، عن نشأة الإسلام، و«عمر المختار»، عن مناضل في سبيل استقلال بلاده، كانا، ولا يزالان، أكبر إنتاجين عربيين- عالميين عرفته السينما.

المناسبة تستحق الاهتمام أولاً لإعادة التّذكير بمخرج عربي اخترق الجدار الصّامت حول تاريخ العرب والإسلام في فيلميه «الرسالة» (1976)، و«أسد الصحراء» (1980). وثانياً، لأنه المخرج العربي الوحيد الذي نجح في تحويل أحداث تاريخية عربية إلى الشاشة بنظام 70 مللم بانافيجين كما أفلام البريطاني ديڤيد لين، وفي مقدّمتها «لورنس العرب» (1962) الذي جمع ممثلين عالميين (أنطوني كوين، وبيتر أو تول، وأليك غينس، وجاك هوكينز، وكلود رينز) إلى جانب عمر الشريف وجميل راتب من مصر.

بعد عرضه الخاص في «مهرجان القاهرة» سينطلق في عروض عربية عديدة في جدّة، والدوحة، ودبي، والقاهرة والسعي جارٍ لتوسيع الرقعة عربياً وعالمياً.

مصطفى العقاد يتوسط عبد الله غيث وأنطوني كوين خلال تصوير «الرسالة» (فالكون إنترناشيونال)

خبرات ومواهب

لم يكن سهلاً على الممثلين الذين ظهروا في فيلمي العقاد تسليمَ مقادير مهنتهم آنذاك لمخرج عربي غير معروف، كلّ ما كان لديه لتقديمه - لجانب طموحه - أنه اشتغل مساعد إنتاج وإخراج في بعض المحطات التلفزيونية الأميركية. لكن العقاد فاز بالثقة سريعاً مع احتمال أن يكون الموضوعان المثاران في هذين الفيلمين عنصرَي جذب إضافي. الأول دار حول رسالةٍ (عن الدين الإسلامي) لم يتعرّف عليها الغرب في فيلم سابق، بل بقيت مودوعة في دراسات أكاديمية وكتب. الثاني ثورة ليبية ضدّ الاستعمار الإيطالي صاغها العقاد بعناية وتوازن. وراعى فيه جودة التقديم أيضاً.

«الرسالة» تم بنسختين منفصلتين واحدة عربية أمّ تمثيلها بعض أفضل الخبرات المصرية والمغاربية والسورية واللبنانية، وواحدة بالإنجليزية وكلاهما كانا نجاح عمل مدروس رغم صعوبة تنفيذه.

الفيلم الثاني حكى أن هناك ثورات أخرى وقعت خلال احتلال أجزاءٍ من العالم العربي وأن الموت الجماعي حاذى سواه ممّا حول العالم.

ما إن وقّع أنطوني كوين وإيرين باباس على العقد المبرم لهما، حتى تداعى الآخرون أمثال مايكل أنسَارا وداميان تومس ومايكل فورست.

لاحقاً، عندما خرج «الرسالة» إلى عروض عالمية شملت بلداناً عربية وغربية عديدة، حتى صار من الأسهل جذب نجوم آخرين تقدَّمهم، مرّة ثانية، أنطوني كوين في دور عمر المختار. حينها قال كوين لهذا الناقد في مقابلة: «لم أكن أعرف شيئاً عن التاريخ العربي. العقاد فتح عينيّ على هذا التاريخ المجهول بفيلميه، وبرؤية ثاقبة، وكيفية إنتاج مناسب لفيلم تاريخي كبير. بصفتي ممثلاً أرى أن كلّ شيء كان في مكانه الصحيح».

«المسألة الكبرى» (المؤسسة العامة للسينما والمسرح)

محاولات غير مجزية

لا يمكن إغفال حقيقة أن الأفلام التاريخية - الدينية العربية كان لها حضور سابق لـ«الرسالة». نتحدّث عن «واإسلاماه» للأميركي أندرو مارتون الذي أُنتج في مصر سنة 1961 وخاض بطولته كلٌ من لبنى عبد العزيز (في دور شجرة الدر)، وأحمد مظهر ورشدي أباظة ويوسف وهبي ومحمود المليجي وكاريوكا وعماد حمدي وفريد شوقي.

قبله بعشر سنوات أقدم إبراهيم عز الدين على تحقيق «ظهور الإسلام» بإمكانات محدودة مع كوكا وعماد حمدي وأحمد مظهر وسراج منير بين آخرين. ثم بعد 10 سنوات على ظهور «واإسلاماه» أنجز صلاح أبو سيف «فجر الإسلام». الذي استفاد من خبرة أبو سيف ولو أنه في النهاية بقي إنتاجاً محلياً للسوق العربية.

هناك أيضاً «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين (1963)، الذي وظّف فيه المخرج أفضل طاقاته وطواقمه ما ساهم، بجانب اسمه المعروف، في انضمام هذا الفيلم إلى باقي ما ذُكر في عالمٍ عربيٍّ كان يتطلّع إلى مثل هذه الأفلام الترويجية لموضوعاتها باهتمام كبير يناسب كل ذلك الجهد الذي شهدته هذه الأعمال.

أدركت السينما العراقية أن هناك طريقاً لإنتاجات تصبو للعالمية بموازين ونُظم إنتاج برهن العقاد أنها ممكنة. في هذا الصّدد حقّق المخرج صلاح أبو سيف «القادسية» في عام 1981 بطلب من الحكومة خلال الحرب العراقية الإيرانية. الفيلم جاء كبير الإنتاج كما أُريد له أن يكون، ركيكاً في نواحيه الفنية، ودعائياً فيما تبقى.

مؤسسة السينما العراقية التي أنتجته كانت التفتت سنة 1980 إلى المخرج المصري الآخر توفيق صالح، وأصرّت على أن يُنجِز «الأيام الطويلة»، الذي عاد إلى تاريخٍ أقرب ليسرد جزءاً من سيرة حياة الراحل صدّام حسين.

في عام 1983 حقّق العراقي محمد شكري جميل «المسألة الكبرى» (1983) عن ثورة العراقيين ضد الاحتلال البريطاني. جلب المخرج مدير التصوير جاك هيلديارد، الذي كان عمل مع العقاد على فيلميه، والممثل أوليڤر ريد الذي كان اشترك في بطولة «أسد الصحراء»، لكن هذه الأفلام بقيت محدودة الانتشار ولم تتجاوز حدود العرض في بعض الدول العربية.

ما حدّ من انتشار هذه الأفلام عالمياً هو معضلة إنتاجات عربية كثيرة حينها، هي سطو «القضية» على المعالجة الفنية، هذا إلى جانب أن العقاد فَهِم وهضم قواعد الإنتاجات العالمية أكثر من سواه.