الاندماج النووي.. طاقة لا تنضب

العلماء لا يزالون يطاردون حلم المستقبل

الاندماج النووي.. طاقة لا تنضب
TT

الاندماج النووي.. طاقة لا تنضب

الاندماج النووي.. طاقة لا تنضب

الاندماج النووي هو العملية التي تولد طاقة الشمس، وهي الحلم الأبدي لعلماء الطاقة، فالطاقة هذه أمينة، ونظيفة، وغير ملوثة، ولا تنضب تقريبا. وحتى هنا في مختبرات لورانس ليفرمور الوطنية حيث التركيز الأساسي لعمليات الاندماج ينصب على صناعة الأسلحة النووية، يتحدث الكثير من العلماء بشاعرية عن أنها قد تنهي إدمان العالم الوقود الحجري.

* طاقة المستقبل
«إنها حلم المستقبل»، كما يقول ستيفن ئيز بوندر، العالم الفيزيائي المتقاعد الذي عمل في هذا المجال بمختبرات ليفرمور، بين الستينات والسبعينات من القرن الماضي، متذكرا أن التركيز العسكري كان في الأساس غطاء بغية الحفاظ على تدفق الأموال الحكومية إلى المختبر لإنفاقها على أبحاث الطاقة: «فالكل كان يتغاضى عن الحقيقة، والكل كان يعلم الكثير».
والمبدأ الأساسي من وراء الاندماج النووي كان بسيطا. قم بعصر ذرات الهيدروجين وضغطها معا بشدة لتندمج وتتحول إلى ذرات هليوم. وذرة الهليوم تزن أقل قليلا من ذرات الهيدروجين الأصلية. ووفقا لمعادلة ألبرت أينشتاين (E = mc2) فإنها تحرر قليلا من الكتلة التي تتحول إلى طاقة. ويتوافر الهيدروجين بكميات كبيرة خلافا للوقود الحجري، والمواد الانشطارية مثل اليورانيوم، لذلك فهو لن ينضب بتاتا.
لكن التحكم في الاندماج ما يزال حلما، يطارده العلماء بشوق، وهو دائما صعب المنال، فهؤلاء لم يتمكنوا بعد من إيجاد وسيلة للحفاظ على تفاعل اندماجي يدوم فترة تكفي لتوليد طاقة نافعة يمكن استخدامها. والطرفة المتداولة حاليا هي أن «الاندماج سيحدث في الـ30 سنة المقبلة، وسيظل كذلك دائما»!
بيد أن العلماء هنا قدموا للعالم بعض الأمل في حصول تقدم. فقد أعلن فريق يرأسه عمر إيه. هاريكاين في الشهر الماضي، أنه استخدم إشعاعات الليزر العملاقة الموجودة في المختبر لدمج ذرات الهيدروجين، وإنتاج ومضات من الطاقة أشبه بقنابل هيدروجينية صغيرة. وكانت كميات الطاقة المنتجة ضئيلة، مما تعادل طاقة مصباح ضوئي بقوة 60 واط يجري استهلاكها خلال خمس دقائق. لكن هذه كانت خمسة أضعاف محاولات الإنتاج قبل سنتين، عندما قام الفيزيائي هاريكاين بتوليد رشقات انفجارية مهمة من الطاقة الاندماجية هذه عن طريق 192 ميغا ليزر.
يعلق هاريكاين، (45 سنة)، أنه من السابق جدا التكهن بمستقبل إقامة محطات مستقبلية تعمل بالاندماج النووي، عن طريق الليزر. وأشار بالفضل في هذا العمل إلى مجهود أكثر من 20 عالما من أعضاء الفريق.
وقد حصل التفاعل الاندماجي هذا في «مرفق الاشتعال القومي» (National Ignition Facility) الذي هو أحد مشاريع «ليفرمور» الذي له تاريخ مكلف ومثير للجدل، فبعدما أنهت الولايات المتحدة التجارب النووية تحت الأرض عام 1992 قال المسؤولون عن المختبر إنهم بحاجة إلى أسلوب لإثبات صحة أن الأسلحة تعمل تماما مثلما أظهرت النماذج الكومبيوترية. وفورا، وافقت الإدارة القومية للأمن النووي، التي هي جزء من وزارة الطاقة الأميركية، على ذلك.
وأهمية المرفق هذا تكمن في الاسم الوسط «الاشتعال» (ignition)، فلتبسيط الأغراض الحكومية، جرى تعريف «الاشتعال» بأنه التفاعل الاندماجي الذي ينتج كمية من الطاقة بقدر إشعاعات الليزر التي تسلط عليه. ولتحقيق ذلك يتوجب اندفاع جزء صغير أساسي من عملية الاندماج إلى الذرات الهيدروجينية المجاورة.
ويشكل مركز المرفق القومي للاشتعال (NIF) حجرة الاستهداف. وهي عبارة عن كرة معدنية بعرض 33 قدما بمعدات تشخيص لماعة تشع إلى الخارج. وهي تبدو كشيء من مسلسل «ستار تريك» التلفزيوني. وهي فعلا ظهرت بالمسلسل هذا في إحدى الحلقات بعنوان «ستار تريك إلى الظلام»، كغرفة للمحركات تدفع بالمركبة «إنتربرايز» في أغوار الفضاء.

* مجمع الليزرات
ويقوم مجمع الليزرات بملء مبنى مساو بمساحته لثلاثة ملاعب لكرة القدم. وتبدأ كل طلقة بنبضة ليزر صغيرة، تتجزأ عبر مرايا عاكسة إلى 192 جزءا قبل ارتدادها ذهابا وإيابا عبر مضاعفات ومعززات الليزر التي يبلغ حجمها حجم مستودعين، قبل تركيز الإشعاعات على حجرة الهدف، بحيث تتقارب وتتلاقى عبر أسطوانة ذهبية بحجم ممحاة قلم الرصاص.
وتدخل إشعاعات الليزر من أسفل الأسطوانة وأعلاها لتقوم حرارتها العالية بتوليد حمام ساخن من الإشعاعات السينية التي تندفع إلى الداخل لضغط كرية صغيرة التي هي بحجم حبة الفلفل الأسود. وتتضمن الأخيرة طبقة من الديتريوم والتريتيوم المجمد اللذين هما من الأشكال الثقيلة للهيدروجين، ومن ثم خلال لحظة وجيزة لا تتعدى جزءا من عشرة مليارات جزء من الثانية، تنصهر الذرات المتفجرة معا. ويسمي العلماء هذه العملية «زمن الفرقعة» (bang time). وتكون كل رمية، أو طلقة من هذه الطلقات قصيرة، بحيث لا تكلف أكثر من خمسة دولارات من الكهرباء. ويبدو أن المسؤولين في مختبرات ليفرمور متأكدون من أن «NIF» سيتمكن قريبا من تحقيق الاحتراق، بعدما تبين أنهم وضعوا خطة لتشييد محطة للطاقة تدعى «الطاقة الاندماجية بالقصور الذاتي بواسطة الليزر» التي ستسمى اختصارا بأوائل حروف هذه الكلمات «لايف»، التي تعني «الحياة»، وهي تقنية ستكون جاهزة لربطها بالشبكة الكهربائية العالمية في حلول الثلاثينات من هذا القرن.
أما بوندر الذي غادر ليفرمور في عام 1975 وأنشأ برنامجا منافسا في مختبرات الأبحاث التابعة للأسطول الأميركي، فقد ظل مواظبا على انتقاد «NIF». وفي عام 1995، كتب تقريرا يتوقع به أن عدم ثبات الغاز المتفجر من شأنه إحباط الاشتعال. وأضاف في مقابلة أجريت معه: «لماذا يستمرون في شيء ثبت فشله فورا».
وكان بوندر قد روج لفكرة أخرى للاندماج بواسطة الليزر يعتقد أنها ستعمل بشكل أفضل بالنسبة إلى محطات الطاقة، فتصميم أسطوانة الذهب الموجودة في ليفرمور غير كافية، لأنه ليست كل طاقة الليزر يجري تحويلها إلى إشعاعات سينية، لأن غالبيتها تخطيء الكرية. فقط 0.5 من الطاقة هذه تصل إلى الوقود. لكن التصميم الذي وضعه يجعل الليزرات تشع مباشرة على كريات الوقود. وهذا ما تنتج عنه صعوبات فنية أخرى، لكن بوندر يقول إن فريقه أظهر أن هذه الصعوبات يمكن تذليلها. وكان بوندر قد تقاعد في عام 1999.
وكان «NIF» قد شرعت في إطلاق إشعاعات الليزر في عام 2009. وقد رفعت راية أمام البناء تعلن «سنسخر طاقة النجوم في خدمة الأرض»، لكن مع كل هذه التقنيات السحرية فقد مضت السنوات الثلاث الأولى من «وقت الفرقعة» بالفشل والإخفاق.
وكانت عمليات المحاكاة الكومبيوترية في ليفرمور قد توقعت انفجارات تؤدي إلى الاحتراق. لكن بدلا من ذلك، أطلقت كل كرية قليلا من الطاقة. بيد أن مسؤولي ليفرمور ظلوا علانية واثقين. فقد صرح إدوارد موسيس الذي كان مديرا لـ«NIF»: «نملك كل القدرات لجعل هذا الأمر يعمل خلال عام 2012 المالي». لكن ذلك لم يحصل. وتكلفة تشييد «NIF» وتشغيله حتى هذا اليوم بلغت 5.3 مليار دولار.
ولكن خلال الجهود لتحقيق الاشتعال، استخدم علماء «NIF» النبضات الليزرية التي تضرب كرية الوقود بأكثر شدة ممكنة، لكن الأخيرة تكسرت قبل حصول الاندماج. وقام هاريكاين بتعديل نبضة الليزر لتحمية الأسطوانة الذهبية أولا. وهذا ما خفف من الانفجار الداخلي، لكنه خفف أيضا من بعض عدم التوازنات، مما أدى إلى معدل أعلى من الاندماج.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، ظهرت إشارات لفريق هاريكاين تقول بأن الاندماج النووي شرع ينتشر عبر الوقود. «وبذلك، حصلنا على الأقل على الشرارة الأولى»، كما يقول جيف ويزوف القائم بأعمال مدير «NIF».

* خدمة «نيويورك تايمز»



هل تجد البشرية نفسها في «مسار تصادمي» مع الذكاء الاصطناعي؟

سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»
سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»
TT

هل تجد البشرية نفسها في «مسار تصادمي» مع الذكاء الاصطناعي؟

سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»
سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»

أعرب باحثون في طليعة أبحاث الذكاء الاصطناعي، وقادة العديد من المنصات الرئيسية - من جيفري هينتون إلى يوشوا بنجيو، وديميس هاسابيس، وسام ألتمان، وداريو أمودي، وإيلون ماسك - عن مخاوفهم من أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فناء البشرية، كما كتبت آنا لويز جاكسون (*).

كتاب «إذا بناه أحد، سيموت الجميع»

كتاب جديد عن احتمالات نهاية العالم

غير أن هذه الاحتمالات التي ذكرها بعض خبراء الذكاء الاصطناعي هؤلاء، والتي تصل فيها احتمالية وقوع نهاية العالم إلى نسبة 25 في المائة، لا تزال «متفائلة بشكل مفرط»، كما يقول نايت سواريس، رئيس معهد أبحاث الذكاء الآلي، (MIRI)، المؤلف المشارك لكتاب «إذا بناه أحد، سيموت الجميع» If Anyone Builds It, Everyone Dies الذي حقق أعلى المبيعات أخيراً.

ويجادل سواريس بأن المسار الذي نسلكه مع الذكاء الاصطناعي يتجه نحو كارثة، ما لم يتغير شيء جذرياً.

تصرفات وسلوكيات غير متوقعة

يستكشف الكتاب، الذي شارك في تأليفه الباحث إيليزر يودكوفسكي، التهديدات المحتملة التي يشكلها «الذكاء الخارق»، أو أنظمة الذكاء الاصطناعي النظرية التي تفوق ذكاء البشر.

وصرح سواريس في فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»، التي استضافتها مجلة «فاست كومباني» وجامعة جونز هوبكنز في واشنطن العاصمة الشهر الماضي: «نحن نُنمّي نوعاً ما أنظمة ذكاء اصطناعي تتصرف بطرق لم يطلبها أحد، ولديها دوافع وسلوكيات ناشئة لم يتوقعها أحد».

