السليم.. رمز الحصافة والاعتدال

السليم.. رمز الحصافة والاعتدال
TT

السليم.. رمز الحصافة والاعتدال

السليم.. رمز الحصافة والاعتدال

مرّ على المجتمع التعليمي والإدارة العليا في المملكة العربية السعودية في مراحل تأسيسها وتطوّرها كثير من الكفايات المؤهّلة، التي كان يتم اختيارها وفق الظروف والأحوال، وهي في ذلك لم تكن تختلف مع كثير من الدول التي نشأت من عدم تعليمي، في البداية كان من «يفكّ الحرف» مؤهلا على مقياس حقبة تأسيس الدولة حتى عشرينات القرن الماضي، ثم أصبح المتعلمون في الهند والعراق ومصر والشام وحاملو دبلوم المعاهد المحلية نوابغ يحتلون المراكز القيادية؛ الإدارية والتعليمية والدبلوماسية، وهكذا حتى الستينات والسبعينات عندما بدأت طلائع حملة الماجستير والدكتوراه تعود من بعثاتها في أوروبا وأميركا، وهنا ارتفع سقف المؤهلات المطلوبة، وصارت الشهادات العليا حدا أمثل في الاختيار والتكليف.
كانت تلك الأعوام من السبعينات في عهد الملك فيصل والملك خالد، التي عاد فيه شخصية هذا المقال مع زملائه غازي القصيبي ومنصور التركي ومحسون جلال وأسامة عبد الرحمن وعبد الله العمران ومحمد الملحم ومطلب النفيسة وأمثالهم المتخصصين في الإدارة والقانون والاقتصاد، وسبقتهم أو تلتهم أفواج أخرى متخصصة في الهندسة والزراعة والطب والعلوم الاجتماعية والعربية والإنسانية، فعُدّلت لوائح التوظيف لتشترط حدودا معينة في خبرات أعضاء هيئات التدريس ومؤهلاتهم، وأقدمت الحكومة لأول مرة على اختيار نخبة من الشباب حملة الدكتوراه في حقائب وزارية، وكان من الطبيعي أن يصاحب تلك الخطوة تحسن نوعي، بل وتنافس نحو الأفضل في الأداء الحكومي بشكل عام.
بدأ الدكتور السليم - المتخرج في العلاقات الدولية من جامعة جون هوبكنز بولاية ماريلاند الأميركية - أستاذا في قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، يُحدث مع زملائه نقلة نوعية في المناهج وطرق التدريس في النظام التعليمي المحلي مقتبسة من أنظمة الجامعات التي تخرّجوا فيها، وصاروا يقودون حراكًا ثقافيًّا جعل من الجامعات صروحًا تنويرية مزدهرة، ووجدوا من الإدارة التعليمية العليا ترحيبًا محفّزًا لجهودهم وتشجيعًا لإبداعاتهم، كما بدأت حركة التأليف والترجمة ونقل العلوم والمناهج من الثقافات الأخرى تنمو بازدياد في البيئة التعليمية الجامعية التي تلاقحت فيها الخبرات الوطنية مع مثيلاتها العربية والأجنبية المتعاقدة.
وقد بدا من بين نشاطات هذه الصفوة المبكّرة من جيل الأكاديميين تفاعلهم مع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فأسهموا في تقديم البرامج، وفي الندوات وفي الكتابات الصحافية، وكان من نصيب الدكتور السليم تقديم برنامجين تلفزيونيين (نحن والعالم وأضواء على الأنباء) لتحليل ما يدور في العالم من أحداث، واستعانت به وزارة المالية والاقتصاد الوطني في حينه ليكون مستشارًا لها غير متفرّغ في مجال اختصاصاته (العلاقات الدولية).
عُيِن في منتصف السبعينات (في عهد الملك فيصل) وكيلاً ثم وزيرا للتجارة (في حكومة الملك خالد) مدة تقارب العشرين عامًا، وما كادت بيروقراطية الوظيفة تطويه مشاغلها عن اهتماماته الفكرية، فكان يحرص على الموازنة بينهما ويتابع الأحداث السياسية ويبدي رأيه فيها، وفي ختام صلته بالوظيفة الحكومية عيّن وزيرا للمالية والاقتصاد الوطني فترة قصيرة، لكنه آثر الاستقالة، والاكتفاء بما قدّم في مجال الخدمة العامة، مفضّلاً - كطبيعته - الهدوء على الصخب، والظل على الأضواء، والحفاظ على ما حققه من سمعة النزاهة، وليبقى مرفوع الرأس، ناصع التاريخ، نظيف الملف واليد، وليُسجل نفسه ضمن قائمة قليلة من الوزراء الذين ترجلوا من وظائفهم، ليفسحوا المجال للجيل الجديد من الكفايات، وللتفرغ للأسرة والقراءة والكتابة والأعمال الخاصة الخفيفة، مما لا يتّسع المقام للتفصيل فيه.
* كاتب سعودي



غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)
زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)
TT

غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)
زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)

بينما حثَّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من باكو حيث يُعقد مؤتمر «كوب 29»، القادة الدوليين على سد فجوة تمويل التكيف، البالغة 359 مليار دولار مع تفاقم الآثار المناخية التي تهدد الاستقرار العالمي والمجتمعات الضعيفة، كان لافتاً الانتقاد اللاذع الذي وجهه إلهام علييف رئيس أذربيجان، البلد المستضيف للمؤتمر، إذ انتقد علييف المنتقدين الغربيين لصناعة النفط والغاز في أذربيجان، واصفاً بلاده بأنها ضحية «حملة مدبرة جيداً من الافتراء والابتزاز».

وقد جددت مناقشات اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في العاصمة الأذربيجانية، باكو، تطلعات دول العالم إلى التوصل لاتفاقات جادة؛ للتخفيف من عواقب التغير المناخي، التي باتت واضحة من خلال الفيضانات، والعواصف، وحرائق الغابات، وموجات الحرارة الشديدة، وسط تحذيرات متزايدة بشأن تفاقم أزمة المناخ العالمية، مع الدعوة لإيجاد أرضية نقاش مشتركة.

وصول الضيوف إلى مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في استاد باكو (رويترز)

وعلى الرغم من مشاركة قادة وممثلين من نحو 200 دولة، فإن بعض القادة الدوليين قرروا عدم حضور المؤتمر، بمَن في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي من المقرر أن تتولى بلاده رئاسة مؤتمر الأطراف في عام 2025. وفي الوقت نفسه، ألغى المستشار الألماني أولاف شولتس رحلته إلى باكو؛ بسبب انهيار تحالفه الحاكم الأسبوع الماضي.

وأعلنت أكبر بنوك التنمية المتعددة الأطراف في العالم هدفاً جديداً لجمع تمويلات للمناخ بشكل سنوي للدول النامية، بواقع 120 مليار دولار بحلول نهاية العقد.

احتواء الكارثة المناخية

في كلمته الافتتاحية، وجّه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تحذيراً شديد اللهجة إلى قادة العالم، مؤكداً أن البشرية في سباق مع الزمن لاحتواء الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية.

وعبّر غوتيريش عن قلقه من احتمال تجاوز هذا الهدف خلال العام الحالي، واصفاً عام 2024 بأنه «درس في تدمير المناخ». وأشار إلى أن تلك الكوارث المناخية، التي تضر بشكل خاص الدول الفقيرة، هي «قصة ظلم عالمي»، مطالباً الدول الثرية بالوفاء بتعهداتها.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمته (إ.ب.أ)

وأعرب عن الحاجة الملحة لسد الفجوة المتزايدة في تمويل التكيف مع المناخ، التي قد تصل إلى 359 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.

رئيس الإمارات يدعو لتعاون دولي مستدام

من جهته، أكد رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، التزام بلاده بتسريع العمل المناخي، وبناء اقتصاد مستدام، مشيراً إلى أن الإمارات، التي استضافت مؤتمر «كوب 28» العام الماضي، قدَّمت «اتفاق الإمارات» بوصفه خريطة طريق لتحقيق انتقال عادل في قطاع الطاقة، موضحاً في الوقت نفسه أن التعاون الدولي البنَّاء يوفر فرصة جديدة للنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام، عادّاً أن «العمل المناخي ليس عبئاً، بل فرصة للتقدم».

اتهام أذربيجان

وفي خطاب لافت، انتقد رئيس أذربيجان، إلهام علييف، وسائل الإعلام الغربية وبعض المنظمات البيئية التي وصفها بأنها «مزيفة»، متهماً إياها بشنِّ حملة تشويه ضد بلاده. ورد علييف على الاتهامات بأن أذربيجان «دولة نفطية» بتأكيده أن النفط والغاز «هبة من الله»، مؤكداً أن «الأسواق العالمية بحاجة إلى هذه الموارد، تماماً كما تحتاج إلى الذهب والشمس والرياح». جاء هذا التصريح في ظل تصاعد الدعوات للابتعاد عن استخدام الوقود التقليدي.

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يتحدث في حفل افتتاح المؤتمر (رويترز)

وقال: «لسوء الحظ، أصبحت المعايير المزدوجة، والعادة في إلقاء المحاضرات على البلدان الأخرى، والنفاق السياسي، نوعاً من أسلوب العمل لبعض السياسيين والمنظمات غير الحكومية التي تسيطر عليها الدولة ووسائل الإعلام المزيفة في بعض الدول الغربية».

واستهدف علييف، بشكل خاص، الدول الأوروبية التي وقَّعت على الفور صفقات لتوسيع مشترياتها من الغاز الأذربيجاني في أعقاب الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا، وقال: «لم تكن فكرتنا. لقد كان اقتراحاً من المفوضية الأوروبية».

وأشار إلى اجتماعه مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في يوليو (تموز) 2022، عندما وقّع الاتحاد الأوروبي صفقة مع أذربيجان لمضاعفة إمدادات الغاز من البلاد. وقال: «إنهم كانوا بحاجة إلى غازنا؛ بسبب الوضع الجيوسياسي المتغير، وطلبوا منا المساعدة».

ويعتمد اقتصاد أذربيجان بشكل كبير على إنتاج النفط والغاز. وفي عام 2022، شكّل هذا الإنتاج نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد و92.5 في المائة من عائدات التصدير، وفقاً لإدارة التجارة الدولية الأميركية.

وقال علييف: «بصفتنا رئيس مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، فسنكون بالطبع من المدافعين الأقوياء عن التحول الأخضر، ونحن نفعل ذلك. ولكن في الوقت نفسه، يجب أن نكون واقعيين».

واختتم حديثه بانتقاد جماعات المجتمع المدني التي دعت إلى مقاطعة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين؛ بسبب الحكومة القمعية في أذربيجان، وبصمة الوقود التقليدي. وقال: «لدي أخبار سيئة لهم. لدينا 72 ألف مشارك من 196 دولة. ومن بينهم 80 رئيساً ونائب رئيس ورئيس وزراء. لذا اجتمع العالم في باكو، ونقول للعالم: مرحباً بكم في أذربيجان».

بريطانيا... وتعهدات مناخية طموحة

من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إن بريطانيا ستخفِّض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 81 في المائة بحلول عام 2035. إذ تعهدت البلاد بهدف مناخي أكثر طموحاً في قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29).

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يصعد إلى المنصة لإلقاء كلمة خلال مؤتمر «كوب 29» (رويترز)

وقال ستارمر، في مؤتمر صحافي، خلال مؤتمر المناخ في باكو بأذربيجان: «في مؤتمر المناخ هذا، سُررت بإعلان أننا نبني على سمعتنا بوصفنا قائداً مناخياً، مع هدف المملكة المتحدة لعام 2035، «NDC (المساهمات المحددة وطنياً)»؛ لخفض جميع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 81 في المائة على الأقل عن مستويات عام 1990».

وقال ستارمر إن الجمهور البريطاني لن يثقل كاهله بسبب الهدف الجديد، الذي يستبعد انبعاثات الطيران والشحن الدوليَّين. وأضاف: «ما لن نفعله هو أن نبدأ في إخبار الناس بكيفية عيش حياتهم. لن نبدأ في إملاء ما يجب أن يفعلوه على الناس».

ويتماشى الهدف الجديد مع توصية من لجنة من مستشاري المناخ الذين قالوا الشهر الماضي إن الهدف يجب أن يتجاوز الخفض الحالي بنسبة 78 في المائة للانبعاثات، قياساً على مستويات عام 1990.

ازدياد اللاجئين بسبب الكوارث المناخية

وعلى هامش القمة، حذَّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من ازدياد أعداد اللاجئين المتأثرين بتداعيات المناخ، في ظل تصاعد الصدمات المناخية وتكرارها.

وأشار المفوض الأممي، فيليبو غراندي، إلى أن اللاجئين غالباً ما يفرون إلى دول مجاورة تواجه هي أيضاً تحديات مناخية. وذكر التقرير أن 75 في المائة من اللاجئين الذين نزحوا بحلول نهاية العام الماضي يعيشون في مناطق تتعرض لكوارث مناخية متزايدة.

أزمة المناخ تتجاوز البيئة

من جهته، قال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، إن أزمة المناخ لم تعد مجرد قضية بيئية، بل أصبحت ذات تبعات اقتصادية، إذ ُيقدَّر أن الكوارث المناخية قد تكلف بعض الدول حتى 5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وأضاف: «مع ازدياد التكاليف على الأسر والشركات نتيجة لتغيرات المناخ، يحذِّر الخبراء من أن ارتفاع التضخم قد يستمر ما لم تتخذ الدول إجراءات مناخية أكثر جرأة».

وتابع ستيل: «إن التأثيرات المناخية المتفاقمة ستؤدي إلى زيادة التضخم ما لم تتمكَّن كل دولة من اتخاذ إجراءات مناخية أكثر جرأة». وقال: «دعونا نتعلم الدروس من الجائحة: عندما عانى المليارات لأننا لم نتخذ إجراءات جماعية بالسرعة الكافية. عندما تضررت سلاسل الإمداد. دعونا لا نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى. تمويل العمل المناخي هو تأمين عالمي ضد التضخم».