«هيومان رايتس» النيويوركي يعرض لأوضاع المرأة المظلومة عبر العالم

المرأة حاضرة بقوة في الدورة الـ 19 من المهرجان

من «سونيتا» للمخرجة الإيرانية روخشارة غير مغامي
من «سونيتا» للمخرجة الإيرانية روخشارة غير مغامي
TT

«هيومان رايتس» النيويوركي يعرض لأوضاع المرأة المظلومة عبر العالم

من «سونيتا» للمخرجة الإيرانية روخشارة غير مغامي
من «سونيتا» للمخرجة الإيرانية روخشارة غير مغامي

بدءًا من اليوم ينطلق في مدينة نيويورك مهرجان «هيومان رايتس» في نسخته لهذا العام، مستمرًا حتى التاسع عشر من الشهر الحالي. تقيمه في نيويورك المؤسسة المعروفة التي تحوّلت إلى سجل للأحداث الأمنية والاجتماعية في أي بلد وجدته يعاني من حروب أو من أوضاع جائرة.
وبصرف النظر عن مواقف الأمم منها، وعن مدى صحّة تقاريرها أو دقتها في بعض الأحيان، فإن البرنامج السياسي لهذه المؤسسة يتضمن، منذ سنوات، إقامة مهرجان يلم شمل الأفلام التي تتعرض لأوضاع اجتماعية تستدعي، من وجهة نظر القائمين على المهرجان على الأقل، التعاطي معها وعرضها ضمن مجموعة الأفلام المعروضة.
* عصفور مشاغب
انطلق المهرجان لأول مرّة سنة 2009 عارضًا 25 فيلمًا دخلت غياهب الزمن سريعًا، ككل شيء آخر، من بينها «تذكير بحرب» لجواد متني، و«عيد ميلاد ليلى» لرشيد مشهراوي، و«العراق في شظايا» لجيمس لونغلي.
بعد 7 دورات، ما زال عدد الأفلام المشتركة متشابهًا، إذ يتراوح ما بين العشرين والثلاثين فيلمًا روائيًا أو تسجيليًا. هذا العام هناك 21 فيلما جاءت من ربوع عدّة. المهرجان لم يعد ينشر لجانب كل فيلم مصدره الإنتاجي. يعمد إلى ذكر العنوان واسم المخرج وتقديم نبذة عن الفيلم، تاركًا المشاهد أمام الجزء الأخير من المعلومات الأساسية ليكتشفها بنفسه حين رفع الستارة.
على ذلك ليس من الصعب معرفة بعض النيات المسبقة للمهرجان في دورته الجديدة. غالبية الأفلام آسيوية، وكثير منها يحمل مواضيع نسائية يدور حولها من باب أن المرأة في بعض المجتمعات في جنوب شرقي آسيا وفي بلدان مثل أفغانستان، ما زالت تعاني من جور المجتمع الذكوري المهيمن.. وإن لم يكن المجتمع الذكوري فمما هو أفدح: النظم السياسية القائمة.
في «العصفور المشاغب»، الذي يفتتح الدورة مساء اليوم، متابعة تسجيلية لامرأة صينية اسمها يي هايين قررت قبل سنوات قريبة أن تقف دفاعًا عن النساء اللواتي يضطررن للعمل في صناعة الجنس المحلية، ليجدن أنفسهن ضحايا على أكثر من جبهة من بينها المعيشية ذاتها. هذا يمتد، كما يوضح الفيلم، ليشمل الدفاع عن ست طالبات تعرضن للاغتصاب من قِبل مديري مدارسهن ومن قبل مندوبي السلطات الذين ادعوا تحقيقهم بالأمر. إنه فيلم ذو رسالة مناهضة لما لا تنقله الأنباء عادة من حوادث تجد فيها المرأة الصينية نفسها كما لو أنها ما زالت سلعة من أرخص الأنواع.
من أفغانستان يطالعنا وضع نسائي مختلف.
المخرجة روخشارة غير مغامي تنطلق، تحت مظلة إنتاج ألماني - سويسري لمتابعة سير حياة فتاة أفغانية شابّة تدرك كم هي مختلفة عن أترابها من الجيل ذاته، بل وعن المجتمع ككل.
عنوان الفيلم هو «سونيتا» وهو اسم الفتاة المؤطرة في هذا العمل التسجيلي. هي في الثامنة عشرة من العمر هاجرت من كابل إلى طهران بحثًا عن العمل وبعض الحرية. وجدت الأول ولم تجد الثاني خصوصًا أنها ترغب في الغناء. ليس أي غناء بل غناء «الراب».
كيف تمكنت المخرجة مغامي من البحث عنها والوصول إليها أساسًا، ليس معروفًا، لكن الواضح هو أن المخرجة وجدت نفسها معنية بمتابعة أحلام الفتاة والاشتراك في إنجاح رغبتها بالعودة إلى كابل، واستصدار جواز سفر، والحصول على فيزا لأميركا بصفة استثنائية. بعد ذلك تلتقطها المخرجة وقد وصلت إلى ولاية يوتاه واندرجت في إحدى الكليات، وينتهي بسونيتا وهي تؤدي أغنية راب سياسية بعدما نالت ذلك القدر من الحرية الذي يعني لها ولأمثالها من التواقين الشيء الكثير.
لا يتمتع الفيلم بمزايا فنية خاصة، بل بمتابعة مخلصة للموضوع وبمشاهد عاطفية جميلة (بكاء سونيتا مع شقيقتها الأصغر منها عندما علمت الأخيرة بقرار الأولى الهجرة). فيلم سليم من إخفاقات العمل. مثير تلقائيًا للمتابعة ويمنح المشاهدين إطلالة مهمّة على تجربة فتاة شابّة رغبت في حريتها الفنية حتى ولو حققتها على حساب مغادرة وطنها. في هذا الصدد تبقى تجربة سونيتا عليزاده نموذجية لكفاح امرأة من أجل حريتها الخاصة وعلى الشاشة تبدو أهلاً للإعجاب.
* عبور محتّم
لا تنظر إيران الرسمية إلى هذا الفيلم بإعجاب كونه ينتقد ولو في سياق متسارع وضمن الفترة التي تقضيها سونيتا في طهران، الوضع الطاغي للمرأة خصوصًا المهاجرة. لكن هذا الفيلم سيبقى أقل وطأة من فيلم «أحلام بلا نجوم»(Starless Dreams)، الذي حققه الإيراني مهرداد عسقاوي في سبع سنوات مصوّرًا الحياة الصعبة للجانحات الموضوعات في أحد سجون الإصلاح تبعًا لأحكام قضائية تتراوح مددها وأسبابها. من بينهن من ارتكب جريمة قتل أو من قام بالسرقة أو من انحرف صوب المخدرات. الصورة الشاملة التي يوزّعها الفيلم على مشاهديه هي أن المجتمع هناك يعاني من ثغرات لا تعكسها المصادر الرسمية لا في إعلامها ولا في أفلامها خصوصًا أن هذا الفيلم يشير بأصبع الاتهام إلى الجيل السابق المسؤول عما حل بالفتيات من وضع. بعضهن عانين من الضرب المبرح فهرب، والبعض الآخر من إدمان الآباء على المخدرات مما تسبب في إدمانهن أيضًا، والبعض الثالث هام في الشوارع بحثًا عن أحلام غير محققة.
ومن بين ما هو معروض أيضًا «العبور» الذي يلقي نظرة على واقع هجرة السوريين بالقوارب صوب السواحل الأوروبية. هم أيضًا يبحثون عن أحلام غير محققة منطلقين بمغامرات محفوفة بأخطار محدقة، من أرض النيران إلى أرض السلامة. ليس الفيلم الأول حول هذا الموضوع، لكنه من أكثرها تأثيرا كونه يتابع الرحلة وما يقع فيها وعليها وصولاً للناجين منها إلى السواحل الإيطالية ومنها توزعهم في اتجاهات أوروبية وصولاً، بالنسبة لمن يستطيع، إلى الدول الإسكندنافية في الشمال الأوروبي.
في المنوال نفسه نشاهد «رحلة يائسة» للمخرج بيتر بوكاريات وزلماي (الاسم الواحد الذي اختاره المصوّر الأفغاني لنفسه). يتابع بدوره رحلة الصعاب الحثيثة التي تصفها الأمم المتحدة في بعض تقاريرها بـ«اليائسة» موزعة بعض الإحصاءات المفيدة في هذا المجال ومن بينها أن 84 في المائة من المهاجرين هم سوريون وعراقيون وأفغان. بدرجة موازية هناك صوماليون وإريتريين.
الفيلم أقرب إلى دراسة منه إلى عمل تسجيلي يتم فيها تصوير الأوضاع الصعبة على الأرض بعد وصول المهاجرين وبحثهم عن اللجوء الأنسب بين الاحتمالات القليلة المتاحة.
والوضع الفلسطيني - الإسرائيلي لا يهرب من اهتمام هذه الدورة. في P‪.‬S‪.‬ Jerusalem حكاية تلك الأميركية - الإسرائيلية مخرجة الفيلم داناي إيلون التي تركت مدينة نيويورك مع أولادها الثلاثة عائدة إلى القدس، حيث وُلدت، وذلك بعد وفاة أبيها. هناك لا تعايش الاختلاف الواضح بين حياتها الأميركية والحياة في موقعها الجديد فقط، بل تنقل ما يمر به أولادها من ظروف وأحاسيس وقد وجدوا أنفسهم في مدينة مختلطة بين العرب واليهود، خصوصًا أن الأم أصرت على إدخالهم المدرسة الوحيدة المختلطة بين الشعبين في القدس.
مثل كثير من الأفلام المعروضة هنا، ليس هذا الفيلم بمثابة عمل سينمائي فريد في صياغته الفنية، لكنه ينضم إلى كل تلك الأعمال المتوفرة التي تدور حول المرأة وجوانب حياتها المختلفة ضمن أوضاع وظروف عادة ما تكون صعبة وغير مواتية.
أما بعيدًا عن أوضاع الشرق الأوسط، ومن بين العدد الآخر، من الأفلام، هناك «لا تقاوم» الذي سبق له أن نال جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان ترايبيكا هذا العام. هذا الفيلم الأميركي يوفر نظرة فاحصة على تنشئة البوليس الأميركي حاليًا، وكيف تدفع السلطات به ليكون، حسب وصف الفيلم، أقرب إلى الميليشيا، وما يعانيه الأفرو - أميركيين من قمع ناتج عن هذا التوجه الجديد.



أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.