وأضاف: «إذا حصلنا على أنظمة ذكاء اصطناعي فائقة الذكاء تسعى لتحقيق غايات لم يرغب بها أحد، فأعتقد أن النتيجة الحتمية هي هلاك جميع سكان الأرض».

أهمية التأمل في النتائج السلبية

شبَّه سواريس عمل بعض رواد الذكاء الاصطناعي ببناء طائرة أثناء تحليقها من دون عجلات هبوط، وقال إنه لا يتم إيلاء الاهتمام الكافي للنتائج السلبية المحتملة لهذه التقنية. مؤكداً أن حجم الاستثمارات العالمية التي تُضخ في الذكاء الاصطناعي يُظهر أن الناس يراهنون على أنه لن يكون «فشلاً ذريعاً».

خياران مجنونان

لكن هناك خياران «مجنونان» آخران: إما أن يُؤتْمِت الذكاء الاصطناعي العمل البشري بالكامل بشكل جذري، مما يؤدي إلى سيطرة فئة قليلة جداً على الاقتصاد، أو أن يصبح فائق الذكاء ويقضي على الجميع.

وأضاف سواريس: «لم يستوعب العالم بعد مدى خطورة هذا الذكاء الاصطناعي».

التعبير عن المخاوف يعزز التفاؤل

لكن هناك بعض الأسباب للتفاؤل، كما قال سواريس، إذ ما إن يشعر الكثيرون بالقلق حيال مستقبل الذكاء الاصطناعي ويعبرون عن مخاوفهم، فإن هذا يُنذر بوضع «هش» (في مجالات تطويره).

«ربما إذا تساءل عدد كافٍ من الناس: لحظة، ماذا نفعل الآن؟ ما هذا بحق الجحيم؟»، كما يشير سواريس. ويضيف: «ربما يُزلزل ذلك العالم بأسره ويجعله يقول: يا إلهي، لنغير مسارنا».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


من هارفارد إلى منهاتن… خريطة طريق جديدة لعكس المرض ومكافحة الشيخوخة

دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة
دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة
TT

من هارفارد إلى منهاتن… خريطة طريق جديدة لعكس المرض ومكافحة الشيخوخة

دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة
دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة

في قلب منهاتن، التقت «الشرق الأوسط» حصرياً، مع أحد أبرز العقول التي تعيد رسم مستقبل الطب: الدكتور صلاح الدين هلسة البروفسور في جامعة هارفارد، الذي جاء إلى نيويورك ليكشف لنا ملامح كتابٍ أثار اهتمام العالم الطبي، كتاب لا يكتفي بطرح أفكار جديدة، بل يقدّم ما يشبه «خريطة طريق» لإعادة كتابة علاقة الإنسان بمرضه وزمنه وعمره البيولوجي.

البروفسور صلاح الدين هلسة داخل مختبره أثناء شرحه آليات تحليل العمر البيولوجي

قراءة إيقاع العمر

هذا العمل الذي شارك في تأليفه أربعة من كبار الأطباء العالميين - لا يَعِد بمعجزة، ولا يبيع وهماً؛ بل يقدّم منهجاً علمياً متماسكاً، قائماً على فهمٍ أعمق للأيض الخلوي، وتجديد الأنسجة، وقراءة إيقاع العمر في داخل الجسم. وهو كتاب يستعين بالذكاء الاصطناعي لا بوصفه تقنية مساعدة، بل كنافذة جديدة يرى من خلالها الطبيب ما كان يختبئ خلف أعراض صامتة، وما كان يبدأ قبل سنوات من لحظة التشخيص.

الأمراض المزمنة ليست ألغازاً... إنها تبدأ من نقطة واحدة

وفي حديثه بدأ البروفسور صلاح الدين هلسة بقوله: «الأمراض المزمنة ليست ألغازاً معقدة. إنها تبدأ من نقطة واحدة: خلل مبكر في طريقة تواصل خلايا الجسم. وإذا أمكن قراءة هذا الخلل في الزمن المناسب... يمكن إيقاف المرض، بل وعكس مساره».

لم تكن هذه الكلمات مجرد افتتاح، بل كانت المفتاح الفكري الذي يقوم عليه الكتاب كله. فعالم الطب، كما يوضح هلسة، ظلّ لعقود طويلة يتعامل مع المرض عندما يصبح صارخاً وواضحاً: السكري بعد أن يرتفع السكر، ارتفاع ضغط الدم بعد أن يتصاعد الضغط، هشاشة بعد أن يحدث الكسر. لكن ما يكشفه العلم الحديث اليوم هو أن البدايات الفعلية للمرض تتشكّل قبل سنوات من لحظة التشخيص، وأن الخلايا ترسل إشارات خافتة لا يسمعها الطبيب إلا إذا امتلك الأدوات التي تكشف ما تحت السطح وما وراء الأعراض.

البداية من الخلية... لا من العَرَض

يوضّح البروفسور هلسة أن الطريق إلى فهم المرض لا يبدأ من الأعراض التي يراها الطبيب، بل من الخلية نفسها؛ تلك الوحدة الصغيرة التي تحمل داخلها سرّ الصحة وسرّ الانهيار في آنٍ واحد. ويشير إلى أن نحو 80 في المائة من الأمراض المزمنة - من السكري إلى أمراض القلب والسرطان - تشترك في خيط بيولوجي واحد يبدأ بالضغط الخلوي (Cell Stress)، واضطراب عمل الميتوكوندريا المسؤولة عن إنتاج الطاقة، ثم يتطور بصمت عبر تراكم الالتهابات الخفية التي تعمل لسنوات دون أن يشعر بها المريض.

وفي لقائه، يلخّص البروفسور هذه الرؤية بكلمات لافتة: «الخلية هي وحدتنا الأولى. فإذا فُهمت جيداً، فُهم كل شيء بعدها».

هذه العبارة - كما يصفها - ليست مجازاً علمياً، بل قاعدة ذهبية لفهم كيف ينشأ المرض وكيف يمكن إيقافه قبل أن يتحوّل إلى معاناة واضحة تُجبر الطبيب على التدخل.

غلاف الكتاب الجديد

الذكاء الاصطناعي... الطبيب الذي يرى ما لا نراه

لم تعد التقنيات الحديثة تقتصر على تحليل صور الأشعة أو قراءة السجلات الطبية؛ فقد بات الذكاء الاصطناعي قادراً على:

- بناء عمر بيولوجي لكل عضو على حدة.

- اكتشاف الأمراض قبل 5 إلى 10 سنوات من ظهورها.

- التنبؤ بأنماط الشيخوخة وتسارعها.

- تصميم بروتوكولات علاجية شخصية لكل مريض.

ويقول هلسة في حديثه: «الذكاء الاصطناعي لا يستبدل الطبيب، بل يعطيه عيوناً جديدة».

من الوقاية... إلى الوقاية الاستباقية

يشرح البروفسور هلسة أن الوقاية لم تعد فحوصاً سنوية روتينية، بل منظومة متكاملة تشمل: تحليل الدم المتقدم، وقياس المؤشرات الالتهابية الخفية، وقراءة الميكروبيوم، وتقييم الأداء الخلوي، وتتبع النوم والإجهاد، ثم دمج كل هذه البيانات في خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ بخطر المرض قبل ظهوره.

هل يمكن إبطاء الشيخوخة؟

يُوضّح البروفسور هلسة أن الحديث عن الشيخوخة لم يعد خيالاً علمياً، قائلاً: «نحن لا نتحدث عن إيقاف الزمن، بل عن تحسينه. فهناك اليوم أدلة واضحة على أن بعض المسارات البيوكيميائية يمكن إعادة ضبطها. نحن لا نطيل العمر فقط... بل نعيد جودة الحياة إلى مركزه». وهذه الرؤية، كما يشرح: تُحوّل الشيخوخة من قدر محتوم إلى عملية يمكن توجيهها وتعديل سرعتها.

«المريض الكامل»... رؤية جديدة

يقدّم الكتاب الذي نشر بعنوان The Metabolic Codex (المدوّنة الأيضية)، نموذج «المريض الكامل» الذي يرى الإنسان كمنظومة مترابطة؛ فكل عضو يؤثر في الآخر: القلب بالنوم، والدماغ بالغذاء، والمناعة بالحالة النفسية، والشيخوخة بإيقاع الميتوكوندريا.

ويوجز البروفسور هلسة هذه الفكرة بعبارة لافتة: «لا يوجد مرض منفصل. يوجد إنسان واحد».

من هارفارد إلى العالم العربي

وفي تصريحه الخاص بـ«الشرق الأوسط»، يشيد البروفسور هلسة بالدور المتنامي للمنطقة في تبنّي الطب المستقبلي، قائلاً: «الشرق الأوسط يمتلك طاقة بشرية وصحية هائلة، وما تقوم به السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي والطب الوقائي قد يجعلها في مقدمة الدول القادرة على تطبيق هذا النموذج الجديد. وهذه المنطقة - بخططها الطموحة واستثماراتها في التقنيات الطبية - قادرة على أن تتحول إلى منصة عالمية لإعادة تعريف مفهوم الصحة».

ويضيف أن البيئة البحثية في المملكة، وما تشهده من مبادرات في البيانات الصحية، والطب الدقيق، والتوأم الرقمي، تؤهلها لتكون من أوائل الدول التي تنقل هذا العلم من المختبرات إلى الحياة اليومية للمرضى

تطلعات المستقبل

هذا الكتاب ليس مجرد تأليف أكاديمي، بل إعلان بداية مرحلة جديدة من الطب: طبّ ذكي، وشفاف، واستباقي، وشخصي... طبّ لا ينتظر المرض ليظهر، بل يعترضه قبل أن يولد. رؤيةٌ تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان وعمره البيولوجي، وتفتح باباً كان مغلقاً لعقود أمام فكرة «عكس المرض» بدل الاكتفاء بإدارته.

وفي ختام اللقاء، عبَّر البروفسور هلسة عن تطلّعه - مع فريق مؤلفي الكتاب - لزيارة الشرق الأوسط، ولا سيما السعودية، لبحث فرص التعاون في تحويل هذه المفاهيم العلمية إلى برامج عملية؛ من الطب الوقائي إلى الذكاء الاصطناعي الصحي، ومن العيادات الذكية إلى منصات العمر البيولوجي. وأضاف: «نحن مستعدون للعمل مع المنطقة لخلق نموذج صحي جديد... يبدأ من هنا، ويصل أثره إلى العالم».


«ناسا» تفقد الاتصال بالمركبة «مافن» التي تدور حول المريخ منذ عقد

المركبة «مافن» (أ.ب)
المركبة «مافن» (أ.ب)
TT

«ناسا» تفقد الاتصال بالمركبة «مافن» التي تدور حول المريخ منذ عقد

المركبة «مافن» (أ.ب)
المركبة «مافن» (أ.ب)

فقدت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الاتصال بمركبة فضائية كانت تدور حول المريخ منذ أكثر من عقد.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، توقفت المركبة «مافن» فجأة عن التواصل مع المحطات الأرضية خلال مطلع الأسبوع. وقالت وكالة ناسا، هذا الأسبوع، إن المركبة كانت تعمل بشكل طبيعي قبل أن تختفي خلف الكوكب الأحمر، وعندما عادت للظهور، لم يكن هناك سوى الصمت.

وبعد إطلاقها في 2013، بدأت المركبة «مافن» دراسة الغلاف الجوي العلوي للمريخ، وتفاعله مع الرياح الشمسية، وذلك بمجرد وصولها إلى الكوكب الأحمر في العام التالي.

وتوصل العلماء في نهاية الأمر إلى تحميل الشمس مسؤولية فقدان المريخ لمعظم غلافه الجوي في الفضاء عبر العصور، ما حوّله من كوكب رطب ودافئ إلى الكوكب الجاف والبارد الذي هو عليه الآن.

وعملت مركبة «مافن» أيضاً كحلقة وصل للاتصالات لعربتي «ناسا» الاستكشافيتين على المريخ؛ «كيوريوسيتي» و«بيرسيفيرانس». وقالت وكالة ناسا إن تحقيقات هندسية تجري حالياً.