جون رولز.. فيلسوف الإنصاف

(شخصيات) نظريته في العدالة سياسية وليست أخلاقية

جون رولز.. فيلسوف الإنصاف
TT

جون رولز.. فيلسوف الإنصاف

جون رولز.. فيلسوف الإنصاف

الحرب العالمية الثانية كانت أهم وأعمق التجارب في حياة جون رولز المولود سنة 1921 في مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند والمتوفى سنة 2002 في مدينة ليكسنغتون في ولاية ماساتشوستس الأميركية. كانت الحرب إعلانا عن عمق أزمة العدالة في الوجدان البشري. أن يحسم العنف الخلاف يعني أن كل نظرية للعدالة أعلنت استقالتها وخروجها عن التأثير والعمل. لا غرابة إذن أن يعود رولز ليبحث عن نظرية في العدالة من جديد. هذه ليست كل الصورة بالتأكيد فقد كانت أميركا في الخمسينات والستينات تعجّ بسؤال العدالة أيضا. التمييز العنصري وحقوق الأقليات وحركات الحقوق المدنية المختلفة كانت تدفع باتجاه تأزيم سؤال العدالة في المجتمع الأميركي كذلك. عاد رولز الحاصل على الشهادة الجامعية في الفلسفة من جامعة برنستون سنة 1943 إلى ذات الجامعة ليكمل دراسته الأكاديمية في فلسفة الأخلاق ويحصل على الدكتوراه سنة 1950. لم يتأخر رولز كثيرا في تقديم تصوّره للعدالة ليقدم بعد سبع سنوات من حصوله على الدكتوراه مقالته الشهيرة «العدالة كإنصاف» التي ستتحول لاحقا إلى كتابه الأشهر «نظرية في العدالة». مع هذه المقالة أعلن رولز أنه ينتمي لنظرية العقد الاجتماعي في مقابل نظريات النفع والحدس السائدة في أميركا في ذلك الوقت. نظرية العقد الاجتماعي تؤسس مفهوم العدالة على حالة تعاقد افتراضية تمت وتتم بين أفراد المجتمع. العدالة تتحقق في شروط هذا التعاقد وفي الالتزامات التي يفرضها على أطرافه وفي التعبيرات المؤسساتية التي يفترض أنه تضعه محلّ التطبيق.
من البداية لا بد من التأكيد على أن نظرية رولز في العدالة هي نظرية سياسية وليست أخلاقية وهذا يعني أمور كثيرة منها: أن هذه النظرية لا تهدف لتحديد الخير من الشر أو كيف يعامل الناس بعضهم البعض بقدر ما تهدف إلى وضع المبادئ التي يجب أن تقام عليها البنية الأساسية السياسية للمجتمع. المقصود بالبنية الأساسية هنا مجموعة المؤسسات الأولية التشريعية والاقتصادية ودستور البلاد والتعليم.. إلخ. هذه البنية هي موضوع نظرية رولز للعدالة. أمر آخر وهو أن نظرية العدالة عند رولز ليست استنباطا منطقيا من مسلّمات أخلاقية معيّنة بل هي نتيجة لاتفاق افتراضي بين أفراد المجتمع ينطلق من رغبة كل فرد في تحقيق نفعه الشخصي. في مدخل كتابه «الليبرالية السياسية» يطرح رولز أن التحدي الأكبر أمام الليبرالية السياسية هو مدى قدرتها على توفير البيئة لمواطنين من مرجعيات دينية وفلسفية وأخلاقية متناقضة للعيش في فضاء واحد بشكل عادل. الليبرالية السياسية عند رولز، كما في كتابه «العدالة كإنصاف»، تبدأ من حقيقتين: الأولى: التعددية المعقولة (المعقولة هنا بمعنى أن يقبل الكل التفكير في المختلف أيضا حين يفكّر في الشأن العام)، أي أن تعدد وتنوّع المذاهب الشمولية هو صيغة دائمة للمجتمع الديمقراطي، الثانية: في الديمقراطية السلطة السياسية تُفهم كسلطة المواطنين الأحرار المتساوين كجماعة مشتركة.
إذا كانت نظرية العدالة غير مستنبطة من مقدمات فلسفية فكيف يمكن تأسيسها؟ يستخدم رولز ما يسمّيه بمنهج الموازنة التأملية Reflective Equilibrium وهو منهج يقوم على تقديم بناء نظري معيّن يتحدى وينافس البناءات النظرية المطروحة على الساحة. بمعنى أن رولز يقول: إنه سيقدم تركيبة متناسقة من المبادئ والأفكار قادرة على تقديم مستوى من العدالة أعلى من أي نموذج مطروح على الساحة. هذه المنهجية تجعل عمله يقوم على حوار المذاهب الفلسفية المطروحة في الساحة. المنافسون الكبار لرولز هنا هما مذهبا النفعية ومذهب الحدس. لهذا الغرض يبدأ تأسيسه لنظرية العدالة كفيلسوف عقد اجتماعي بحالة افتراضية يسميها حالة الموقف الأصلي. في هذا الموقف يجتمع ممثلون افتراضيون للمجتمع لوضع مبادئ تحكم تجمّعهم. هؤلاء الأفراد يقبعون خلف ما يسمّيه حجاب الجهل. الأفراد خلف حجاب الجهل يعرفون أنهم ينتمون لأعراق ومذاهب وأجناس وطبقات اقتصادية مختلفة ولكن كل واحد منهم لا يعرف تحديدا إلى ماذا ينتمي. هو يعلم أن هذه الجماعة فيها فقير وغني ورجل وامرأة وأبيض وأسود ولكنه لا يعلم إلى أي هذه الجماعات تحديدا ينتمي. يراهن رولز أن هؤلاء، منطلقين من تفكير كل فرد منهم في مصلحته الخاصة، سيصلون إلى ما يسميها بمبادئ العدالة وهي التي تعبّر عن الصيغة الخاصة التي يقدمها كمعادلة معيّنة تحقق الإنصاف. الأفراد خلف حجاب الجهل سيختارون المعادلة الأكثر أمانا. المعادلة التي ستجعلهم في وضع مقبول لو كانوا ضمن الطبقات الأدنى اقتصاديا أو الأقليات الأقل عددا. هذان المبدءان هما كالتالي، سأضع هنا الصيغة الأخيرة لهذه المبادئ:
المبدأ الأول: لكل شخص حق كامل في جملة من الحريات الأساسية المتساوية. جملة الحريات هذه متسقة مع جملة حقوق مساوية للجميع.
المبدأ الثاني: اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية يجب أن تضبط بشرطين: الأول: أن تربط بمناصب ووظائف مفتوحة للجميع تحت شروط تساوي الفرص. ثانيا: أن تكون هذه اللامساواة في صالح أفراد المجتمع الأقل انتفاعا.
هذه المبادئ تشتغل كضوابط لعمل مؤسسات البنية الأساسية للمجتمع وليست كأهداف تسعى هذه المؤسسات لتحقيقها. في الأخير هذه المؤسسات تقوم بدور إجرائي يسعى لتوفير بيئة منصفة عادلة للأفراد والمجتمع. من عوامل انتشار وتأثير هذه النظرية أنها قدّمت معادلة تدرك طبيعة التفاوت والتباين بين الأفراد والجماعات واختلاف مرجعياتهم الدينية والعرقية والاقتصادية وفي ذات الوقت تعمل على جعل هذا التفاوت والتمايز عادلا ومنصفا. هذه النظرية تكفل حدا أساسيا ثابتا من الحقوق والحريّات لا يمكن التنازل عنها ثم تفتح بعد ذلك الباب خارج مؤسسات البنية الأساسية للمجتمع للتفاوت والتمايز. الإنصاف هنا هو حالة تجعل المنافسة والاختلاف والتنوع والتفاوت يتم وفق شروط تنصف الجميع. ولّدت هذه النظرية ردود فعل واسعة، فبحسب «غوغل الأكاديمي» فقد تمت الإحالة لكتاب رولز الأساسي في أكثر من أربعة وخمسين ألف عمل أكاديمي حتى الآن. ربما استعرضنا بعضها في المقالة اللاحقة.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.