الفرق الموسيقية «الثورية».. ظاهرة فنية في مصر ودول الربيع العربي

حاربوا بآلاتهم الموسيقية وأسقطوا بأغنياتهم أنظمة سياسية.. والثورة عندهم مستمرة

الفرق الموسيقية «الثورية».. ظاهرة فنية في مصر ودول الربيع العربي
TT

الفرق الموسيقية «الثورية».. ظاهرة فنية في مصر ودول الربيع العربي

الفرق الموسيقية «الثورية».. ظاهرة فنية في مصر ودول الربيع العربي

«فرق الأندرغراوند» ظاهرة فنية جديدة بدأت في مصر على استحياء منذ سنوات قليلة ثم أخذت تغزو المحافل الشبابية بعد الثورة لما أحدثته من ردود فعل بين جماهير ميدان التحرير خلال أيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني) وحتى تنحي الرئيس مبارك حيث كانت تلك الفرق الموسيقية منتشرة بين صفوف المعتصمين في الميدان تلهب حماسهم وتشحذ هممهم بأغنياتهم الناقدة للنظام. وبعد الثورة لم تتوقف هذه الفرق بل زاد عددها وشهدت الساحة المصرية تزايدا في أعدادها حتى أصبحت ظاهرة جديرة بالاهتمام سيما مع خصوصية ما تقدمه من أعمال فنية غير مألوفة ومختلفة عن غيرها من الفرق الموسيقية التي ظهرت من قبل حيث تعتبر فرقا ذات طابع سياسي تنتقد وتسخر بشكل لاذع وقد يكون تحريضيا أيضا.
وتتعدد وتتنوع هذه الفرق بشكل كبير حتى أصبح بعضها يحظى بشهرة في ميادين الشباب الثوريين والمحافل الفنية فأصبحنا نسمع عن لايك جيلي، وحاجة تانية خالص، وعمدان نور، وفوق السطوح، وصوت الشارع، وبلاك تيما، وع السلم.. وغيرها من الفرق الفنية.
وقد تجولت «الشرق الأوسط» في أوساط تلك الفرق والتقت ببعض أعضائها في محاولة للاقتراب من هذا العالم الفني الشبابي الجديد ومعرفة مدى ارتباطه بالحالة الثورية التي تمر بها مصر وغيرها من دول الربيع العربي.

{حاجة تانية خالص} هو اسم لفرقة موسيقية تحاول التعبير عن الشارع المصري وكانت شهرتها بالأغنية التي أصبحت تحملها اسما لهم وإلى جانب «حاجة تانية خالص» قدمت الفرقة أغنيات عرفها الشباب منها الشهيد ورقة شجر، سبعة ونص، سيب وأنا سيب، فلان بن الوزير التي حظيت أيضا بشهرة كبيرة لانتقادها أوضاع التمييز الطبقي. وفي لقاء خاص لـ«الشرق الأوسط» قال هشام أنس أحد أعضاء فرقة «حاجة تانية خالص» نحن كفرقة أندرغراوند لم نكن نسعى للهروب من الرقابة كما يعتقد البعض بل كنا معروفين وموجودين في الشارع أكثر من أي شخص آخر لكن المقصود بالأندرغراوند أننا فرق بسيطة لا يوجد من يدعمها وقد بدأنا رسميا عام 2009 من خمسة أعضاء من كلية تربية موسيقية جامعة حلوان ومنا من يعد للماجستير والدكتوراه وزملائي بالفرقة هم خالد أبو حجازي ومعتز داود وأمين المصري ومحمد العشري. وعن فكرة تأسيس الفرقة قال هشام أنس إنها كانت دعوة من أجل التغيير في وجهة نظر الناس للحياة.
لم نكن نخشى مبارك ونظامه لأنهم كانوا يتيحون لنا الحرية التي ليس لها لزوم ولا فائدة يعني السماح لنا أن نقول كل شيء دون أي رد فعل كما أننا كفرقة كان أكبر عدد من مشاهدينا في الحفلة يصل إلى 500 فرد فقط ومن ثم لم يتعرضوا لنا ولكننا شاركنا في الثورة في أيامها التالية ونزلنا الميدان وغنينا أغنياتنا ووجدنا رد الفعل الكبير من الجماهير والتجاوب معنا.
وعن رأيه في توابع الثورة ومدى رضائه عنها قال لا أعتقد أن الثورة حققت أهدافها وكم حزنت ببراءة مبارك!! وبالنسبة للرئيس مرسي فهو كله أخطاء وليست به أي مميزات منذ ظهر على الساحة كبديل ورجل ثان في بداية الترشح للانتخابات وكل إدارته للبلاد غلط في غلط لدرجة أنه حتى لم يترك البلد كما كانت حين تولاها بل خربها وهذا واقع لا يمكن لأحد أن يجادلني فيه.
أما جبهة الإنقاذ فلم يمارسوا أي دور لإنقاذ البلد «ولا لزمة» لهم وهو يحتاجون لدورة في الإنقاذ لأنهم لا يفهمون ماذا يفعلون وللأسف كلا الطرفين على الساحة (الحكومة والمعارضة) غير موجودين أصلا ومجرد فوتوشوب!!
وحول توجهات الفرقة مستقبلا قال هشام أنس إن الفرقة تمر حاليا بمشاكل مادية والظروف التي تمر بها مصر وإنهم كأعضاء أنفقوا من جيوبهم على الفرقة انتظارا لعائد أو دعم مادي من الرعاة والمنتجين لكن دون جدوى وكل ما يحدث من الرعاة الذين عرضوا عليهم الدعم أنهم كانوا يطلبون تغيير نمط الفرقة وتوجهها أو يريدون الاستغلال.

جازاجا
من الفرق التي حققت أيضا نجاحا ضمن تلك الظاهرة الموسيقية فرقة «عمدان نور» التي تحولت إلى فرقة «جازاجا» وهي أيضا اتخذت اسمها الأول عمدان نور من اسم أشهر أغانيها والتي يقول عنها يحيى نديم مؤسس ومدير الفرقة لـ«الشرق الأوسط»: إن الفرقة جاءت لتكون اسما على مسمى تنادي بالنور وتكون هي منارة أيضا للفن والجمهور وقد أخذنا الاسم من أغنية عمدان نور.
ويضيف يحيى نديم منذ سنوات كنت أحلم بتأسيس فرقة جيدة ومحترمة أكون أنا مطربها وبالفعل تحقق الحلم على مرحلتين الأولى عندما كنت في ميدان التحرير أثناء الثورة وتواجدت وسط الناس أغني لهم أغنياتي وألهب حماسهم أثناء اعتصامات الميدان وعرفت بأني مطرب المعركة وليس مطرب المنصات يعني لا أغني على المنصات الموجودة في الميدان وإنما بين الناس ووجدت ردود فعل طيبة لفرقتي لكن الأمر استنزفني ماديا لأننا كنا ننفق من جيوبنا حتى نفذت مواردنا مما اضطرنا للتوقف بعد الثورة حتى قابلت محاسبا قانونيا ورجل أعمال يدعى حسن رزة شاهدنا ونحن نغني فأعجب بنا وبأسلوبنا المختلف وتكلم معنا والتقيت به في مقابلة وعرض علي أن ينتج لنا سي دي عن أغاني الثورة ثم تطورت الفرقة وقررت أن أجمع فنانين متخصصين من مختلف التخصصات الفنية لتكون فرقتنا تليق برسالتنا والحمد لله حققنا نجاحات كبيرة في دار الأوبرا المصرية وكانت شهادة ميلادنا الحقيقية يوم 29 سبتمبر (أيلول) عام 2011 يعني نفس سنة الثورة وفتحنا الباب لغيرنا من الفرق الشبابية لتنطلق.
والفرقة حافلة بالمبدعين من مؤلفين وموسيقيين فأنا ملحن ومطرب الفرقة وشقيقي تامر المدير الموسيقي للفرقة وهو مغن أوبرالي وشقيقي الثالث مصطفى مطرب بالفرقة وهو خريج معهد موسيقى عربية ومغن بالأوبرا. ونحن نعتمد على ألحاننا الخاصة وكلماتنا إلا لحنين فقط لسيد درويش هما الصهبجية وبلادي بلادي اللذين أردنا من خلالهما مخاطبة الناس بشكل قديم في إطار عصري.
وعن الضغوط التي تعرضت لها الفرقة قال يحيى نديم لم نتعرض لأي مضايقات ولكن كانت هناك محاولات للتوجيه في اتجاه البيزنس والأعمال الفنية التجارية لكننا رفضنا لأنه لا يمكن أن نعود للخلف لنتحدث عن الشعر والعيون بعد أن غنينا لهموم الناس ومشاكلهم أيام الثورة فنحن غير مستعدين للتنازل عما حققناه بعد الثورة من تغيير لقي تجاوبا مع الناس. ونحن مستمرون وليس لدينا أي مشاكل مع النظام.
نحن شاركنا في الثورة وخرجنا للميدان في الوقت الذي لم نكن ندري إن كنا سنعود أحياء أو أمواتا وشاهدنا بأعيننا أصدقاء لنا يموتون فكنا نحارب بالكلمة والفن ومع ذلك فأنا لست راضيا عن الوضع في مصر لا عن الحكومة ولا المعارضة فالاثنان أسوأ من بعضهما البعض ولا يوجد نظام أساسا!! فهم ليس لديهم قضية عكس ما كان يحدث أيام الثورة حينما كنا ننزل للمظاهرات دون أن يدعونا أحد أو تيار من التيارات. ومع ذلك لست نادما على المشاركة في الثورة والدخول إلى ميادين الموت بصدر مفتوح لأني أنا مثلا لمست من خلال فرقتي الموسيقية إقبال الناس وخاصة من الشباب الصغير رغم أنني كنت أستهدف بموضوعات أغنياتي الفئة الأكبر من 30 سنة وهذا يعني أن مصر تغيرت وأن البلد بخير طالما شبابها بهذا الوعي.
وعن تحول «عمدان نور» إلى «جازاجا» يقول نديم: الاسم الأول جاء ترجمة وملخصا لفلسفتنا ولكن كان لا بد أن يكون هناك اسم جديد يتلاءم مع المعاملات الدولية ويكون فريدا ومصريا أيضا وهو جازاجا ويعني أيضا عمدان النور ولكن باللهجة الصعيدية في محافظة المنيا جنوب مصر ووجدناه اسما سهلا ومعبرا عن الحالة فأصبح هو الاسم الجديد.
إلى ذلك قال نديم إن ظاهرة تعدد الفرق الموسيقية الشبابية طيبة ومطلوبة لأن المنافسة مهمة للتطور وغيابها سبب ما نعانيه الآن في مصر لأن كلا من المعارضة والحكومة ليس لديهم ما يتنافسون من خلاله فكان الفشل العام هو النتيجة!!
مؤسس ورئيس فرقة «صوت الشارع» بينو فارس قال لـ«الشرق الأوسط»: كنت أعمل في فرقة «تاكسي باند» ثم تحولت لفرقة صوت الشارع بعد أن قمنا بتأسيسها عام 2012. ونحن 8 أعضاء متكاملين نؤلف ونلحن لأنفسنا وكل واحد منا مر بعدة تجارب في فرق موسيقية سابقة حتى تجمعنا في «صوت الشارع» التي أردنا أن يكون اسمها معبرا عن الهدف منها وهو التواصل مع الشارع وأن تكون مسموعة كصوت الشارع وسجلنا فيديو كليبين منهم «مصر بالليل» و«شعب بيحلم بالحرية» وحققنا نجاحات كبيرة وأعمالنا تذاع على قنوات كثيرة منها «مزيكا» و«أون تي في». ولكن تبقى مشكلتنا في الثقافة العامة للناس التي تجعلنا نستغرق وقتا في الوصول إليهم إلا أننا تميزنا عن الآخرين في كلماتنا وألحاننا التي تعمدنا أن تكون مختلفة عن ألحان السوق. بالنسبة لي كعضو في الفرقة فأنا دارس موسيقى عربية ولكني أعمل أساسا في مجال المحاسبة لأنني خريج كلية التجارة وأنا الذي ألحن معظم أغاني الفرقة ونتمنى أن تتاح لنا الفرصة لتقديم عروضنا بالخارج. وعن الثورة يقول بينو فارس كل واحد من أعضاء الفرقة كانت له تجربته مع الثورة ولا شك أن للثورة الفضل في جعل الناس يتغيرون ليميزونا ويعرفونا فالثورة جعلتهم يشغلون عقولهم ومن ثم يشغلون آذانهم. وردا على انتقادات البعض لهذه الفرق يقول بينو فارس لـ«الشرق الأوسط»: نحن فرقة تترجم حب البلد بأسلوب غير تقليدي الذي اعتدنا عليه في الأغاني القديمة فنعبر عن الحب بأسلوب مختلف ومن ينتقدنا أو يدعي أننا غير دارسين لا يعرفنا جيدا وهناك من ينشر ضدنا شائعات للإساءة لنا بعد أن سحبنا السجادة من تحت أقدام الفنانين المشاهير والناس الكبيرة فأخذوا يهددوننا بالروتين والإجراءات الخاصة بالقيد في النقابة وخلافه وهذا لن يؤثر فينا لأن جمهورنا كبير وموجود في العالم العربي كله وعلاقتنا بالناس والجهات التسويقية جيدة، والمزيكا ليس لها حدود. وبالنسبة لما يدور على الساحة المصرية حاليا فنحن ننتقد السلبيات وليس لنا أي تواصل مع أحد من الموجودين حاليا في الجبهات المختلفة ولا تهمني وجهات نظرهم في شيء لأننا كفرقة نعبر عما نريد أن نقوله وقريبا ستصدر لنا أغنية بعنوان «اسمعي يا مصر» تعبر عن مشاعرنا تجاه عدد الضحايا والشهداء الذين ماتوا خلال الفترات الماضية منذ الثورة وعن معاناة الناس في تلك الأحداث.
ولأنها ظاهرة ثورية فهي لم تقتصر على مصر لكن الواقع أثبت وجود ظواهر فنية مشابهة ومواكبة لأحداث ثورات الربيع العربي أيضا في دول عربية أخرى. ففي تونس البلد الذي انطلقت منه أولى رياح التغيير الثورية توجد أيضا ظواهر غنائية ذات طبيعة ثورية حتى وإن كانت لا تهتم كثيرا بأحداث الشارع الثوري لكنها تهتم بهموم ومشاكل الشباب اليومية MEHDI R2M هي اسم الشهرة لفريق غنائي يقوده الشاب التونسي محمد مهدي رابح والذي اشتهر باسم مهدي وقدم الكثير من أغنياته الشبابية المتمردة على الأحوال الصعبة في بلاده منها أغنية «أنا عايز أتجوز».
وهي أغنية تعبر عن الواقع الذي يعيشه الشاب التونسي والعربي بشكل عام هذا بالإضافة لأغنيات مثيرة مثل أغنية «أوباما» و«رسالة إلى المشير» وهي باللهجة المصرية. وحول خصوصية الحالة الفنية التي يقدمها الفنان التونسي مهدي وكونه ظاهرة فنية أيضا برزت في أعقاب الثورة التونسية قال مهدي لـ«الشرق الأوسط» أنا ألحن وأكتب أغنياتي ومعي مجموعة من العازفين المصريين والتونسيين ليسوا كفرقة ولكن كموسيقيين مرافقين معي. وأمارس عملي ليس انطلاقا من أهداف ثورية وإنما حبا في الموسيقى التي أمارسها وهي موسيقى تجمع بين الروك آند رول والجاز لعمل أسلوب فريد ودمج أصوات عدة آلات موسيقية تراثية وعصرية.
وعن بداية معرفة الجمهور به يقول مهدي لـ«الشرق الأوسط»: اشتهرت بأغنية «اللي بكى العين» من فيلم «مايكين أوف» حيث ألفت ولحنت الأغنية بالاشتراك مع لطفي العبدلي ومحمد جبالي وهما أنفسهما اللذان أحييا حفلا موسيقيا بمهرجان قرطاج عام 2008.
وقد حضرت عدة مهرجانات محلية وعالمية وأطلقت ألبومي الأول من «باب لباب» بالإضافة لأغنيتي الساخرة «أوباما» باختلاط اللعب في أوتار الموسيقى من الريجي والجاز والمزود.
وأضاف مهدي زرت مصر عام 2011 وقدمت عدة حفلات منها «أنا تونسى» و«رسالة إلى المشير» باللهجة المصرية ثم جئت ثانية إلى مصر تلبية لدعوة الإعلامي باسم يوسف للمشاركة في برنامجه الشهير. وعن توجهاته المستقبلية الفنية يقول الفنان مهدي أعد حاليا ألبوما أؤديه بطريقة مسرحية عن مواطن الربيع العربي الجديد بعد الثورة كما كان لي الشرف أن أغني مع النجمين الأميركيين ميثود مان ورد مان وستكون هناك عروض عربية قريبة إن شاء الله.
وعن رؤيته لما يقدمه ومدى معارضة البعض له أو تقبله يقول مهدي لـ«الشرق الأوسط»: فني يستقطب كل الأعمار، ولا شك أن الموسيقى العربية التقليدية هي أصالتنا وتاريخنا ونحن كفناني «الفن البديل» نحاول تطويرها وترميمها لتتماشى مع العصر وكما نقول في تونس «كل وقت ووقت».
جدير بالذكر أن أغنية الراب في تونس كانت من أوائل الفنون التي انتقدت الرئيس التونسي بن ولعبت دورها في توعية وتحريض الشباب التونسي للثورة على الديكتاتورية. وقد سجَّل الممثل ومغنّي الراب التونسي محمد علي بن جمعة أغنية «غلطوني»، أعدها بالاشتراك مع مهدي أرتو إم، وهو يقلد فيها كلام وخطابات الرئيس المخلوع بن علي.

