قراءة في الحالة الراديكالية في الأردن

على خلفية اعتداء مخيم البقعة

قراءة في الحالة الراديكالية في الأردن
TT

قراءة في الحالة الراديكالية في الأردن

قراءة في الحالة الراديكالية في الأردن

وقع الأردن من جديد ضحية للهجمات الإرهابية، وكان آخرها هذه المرة الهجوم الذي استهدف مخيم البقعة شمالي العاصمة عمّان، وذهب ضحيته خمسة أشخاص من بينهم ثلاثة من عناصر الاستخبارات. وللعلم، يقع مخيم البقعة، وهو الأكبر بين 10 مخيمات رسمية للاجئين الفلسطينيين في الأردن، على بعد 20 كيلومترًا من وسط عمّان، ويعرف بأنه كان مقر إقامة الشيخ أبو محمد الطحاوي، الذي يوصف بأنه أحد أشد مناصري وداعمي تنظيم «داعش» في الأردن، وأول من دعا إلى الجهاد في سوريا.
شهد المجتمع الإسلامي الراديكالي في الأردن نموًا ملحوظًا منذ اندلاع الحرب في سوريا. في بداية الصراع فضل هؤلاء «المجاهدين في سبيل الله» الالتحاق بـ«جبهة النصرة» إلا أنهم مع تطوّر الأحداث أخذوا يبدّلون ولاءاتهم، وإذا بهم اليوم يفضّلون الالتحاق بصفوف تنظيم «داعش». والواقع أن السلطات الأردنية واعية تمامًا لخطورة هذا الأمر، وهذا ما يدفعها إلى تشديد تدابيرها الأمنية على أراضيها. غير أن التشدد الأمني وحده، من دون أدنى شك، لن ينجح إلا بتقوية عزيمة هؤلاء المتطرفين ما لم يترافق مع برنامج إعادة تأهيل شامل ومدروس.
معلوم أن الحرب في سوريا قد جذبت آلاف المقاتلين المتشددين والراديكاليين من مختلف أنحاء العالم حتى وصل عددهم إلى ما يقارب 20.000 مقاتل، وذلك قبل الهجمات التي باشرت قوات التحالف الدولي بشنها على مواقع «داعش»، والتي ألحقت هزائم وخسائر كبيرة في صفوف التنظيم في العراق وسوريا، ما أدى إلى زيادة حالات الفرار من صفوفه، وفق تقارير السفارات الأجنبية.
وفي وقت من الأوقات، كان الراديكاليون الأردنيون قد شكّلوا إحدى أكبر المجموعات المقاتلة الوافدة إلى سوريا، إذ قدّرت مصادر موثوقة حسنة الاطلاع عدد الشباب الأردنيين الذين التحقوا بالحركات الراديكالية بنحو 2000 شخص. وهنا يشير الباحث حسن أبو هنية في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط» إلى أن ما نسبته الـ80 في المائة من هؤلاء يقاتلون حاليًا في صفوف «داعش»، وذلك بعدما نجح هذا التنظيم المتطرف – وفق أبو هنية – في «أن تغذي لديهم الرغبة في الخلافة». وحقًا، فإن اعتماد «داعش» الخطاب الطائفي المتطرف سمح للتنظيم بتعبئة الشباب الأردني. وللعلم، فإن هذه الاستراتيجية سبق أن اعتمدت في الماضي من قبل «أبو مصعب الزرقاوي» (أحمد فاضل النزال الخلايلة) أحد أبرز الشخصيات الأردنية المتطرفة المعروفة بميلها الشديد إلى العنف، وهو الذي يعتبر اليوم «الأب الروحي» لتنظيم داعش.
واليوم، بعد نحو عشر سنوات من مقتل «الزرقاوي»، يواجه التيار الراديكالي المتطرف في الأردن انقسامًا جديدًا. ذلك أن العداوة التي كانت سائدة في بداية الألفية والتي طغى عليها الثنائي «أبو مصعب الزرقاوي» والشيخ «أبو محمد المقدسي» أعيد إحياؤها اليوم من جديد مع الانقسامات الراهنة بين «داعش» و«جبهة النصرة» المحسوبة على تنظيم القاعدة والمبايعة له.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن العامل الجغرافي لعب أيضًا دورًا في توجه الشباب الأردنيين خلال السنة الماضية إلى «داعش» بدل «جبهة النصرة»، وهذه الظاهرة لوحظت أيضًا في لبنان. ومع إقدام الأجهزة الأمنية والجيش الأردني على إقفال الحدود الأردنية مع جنوب سوريا، حيث كانت تتمركز قوات «جبهة النصرة»، أجبر المقاتلون المستقبليون إلى التوجه إلى سوريا عبر تركيا، وهناك كان «داعش» بانتظارهم.
من جهة أخرى، عانت الجماعات الراديكالية الأردنية خسائر كبيرة في سوريا، وكان لمختلف المدن الأردنية مثل السلط ومعان وإربد نصيبها من أبنائها المقاتلين الذين سقطوا في المعارك. وحسب الإحصاءات التي يعتد بها وصل حتى الآن عدد الأردنيين الذين قتلوا في سوريا إلى 350 قتيلاً، كما ألقت أجهزة الاستخبارات القبض على نحو 400 مقاتل. أما حيال موضوع تنقل الراديكاليين الأردنيين من فصيل متطرف إلى آخر فجسدته خير تجسيد قضية أحمد عطا الله شبيب المجالي، النقيب في سلاح الجو الأردني، الذي فرّ من الأردن لينضم إلى صفوف «جبهة النصرة» في يوليو (تموز) 2013، وفقًا لصحيفة «الأخبار» اللبنانية القريبة من «حزب الله». ويتحدّر المجالي من إحدى أهم وأبرز عشائر منطقة الكرك، بجنوب الأردن. وصار معروفًا بشكل كبير بعدما نُشِرَت صورة له مع متشدد آخر حاملاً كلاشنيكوف، ليعود لاحقًا وينضم إلى تنظيم داعش قبل أن يُقتَل في إحدى المعارك خلال صيف عام 2014.
وفضلاً عن ذلك، ظهر أخيرًا فتى يدعى أشرف خريسات في شريط مصوّر التقط في شمال سوريا وهو يُمزق جواز سفره إلى جانب مجموعة من الشبان المغاربة. مع هذا، يبقى الجيل الأكبر سنًا من المقاتلين الراديكاليين ميالاً أكثر إلى «جبهة النصرة» التي لا تزال تطغى عليها شخصيات معروفة على غرار الدكتور سامي العريدي الأستاذ في الشريعة، وإياد الكليبي الصيدلي.
إن مشروع المقاتلين الراديكاليين في الأردن، كما يرى مراقبون مطلعون على الصورة العامة، مشروع طموح جدًا يتعدى الدفاع عن السوريين السنّة ويسعى إلى إقامة حكومة إسلامية قائمة على الشريعة، إلا أن هذا الهدف يبقى صعب المنال في بلد يرعاه نظام ملكي مستقر. وعلى الرغم من أن عدد المؤيدين للتوجهات المتشددة والراديكالية في الأردن الآن يتراوح ما بين 8.000 و12.000 شخص، وعلى الرغم من تزايد شعبية الراديكاليين في البلد، فإن الغالبية العظمى من الأردنيين لا تطمح إلى القتال في سوريا، ولا تدعم بالضرورة الحركات المتطرفة مثل «القاعدة» و«داعش»، لا سيما بعد جريمة قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة بطريقة وحشية على أيدي عناصر «داعش». وبالتالي، فإن أقل من 5 في المائة فقط من الشعب قد يؤيد الجماعات المتطرفة. والملموس جدًا أن جريمة قتل معاذ الكساسبة أثرت بعمق في الأردنيين، وانعكست سلبًا على صورة الراديكاليين الأردنيين.
في أي حال، سعيًا لمواجهة موجة التطرف هذه، اتخذت السلطات الأردنية بعض التدابير الوقائية الجذرية كمراقبة الحدود لقطع الطريق على محاولة انضمام مزيد من المتطرفين الأردنيين إلى الحركات الراديكالية في سوريا، وبالأخص عن طريق تركيا ودول عربية أخرى. وهنا أشار الخبير مروان شحادة في مقابلة سابقة معه إلى أن 60 في المائة تقريبًا من أولئك الذين قبض عليهم، والذين تجري محاكمتهم في الأردن هم من أبناء مدينتي الرصيفة والزرقاء، كما أن السلطات الأردنية عمدت إلى اعتقال كل من أوقفته على الحدود بين الأردن وسوريا.
هذا ولم تقتصر سياسات أجهزة الاستخبارات الأردنية على ملاحقة واعتقال المتطرفين والراديكاليين إنما تمكنت أيضًا من اختراق «جبهة النصرة»، وفقًا لبعض المصادر، في حين صعب تحقيق مثل هذا الإنجاز مع تنظيم داعش كونه تتمتع بجهاز استخبارات داخلي قوي جدًا يضطلع بأعمال المراقبة والرصد الفعالة. إلا أن إلقاء القبض على المقاتلين، لا سيما الشباب منهم، وزجهم في السجون مع راديكاليين قدامى قد يحوِّلهم إلى أسلحة قاتلة أخطر حتى من أولئك الذين ظهروا، أو «تخرجوا»، في سجن مخيم بوكا الأميركي في البصرة، بجنوب العراق، حيث وُلد «داعش». فبالنسبة للذين لم يتورطوا كثيرًا مع «داعش» قد تكون الأحكام البسيطة بحقهم، والتركيز على إعادة إدماجهم في المجتمع من الخيارات الأساسية المناسبة.
كلمة أخيرة.. أمام واقع الحرب السورية التي يبدو أن نهايتها ليست بالقريبة، فإن تزايد أعداد المقاتلين الراديكاليين الأردنيين وعبورهم إلى سوريا أو إلى العراق، ينذر بتعاظم الأخطار التي تواجه المملكة بشكل يومي. وعلى المدى الطويل، قد تؤدي هذه الراديكالية بنسختها الجديدة، ولا سيما في أوساط الجيل الشاب الأردني، إلى زعزعة القواعد القبلية، وإضعاف التركيبات التقليدية ضمن شريحة من السكان تشكل الأساس الصلب لاستقرار الأردن. غير أن الهم الأول والأساسي اليوم يتمثل في التصدي للآيديولوجية التوتاليتارية التي يبثها «داعش»، والتي ما زالت تنجح بجذب وتعبئة قسم من الشباب ضمن مواجهات يبدو أنها تتخذ يومًا بعد يوم طابعًا أكثر مأساوية.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.