تونس تتجه نحو خيار حكومة وحدة وطنية بقطبين

يقضي بأن يكون الرئيس من «النداء».. ونائبه من «النهضة»

تونس تتجه نحو خيار حكومة وحدة وطنية بقطبين
TT

تونس تتجه نحو خيار حكومة وحدة وطنية بقطبين

تونس تتجه نحو خيار حكومة وحدة وطنية بقطبين

بنجاح حزب النداء وحركة النهضة في ضمان نحو 60 في المائة من مقاعد البرلمان التونسي وضمان الأغلبية في حال التصويت على مختلف القوانين، أصبح الحزبان القويان في تونس يتجهان نحو خيار تعيين رئيس حكومة من نداء تونس، ونائب لرئيس الحكومة من حركة النهضة. وفي هذا السياق طرح اسم سليم شاكر، وزير المالية الحالي والقيادي في حزب النداء لرئاسة الحكومة، فيما طرح اسم زياد العذاري وزير التشغيل والتكوين المهني لشغل منصب نائب لرئيس الحكومة.
ويلقى هذا الخيار دعمًا من حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي، وهو نفس التوجه الذي أعلنت عنه بعض القيادات في حركة النهضة، إلا أن إحداث منصب نائب لرئيس الحكومة يتطلب تعديلاً في الدستور المصادق عليه بداية سنة 2014 لأنه لم ينص على منصب نائب لرئيس الحكومة.
وكان نبيل القروي، القيادي في «نداء تونس»، هو أول من بادر بطرح هذا الحل الأربعاء الماضي تحت غطاء إعادة هيكلة الحكومة عبر إحداث قطبين: الأول سياسي والثاني اقتصادي واجتماعي، وذلك من أجل تسيير عملية التعاطي مع الملفات، وتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
وهذا الخيار يتناسب مع طرح سابق بين «النهضة» و«النداء» حول تشكيل حكومة أغلبية برلمانية تجمع بين الحليفين السياسيين، الذين يجمعان 130 صوتًا من أصوات البرلمان المقدرة بـ217 صوتًا.
وفي ظل تواتر المبادرات السياسية والتغييرات التي تطرأ على بورصة الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة، واصل الحبيب الصيد رئيس الحكومة نشاطه العادي، حيث عقد أمس اللقاء الدوري الأسبوعي الذي بجمعه بالرئيس الباجي، دون أن يبرز من خلال الملفات التي طرحت بين رأسي السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) أن الباجي صاحب مبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية قد تخلى عن الصيد.
واستبق الحبيب الصيد هذا اللقاء بالتأكيد في تصريح إعلامي أنه مع إجراء تعديل واسع وهيكلي على الحكومة، أو اعتماد شكل آخر مثل حكومة وحدة وطنية، لكنه تمسك بأن إدارة المرحلة الحالية تفترض الإبقاء على الحكومة الحالية، التي يتوجب عليها الإعداد للانتخابات البلدية والمحلية المزمع إجراؤها في مارس (آذار) المقبل، والانتهاء من حملة التسويق الأولية لمخطط التنمية الحالي، التي ستتوج بتنظيم مؤتمر دولي كبير في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ووفق تصريحات لمتابعين للشأن السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط»، فإن تصريح الصيد يؤكد أن المعركة حول رئاسة الحكومة ما زالت متواصلة ولن يتم حسمها في القريب العاجل. وفي حال تمسك الصيد برئاسة الحكومة وعدم تقديم استقالته بصفة تلقائية، وهو ما يبدو بعيد المنال إلى حد الآن، قال قيس سعيد، الخبير في القانون الدستوري، إن «الحكومة يفترض أنها دستوريًا منبثقة عن الأغلبية في البرلمان، وهي تستمد وجودها من ثقة تلك الأغلبية، وهي ليست مسؤولة أمام رئيس الجمهورية بل أمام البرلمان»، مضيفًا أن دستور 2014 واضح في هذا المجال، وأنه بالإمكان عرض مسألة الثقة في الحكومة على أعضاء البرلمان، أو التصويت على سحب الثقة منها وفق الفصلين 98 و99 من الدستور، ولكن هناك من يريد دفع الحبيب الصيد إلى الاستقالة بعيدًا عن التصويت داخل البرلمان.
وفي السياق ذاته، قال عبد العزيز القطي، المتحدث باسم حركة نداء تونس، في تصريح إعلامي إن حزب النداء متمسك بمبدأ تغيير الحبيب الصيد من منطلق أن متطلبات المرحلة المقبلة تقتضي إجراء تغييرات جذرية على الحكومة، على حد تعبيره. أما بشأن القرار النهائي حول بقاء الصيد أو مغادرته منصبه، فقد أوضح القطي أن الأمر سيتخذ بشكل تشاركي، وسيخرج من زخم المشاورات الحالية بين الأطراف التي ساندت مبادرة رئيس الجمهورية.
وتسعى عدة أطراف سياسية، سواء المشاركة منها في الحكومة أو تلك التي تقف في صف المعارضة، إلى ضمان مواقع لها في حكومة الوحدة الوطنية المزمع تشكيلها. وفي هذا الشأن دعا عبد الكريم الهاروني، الرئيس الجديد لمجلس شورى حركة النهضة، إلى الأخذ بعين الاعتبار الوزن السياسي لحزبه في تركيبة حكومة الوحدة الوطنية، في إشارة إلى وجودها في المرتبة الأولى من حيث عدد مقاعد في البرلمان (69 مقعدًا مقابل 61 لحزب النداء).
وتمسك حركة النهضة بالعصا من الوسط، إذ قال الهاروني إن حزبه لم يطالب بتغيير الصيد بشخصية سياسية جديدة، وإن مشاورات النهضة تجري مع بقية الأطراف السياسية حول برنامج الحكومة المقبلة وأهدافها وليس حول الشخص الذي سيتولى رئاستها.
وبخصوص السيناريوهات الممكنة خلال الفترة المقبلة، يعتقد عدد من المتابعين للشأن السياسي في تونس أن الصيد سيواصل رئاسة الحكومة إلى النهاية، وسيتمسك بمنصبه إلى حد إجبار الرئيس التونسي على طرح الثقة في الحكومة أمام البرلمان، أو طلب استقالة جماعية للوزراء المنتمين إلى حزب النداء من حكومة الصيد، ومثل هذه السيناريوهات ستدفع البلاد إلى مأزق سياسي محفوف بالمخاطر في حال لم ينجح مشروع طرح الثقة على أغلبية الأصوات لإقالة رئيس الحكومة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم