«إخوان مصر» يواجهون شعبية السيسي بـ«حرب التسريبات»

مصادر عسكرية أكدت أنها «ملفقة».. ويجري توجيهها من الخارج

الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة
الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة
TT

«إخوان مصر» يواجهون شعبية السيسي بـ«حرب التسريبات»

الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة
الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة

بعيدا عن المظاهرات المتواصلة والمواجهات الدامية في الشارع، منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي مطلع يوليو (تموز) الماضي، قررت جماعة الإخوان المسلمين في مصر مواجهة الشعبية المتزايدة للفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري بما يمكن تسميته «حرب التسريبات»، عبر نشر «مقاطع صوتية» مزعومة له، تشير لنيته الترشح لرئاسة الجمهورية وتقلل من شأن أي من المرشحين الآخرين المحتملين. لكن مصادر مقربة من القوات المسلحة نفت لـ«الشرق الأوسط» صحة هذه التسريبات، مؤكدة أنها «ملفقة، وتجري عبر توجيه من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في الخارج، بهدف تشويه صورة الجيش المصري وقياداته».
وتصف جماعة الإخوان وأنصارها السيسي بأنه «قائد الانقلاب العسكري»، وتتهمه بالسعي للسيطرة على السلطة، بينما تراه قطاعات واسعة من المجتمع المصري حاليا الشخصية الأنسب لقيادة البلاد. ويقول مراقبون إن هدف الإخوان من نشر هذه التسريبات هو إظهار السيسي بأنه «طامع في السلطة، وأنه يخشى عزله من منصبه بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد».
ونشرت شبكة «رصد» الإخبارية، وثيقة الصلة بجماعة الإخوان المسلمين، مساء الخميس مقطعا صوتيا قالت إنه جزء من حوار للفريق السيسي مع صحيفة «المصري اليوم» الخاصة قبل نحو أسبوعين. وفي المقطع تناول السيسي المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح.
وسبق لشبكة «رصد»، التي دشنت موقعها على الإنترنت قبل عامين من دون أن تعرف نفسها عليه، أن بثت عدة مقاطع من الحوار، رغم تأكيد صحيفة «المصري اليوم» أنها «مفبركة». وفي تسريب سابق اتهم السيسي المرشح الرئاسي السابق أيضا حمدين صباحي بـ«تحريف حديث دار بينهما حول الترشح للرئاسة». ويقول السيسي في المقطع إن «كثيرا من المتحدثين عن نيتهم الترشح للرئاسة يعلنون ذلك؛ لأنني (السيسي) لم أعلن موقفي بعد». وفي تسريب مماثل منسوب للسيسي، حث إعلاميين ومثقفين مؤيدين له على القيام بحملة لوضع مادة في الدستور تحصنه في منصب وزير الدفاع، وتسمح له بالعودة إلى استئناف دوره حتى لو لم يصل إلى الرئاسة.
كما نشرت الشبكة من قبل تسجيلات مصورة لاجتماع مغلق بين الفريق أول عبد الفتاح السيسي وقادة وضباط جيش، يعود إلى شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. واستخدمت الشبكة الإخبارية ثلاثة مقاطع قصيرة من تسجيل قالت إنه يمتد لثلاث ساعات لتوجيه انتقادات للسيسي، وفي الاجتماع يناقش السيسي الخطوط الحمراء للإعلام التي حطمتها ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011.
وتقول شبكة «رصد» إنها حصلت على هذه التسجيلات عبر ضباط معارضين لما تصفه بـ«الانقلاب العسكري». لكن مصدرا عسكريا نفى صحة هذه التسجيلات قائلا إن «اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان المسلمين تحاول تشويه المؤسسة العسكرية»، مؤكدا أنه «مفبرك ولا أساس له من الصحة، ويأتي ضمن حملة التشويه الممنهجة التي تقودها الجماعة ضد المؤسسة العسكرية».
وتابع المصدر أن «ما يحدث يسير وفق مخططات، يشرف عليها التنظيم الدولي للإخوان بدعم من دول كثيرة»، وأن «القوات المسلحة ليس من طباعها الحديث في الخفاء، أو تدبير المؤامرات كما تروج بعض وسائل الإعلام المشبوهة». وشدد المصدر العسكري على أن «الجيش المصري يثبت دائما وأبدا أنه ملك للشعب المصري، ولا ينحاز إلا لمطالبه وتطلعاته، وأنه سوف تتم محاسبة كل من يحاول تشويه القوات المسلحة ورموزها».
وكان الفريق أول عبد الفتاح السيسي قد اعتبر خلال لقائه بقادة وضباط المنطقة الغربية العسكرية وشيوخ قبائل وعشائر مطروح، أول من أمس الخميس، أن «الجيش المصري يواجه حرب شائعات وأكاذيب»، مطالبا بعدم الالتفات إلى «من يحاول إضعاف ثقة الجيش وعدالة قضيته». وأكد السيسي أن القوات المسلحة حريصة على تنفيذ خارطة المستقبل، كما تم الإعلان عنها، وذلك بالتعاون مع مؤسسات الدولة والقوى الوطنية، وأن «رجال القوات المسلحة سيظلون دائما عند حسن الظن بهم».
من جانبه، قال اللواء سامح سيف اليزل، الخبير الأمني، المقرب من المؤسسة العسكرية، إن «القوات المسلحة أجرت تحقيقات موسعة حول هذه التسريبات وتم التأكد من أنها غير حقيقية وغير موجودة أصلا، وأنها مدسوسة عن طريق خبراء أصوات بتوجيه من قادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في الخارج». وأضاف «الجهات الأمنية تواصل تحقيقاتها للوصول إلى جذور هذه الأكاذيب».
وأشار سيف اليزل، وهو رئيس مركز «الجمهورية» للدراسات والأبحاث السياسية والأمنية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الهدف من هذه التسريبات هو التشكيك في القوات المسلحة والتأثير على شعبية السيسي داخل البلاد وخارجها، نظرا لزيادتها في الآونة الأخير ودفع البعض له للترشح للرئاسة».
ويسعى عدد من الائتلافات الشعبية والسياسية لجمع توقيعات شعبية لدفع السيسي للترشح لرئاسة الجمهورية. لكنه أجاب في حواره الصحافي السابق عن سؤال بشأن احتمالية ترشحه قائلا إن «هذا أمر عظيم وجلل، والوقت غير مناسب لهذا السؤال، في ظل ما تمر به البلاد من تحديات ومخاطر تتطلب منا جميعا عدم تشتيت الانتباه والجهود، بعيدا عن إنجاز خطوات خارطة المستقبل، التي سيترتب عليها واقع جديد يصعب تقديره الآن». قبل أن يضيف قائلا «لكن الله غالب على أمره».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.