نائب إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد: لاحظنا تسارعًا كبيرًا في وتيرة الإصلاحات في السعودية

«علينا أن نتعايش مع مستويات منخفضة من أسعار النفط لفترة من الوقت، ويستوجب ذلك إصلاحات مالية ونقدية وهيكلية لمواجهة تحديات انخفاض معدلات النمو وارتفاع عجز الموازنة في دول منطقة الخليج والشرق الأوسط، وهي موطن 11 دولة من أكبر 20 دولة مصدرة للنفط والغاز في العالم».
هذا ما يستنتجه مارتن سومر، نائب مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا بصندوق النقد الدولي، في عرضه لنتائج دراسته «التعايش مع أسعار نفط منخفضة»، وهي أحدث دراسة قامت بها مجموعة من الخبراء الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي بالتعاون مع جامعة «جون هوبكنز» ومعهد الشرق الأوسط، وأعلنت نتائجها في حلقة نقاشية أمس الأربعاء.
وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، أوضح مارتن سومر ضرورة القيام بتعديل السياسات في أربعة مجالات رئيسية في دول الخليج، وهي القطاع المالي والقطاع الخارجي والنقدي والهيكلي، وأثنى سومر على الخطوات الإصلاحية التي قام بها صناع السياسات المالية والنقدية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج، خصوصا فيما يتعلق بضبط أوضاع المالية العامة، مشيرا إلى أنه لا تزال هناك تحديات يفرضها انخفاض أسعار النفط للنظام المالي في المنطقة، وهو ما يستدعي أن يتصدى صناع السياسات لتلك التحديات، والقيام بمزيد من الإصلاحات الهيكلية لتعزيز آفاق النمو.
وقد خفض صندوق النقد الدولي من توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي الست، كما أشار إلى مخاطر ارتفاع مستويات العجز التجاري. وتضافرت انخفاضات أسعار النفط مع تحديات اقتصادية وجيوسياسية أخرى تمثلت في انتشار الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وتباطؤ النمو في كل من روسيا والصين، إضافة إلى اتجاه «الفيدرالي الأميركي» إلى رفع أسعار الفائدة، مما شكل ضغوطا على العملات المحلية نتيجة ارتباطها بالعملة الأميركية.
ويشير مارتن سومر إلى أن ضعف العملة المحلية ساعد على تخفيف آثار الصدمات الخارجية على النشاط الاقتصادي، لكنه أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وتأثر القطاع المالي، بسبب حالة عدم اليقين السياسي. وينصح سومر بتحسين مستويات الإشراف على القطاع المالي، للحفاظ على استقرار القطاع واستدامة الإصلاحات على المدى المتوسط، لتسير جنبا إلى جنب مع الإصلاحات الهيكلية، مما يدفع بعجلة النمو ويرفع القدرة التنافسية ويؤدي إلى خلق فرص العمل.
وإلى نص الحوار
* في دراستك «التعايش مع أسعار نفط رخيصة» ما توقعاتك للمدى الذي يمكن أن تصل إليه أسعار النفط؟ وما الفترة المتوقعة التي ستستمر فيها الأسعار في الانخفاض مما يستلزم تعايش الدول المصدرة للنفط مع تلك الانخفاضات؟
- صندوق النقد الدولي لا يصدر توقعات مستقلة عن أسعار النفط، بل نسترشد عن المعلومات في أسواق العقود الآجلة للنفط، وافتراضنا الأساسي في دراستنا هو أن أسعار النفط ستكون في حدود الـ50 دولارا للبرميل على المدى المتوسط، وعلى أرض الواقع يمكن أن تتفاوت أسعار النفط مع هذا الافتراض، لأنها تتأثر بشكل قوي بأي تغييرات طفيفة قد تحدث في العرض والطلب، وهناك عوامل أخرى تؤثر في أسعار النفط مثل عودة إيران إلى السوق، لذا من غير المرجح في التوقعات المستقبلية أن تعود أسعار النفط إلى مستوياتها العالية السابقة.
* ما العوامل التي تؤثر في أسعار النفط؟
- النزاعات التي تنتشر وتتعمق في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط ومن بين الدول المصدرة للنفط مثل ليبيا والعراق واليمن هي الدول الأكثر تضررا بالصراعات مع الآثار الإنسانية المأساوية والأضرار الجسيمة على اقتصاداتها، مع انعكاسات صراعات أخرى في الشرق الأوسط مثل سوريا على دول مثل لبنان والأردن وغيرها من المناطق بما في ذلك أوروبا، عامل آخر أيضا هو مواصلة الدولار الأميركي لقوته واتجاه السياسة النقدية الأميركية إلى طبيعتها، ستكون لها انعكاسات سلبية على المنطقة، وربما تؤدي إلى الضغط على أسعار النفط أو زيادة تكلفة التمويل، كما ترتبط مخاطر ارتفاع تكلفة التمويل مع عجز الموازنة المتوقع في دول منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا.
وتتزامن هذه العناصر مع تباطؤ النمو في الصين والركود في روسيا، مما سيكون له آثار غير مباشرة على كل من الدول المستوردة والمصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، مع مزيد من الضغط على أسعار السلع الأساسية وانخفاض التجارة والاستثمارات.
* نصحت الدول المصدرة للنفط بالقيام بإصلاحات وتعديلات في أربعة مجالات هي المجال المالي والخارجي والنقدي والهيكلي هل يمكن أن تعطيني مزيدا من التفاصيل عن الإصلاحات المطلوبة في هذه المجالات؟
- معظم البلدان قامت بخفض الإنفاق ومستمرة في عملية ضبط أوضاع المالية العامة مع اتخاذ تدابير طموحة، للحد من العجز المالي مثل الجزائر والمملكة العربية السعودية، كما تعتزم قطر الاستثمار في البنية التحتية لاستقبال نهائيات كرة القدم لعام 2022، وتخطط عمان للإنفاق على الدفاع وزيادة النفقات التشغيلية. كما خفضت الإمارات من التحويلات للكيانات المرتبطة بالحكومة، وبصفة عامة تقوم الدول بدراسة طرق وسياسات للتسعير وإصلاحات لزيادة العوائد غير النفطية، وتقوم الدول الخليجية بمناقشات حول تطبيق ضريبة القيمة المضافة وضبط فاتورة أجور القطاع العام وتحقيق مزيد من خفض الدعم.
* جرت تطورات كثيرة في أسعار الصرف العالمية مدفوعة بالتطورات في السياسة النقدية الأميركية مع اتجاه «الفيدرالي الأميركي» إلى رفع أسعار الفائدة، مما شكل ضغوطا على العملات الخليجية المحلية، نتيجة ارتباطها بالعملة الأميركية، في رأيك ما تأثير هذه التغيرات على العملات الوطنية في دول الخليج؟ وهل يمكن أن تؤثر في قرارات المستثمرين بالاستثمار في المنطقة؟
- دول الخليج أسست نظامها الخاص فيما يتعلق بأسعار الصرف، وأعتقد أن سياسات وأسعار النفط متناسبة مع الهيكل الحالي للاقتصاد الخليجي، وأي زيادة في سعر الفائدة العالمي من المعتاد أن تتبعها زيادة في أسعار الفائدة المحلية، ولا بد من توضيح أن التوجه لزيادة الفائدة الأميركية سيكون تدريجيا خلال فترة من الوقت، والنقطة الثانية هي أن سعر الصرف هو عنصر من ضمن عدة عناصر كثيرة يقوم المستثمر بأخذها في الاعتبار عند اتخاذ قرار الاستثمار في سوق ما، وصناع السياسة في المنطقة يقومون بالإصلاحات ويضعون ذلك في الاعتبار.
* أعلنت المملكة العربية السعودية عن «رؤية 2030» التي تعتمد على خطة لتنويع الاقتصاد السعودي بعيدا عن الاعتماد على إيرادات النفط، وتركز الخطة على خفض الإنفاق وترشيد دعم الطاقة والمياه وخصخصة أصول الدولة وطرح 5 في المائة من شركة «أرامكو» للاكتتاب في سوق الأوراق المالية، إضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص، وهي رؤية تستهدف مواجهة كل تلك التحديات والقيام بإصلاحات لتفادي آثارها السلبية، كيف ترى هذه الخطوات؟
- لاحظنا بالفعل تسارعا كبيرا في وتيرة الإصلاحات في المملكة العربية السعودية خلال العام الماضي، وتضم «رؤية 2030» إصلاحات طموحة وبعيدة المدى لتنويع الاقتصاد السعودي، بعيدا عن النفط، وهي ترفع التوقعات على المدى المتوسط وتزيد من فرص العمل، ولا يزال يجري الانتهاء من السياسة الداعمة للرؤية، ومن المهم التأكد من القيام بالإصلاحات المختلفة حزمة واحدة ومتسلسلة بشكل مناسب وتحديد أولوياتها، بحيث يكون هناك قدرة كافية على تنفيذها بشكل جيد.
* عندما تقرر دولة ما التحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى تنويع الاقتصاد، ما المعايير لاختيار الطرق الأخرى للتنويع؟ هل تضعها الدولة أم تفرضها السوق؟ وما الذي يتطلبه هذا التحول؟ هل هو وجود عمالة ماهرة أم سوق حرة أم إطار قانوني واضح؟
- لكل من صانعي السياسات والمشاركين في السوق دور مهم في تحقيق التنويع الاقتصادي، فالحكومة يمكن أن تلعب دورا من خلال خلق حوافز أقوى للمواطنين والشركات للمشاركة في أنشطة القطاع الخاص، وخلق بيئة مواتية مثل سن قوانين لتحسين بيئة القيام بالأعمال وتوفير التعليم الجيد والحد من البيروقراطية. وكل من الحكومة والسوق في حاجة إلى العمل يدا بيد حتى لو كانت بيئة الأعمال مصممة بشكل جيد، ولا يمكن توقع أن تتم تنمية القطاع الخاص إذا كانت الحكومة توفر أجرا أفضل للوظائف، وفي الوقت نفسه فإن للقطاع الخاص دورا حاسما عن طريق اتخاذ المبادرة والإقدام على المخاطر.
وهناك تجارب من ماليزيا وإندونيسيا والمكسيك، حيث حققت تلك البلدان تقدما ملحوظا في التنويع الاقتصادي، وأظهروا أن مفتاح التنمية هو إنشاء قطاعات أكثر ديناميكية موجهة للتصدير، ولكن من المفيد أن نأخذ في الاعتبار أن تحقيق التنوع الاقتصادي يستغرق وقتا طويلا، وما نجح في دولة قد لا ينجح في دولة أخرى.
* فشلت دول منظمة «الأوبك» في اجتماعها المنعقد في فيينا الأسبوع الماضي في التوصل إلى اتفاق لوضع سقف لإنتاج النفط، وفشلت الدول الأعضاء في تنسيق إجراءاتها حول سياساتها الإنتاجية، فهل لديك قلق على استقرار السوق؟ وهل يمكن أن يتسبب فشل منظمة «الأوبك» في التوصل إلى اتفاق على مزيد من التباطؤ في النمو في اقتصادات الدول المنتجة للنفط؟
- لقد تغيرت سوق النفط كثيرا في السنوات الأخيرة، ومن الصعب التنبؤ بالعواقب والنتائج المترتبة على قرارات «أوبك»، لأن الصخر الزيتي في الولايات المتحدة أصبح مصدرا مهما للنفط، ومن المحتمل أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى تحفيز العرض من دول ليست عضوة في منظمة «أوبك».
أيضا فإن أسواق النفط هي تقليديا أسواق متقلبة جدا، ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الأسعار قد ارتفعت في الواقع على مدى الشهرين الماضيين على الرغم من زيادة الإنتاج من بعض أعضاء «أوبك».