اقتصاد أوروبا يتوتر أيام الضغوط والترقب

السندات الألمانية «تحت الصفر».. وهبوط قياسي بالأسواق

علما المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي (رويترز)
علما المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي (رويترز)
TT

اقتصاد أوروبا يتوتر أيام الضغوط والترقب

علما المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي (رويترز)
علما المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي (رويترز)

في الآونة الأخيرة شهدت أوروبا مزيدا من المخاوف حول الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، ويتصاعد القلق كلما اقترب موعد الاستفتاء البريطاني والمزمع عقده الأسبوع المقبل في الثالث والعشرين من يونيو (حزيران) الجاري.
الأمر الذي هبط بالأسواق أمس في أنحاء أوروبا إلى مستويات قياسية جديدة، فيما ارتفعت مؤشرات الضغط إلى أعلى مستوياتها منذ بداية العام الجاري، بعدما كانت مستقرة لشهور.
وتراجعت السندات الحكومية الألمانية لمدة 10 سنوات تحت الصفر أمس الثلاثاء للمرة الأولى على الإطلاق، في إشارة مثيرة إلى تأثر أكبر اقتصاديات منطقة اليورو بسياسة المركزي الأوروبي الفضفاضة وبحث المستثمرين عن الملاذ الآمن، وتراجعت العائدات على السندات المالية إلى سالب 0.03 في المائة أمس الثلاثاء. ويأتي الانخفاض بسبب السياسات المفرطة في الليونة التي تتبعها المصارف المركزية، وأجواء سياسية واقتصادية غير مستقرة.
ويعني ذلك عمليا أن المستثمرين الذين يشترون ديونا ألمانية لعشر سنوات اليوم يتعهدون بدفع مبلغ من المال إلى البلاد إذا احتفظوا بالسندات حتى انتهاء مهلتها.
وكانت سويسرا واليابان سبقتا ألمانيا في المعدل السلبي، لكن الطابع الرمزي مختلف بسبب الوزن الاقتصادي لهذا البلد والطابع المرجعي لسندات الدين.
في الوقت ذاته، انخفضت العائدات على السندات الحكومية البريطانية العشرية إلى سالب 1.15 في المائة، وهو أدنى معدل للاقتراض على الإطلاق، منخفضة من 1.21 في المائة أول من أمس، مقارنة بنحو اثنين في المائة بداية العام الماضي.
ورغم أن المستثمرين دائما ما يتجهون إلى السندات الحكومية لحماية أموالهم، فإن تراجع عائدات السندات يظهر حقيقة أن أوروبا أصيبت أمس بحالة من «القلق المزمن»، فكانت السندات ملاذا آمنا شعبيا على الأقل منذ عام 1970، عندما حصل البنك المركزي الألماني على المجد حين تفادى ارتفاع معدلات التضخم آنذاك بوصفه اقتصادا متقدما.
ويرى إدوراد غرين، المحلل الاقتصادي في «آي إم جي»، أن الأسواق أصيبت أمس بحالة غريبة، فتراجع السندات البريطانية إلى أدنى مستوى منذ بداية السجلات في عام 1729، ستضر الشركات التي أصدرت كميات هائلة من الديون، من أجل الاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة.
وأضاف غرين، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن كلا من تجار المدى القصير ومستثمري المدى الطويل على هامش الانتظار لنتيجة الاستفتاء، مؤكدا أن عدم اليقين حول الاستفتاء يضر بالثقة، لكن ليس هناك دليل واضح على تباطؤ حاد في النشاط الاقتصادي، «فعادة ما تضخم وسائل الإعلام العناوين التي يعلنها السياسيون».
وأدى تسارع بحث المستثمرين عن الاستثمارات الآمنة، وسط مخاوف الخروج البريطاني المحتمل الأسبوع المقبل، إلى دفع أسواق المال إلى الهبوط، إضافة إلى زيادة الخناق على عائدات الدين الحكومي في اليابان والمملكة المتحدة.
في الوقت ذاته، ارتفع مؤشر الضغط لبنك أوف أميركا ميريل لينش لمستوى قياسي منذ فبراير (شباط) الماضي.
ونزلت الأسهم الأوروبية للجلسة الخامسة على التوالي صباح أمس الثلاثاء لتسجل أقل مستوى في ثلاثة أشهر، نتيجة هبوط أسهم شركات السلع الأولية وسط حالة من القلق بين المستثمرين قبل اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي)، واستفتاء في بريطانيا.
ونزل مؤشر يوروفرست 300 للأسهم الأوروبية واحدا في المائة ليسجل أقل مستوى منذ أواخر فبراير، بينما نزل مؤشر ستوكس يوروب 600 بمقدار 1.1 في المائة.
ونزل مؤشرا الموارد الأساسية في أوروبا للنفط والغاز 2.4 في المائة، و1.5 في المائة على التوالي اقتداء بهبوط أسعار السلع الأولية.
وأظهر استطلاعان للرأي لـ«سي إم» نشرا أمس، أن الفجوة بين الحملة المؤيدة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي والمعسكر الراغب في البقاء في الاتحاد الأوروبي اتسعت لصالح الأول قبل استفتاء في هذا الصدد، مما يؤجج قلق المستثمرين بشكل عام.
ونالت حالة الغموض التي تصاحب اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي - الذي يبدأ في وقت لاحق اليوم ويستمر يومين - من الأسواق، رغم أن التوقعات بصفة عامة تشير إلى إبقاء البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة دون تغيير بعد صدور بيانات الأجور في القطاع غير الزراعي لشهر مايو (أيار)، وجاءت دون التوقعات.
وفقد المؤشر البريطاني فاينانشال تايمز 100 نحو 77 نقطة، أي ما يوازي 1.3 في المائة ليصل إلى 5967 نقطة، ليسقط دون مستوى 6000 نقطة لأول مرة منذ أواخر فبراير الماضي، وهبط كل من مؤشر كاك 40 الفرنسي 1.3 في المائة، وداكس الألماني 0.7 في المائة.
ويرى مايك دولكن، المحلل الفني، أن الأسهم ستتوسع خسائرها، مع احتمالات اقتراب الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وتدهور حالة النمو للاقتصاد العالمي الهش، مع تصاعد حدة المشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجه منطقة اليورو المتعثرة.
وفي سياق ذي صلة، ارتفع الين إلى أقوى مستوياته مقابل اليورو في أكثر من ثلاث سنوات أمس، مع تنامي فرص تصويت البريطانيين لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مما دفع المستثمرين صوب الأصول التي تعتبر أمنة.
بينما هبط الجنيه الإسترليني واحدا في المائة أمام الدولار إلى أقل سعر له في شهرين 1.4112 دولار، كما هبط الإسترليني أمام اليورو بنحو 0.42 في المائة، ليستقر عند 1.2581 يورو.
وقال دولكن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «رغم عمليات البيع الحادة في الجنيه الإسترليني في الأيام الأخيرة، فإنه ما زال متماسكا فوق 1.41 دولار»، مفسرا ذلك بأنه إما أنها عرض من أعراض محدودية التجارة حيث يغادر التجار «الميدان»، وإما أنها إشارة إلى أن السوق لا تزال تعتبر أن الوضع الراهن سيفوز في النهاية.



بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

قالت الصين الخميس إن تحقيقاتها في ممارسات الاتحاد الأوروبي وجدت أن بروكسل فرضت «حواجز تجارية واستثمارية» غير عادلة على بكين، مما أضاف إلى التوترات التجارية طويلة الأمد.

وأعلنت بكين عن التحقيق في يوليو (تموز)، بعدما أطلق الاتحاد تحقيقات حول ما إذا كانت إعانات الحكومة الصينية تقوض المنافسة الأوروبية. ونفت بكين باستمرار أن تكون سياساتها الصناعية غير عادلة، وهددت باتخاذ إجراءات ضد الاتحاد الأوروبي لحماية الحقوق والمصالح القانونية للشركات الصينية.

وقالت وزارة التجارة، الخميس، إن تنفيذ الاتحاد الأوروبي للوائح الدعم الأجنبي (FSR) كان تمييزاً ضد الشركات الصينية، و«يشكل حواجز تجارية واستثمارية». ووفق الوزارة، فإن «التطبيق الانتقائي» للتدابير أدى إلى «معاملة المنتجات الصينية بشكل غير موات أثناء عملية التصدير إلى الاتحاد الأوروبي مقارنة بالمنتجات من دول أخرى».

وأضافت بكين أن النظام لديه معايير «غامضة» للتحقيق في الإعانات الأجنبية، ويفرض «عبئاً ثقيلاً» على الشركات المستهدفة، ولديه إجراءات غامضة أنشأت «حالة من عدم اليقين هائلة». ورأت أن تدابير التكتل، مثل عمليات التفتيش المفاجئة «تجاوزت بوضوح الحدود الضرورية»، في حين كان المحققون «غير موضوعيين وتعسفيين» في قضايا، مثل خلل الأسواق.

وأوضحت وزارة التجارة الصينية أن الشركات التي عدّت أنها لم تمتثل للتحقيقات واجهت أيضاً «عقوبات شديدة»، الأمر الذي فرض «ضغوطاً هائلة» على الشركات الصينية. وأكدت أن تحقيقات نظام الخدمة المالية أجبرت الشركات الصينية على التخلي عن مشاريع أو تقليصها، ما تسبب في خسائر تجاوزت 15 مليار يوان (2,05 مليار دولار).

وفي سياق منفصل، تباطأ التضخم في أسعار المستهلكين في الصين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما واصلت أسعار المنتجين الانكماش وسط ضعف الطلب الاقتصادي.

وألقت عوامل، تتضمن غياب الأمن الوظيفي، وأزمة قطاع العقارات المستمرة منذ فترة طويلة، وارتفاع الديون، وتهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، بظلالها على الطلب رغم جهود بكين المكثفة لتحفيز القطاع الاستهلاكي.

وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء، الخميس، أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 0.1 في المائة الشهر الماضي على أساس سنوي، بعد صعوده 0.2 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) السابق عليه، مسجلاً أضعف وتيرة منذ أبريل (نيسان) الماضي. وجاءت البيانات متسقة مع توقعات الخبراء في استطلاع أجرته «رويترز».

وظل مؤشر أسعار المستهلكين ثابتاً على أساس شهري، مقابل انخفاض بواقع 0.6 في المائة في نوفمبر، وهو ما يتوافق أيضاً مع التوقعات. وارتفع التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والوقود المتقلبة، 0.4 في المائة الشهر الماضي، مقارنة مع 0.3 في المائة في نوفمبر، وهو أعلى مستوى في خمسة أشهر.

وبالنسبة للعام ككل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 0.2 في المائة بما يتماشى مع وتيرة العام السابق، لكنه أقل من المستوى الذي تستهدفه السلطات عند نحو ثلاثة في المائة للعام الماضي، مما يعني أن التضخم أخفق في تحقيق الهدف السنوي للعام الثالث عشر على التوالي.

وانخفض مؤشر أسعار المنتجين 2.3 في المائة على أساس سنوي في ديسمبر، مقابل هبوط بواقع 2.5 في المائة في نوفمبر، فيما كانت التوقعات تشير إلى انخفاض بنسبة 2.4 في المائة. وبذلك انخفضت الأسعار عند بوابات المصانع للشهر السابع والعشرين على التوالي.

ورفع البنك الدولي في أواخر ديسمبر الماضي توقعاته للنمو الاقتصادي في الصين في عامي 2024 و2025، لكنه حذر من أن أموراً تتضمن ضعف ثقة الأسر والشركات، إلى جانب الرياح المعاكسة في قطاع العقارات، ستظل تشكل عائقاً.