ارتفاع الأسعار يحرم الدمشقيين من طقوس وتقاليد الشهر الفضيل

الدواجن باتت خارج قدرة أصحاب الدخل المحدود ودخلت باب الترف

صبي سوري يبيع الخبز المحشو بالزيتون في سوق بالعاصمة دمشق خلال رمضان المبارك (أ.ف.ب)
صبي سوري يبيع الخبز المحشو بالزيتون في سوق بالعاصمة دمشق خلال رمضان المبارك (أ.ف.ب)
TT

ارتفاع الأسعار يحرم الدمشقيين من طقوس وتقاليد الشهر الفضيل

صبي سوري يبيع الخبز المحشو بالزيتون في سوق بالعاصمة دمشق خلال رمضان المبارك (أ.ف.ب)
صبي سوري يبيع الخبز المحشو بالزيتون في سوق بالعاصمة دمشق خلال رمضان المبارك (أ.ف.ب)

«حتى الفول المسلوق والحمّص (المسبحة) والفلافل تضاعفت أسعارها بشكل كبير في الأشهر الأخيرة!.. ماذا نفطر في رمضان وماذا نتسحر»؟ يتساءل (عماد. ق) كما يعرفنا على نفسه دمشقي أربعيني يعمل موظف استقبال في فندق دمشقي، يتابع عماد الأب لخمسة أولاد: «في الأعوام الماضية ومع استمرارية الأزمة والحرب، كنت وعائلتي مقتنعين بمائدة إفطار بسيطة، حيث استغنينا عن اللحوم بكل أنواعها واقتصرت مائدتنا على المقبلات فقط، أي الفول المدمس والمسبحة والشوربات وسلطات الخضار، ولكن حتى هذه ارتفعت أسعارها في هذا العام بشكل كبير»!
بالتأكيد لا يبالغ عماد في كلامه، ففي جولة بأسواق دمشق ورغم محاولات حكومية لضبط الأسعار وتخفيضها مع قدوم شهر رمضان، فإن الأسعار التي قفزت قبل شهر مع ارتفاع الدولار الأميركي وملامسته رقم 650 ليرة سورية وانخفاضه في الأيام الأخيرة مع جملة إجراءات أعلنها البنك المركزي السوري وقرارات لمنافسة السوق السوداء أدّت لهبوط قيمة الدولار أمام الليرة السورية نحو 200 ليرة أي إلى 450 ليرة تقريبًا مع ميل للارتفاع أحيانا نحو 500 ليرة، فرغم هذه الإجراءات فإن الأسعار بقيت مرتفعة كما يؤكد كل من التقينا بهم في أسواق دمشق، حتى الخضر الورقية والموسمية ما زالت مرتفعة كالبندورة والخس والبقدونس وغيرها من مستلزمات موائد الإفطار.. يتنهد محمود عامري وهو يقف أمام محل لبيع الفلافل في سوق دمشقية: «تصوّر حتى ساندويتش الفلافل وهي أكلة الفقراء السريعة كما كانت تعرف قبل الأزمة صار الحصول عليها من قبل الفقراء متعبًا لمصروفهم اليومي، حيث ازداد سعرها نحو عشرين ضعفًا من بداية الأزمة وحتى الآن، ولو أردت فقط أن آكل أنا وأطفالي الثلاثة وزوجتي ساندويتش فلافل على الإفطار والسحور، إذن سأحتاج لأكثر من راتبي الشهري الذي لا يتجاوز 30 ألف ليرة سورية ثمنًا لها (10 ساندويتشات فلافل يوميًا سعرها نحو 1500 ليرة سورية، سأحتاج في الشهر لـ45 ألف ليرة لأشتري ساندويتش فلافل فقط!)».
كذلك ومع بداية شهر يونيو (حزيران) الحالي ارتفعت أسعار المكالمات الهاتفية من قبل مشغلَي الخدمة الوحيدين في سوريا، حيث تجاوز الارتفاع نحو 50 في المائة عما كانت عليه.
ومع استمرار الحرب والأزمة الاقتصادية والمعيشية، يؤكد المهتمون والمتابعون أن الدمشقيين ومعظم سكان المدن الأخرى تخلوا عن كثير من عادات رمضان الغذائية ومأكولاته الدسمة، فغابت اللحوم عن موائد الإفطار، حيث وصل سعر كيلو لحم الخروف إلى 5000 ليرة سورية، كما ارتفعت أسعار لحوم الدجاج أخيرًا بما يفوق قدرة أصحاب الدخل المحدود والفقراء على شرائها ودخلت في باب الترف فاقتصرت على الأغنياء فقط، كذلك حال الحلويات، فمع ارتفاع أسعار السكر وتضاعفه عن العام الماضي وكذلك أسعار المكسرات والسمن والزيوت تخلى كثير من الدمشقيين عن تحضير أو شراء الحلويات الرمضانية التي كان لا غنى عنها بعد وجبة الإفطار من منطلق مثل شعبي معروف يقول: (في المعدة خلوة لا تملؤها إلاّ الحلوى).
ومع بداية شهر رمضان المبارك انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي ملصقات وكلمات إنسانية معبرة عن واقع كثير من السوريين في شهر رمضان ومراعاة وضع الفقراء والمنكوبين بسبب الأزمة والحرب التي تعيشها البلاد منذ خمس سنوات.
وكما هي دمشق تعيش المدن السورية الأخرى شهر رمضان مع غلاء الأسعار وغياب العادات الرمضانية، ففي مدينة حلب التي تعاني ما تعانيه من ويلات الحرب والأزمة تخلى كثير من الحلبيين عن العادات الغذائية الرمضانية، ومنها حسب الباحثين استقبال أول يوم من رمضان بتحضير أكلة سوريا معروفة وهي الشاكرية التي تحضّر من اللبن المغلي مع اللحوم أو الشيش برك التي تحضر أيضًا من اللبن ولحم الغنم والعجين، وتتميز الأكلتان بلونيهما الأبيض لتؤكل الشاكرية إلى جانب الرز المطبوخ والشيش برك يضاف له الرز، ولهاتين الأكلتين دلالتهما الاجتماعية لدى الحلبيين، وهي أن استقبال الشهر الفضيل بأكلة بيضاء يستبشرون منها خيرًا في أن يكون كل أيام شهر رمضان بيضاء سعيدة عليهم.
طقوس وعادات وتقاليد رمضانية كثيرة وكذلك أنشطة فنية وثقافية بمناسبة الشهر الفضيل غيبتها الأزمة والحرب إلى إشعار آخر، ومنها الخيم الرمضانية في المطاعم والفنادق وبعض المراكز الثقافية كالمركز الثقافي الإسباني (ثرفانتس)، الذي كان حريصًا كل رمضان على إطلاق خيمته الرمضانية في حديقة السبكي المواجهة لمقره في دمشق، ولكن مع إغلاق المركز قبل 4 سنوات غابت خيمته الشهيرة، كذلك غابت السهرات الرمضانية وظاهرة المسحراتي وطبلته الشهيرة ومدفع رمضان وعادة (السكبة)، حيث كان الجيران في البناء الواحد والحارة الواحدة يتبادلون سكب الطعام على الإفطار كحالة اجتماعية شعبية جميلة.
ربما وحدها عادة الذهاب للمقاهي الشعبية بعد الإفطار ما زالت قائمة، بل ازدادت انتشارًا مع ازدياد عدد المقاهي في دمشق وتغيير محلات كثيرة مهنتها لتتحول إلى مقاهٍ، يبرر سالم شاغوري أحد العاملين في مقهى شعبي بمنطقة القنوات وسط دمشق بأن الناس لم يعد لديها خيارات كثيرة للتنزه بعد الإفطار وحتى لحضور المسلسلات الرمضانية على التلفزيون وتبادل الزيارات بسبب انقطاع الكهرباء، فيأتون للمقاهي التي تظل فاتحة أبوابها حتى ساعات السحور، فيشربون الشاي ويدخنون النارجيلة ويتسلون بلعبة طاولة الزهر وورق الشدة، وهي تكلفتها المادية قليلة، كما أن الكهرباء متوفرة في المقاهي حيث المولدات، فالبعض يتابع المسلسلات الرمضانية في المقهى.



الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
TT

الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)

أفصح مختصون في نشاط صناعة واستيراد الشماغ السعودي عن بلوغ هذا الزي التقليدي الرسمي أعلى مواسم البيع السنوية، مسجلاً مبيعات تُقدَّر بنحو 900 مليون ريال سنوياً، كاشفين عن توجهات المستهلكين الذين يبرز غالبيتهم من جيل الشباب، وميلهم إلى التصاميم الحديثة والعالمية، التي بدأت في اختراق هذا اللباس التقليدي، عبر دخول عدد من العلامات التجارية العالمية على خط السباق للاستحواذ على النصيب الأكبر من حصة السوق، وكذلك ما تواجهه السوق من تحديات جيوسياسية ومحلية.
ومعلوم أن الشماغ عبارة عن قطعة قماش مربعة ذات لونين (الأحمر والأبيض)، تُطوى عادة على شكل مثلث، وتُلبس عن طريق وضعها على الرأس، وهي لباس تقليدي للرجال في منطقة الخليج العربي وبعض المناطق العربية في العراق والأردن وسوريا واليمن، حيث يُعد جزءاً من ثقافة اللبس الرجالي، ويلازم ملابسه؛ سواء في العمل أو المناسبات الاجتماعية وغيرها، ويضفي عليه أناقة ويجعله مميزاً عن غيره.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، الرئيس التنفيذي لـ«شركة الامتياز المحدودة»، فهد بن عبد العزيز العجلان، إن حجم سوق الأشمغة والغتر بجميع أنواعها، يتراوح ما بين 700 و900 مليون ريال سنوياً، كما تتراوح كمية المبيعات ما بين 9 و11 مليون شماغ وغترة، مضيفاً أن نسبة المبيعات في المواسم والأعياد، خصوصاً موسم عيد الفطر، تمثل ما يقارب 50 في المائة من حجم المبيعات السنوية، وتكون خلالها النسبة العظمى من المبيعات لأصناف الأشمغة المتوسطة والرخيصة.
وأشار العجلان إلى أن الطلب على الملابس الجاهزة بصفة عامة، ومن ضمنها الأشمغة والغتر، قد تأثر بالتطورات العالمية خلال السنوات الماضية، ابتداءً من جائحة «كورونا»، ومروراً بالتوترات العالمية في أوروبا وغيرها، وانتهاء بالتضخم العالمي وزيادة أسعار الفائدة، إلا أنه في منطقة الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، فإن العام الحالي (2023) سيكون عام الخروج من عنق الزجاجة، وسيشهد نمواً جيداً مقارنة بالأعوام السابقة لا يقل عن 20 في المائة.
وحول توجهات السوق والمستهلكين، بيَّن العجلان أن غالبية المستهلكين للشماغ والغترة هم من جيل الشباب المولود بين عامي 1997 و2012، ويميلون إلى اختيار التصاميم والموديلات القريبة من أشكال التصاميم العالمية، كما أن لديهم معرفة قوية بأسماء المصممين العالميين والماركات العالمية، لافتاً إلى أن دخول الماركات العالمية، مثل «بييركاردان» و«إس تي ديبون» و«شروني 1881» وغيرها إلى سوق الأشمغة والغتر، ساهم بشكل فعال وواضح في رفع الجودة وضبط المواصفات.
وأضاف العجلان أن سوق الملابس كغيرها من الأسواق الاستهلاكية تواجه نوعين من المشكلات؛ تتمثل في مشكلات جيوسياسية ناتجة عن جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، ما تسبب في تأخر شحن البضائع وارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع الأسعار بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، بينما تتمثل المشكلات المحلية في انتشار التقليد للعلامات العالمية والإعلانات المضللة أحياناً عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
من جهته، أوضح ناصر الحميد (مدير محل بيع أشمغة في الرياض) أن الطلب يتزايد على الأشمغة في العشر الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، ويبدأ الطلب في الارتفاع منذ بداية الشهر، ويبلغ ذروته في آخر ليلتين قبل عيد الفطر، مضيفاً أن الشركات تطرح التصاميم الجديدة في شهر شعبان، وتبدأ في توزيعها على منافذ البيع والمتاجر خلال تلك الفترة.
وأشار الحميد إلى أن سوق الأشمغة شهدت، في السنوات العشر الأخيرة، تنوعاً في التصاميم والموديلات والماركات المعروضة في السوق، وتنافساً كبيراً بين الشركات المنتجة في الجودة والسعر، وفي الحملات التسويقية، وفي إطلاق تصاميم وتطريزات جديدة، من أجل كسب اهتمام المستهلكين وذائقتهم، والاستحواذ على النصيب الأكبر من مبيعات السوق، واستغلال الإقبال الكبير على سوق الأشمغة في فترة العيد. وبين الحميد أن أكثر من نصف مبيعات المتجر من الأشمغة تكون خلال هذه الفترة، مضيفاً أن أسعارها تتراوح ما بين 50 و300 ريال، وتختلف بحسب جودة المنتج، والشركة المصنعة، وتاريخ الموديل، لافتاً إلى أن الشماغ عنصر رئيسي في الأزياء الرجالية الخليجية، ويتراوح متوسط استهلاك الفرد ما بين 3 و5 أشمغة في العام.