ليبيا الحرية
ومن تونس إلى ليبيا حيث توجد أيضا ظواهر فنية موسيقية تأثرت بالثورة بل وشاركت فيها وإن كانت تتسم في ليبيا بحالة خاصة حيث كانت الفرق تشارك في القتال بحكم دموية الثورة الليبية منها فرقة عازف الغيتار الليبي محمود أبو أسير الذي شارك في الثورة دون أن يفارق غيتاره، وغير اسم فرقته من «ليبيا الغد» إلى «ليبيا الحرية» والمثير في الأمر أن أبو أسير كان يعمل في الأساس صاحب محل غسيل سيارات لكن شغفه بالموسيقى دفعه نحو هذا الاتجاه وجعله يتحمل كل المصاعب التي تعرض لها هو وفرقته التي شاركت فعليا في القتال منها اعتقال أحد أعضاء الفرقة وهو يقاتل في البريقة وتعرض آخر لخطر الموت فتحولت أغنيات الفرقة لتتناول موضوعات الشهداء والحرية.
أيضا ظهرت فرق راب ليبية واكبت الثورة وقدمت أنماطا مختلفة من الأغنيات منها فرقة GAB التي عانت كثيرا في أيام معمر القذافي بسبب تناولها لأغنيات عن الوطن الضائع تحت حكم القذافي ثم انطلقت الفرقة بعد الإطاحة به وقدمت أعمالا شهيرة منها «فلتنزف ليبيا Let Libya Bleed» و«السكر الأسمر» و«What’s Next» وقد أعلنت الفرقة أنها ستركز على الهموم السياسية والاجتماعية للناس في ليبيا.

غرافيتي
لم تقتصر الظواهر الفنية الثورية الشبابية على الفرق الموسيقية بل ظهرت فرق من نوع خاص تمارس فن الغرافيتي أو الرسم على الجدران وعنها يقول د. نبيل بهجت كاتب ومخرج مسرحي عضو المجلس الأعلى للثقافة مدير فرقة ومضة إنه نوع من الفن يسجل ويؤرخ للأحداث واليوميات الخاصة بالثورة وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه يقوم بمشروع توثيق الثورة بالتعاون مع وزارة الثقافة والذي وثق من خلاله 17 ألف صورة من نوعية الغرافيتي التي تسجل ليوميات الثورة المصرية بداية من الصور المرسومة على جدران ميدان التحرير وبورسعيد وغيرهما من جدران المناطق المختلفة في موسوعة للغرافيتي وأنه يستعد للمرحلة الثانية منها لتوثيق مجموعة جديدة. وكان دكتور نبيل بهجت قد قام بتقديم معرض تصوير وتوثيق خاص بفن الرسم على الجدران أو الغرافيتي تحت عنوان «الحيطة دي بتاعتي» وهو يكشف وسيلة جديدة من وسائل التعبير عن المعارضة تحمل رسائل النقد والسخرية والصراخ من الظلم بأساليب تسجيلية للواقع ويقول دكتور نبيل بهجت إنها فنون مستوحاة رسوماتها من فنون مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية.
ظاهرة الغرافيتي الثورية امتدت إلى أنحاء دول الربيع العربي وفي اليمن اتخذت توجها آخر ذا بعد إنساني وأمني أيضا حيث ساهم الغرافيتي في مساعدة الأجهزة الأمنية والعدلية في البحث عن المفقودين وعن الظاهرة في اليمن قال الفنان اليمني مراد سبيعي لـ«الشرق الأوسط»: انتهت الحرب التي حصلت في صنعاء وقد خلفت دمارا في أبنية وشوارع المدينة وخاصة تلك المنطقة التي أسكن فيها حيث إنها كانت الخط الفاصل بين القوتين. وفي الخامس عشر من مارس (آذار) 2012 أطلقت حملة «لون جدار شارعك» حيث نزلت للشارع الفاصل بين قوات حرس الأمن المركزي الموالية لـ«علي صالح» وقوات الفرقة أولى مدرع تحت قيادة «علي محسن».. وبدأت بالرسم هناك بعد منعي من الرسم في الجهتين.. تفاعل الكثير من الشباب والشابات مع الحملة وظللنا في العمل لـ3 أشهر، كل يوم خميس من كل أسبوع وشبه يومي بالنسبة لي مع بعض الرفقة.
بعد انتهاء الحملة الأولى، جاءت فكرة الحملة الثانية والتي تعنى بقضية المختفين قسريا وهي قضية لم يكن المجتمع اليمني يعرف عنها إلا القليل. وفي يوم 8 سبتمبر 2013 أطلقت حملة «الجدران تتذكر وجوههم» وبدأت برسم وجوه المختفين قسريا على الجدران واستمرت الحملة لـ30 أسبوعا (7 أشهر) أي كل يوم خميس ننزل لرسم وجوههم حيث وصل عدد ما أنجزناه على جدران العاصمة صنعاء وإب وتعز والحديدة إلى 102 جدارية لوجوه مختفين قسريا.. ونجحت الحملة في إبراز قضية المختفين قسريا في المجتمع اليمني بشكل قوي وطرح قضيتهم في أجندة الحكومة الحالية التي بدورها قامت بتشكيل لجان للتحقيق عبر «المجلس التشريعي» وتشكيل لجنة عسكرية من ضمنها وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور وكذلك قيام المفوضية السامية للأمم المتحدة في آسيا والشرق الأوسط بالضغط على اليمن للتوقيع على اتفاقية مكافحة الاختفاء القسري التي لم توافق أو توقع عليها اليمن. وانتهت الحملة في 4 أبريل (نيسان) 2013. وبالطبع ستظل مفتوحة من فترة لأخرى بسبب طبيعة القضية التي تبنتها لأن المزيد من المختفين قسريا يتم إبلاغنا بهم.

لا آمال ولا إنجازات
وحول ما أثارته هذه الظاهرة الفنية من جدل بين مؤيد ومعارض على الساحة الفنية علقت المطربة عفاف راضي الأستاذ بمعهد الكونسرفتوار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الفرق ما زالت غير منتشرة بالشكل الذي يمكن اعتباره ظاهرة كما أنها فرق لا ترتقي لمستوى الحدث لأن أعمالها التي تقدمها لا يمكن مقارنتها بالأعمال الخالدة في مناسباتنا التاريخية والتي ما زلنا نتغنى بها حتى الآن بل إن بعض هذه الفرق يستعين بالموسيقى أو الكلمات الخاصة بالأعمال القديمة ويعيد توزيعها. كما أن طبيعة المرحلة التي نمر بها مختلفة ولا تساعد على تفجير الطاقات الإبداعية لأن الأغنية انعكاس لما يحدث من إنجازات أو آمال وللأسف لا يوجد حاليا لا هذا ولا ذاك والدنيا «بايظة» وكل ما يحدث بشع ولا يمكن التعبير عنه بإبداعات منيرة رغم عظمة الثورة التي حدثت في يناير.



مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قالت قناة «الأقصى» الفلسطينية إن خمسة أشخاص لقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

ولم تذكر القناة أي تفاصيل أخرى على الفور.

وفي وقت سابق اليوم، أفادت إذاعة «صوت فلسطين» بمقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال غربي قطاع غزة.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق دبابة متمركزة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

على الصعيد الآخر، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن قواته أطلقت النار على عدد من الأشخاص قال إنهم «اجتازوا الخط الأصفر وشكلوا تهديداً فورياً عليها»، مشيراً إلى أن القوات قتلت ثلاثة «لإزالة التهديد».

ومنذ بدء وقف إطلاق النار الهش، أفرجت «حماس» عن جميع الرهائن الأحياء وعددهم 20، وسلمت 27 جثة مقابل الإفراج عن نحو ألفي معتقل وسجين فلسطيني لدى إسرائيل.

ورغم تراجع وتيرة العنف، تواصل إسرائيل قصف غزة وتدمير ما تقول إنه بنية تحتية تابعة لـ«حماس». وتتبادل الحركة وإسرائيل الاتهامات بانتهاك الاتفاق.


اختيار المعارضة المالية قائداً جديداً يصبّ الزيت على نار الخلاف الجزائري - المالي

الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
TT

اختيار المعارضة المالية قائداً جديداً يصبّ الزيت على نار الخلاف الجزائري - المالي

الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)

بينما تشهد الأزمة بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي تصاعداً مستمراً منذ بداية 2024، يرجّح مراقبون أن تتفاقم الأحداث بعد اختيار المعارضة المالية، رجل الدين محمود ديكو اللاجئ في الجزائر، على رأس تحالف أطلق حملة لإطاحة الرئيس الانتقالي العقيد عاصيمي غويتا.

أطلقت تنظيمات «أزواد» الطرقية المالية، أمس الجمعة، تحالفاً سُمّي «ائتلاف القوى من أجل الجمهورية» بقيادة الشيخ محمود ديكو، الرئيس السابق لـ«المجلس الإسلامي الأعلى» في مالي، ودعت في بيان الماليِّين إلى «المقاومة والعصيان».

الشيخ محمود ديكو (موقع مالي ويب)

وكتب أعضاء «الائتلاف» في بيان: «تمرّ مالي اليوم بإحدى أخطر الأزمات في تاريخها المعاصر. دولتنا ضعيفة، وشعبنا يتألم، ومؤسّساتنا منحرفة، وسيادتنا مُهانة من طرف أشخاص يجمعون بين النهب الاقتصادي، والعسكرة القائمة على الفساد واستغلال الخوف».

ويرى محرّرو البيان أنه «في ظلّ الانهيار الأمني، وانهيار السلطة العامة، ومجازر المدنيين والعسكريين، والرقابة الشاملة، والاعتقالات التعسفية، وإغلاق الحياة السياسية بالكامل، لم تعد المقاومة خياراً أخلاقياً فحسب، بل أصبحت واجباً وطنياً»، وفق ما نشرته مواقع إخبارية مالية، اليوم (السبت).

ويصف هذا الائتلاف نفسه بأنه «حركة مقاومة جمهورية، سلمية وشاملة، أنشأتها القوى الحية في مالي، تهدف إلى جعل العودة إلى النظام الدستوري ممكنة، وحماية السكان، واستعادة الحريات، والتحضير لحوار وطني شامل مع جميع الفاعلين الماليين، بما في ذلك الجماعات المسلحة الوطنية، وفقاً لمخرجات كل الندوات ومؤتمرات السلام منذ 2017».

عنصر «مزعج» في المنطقة

يؤكد أصحاب البيان أنهم «يقاومون لأن مالي تختفي أمام أعيننا... لأن الدولة تقتل جنودها؛ بسبب عدم الكفاءة أو الإهمال أو الكذب، لأن مئات المدنيين يُقتلون في صمت مفروض بالخوف». ويتهمون السلطة العسكرية بأنها «حوّلت السيادة إلى مجرد شعار، وعرّضت أمن بلادنا للمرتزقة»، في إشارة إلى وجود «الفيلق الأفريقي» الروسي في البلاد، الذي يوفر الدعم اللوجيستي لنظام الحكم ضد المعارضة، التي تتحصن بمواقعها في الشمال الحدودي مع الجزائر.

الشيخ محمود ديكو مع عميد جامع الجزائر الشيخ مأمون القاسيمي (الجامع)

ودعا البيان أفراد الجيش إلى «العصيان الأخلاقي عندما يُؤمَرون بالموت في عمليات عبثية بلا وسائل، ولا استراتيجية، ولخدمة طموحات شخصية»، وإلى «وقف مجازر المدنيين والعسكريين عبر فتح حوار وطني مع الفاعلين المسلحين الماليين».

كما دعا القضاة إلى «المقاومة القضائية»، والعمال إلى «العصيان المدني المنظم، السلمي، والمنهجي»، وأيضاً أفراد الجالية في الخارج إلى «التعبئة الدبلوماسية والمالية واللوجيستية». وبحسب البيان نفسه: «لن يُنقذ مالي لا السلاح الأجنبي ولا أكاذيب الدولة ولا الخوف. سينقذها شعبها. ندعو كل مالية وكل مالي إلى الانضمام إلى (ائتلاف القوى من أجل الجمهورية)، ورفض الاستسلام للقدر».

ومن بين أبرز قياديي «الائتلاف»، إتيان فاكابا سيسوكو، وهو أستاذ جامعي يعيش في المنفى وكان مسجوناً في مالي. أما الشيخ محمود ديكو رئيس تكتل المعارضة الجديد، فقد غادر مالي إلى الجزائر نهاية 2021 «بحثاً عن الأمن والعلاج»، بحسب ما أعلن عنه يومها، ومنذ ذلك الحين لم يعد إلى بلاده.

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)

لكن تبيَّن لاحقاً أنه قرَّر البقاء في الجزائر «خوفاً من الاعتقال، أو ربما القتل لو عاد إلى مالي»، وفق ما أكده مقربون منه في الجزائر لـ«الشرق الأوسط». وبكلام آخر، تُعدّ الجزائر «أفضل مكان له في الوقت الحالي»، بحسب ما نقل هؤلاء المقربون، الذين أشاروا إلى أن السلطة في مالي «تخشى تأثيره وقدرته على حشد السخط، ما يجعله قوة احتجاجية قد تهدد سلطة المرحلة الانتقالية، وربما تقوضها».

ضغط «جماعة النصرة»

حسب مراقبين لتطورات الأزمة بين الجزائر وباماكو، قد تحمل قيادة ديكو مسعى التغيير في البلاد، الذي تم إطلاقه الجمعة، مزيداً من التوترات، وفي أفضل الحالات يبعد انفراجة محتملة بين البلدين، خصوصاً أن وجوده في الجزائر يعني أن اجتماعات مرتقبة لـ«الائتلاف» المعارض ستكون على أرضها، وهو ما سيُعدّ بحسب مراقبين عملاً موجهاً بشكل مباشر ضد العقيد غويتا وقياديي المجلس الانتقالي العسكري، الذي يواجه منذ أكثر من شهر، ضربات متتالية من طرف «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، المُصنَّفة «جماعةً إرهابيةً»، بقيادة الطرقي إياد آغ غالي.

اجتماع لوزير خارجية الجزائر السابق مع ممثلي المعارضة المالية في سبتمبر 2022 (الخارجية الجزائرية)

وتفيد مصادر جزائرية بأن الإمام ديكو لا يخضع لأي مذكرة توقيف أو حكم قضائي، في حين تشير بعض التسريبات إلى أن «ذنبه» الوحيد ربما كان إقامته الطويلة في الجزائر، حيث يُشاع أنه التقى خلالها أشخاصاً على خلاف مع السلطة في مالي، بمَن فيهم المتمردون الذين تصفهم بـ«الإرهابيين»، وحتى بعض المسؤولين الجزائريين.

أخذت العلاقات بين الجزائر ومالي ضربةً قويةً مطلع 2024، عندما أعلن العقيد غويتا انسحابه من «اتفاق السلم والمصالحة»، الذي وقَّعته السلطة مع المعارضة في الجزائر 2015. وانبثقت من الاتفاق «لجنة دولية لمتابعة تنفيذه» ترأَّستها الجزائر، لكنها لم تحقق أي تقدم؛ نتيجة انعدام الثقة بين طرفَي الصراع.

الحاكم العسكري في مالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

وبرَّر غويتا انسحابه من الاتفاق بـ«تدخل الجزائر في شؤون مالي الداخلية»، مشدداً على أنها «توفر الرعاية للإرهابيين». وعلى أثر ذلك عدّت الجزائر أن مبررات الانسحاب «غير صحيحة، ولا تمتّ للحقيقة بصلة»، محذِّرة من أن هذا القرار «قد يُهدِّد وحدة مالي واستقرار المنطقة برمتها، ويحمل بذور حرب أهلية».

بعد ذلك دخلت العلاقات في حالة احتقان شديد، فجَّرتها حادثة تحطيم سلاح الجو الجزائري طائرةً مسيّرةً مالية على الحدود، ليلة 31 مارس (آذار) إلى 1 أبريل (نيسان) 2025. وأكدت الجزائر أن الطائرة اخترقت مجالها الجوي لمسافة كيلومترين في «مناورة عدائية»، وبرَّرت تحطيمها بـ«تكرار انتهاكات حدودها من طرف الطائرة، التي كانت في منحى عدائي».

بقايا الطائرة المسيّرة المالية بعد تحطيمها من طرف سلاح الجو الجزائري (المعارضة المالية المسلحة)

في المقابل، نفت مالي أن تكون الطائرة قد اخترقت الحدود، وزعمت أنها تحطَّمت في الأراضي المالية؛ بسبب «عطل تقني»، وعدّت إسقاطها «عملاً عدائياً». وانضمت النيجر وبوركينا فاسو إلى باماكو في إدانة الحادث، في إطار «تحالف دول الساحل» الذي يجمع الدول الثلاث، مما زاد من حدة التوتر.


هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
TT

هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)

أعاد وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عماد الطرابلسي، الحديث عن أزمات ملف المهاجرين غير النظاميين في بلاده، بعدما قدّر عددهم بثلاثة ملايين، مما أثار مخاوف تتعلق بالوضع الأمني والاقتصادي.

مهاجرون سريون جرى توقيفهم في طرابلس بعد حملة تفتيش أمنية (متداولة)

وكان الطرابلسي قد حمَّل المهاجرين الموجودين في ليبيا مسؤولية «ارتفاع معدلات الجريمة». كما حذَّر من «منافستهم الليبيين في سوق العمل، وإضرارهم بالاقتصاد الوطني من خلال تحويل أموال بالعملة الأجنبية لبلادهم بقيمة تتجاوز 600 مليون دولار شهرياً». (الدولار يساوي 5.44 دينار).

إلقاء اللوم على المهاجرين

رغم اتفاق كثير من الليبيين على أن الملف يمثل تحدياً كبيراً لليبيا، ويتجاوز قدراتها، خاصة في ظل الانقسام السياسي والمؤسسي، رأى سياسيون وحقوقيون أن تصريحات الطرابلسي اتسمت بـ«المبالغة»، واقتربت من تحميل المهاجرين مسؤولية أزمات صنعتها الحكومات، التي تعاقبت على إدارة البلاد، بما فيها حكومته.

ووصف عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد بوبريق، تصريحات الطرابلسي بأنها «بهرجة إعلامية»، وقال إنها «تفتقر إلى الإحصائيات وغياب أي تصور للمعالجة»، معتبراً أن «تكرار الحديث عن تعداد المهاجرين يعزز الشكوك حول أن الهدف هو البحث عن تمويل خارجي».

مهاجرون تم توقيفهم على الحدود الليبية (متداولة)

وأكد بوبريق لـ«الشرق الأوسط» أن «معظم المهاجرين يعتبرون ليبيا نقطة عبور إلى أوروبا، لكن فشل محاولاتهم يدفع بعضهم للاستقرار والعمل داخل البلاد». ورأى أن هذا الوضع يفرض على السلطات «تعزيز تأمين الحدود والسواحل، والبدء بحصر شامل للمهاجرين، عبر تسجيل منظم وتحديد جنسياتهم، تمهيداً لترحيلهم، بالتنسيق مع دولهم الأصلية والدول الغربية، التي استفادت تاريخياً من القارة السمراء». ونوه «بإمكانية الاستفادة من خبرات بعض المهاجرين التي تفتقدها السوق الليبية، بعد التأكد من أوضاعهم الأمنية والصحية».

وخلال مؤتمر صحافي حضره بعض سفراء الاتحاد الأوروبي، استعرض الطرابلسي نتائج برنامج وزارته لترحيل المهاجرين لبلادهم، داعياً الأوروبيين لدعمه «إذا أرادوا حماية سواحلهم»، ومؤكداً رفضه «إعادة المهاجرين من البحر إلى ليبيا في ظل رفض شعبي للتوطين».

وانتقد بوبريق «تحميل المهاجرين كامل المسؤولية عن الأزمات، سواء ارتفاع الجريمة أو نقص السيولة»، معتبراً ذلك «هروباً من المسؤولية، وتشويشاً على غياب معالجة علمية». وشدد على أن «جذور هذه الأزمات تعود لازدواج السلطة، وما نتج عنه من ضعف الرقابة وازدهار جرائم التهريب» متسائلاً عمّا إذا كانت داخلية «الوحدة» تملك إحصائيات تثبت تورط المهاجرين في الجرائم، وسبب عدم إعلانها.

وتشهد ليبيا ازدواجية في السلطة بين حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من العاصمة في غرب البلاد مقراً لها، وحكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

إحصائيات مشكوك في صحتها

شكك رئيس مركز بنغازي لدراسات الهجرة واللجوء، طارق لملوم، في «دقة أرقام الطرابلسي»، خصوصاً أن الوزير أقر بعدم امتلاك إحصائيات رسمية لعدد المهاجرين.

واعتبر لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تقديرات الوزير حول التحويلات المالية غير دقيقة»، وقال إنه «جمع العناصر الأجنبية كافة من مهاجرين وعمالة وافدة، ولاجئين من الصراعات في بلدانهم في حزمة واحدة».

وأضاف موضحاً: «لقد افترض الطرابلسي أن الجميع يعملون في السوق الليبية، مقدراً متوسط تحويل كل فرد 200 دولار، مما يجعل الحصيلة نحو 600 مليون دولار شهرياً، أي 7 مليارات سنوياً».

قارب مهاجرين سريين جرى اعتراضه من قبل خفر السواحل الليبية (الوحدة)

وأشار لملوم إلى أن «الطرابلسي تعمّد ربط ملف المهاجرين بأزمة نقص السيولة، وارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية، في ظل وطأتهم على الأسر الليبية»، واتهمه بـ«السعي للسيطرة على ملف الهجرة عبر برنامج الترحيل، لتحقيق مكاسب من ورائه، من خلال عقود إعاشة المهاجرين ونقلهم بالطائرات». كما توقع عدم استجابة الأوروبيين لمطالب الطرابلسي بدعمه، نظراً لوجود برنامج العودة الطوعية منذ سنوات بدعم المنظمة الدولية للهجرة، موضحاً في هذا السياق أن سيطرة حكومة «الوحدة» تقتصر على الغرب الليبي فقط، فضلاً عن عدم إعلان الوزير عن أعداد من تم ترحيلهم وفق برنامج وزارته.

تعزيز الحدود

قدَّرت المنظمة الدولية للهجرة بداية العام الحالي أعداد المهاجرين في ليبيا بـ«867 ألفاً من 44 جنسية».

ورغم تزايد أعداد المهاجرين، فإن الناشط المدني محمد عبيد رأى أن الحل يكمن في «تعزيز تأمين الحدود وتنظيم وجودهم، لا في إثارة فزع المواطنين بالأرقام». واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم سوق العمل ودمج العمالة الوافدة قانونياً يحد من الوجود غير المشروع».

وشهدت ليبيا حملات احتجاجية ومظاهرات ضد ارتفاع أعداد المهاجرين، مع التحذير من المخاطر الصحية لتجمعاتهم العشوائية، وملاحظة البعض لانتشار السلاح بين صفوفهم.

قوات الأمن الليبي خلال اعتقال مهربين للبشر جنوب ليبيا (مديرية الأمن)

من جانبه، يعتقد الباحث في الشؤون الأفريقية، موسى تيهوساي أن «أعداد المهاجرين تفوق ما أعلنه الطرابلسي، نظراً لدخول أعداد كبيرة يومياً من الحدود الجنوبية الوعرة، إضافة إلى من تتم إعادتهم من البحر تحت ضغط أوروبي». ويرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «شبكات التهريب تنسج علاقات مع متنفذين في الأجهزة الأمنية شرق ليبيا وغربها»، مقللاً من جدوى «العودة الطوعية» للمهاجرين، معتبراً أنها لا تتجاوز 1 في المائة من العدد الإجمالي للمهاجرين.

ورهن معالجة الملف «بتوحيد السلطة التنفيذية والمؤسسات الأمنية والعسكرية»، مؤكداً أنه «لا يمكن وضع استراتيجية موحدة في ظل وجود حكومتين متنازعتين». واعتبر أن «بعض الأطراف توظف الهجرة وتدفقاتها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية».