أقيمت وليمة عبّاسيّة في فندق البريستول في بيروت عاين فيها نحو مائة مدعوٍ من نخبة المثقّفين والأكاديميّين العرب والأوروبيّين والأميركيّين كيف كان يأكل الخلفاء والأمراء العبّاسيّون. هي رحلة عبر العصور فريدة من نوعها بإجماع المدعوّين. حضر الحفل رئيس الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتور فضلو خوري وعدد من كبار الإداريين. وقد رحّب بالمدعوّين الباحث بلال الأرفه لي الذي شكر الجامعة الأميركيّة وإدارة فندق البريستول ومؤسّسة كفريّا والأكاديميّة العربيّة الألمانية للباحثين الشباب لرعايتهم هذا الحفل المتميّز.
واللذّات كثيرة: الطعام والشراب واللباس والطيب والسماع وغيرها، لكنّ أشرفها وأعلاها مرتبةً على الإطلاق هو الطعام. هكذا يخبرنا محمّد بن الحسن الكاتب البغدادي في مقدّمة كتاب قديم عن الطبيخ. يشير الباحث بلال الأرفه لي إلى أن الطعام يرتبط بهذه الملذّات أو أنها تحيل بشكلٍ أو بآخر إليه، ولذا هو أعلاها مرتبةً. وقد وصلنا عدد لا بأس به من كتب الطبيخ بعضها يعود إلى الفترة العبّاسيّة، وتطالعنا كتب الأدب والتاريخ بمئات القصص والأشعار والأخبار المتعلّقة بالطعام.
وتعرّف المدعوّون إلى أكثر من عشرين طبقًا تاريخيًّا من الثقافة العربيّة الإسلاميّة كالسكباج والمضيرة والجذابة واللوزينج والفالوذج. تحضر هذه الأطباق في كتب التاريخ والأدب العربيّين وقد شغلت بال الدارسين والمتذوّقين على مدى قرون طويلة. أعدّت الوليمة الطباخة العالميّة والباحثة بريجيت كالاند، وقد تخصّصت كالاند في تحضير الأطباق التاريخيّة من الحضارة البابليّة القديمة وحتّى بدايات العصر الحديث. وقد أشرفت كالاند على إعداد لائحة الأطباق والتنقيب عن الوصفات وطرق التحضير الأنسب في كتب التاريخ. حاولت كالاند قدر الإمكان المحافظة على المكوّنات وطرق التحضير التاريخيّة مع مراعاة الذوق الحديث. كلّ شيء في الصالة كان عبّاسيًّا من طعام وشراب وموسيقى وروائح طيّبة. ساعد في تقديم الأطباق وشرح دلالاتها ثلاثة من أعلام الدارسين هم وحيد بهمردي (بيروت) وشارلز باري (كاليفورنيا) وبلال الأرفه لي (بيروت) وأحيى الحفل الموسيقي اللبناني علي الحوت. وقد لاحظ المدعوّون أنّ الأطباق قد عرضت بشكل أنيق وجذّاب وفي الوقت نفسه يُظهر المنافسة التاريخيّة بينها، كالمنافسة التاريخيّة بين اللوزينج والفالوذج والمنافسة بين المضيرة والسكباج. لكلّ طبق قصّة وتاريخ حافل ينمّ عن حضارة غنيّة أدبًا وذوقًا وفنًّا.
وقد أقيمت الوليمة اختتامًا لمؤتمر عالمي عن الطعام كمؤشّر للثقافة أقيم في الجامعة الأميركية برعاية الأكاديميّة العربيّة الألمانية للباحثين الشباب المموّلة من وزارة التعليم الألمانية. وقد أشرف على تنظيم المؤتمر بلال الأرفه لي من الجامعة الأميركيّة في بيروت وجوليا هاوسر من جامعة كاسّل الألمانية وكيريل ديميتريف من جامعة سانت أندروز في بريطانيا. وقد تضمّن المؤتمر عدّة ندوات عن علاقة الطعام بالطبقات الاجتماعيّة، والتشريع والتحريم، والجسد، والسكر، والامتناع والصيام، والقلّة والإغاثات الإنسانيّة، والجندرة. ويلحظ أنّ هذه المقاربة المبتكرة والمبدعة للطعام لم تتعامل معه نظريًّا فحسب، بل كان هناك عدّة نشاطات جال فيها الباحثون والباحثات الذين حضروا من العالم العربي وأوروبا والولايات المتّحدة على المدن والقرى اللبنانيّة ليتعرّفوا على طرق تحضير الطعام في لبنان ومكوّناته، إضافة إلى عدّة مشاريع إنمائيّة ترتبط به.
«مطبخ الخليفة» كما في كتب التاريخ والأدب
وليمة عبّاسيّة أقيمت في فندق البريستول ببيروت
«مطبخ الخليفة» كما في كتب التاريخ والأدب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة